318 هـ
930 م
سنه ثماني عشره وثلاثمائة

[أخبار متفرقة]
زاد امر الرجاله وكثر تسحبهم وادلالهم، بأنهم كانوا السبب في عود المقتدر الى داره …

وطالب الفرسان بالمال، فاحتج عليهم السلطان، بانه يصرف الى الرجاله في كل شهر مائه وثلاثين الف دينار.
وركبت الفرسان مع محمد بن ياقوت، فطردوهم واوقع بالسودان بباب عمار، وحرق دورهم، فهربت الرجاله الى واسط، ورئيسهم نصر الساجي، فغلبوا عليها فانحدر مؤنس فاوقع بهم، فلم ترتفع لهم رايه بعد ذلك.
وكان بين محمد بن ياقوت ومؤنس تباعد، فلممايله مؤنس ابن مقله، عاداه بالانضمام اليه، وقبض على الوزير سليمان بن الحسن، حين عرفت اضاقته، وكثرت المطالبات له، فكانت مده وزارته سنه وشهرين.

وزارة ابى القاسم عبد الله بن محمد الكلواذى
كانت في يوم الاثنين سابع رجب، واقرضه ابن قرابه مائتي الف دينار بربح درهم في كل دينار.
وملك مزداويج الجبل باسره الى حلوان.
وانهزم هارون بن غريب الى دير العاقول.
واستامن يشكرى الديلمى الى هارون، وهو من اصحاب اسفار، وانهزم بانهزامه وصادر يشكرى اهل نهاوند في اسبوع، على ثلاثة آلاف الف درهم، وانبثت الاخبار، وصادر اهل الكرج وملك أصبهان، وكان بها احمد بن كيغلغ، فخرج هاربا في ثلاثين نفسا.
فكان لأحمد من الاتفاق العجيب ان يشكرى تبعه الى قريه، فعاون أهلها احمد وتقارب احمد ويشكرى، فضربه احمد ضربه قدت مغفره وخوذته، ونزلت في راسه فقتلته، وانهزم اصحابه، وسن احمد يومئذ سبعون سنه.
وركب الكلوذانى في طيارة، فرجمه قوم من الجند، طلبوا أرزاقهم، فجعل ذلك سببا لاغلاق بابه، وولى بعده الحسين بن القاسم الكرخي.

وزارة الكرخي
كان ببغداد رجل يعرف بالدانيالى، يظهر كتبا عتيقه، وينسبها الى دانيال النبي عليه السلام، ويودع تلك الكتب أسماء قوم وحلاهم، فاستوى جاهه، وقامت سوقه بين اهل الدولة وعند القاضى ابى عمر وابنه.
وذكر لمفلح الأسود، انه من ولد جعفر بن ابى طالب، فنفق بذلك عليه، وأخذ منه مالا كثيرا، واشار عليه ابن زنجى باثبات صفه الحسين بن القاسم، وذكر الجدري الذى في وجهه والعلامات التي في شفته العليا، فكتب ذلك، وانه ان وزر للثامن عشر من ولد العباس استقامت أموره، فعمل دفترا، وذكر ذلك في تضاعيفه وعتقه في التبن، وجعله تحت خفه ومشى عليه حتى اصفر وعتق.
قال ابن زنجى: فلولا معرفتي من عمله له لم اشك في انه قديم وحمله الى مفلح فعرضه على المقتدر، فقال له: اتعرف هذه الصفة لمن؟ قال: لا اعرفها الا للحسين بن القاسم، قال: فاستدعاه وشاوره.
قال ابن زنجى: ثم ان الدانيالى طالبنى بالمكافاه، فقلت: حتى يتم الأمر.
فلما ولى الحسين الوزارة، ولاه الحسبه، واجرى له مائتي دينار في الشهر وسعى له بليق في الوزارة، وتقلدها يوم الجمعه لليلتين بقيتا من شهر رمضان، فتشاغل عن الجلوس بالتهنئة بجمع الأموال التي يحتاج إليها في نفقه العيد، وصار اليه على بن عيسى وهناه.
وكانت دمنه تعنى بأمر الحسين، فكانت توصل رقاعه، وكانت حظيه عند المقتدر فكان يخدمها ويخدم ابنها الأمير أبا احمد إسحاق في كل يوم بمائه دينار.
واختص به بنو البريدى وابو بكر بن قرابه، واقرضه اموالا بربح درهم في الدينار.
واختص به جعفر بن ورقاء، فقلد أبا عبد الله محمد بن خلف النيرمانى اعمال الحرب والخراج والضياع بحلوان، وغيرها من ماء الكوفه، ولبس القباء والسيف والمنطقه وتسمى بالاماره وسئل في اخراج على بن عيسى الى مصر، فدافع عنه مؤنس وقال: انه شيخ نرجع الى رايه حتى احدره الى الصافية.
وابتدأ مؤنس في الاستيحاش وبلغ الحسين ان مؤنسا على كبسه ليلا، فكان ينتقل في كل ليله الى مكان، خوفا منه وراسل مؤنس المقتدر في صرف الحسين عن الوزارة فأجابه.
وسعى الحسين بمؤنس وقال للمقتدر: انه قد عزم على ان يخرج الأمير أبا العباس الى الشام ويقرر له الخلافه.
وكتب الحسين الى هارون بن غريب، وهو بدير العاقول، يأمره بالمبادره الى الحضره فاستوحش مؤنس، واظهر الغضب وسار في اصحابه الى الموصل.
وجاء بشرى خادم شفيع برسالة الى المقتدر، فشتمه الحسين وشتم صاحبه، وضربه بالمقارع، وأخذ خطه بثلاثمائة الف دينار.
ووقع الحسين بقبض املاك مؤنس وضياع أسبابه، وافرد له ديوانا سماه ديوان المخالفين.
وزاد مخل الحسين من المقتدر، فكان ينفذ له الطعام من بين يديه، ولقبه عميد الدولة، وامر بذكر لقبه على الدنانير.
وقلد أبا يوسف محمد بن يعقوب البريدى البصره، والقيام بنفقتها فتقدم الى الكتاب، باخراج خراج البصره، فاخرجوه من صلاه الفجر الى عتمه يومه، واحضر البريدى ووافقه على ذلك، وأخذ خطه بالقيام بمال الأولياء بالبصرة، وان يرتب لحفظ السور زياده على من عليه الف رجل، وان يحمل بعد النفقات سبعين الف دينار، وحمل الخط الى الوزير متبجحا به، فلم يقع من الوزير بموقع، وظن انه وبخه بذلك.
وعرف المقتدر فوقع موقعه عنده، وغلظ على الحسين، فخافه الفضل بن جعفر، فاستتر منه عند ابن قرابه، فقلد الحسين الديوان أبا القاسم الكلواذى.
وجد ابو الفتح في طلب الوزارة، وصودر ابن مقله عند بعد مؤنس عن مائتي الف دينار.
واراد الحسين مصادره على بن عيسى، وهو بالصافية مقيم، فمنع منه هارون بن غريب وكان بدير العاقول.
ووصل هارون الى دار السلطان، فلقى المقتدر وساله في ابن مقله، فحط عنه خمسين الف دينار، فانصرف الى داره، فقصده الوزير وابنا رائق ومحمد بن ياقوت ومفلح وشفيع.
وأخذ ابن مقله في استماحه الناس، ففضل له عن الذى صودر عليه عشرون الف دينار فابتاع بها ضياعا وقفها على الطالبيين وكان اتباعها باسم عبد الله بن على المقرئ.
وقبض المقتدر على ابى احمد بن المكتفي، ومحمد بن المعتضد، فاعتمدت السيده مراعاه محمد، واهدت اليه الجوارى وراعته في نفقته، واعتقلا بدار السلطان واشتدت الإضافة بالحسين فباع ضياعا بخمسمائة الف دينار، واستسلف من مال سنه عشرين وثلاثمائة قبل افتتاحها، فاخبر هارون حاله للمقتدر، فكتب للخصيبى أمانا فظهر فخوطب بالوزارة، فذكر ان الحسين استسلف من مال سنه عشرين قطعه وافرة، وانه لا يغر السلطان من نفسه، فولاه ديوان الازمه، واجرى له ولكتابه الف دينار وسبعمائة دينار في كل شهر، واقر الحسين على الوزارة وخلع عليه، ليزول الارجاف عنه واجتمع الحسين والخصيبى، فاخذ الحسين يعانده والخصيبى ممسك، فلما بلغ ذلك المقتدر انحل امر الحسين عنده فقبض عليه، فكانت وزارته سبعه اشهر.

وزارة ابى الفتح الفضل بن جعفر
وخلع عليه لليلتين بقيتا من شهر ربيع الآخر.
وصادر الحسين في نوب، أخذ منه في إحداها اربعين الف دينار، ثم ابعده الى البصره واقام له في كل شهر خمسه آلاف درهم.
وانفذ مزداويج رسولا يسال ان يقاطع عن الاعمال التي غلب عليها من اعمال المشرق، فأجيب، وتكفل هارون بن غريب بامره، وكتب له العهد وانفذ اليه اللواء والخلع، ومشى الوزير ابو الفتح الأمور بمائه الف دينار الزمت للبريدى ونفى ابن مقله الى شيراز.
ومات ابو عمر القاضى، فاغرى ابو بكر بن قرابه بورثته، وقال للمقتدر: هاهنا من يعطى مائه الف دينار لقضاء القضاه! ويوفر هذا المال من جهته.
وانفذ المقتدر بكتاب الى ابى الحسين القاضى معه، وعرفه الحال، فاتوه وهو في العزاء، وأمسكوا، فقال ابن قرابه: ما لهذا حضرنا، قم معنا حتى نخلو، فنهض واستوفى عليه ابن قرابه الخطاب، فقال ابو الحسين: ان نعمنا من امير المؤمنين، واساله ان يمهلنا يومه، حتى يحصل امره.
فلما كان بالعشي، وكان شهر رمضان، مضى الى دار ابن قرابه، فدخل والمائدة بين يديه، وعنده البريديون، فأكل قاصدا لاستكفاء شره، وقال: قد جئتك مستسلما إليك فدبرنى بما ترى.
وقرب منه البريديون، وقالوا متوجعين: له عندنا ثلاثة آلاف دينار نعينك بها، واستصوبوا قصده لابن قرابه، فقال له ابن قرابه: امض مصاحبا، وتعطف عليه المقتدر بالله، وعاونه البريديون واخوانه فقلده قضاء القضاه.
ووصف المقتدر لابن قرابه ما هو فيه من الإضافة، فقال له: لم لا يعاونك ابن خالك هارون بن غريب وعنده آزاج مملوءة دنانير؟ فقال هارون: لو كنت املك شيئا لما بخلت به عن امير المؤمنين، لان سلامتي معقودة بسلامته، ولكن مع ابن قرابه من المال ما لا يحتاج اليه، وانا استخرج لك منه خمسمائة الف دينار، فقال: اذهب فتسلمه، فقبض عليه وجرى عليه من المكروه ما اشفى به على التلف، حتى قتل المقتدر بالله فخلص.
وحكى ابن سنان: ان ابن قرابه كان صديقا لأبيه، فدخل عليه بعد ما صودر فقال له: خلطت حتى صودرت، وقد حصل لي الان ما يرتفع منه عشرون الف دينار في السنه خالصه لي، ولي من الاملاك ما ليس لأحد مثله ومن الآلات والفرش والمخروط والصيني والجوهر ما ليس لأحد، وكذلك من الرقيق والخدم والغلمان والكراع، ومعى ثلاثمائة الف دينار صامت، لا احتاج إليها، وبيني وبين ابن مقله موده، وهو مقدم من فارس وزيرا، فهل ترى لي ترك التخليط ولزوم رب النعمه وإصلاحها! فقال له ابن سنان: ما رايت اعجب من امرك، انما يسال عن الأمر الخفى، واما عن الواضح الجلى فكلا، وبعد فان اعقبك فائده واثمرك صلاحا، فلازمه، والا فكف عنه وأيضا فان الإنسان يكد ليحصل له بعض ما حصل لك وقد أتاك هذا وادعا فاشكر الله وتمتع بنعمتك التي انعم الله سبحانه بها عليك، فقال:
صدقت ونصحت، ولكن لي نفس مشئومه لا تصبر، وساعود الى ما كنت فيه.
فلما خرج سنان من عنده، قال: لا يموت ابن قرابه الا فقيرا او مقتولا.
ولما ورد مؤنس، وكان هارون بن غريب قد وكل به غلمانه وقيده، وامرهم باخراجه الى واسط، فقتل المقتدر بالله رحمه الله في ذلك اليوم، فهرب الموكلون به وبقي معه خادمان وكان ابن قرابه اشتراهما لهارون، فتعطفا عليه وصارا به الى الفرضه، وادخلاه مسجدا بها واحضرا حدادا، فكسر قيوده ومشى الى منزله بسويقه غالب، ووهبا له خمسمائة دينار.
ثم اداه التخليط الى ان قبض عليه القاهر، فأزال نعمته وقبض املاكه وهدمت داره، واراد قتله فزال امر القاهر فعاد الى تخليطه.
ومضى الى البريديين لما خالفوا السلطان.
ومضى الى معز الدولة من نهر ديالى، وصودر حتى لم يبق له بقية، واضطر الى ان خدم ناصر الدولة، في كل شهر بمائه دينار، وكان ينفق أمثالها ومات بالموصل.
وفي ذي الحجه من هذه السنه، عقد المقتدر لأبي العلاء سعيد بن حمدان على الموصل وديار ربيعه.
وفي هذه السنه توفى ابو القاسم البلخى المتكلم صاحب المقالات والتفسير ببلخ.

وفي سنه عشرين وثلاثمائة كاتب الحسين بن القاسم داود وسعيدا ابنى حمدان والحسن بن عبد الله بن حمدان بمحاربه مؤنس، فامتنع داود من لقاء مؤنس، لأنه لم يزل محسنا اليه، فما زال به اهله حتى لقيه وقال: هذه تغسل ما فعله الحسين بن حمدان وابو الهيجاء، فكان يقول: والله انى اخاف ان يجيء سهم نجار فيقع في حلقى فيقتلني، فكان حاله كذلك، قتل وحده بسهم.
وكان بنو حمدان في ثلاثين ألفا، ومؤنس في ثمانمائه رجل فانهزموا، وتعجب مؤنس من محاربه داود له، وكان يقول: يا قوم في حجري ختن، ولي عليه من الحقوق ما ليس لأبيه.
وملك مؤنس اموال بنى حمدان، واستولى على الموصل، وكثر خروج الناس اليه ولما اقام بها تسعه اشهر، حمله من خرج اليه على الانحدار الى الحضره، وبلغ الجند بها انحداره، فشغبوا وطالبوا بأرزاقهم، فاطلق لهم المقتدر ذلك، واخرج مضرب الدم الى باب الشماسيه.
وتراجعت طلائع المقتدر، وبها سعيد بن حمدان ومحمد بن ياقوت ومؤنس الورقانى واجتهد المقتدر بهارون ان يخرج للحرب وجاء محمد بن ياقوت، والوزير الفضل بن جعفر الى المقتدر ومعهما ابن رائق ومفلح، وقالوا: ان الرجال لا تقاتل الا بالمال، وسألوه في مائتي الف دينار من جهته وجهة والدته، فقال: ليس الى ذلك وجه، وتقدم بإصلاح الشذاءات والطيارات لينحدر هو وحرمه الى واسط، فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله يا امير المؤمنين ولا تسلم بغداد بغير حرب، وان رجال مؤنس ان رأوك أحجموا عن القتال، فقال له: أنت والله رسول ابليس.
وركب المقتدر، ومعه هارون بن غريب، ومحمد بن ياقوت، وسائر القواد، وعليه البرده وبيده القضيب، وبين يديه ابنه الأمير ابو على، والانصار حافون به، معهم المصاحف منشوره، والقراء يقرءون القرآن، وكثر الدعاء له، واصعد الى الشماسيه، ووقف على موضع عال.
واشتبكت الحرب، ومؤنس بالراشديه لم يحضرها، وثبت هارون ومحمد، وصار ابو العلاء سعيد بن حمدان برسالتهما الى المقتدر يسألانه الحضور، ليشاهده اصحاب مؤنس فيستامنوا فلم يجبه.
وتتابعت رسلهما، حتى كان آخرهم محمد بن احمد القراريطى، كاتب هارون، وهو لا يجيبهم، ووقف على ظهر دابته، ووراءه الوزير ابو الفتح ومفلح وخواص غلمانه، فلما ألحوا عليه وقالوا: ان الغلمان يؤثرون رؤية امير المؤمنين.
فمضى حينئذ كارها المضى، ومعه مفلح، وتخلف عنه الوزير، فلما قارب دجلة، انهزم اصحابه قبل وصولهم، واستأسر احمد بن كيغلغ وجماعه القواد، وآخر من ثبت محمد بن ياقوت.
ولقى المقتدر على بن بليق، فترجل له وقبل الارض بين يديه، ووافى البربر من اصحاب مؤنس، فأحاطوا بالمقتدر، وضربه رجل منهم ضربه فسقط منها، فقال: ويحكم! انى الخليفة! فقالوا: فلك نطلب، واضجعوه وذبحه احدهم بالسيف، وطرح احد اصحابه نفسه عليه فذبح أيضا، ورفع راسه على خشبة، وسلب ثيابه، حتى مر به اكار، فستره بحشيش، وحفر له ودفنه وعفى اثره.
ونزل على بن بليق وأبوه في المضارب، وانفذ الى دار السلطان من يحفظها.
وانحدر مؤنس الى الشماسيه فبات بها.
ومضى عبد الواحد بن المقتدر ومفلح وهارون ومحمد وابناه رائق على ظهر خيولهم الى الميدان.
وكان ما فعله مؤنس من ضرب وجه المقتدر بالسيف سببا لجراه الأعداء على الخلفاء.
وكانت مده وزارة ابى الفتح لأمير المؤمنين المقتدر بالله رحمه الله خمسه اشهر وعشرين يوما.
ولما حمل راس المقتدر الى مؤنس بكى، وقال: والله لنقتلن كلنا، والصواب ان نرتب مكانه ابنه أبا العباس، فتسخو نفس جدته السيده باخراج المال.
فثنى رأيهم ابو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبختى وقال: الصواب ان تولوا القاهر محمد بن المعتضد بالله، مقدرا استقامه امره معه، فكان الأمر على خلاف ما حسب.

خلافه القاهر بالله ابو منصور بن المعتضد
كانت سنه وسته اشهر وخمسه ايام أمه تسمى قبول، وسبب خلافته، انه حمل الى مؤنس محمد بن المكتفي بالله، فخاطبه في تولى الخلافه فامتنع وقال: عمى أحق بالأمر، فخاطب عمه القاهر، فأجاب وحلف لمؤنس والقواد وبايعوه، وبايعه القضاه، وذلك سحر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال.
واشار مؤنس ان يستوزر له على بن عيسى، فقال بليق: وابنه على الحال الحاضره لا يقتضى ذلك، لأنها تحتاج الى سمح الكف واسع الأخلاق فاشار بابى على بن مقله وبان يستخلف له الى ان يقدم من فارس ابو القاسم الكلواذى فرضى مؤنس بذلك، واستخلفوا له الكلواذى، وكتبوا الى ياقوت بحمله عاجلا.
وانحدر القاهر الى دار الخلافه، واستدعى مؤنس على بن عيسى من الصافية، فاوصله الى القاهر، فخاطبه بكل جميل.
وكانت والده المقتدر في عله عظيمه من فساد مزاج واستسقاء ولما وقفت على حال ابنها امتنعت من الاكل حتى كادت تتلف، فرفق بها حتى اغتذت بيسير من خبز وملح فاحضرها القاهر وقررها بالمال، باللين تاره وبالخشونه اخرى، فقالت: لو كان عندي مال ما اسلمت ولدى للقتل وتجرعت بفراقه الثكل، وما لي غير صناديق فيها صياغات وثياب وطيب.
فعلقها في حبل البراده بفرد رجلها، وتناولها بالضرب بيده في المواضع الغامضه من بدنها، ولم يذكر إحسانها اليه وقت اعتقال المقتدر اياه، وضربها اكثر من مائه مقرعه.
ولما اوقع المكروه بها، لم يجد زياده على ما اعترفت به طوعا، وأخذ ما وجد لها فإذا هي صناديق فيها ما قيمته مائه الف وثلاثون الف دينار وتماثيل كافور قيمتها ثلاثمائة الف درهم.
فرفع ذلك الى الكلواذى وبليق وامرهما بحمله الى مؤنس، ليصرف في مال البيعه.
وصودر جميع اسباب المقتدر.
وصادر الفضل بن جعفر على عشرين الف دينار، فقال مؤنس: انا أؤديها عنه.
وحل القاهر ما وقفته السيده على الحرمين والثغور، واشترى ذلك اصحاب مؤنس بخمسمائة الف دينار

وزارة ابن مقله
وقدم ابن مقله من شيراز يوم النحر، واختار لنفسه لقاء القاهر ليلا بطالع الجدى، وقال: فيه احد السعدين، وخلع عليه من الغد خلع الوزارة وصار الى دار مؤنس المظفر، فسلم عليه وانصرف الى داره.
وحضر الناس للتهنئه، وأتاه على بن عيسى، فلم يقم له، فاستقبح الناس فعله، وصار اليه ابن قرابه وعاود تخليطه.
وظهرت دمنه والده الأمير إسحاق بأمان كتبه القاهر لها، وبذلت عن ولدها عشرين الف دينار، ووجد اولاد المقتدر في دار على بن بليق.
وظهر شفيع المقتدرى بأمان، وقرر عليه خمسون الف دينار، وكان مملوكا لمؤنس، فحلف ان لا بد من بيعه، فنودي عليه، فبلغ ثمنه سبعين دينارا، فابتاعه الكلواذى باسم القاهر وشهد الشهود في العهد.