323 هـ
934 م
سنه ثلاث وعشرين وثلاثمائة

في صفر، مات ابو عبيد الله ابراهيم بن عرفه بن سليمان بن المغيره بن حبيب ابن المهلب بن ابى صفره الأزدي النحوي المعروف بنفطويه، …

ومولده سنه خمسين ومائتين وصلى عليه ابو محمد البربهارى، ومن شعره:

استغفر الله مما يعلم الله *** ان الشقي لمن لم يرحم الله
هبه تجاوز لي عن كل مظلمه *** وا حسرتا من حيائى حين القاه

وله:

اهوى الملاح واهوى ان اجالسهم *** وليس لي في حرام منهم وطر
وهكذا الحب لا اتيان معصية *** لا خير في لذة من بعدها سقر

واجتاز على بن بقلى فقال: كيف الطريق الى درب الرواسين؟ فالتفت الى جار له فقال: الا ترى الى الغلام فعل الله بغلامى وصنع احتبس على قال: وكيف، قال: جعل السلق تحت البقل في اسفل البنيقه حتى اصفع هذا العاض بظرامه، فتركه ابن عرفه وانصرف ولم يجبه بشيء وفي هذا الشهر، صرف عبد الرحمن بن عيسى عن الدواوين، واحضر ابن مقله ابن شنبوذ، وقال له: بلغنى انك تقرا حروفا في القرآن بخلاف ما في المصحف، وكان ذلك بحضره ابن مجاهد واهل القرآن، فاعترف بقراءة ما عزى اليه من الحروف، ومنها إذا نودى للصلاة من يوم الجمعه فامضوا الى ذكر الله.
واغلظ للوزير وللجماعة في الكلام، ونصر ما عزى اليه، فامر به ابن مقله فضرب، فدعا عليه بتشتيت الشمل وقطع اليد، ودعا على ابن مجاهد بثكل الولد وعلى الضارب له بالنار، فشوهد قطع يد ابن مقله وثكل ابن مجاهد ولده.
ثم استتيب عن قراءة الحروف، فتاب منها.
ودعا الأئمة في الجوامع لابن ياقوت، فأنكر ذلك الراضي وصرفهم.
وقرر ابن مقله مع الراضي القبض على محمد بن ياقوت، لما غلب على الأمور، وانفرد بجباية الأموال وتضمين الاعمال.
فلما دخل ابن ياقوت دار الخلافه عدل به الى حجره، فقبض عليه وعلى كاتبه القراريطى، ونهبت دار القراريطى وحده.
وتقلد الحجبة ذكى مولى الراضي.
وأخذ خط القراريطى بخمسمائة الف دينار.
وكان ياقوت بواسط، فلما علم القبض على ابنيه، انحدر الى السوس، فكاتبه ابن مقله بالمصير الى فارس لفتحها وكان على بن بويه قد تغلب عليها.
وهذه حال الأمير ابى الحسين على بن بويه الملقب بعد عماد الدولة، لقبه بهذا اللقب المستكفى بالله، عند وصول أخيه الأمير ابو الحسين اليه.
هو احد قواد مزداويج بن زيار الديلمى، فانفذه ليستحث له مالا في الكرج، فأتاها فاخذ منها خمسمائة الف درهم، وصار الى همذان ففتحها عنوه، وقتل كثيرا من أهلها، ثم صار الى أصبهان فتركها عليه المظفر بن ياقوت مسالما، ولم يلبث بها على بن بويه حتى اخرجه منها اصحاب مزداويج، فصار الى ارجان وكاتب ياقوت، وخاطبه بالاماره، وساله ان يقبله، وكان قد استخرج من ارجان مائتي الف دينار، ووجد كنوزا كثيره، واشتدت شوكته، وصار في الف، وخرج اليه ياقوت في بضع عشره آلاف من الغلمان الحجريه وغيرهم، فسأله على بن بويه ان يفرج له عن الطريق لينصرف الى باب السلطان، فمنعه، وطمع فيه لقله عدده وما معه من المال، ولقيه على باب اصطخر، ونصر ياقوت في يومين عليه، وواقعه في اليوم الثالث، وهو يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنه اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وحمل ابو الحسين احمد بن بويه معز الدولة، في ثلاثين رجلا، على ياقوت حمله صادقه، فهزم ياقوت الى شيراز، ولم يصدق بهزيمته، بل ظنها مكيده حتى عرف ذلك في آخر النهار.
فمضى وراءه، واقام على فرسخ من شيراز، ودخل معز الدولة في ثمانين من الديلم فقتل من السودان ألفا، ونادى في اصحاب ياقوت فخرجوا.
واتى ياقوت الاهواز.
ولما ملك عماد الدولة شيراز، طالبه اصحابه بالمال، وكان مملقا، فخاف من فساد امره، فاستلقى على ظهره في مجلس من دار ياقوت وخلا فيه مفكرا، فراى حيه قد خرجت من سقف منه الى سقف، فخاف ان تسقط عليه إذا نام، فامر الفراشين بالصعود، فوجدوا غرفه بين سقفين، فأمرهم بفتحها، فوجدوا بها صناديق فيها خمسمائة الف دينار، فقويت نفسه، واستدعى خياطا اطروشا ليخيط له ثيابا، وكان الخياط موصوفا بالحذق، وكان يخدم ياقوتا فلما خاطبه في تقطيع الثياب، حلف في الجواب انه لا وديعة عنده سوى اثنى عشر صندوقا لا يدرى ما فيها، فعجب، فوجه بمن حملها وعجب من الحال.

وكاتب الراضي بالله يسأله ان يقاطعه على فارس بثمانية آلاف درهم فأجيب.
وانفذ اليه ابن مقله أبا الحسين بن ابراهيم المالكى الكاتب، ومعه خلع ولواء، وامره ابن مقله الا يسلم ذلك اليه الا عند تعجيل المال، فلما قاربه تلقاه على فرسخ، وأخذ منه الخلع فلبسها ودخل شيراز، واللواء بين يديه، ولم يدفع الى المالكى شيئا ومات بشيراز، فحمل تابوته الى بغداد في رجب سنه ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
ووافى على بن خلف بن طيار بغداد، فقبض عليه ابن مقله، وصادره على ثلاثمائة الف دينار، وانفذ اليه بابى الحسن احمد بن محمد بن ميمون صاحب بيت المال، وقال له: يقول الوزير: لك عندي مائه الف دينار، فحطها من الجمله، واكتب الخط بالباقي، فقال على بن خلف: من اى جهة هذا الدين؟ فعاد ابن ميمون فقال له: يقول لك الوزير، تذكر وانا بشيراز وقد سألتك على ابى طالب بدر بن على النوبندجانى من خراجه خمسمائة الف درهم فامتنعت، وعاودتك وقلت: ان حططتها عوضتك عنها مائه الف دينار، ففعلت ولزمنى ضماني لك، وصار دينا لك على، وهذا وقت القضاء.
وقلد السلطان ياقوت الاهواز، وصار كاتبه ابو عبد الله البريدى.
وانفذ أخاه أبا الحسين للنيابة عن ياقوت وأخيه بالحضرة.
وكان مع عماد الدولة ابو سعيد النصراني الرازى يكتب له.
وضمن شيراز منه ابو الفضل العباس بن فسانحس.
وانتهى الى مزداويج خبر على، فقامت قيامته، وانفذ اصبهلار عسكره شيرز ابن ليلى، في الفين وأربعمائة من الديلم والخيل الى الاهواز، فقطع ياقوت قنطره نهر اربق، وأقاموا بإزاء ياقوت اربعين يوما، لا يمكنهم العبور، ثم عبروا على اطواف بنهر المسرقان، فهرب البريدى واهل الاهواز الى البصره.
واتى ياقوت واسطا، فاخرج له محمد بن رائق عن غربيها، فنزل فيه.
واقام على بن بويه عماد الدولة الخطبه لمرداويج، وانفذ اليه الرهون على طاعته، فسكنه بذلك.
فبينما هم كذلك، أتاهم الخبر، بان مزداويج في شهر ربيع الاول سنه ثلاث وعشرين وثلاثمائة قتلوه في الحمام بأصبهان، وحمل تابوته الى الري، ومشى الديلم والختل حوله حفاه اربعه فراسخ، ووفى رجاله لأخيه وشمكير، فولاهم من غير عطاء فلما عرف شيرز بن ليلى خلو أصبهان سار إليها، واتى الري فبايع وشمكير، واستوزر ابن وهبان القصبانى، وكان يبيع القصب بالبصرة، وصار في جمله ابن الخال، فتنقلت به الحال، الى ان قلده همذان، واستامن الى مزداويج عن هزيمه هارون، فعفا عنه ونفق عليه، وجعل اليه كور الاهواز، وقال له: قد جعلت إليك الفى دينار في كل شهر فان أديت الأمانة استوزرتك، ونصبت الرايات بين يديك، وان خنتني وشرهت معدتك العظيمه، وكركرتك الكبيره، والحلاوات بخوزستان كثيره، فلأشقن بطنك بهذه الدشنى العريضة، فقال له: ستعلم ايها الأمير نصحى وأمانتي وانى مستحق لاصطناعك.
وكانت هذه الفتن نعمه على البريدى، لأنه حصل من الأموال ما لم يحاسب عليه.
وحصل ابو عبد الله وابو يوسف اربعه آلاف دينار خرجا بها على السلطان.
وابعد ابن مقله خلقا من الجند عند ضيق الأموال، واحالهم على البريدى، فصاروا اليه، فقبلهم وأضافهم الى غلامه اقبال، فاجتمع معه ثلاثة آلاف رجل.
وخرج توقيع الراضي بالله في جمادى الاولى بتلقيب ابى الحسن على بن الوزير ابى على بن مقله بالوزير، وسنه إذ ذاك ثماني عشره سنه، وان يكون الناظر في الأمور صغيرها وكبيرها، وخلع عليه الوزارة وطرح له مصلى في مجلس ابيه.
وركب بدر الخرشنى صاحب الشرطه، فنادى ببغداد الا يجتمع من اصحاب ابى محمد البربهارى نفسان واستتر البربهارى.
وخرج من الراضي توقيع طويل في معناهم، وكانت حال البربهارى قد زادت ببغداد، حتى انه اجتاز بالجانب الغربي، فعطس فشمته اصحابه، فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة في الوقت وهو في روشنه، فسال عن الحال فاخبر بها فاستهو لها.
واصحابه يذكرون عنه صلاحا كثيرا، واضداده يذكرون خلاف ذلك، حتى حكوا عنه، انه حمل في درج مقفول له منظر بعره وجاء الى بزاز في الكرخ فقال:
هذه بعره جمل أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، واريد ان ارهنها عندك على الف دينار فاعتذر الرجل، فتركه فلما كان من الغد، اجتاز عليه فصعد وقبل لحيته وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، يقبلها، فتركه اصحابه امرد، وحكاياتهم في امثال هذا عنه كثيره.
وكان سعيد بن حمدان شرع في ضمان الموصل وديار ربيعه سرا، ومضى إليها في خمسين غلاما، فقبض عليه حين وصل إليها ابن أخيه ابو محمد الحسن ابن عبد الله وقتله، فأنكر ذلك الراضي، فامر ابن مقله بالخروج اليه، فأظهر ابن مقله ان على بن عيسى هو الذى كاتبه حتى عصى، وصادر عليا على خمسين الف دينار واخرجه الى الصافية.
واستخلف ابن مقله ابنه بالحضرة، وصار الى الموصل، فتركها ابو محمد، ورحل الى بلد الزوراء، فاستخرج ابن مقله مال البلد واستسلف من التجار على غلاته، فحصل معه أربعمائة الف دينار.
فبذل سهل بن هاشم كاتب ابى محمد بن حمدان للوزير ابى الحسين ابن الوزير ابى على عشره آلاف دينار حتى كاتب أباه: ان الأمور بالحضرة مضطربه، فانزعج واستخلف على الموصل على بن خلف بن طياب، وانصرف الى بغداد.
وخرج اليه الأمير ابو الفضل، متلقيا، ولقى الراضي بالله وخدمه، فخلع عليه وعلى ابنه.
وقبض على جعفر بن المكتفي، حين بلغهم انه دعا الى نفسه، ونهب منزله، وأخذ له مال جزيل، وكانت داره قريبا من الزاهر.
وممن استجاب له يانس المرفقى، وكان نزل بقصر عيسى، فابعد الى قنسرين والعواصم وجعل اليه أعمالها.
وفي شهر رمضان توالى وقوع الحريق بالكرخ، منها في صف التوزيين اصيب به خلق من التجار، فعوضهم الراضي مالا، وكان العقار لقوم من الهاشميين فأعطاهم عشره آلاف دينار.
واحترق ثمانية واربعون صفا من أسواقها، طرح النار قوم من الحنبلية، حين قبض بدر الخرشنى على رجل من اصحاب البربهارى يعرف بالدلاء.
واحترق خلق من الرجال والنساء.
ووقع حريق ثالث احترق فيه الحدادون والصيارف والعطارون.
وقبض الوزير ابو الحسين بن مقله على ابى الحسين البريدى، فتوسط بينهما ابو عبد الله محمد بن عبدوس، فصادره على خمسين الف دينار يسلمها بالاهواز، ومضى معه الكوفى ليأخذها فلم يسلم اليه شيئا وكان الكوفى يجمل عشرته ويقول: اقمت معه غير متصرف ولا داخل تحت تبعه سنه، وحصل لي منه خمسه وثلاثون الف دينار، وتقلدت هناك امر ابن رائق وكفيت امر ابن مقله.
وكاتب ابن مقله البريدى كتابا يقول فيه: ويل للكوفه! انفذته ليصلحك لي فافسدك على، والله لاقطعن يديه ورجليه.
واتى ابو محمد بن حمدان الى الموصل، وبها اصحاب السلطان، وعلى حربها ما كرد الكردى فهزموه، ثم هزمهم، وكتب يسال الصفح ويقوم بمال الضمان، فأجيب الى ذلك، ولم يستوف التجار الغلات التي طالبهم إياها ابن مقله، فتظلموا، فاحالهم على عمال السواد ببعض أموالهم، وباعهم بالباقي ضياعا سلطانيه، فلم تحصل من سفرته حينئذ فائده، وهرب من دار الوزير ابى على القراريطى.
وقبض على ابى يوسف عبد الرحمن بن محمد بن داره بسوق العطش، وصودر على خمسين الف دينار.
ومات محمد بن ياقوت في الحبس، واخرج الى القضاه، فشاهدوه وسلم الى اهله، وباع الوزير ضياعه واملاكه.
وغلا السعر ببغداد، حتى بلغ الكر من الحنطة مائه وعشرين دينارا والشعير تسعين دينارا.
ومات ابو عبد الله محمد بن خلف النيرمانى بالأعمال التي استولى عليها مزداويج، وكان قد انفذ إليها واقبل غلمان مزداويج يتقدمهم بجكم الى جسر النهروان، فأمروا بدخول الحضره، وعسكروا بالمصلى، واضطرب الحجريه لذلك، فكاتبهم ابن رائق وهو يتقلد اعمال المعاون بواسط والبصره، فانحدروا اليه، فاسنى لهم الرزق، وجعل متقدمهم بجكم الرائقى، واتته الاعراب والقرامطة، فقبلهم واستفحل امره.