333 هـ
944 م
سنه ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

[أخبار]
اتى الإخشيد حلب، فاستولى عليها، وانصرف عنها ابو عبد الله الحسين بن سعيد ابن حمدان الى الرقة، فلم يوصله المتقى، وغلق أبواب البلد …

دونه، فمضى الى سيف الدولة وهو بحران.
واتى الإخشيد الى الرقة فخدم المتقى، ووقف بين يديه، ومشى قدامه حين ركب، فأمره بالركوب فلم يفعل، وحمل اليه اموالا، وحمل الى ابن مقله عشرين الف دينار، ولم يدع كاتبا ولا حاجبا الا بره.
واجتهد بالمتقى، ان يسير معه الى مصر والشام فلم يفعل، واشار عليه بالمقام مكانه فلم يقبل.
وانحدر المتقى الى هيت، فأقام بها، وانفذ بالقاضى الخرقى، حتى جدد على توزون الايمان والعهود والمواثيق، بعد ان لقب توزون بالمظفر.
وخرج توزون الى السندية، فلما وصلها المتقى، ترجل له وقبل الارض بين يديه، ووكل به وبالوزير، وارتجت الدنيا بفعله، ثم سمله.
وكان المتقى يتأله ويصلى ويصوم كثيرا، ولم يشرب النبيذ قط، وكان فيه وفاء وقناعه، ولم يتحظ غير جاريته التي كان يتحظاها قبل الخلافه.
ولما تمكن، استوزر كاتبه ابن ميمون قديما، ولم يغدر بأحد، وكان بر النفس، حسن الوجه، وهرب وعنده الف الف دينار أخذها من بجكم، ولم يحسن التدبير ولم تنهب دار خليفه قبله.
قال ثابت بن سنان: وحدثنى ابو العباس التميمى الرازى- وكان خصيصا بتوزون- ان ابراهيم الديلمى سألني المصير الى دعوته، وكان ينزل بدار القراريطى، فجئتها وهي مفروشة، فلما جلست قال: اعلم انى خطبت الى قوم وتجملت عندهم، بان ادعيت ان لي منزله من الأمير، فقالت لي المرأة: إذا كنت بهذه المنزله، فانى ادلك على شيء يعمم صلاحه الامه، وينفعك عند الأمير، فقلت ما هو؟ قالت: فان هذا الخليفة المتقى، قد عاداكم وعاديتموه، واجتهد في هلاككم ببني حمدان وبنى بويه، فلم يتم له ما اراد، ولا يجوز ان يصفو لكم، وهاهنا رجل من ولد الخلفاء يرجع الى دين ورجله، فهل لكم ان تنصبوه للخلافة وهو يثير اموالا عظيمه.
واطالت الكلام، فهوستنى، فعلمت ان محلى لا يبلغ الى مثل ذلك، وكرهت انى اكذب نفسي في ادعاء المنزله التي ذكرتها، فاطمعتها في ذلك بك، وقد اطلعتك عليه، فقلت: اريد ان اسمع كلام المرأة، فجاءني بامرأة تتكلم بالعربية والفارسيه، من اهل شيراز، جزله شهمه قهمه، فخاطبتني بنحو ما خاطبني به الرجل فقلت لها: اريد ان القى الرجل، فاتتنى به في خف وإزار، من دار ابن طاهر، وعرفني انه عبد الله بن المكتفي بالله.
فرايت رجلا حصيفا، ورايته يميل الى التشيع، ورايته عارفا بأمر الدنيا، وضمن ستمائه الف دينار يستخرجها ويمشى بها الأمر، ومائتي الف دينار للأمير توزون، وقال: انا رجل فقير، واعرف هذه الأموال عند اقوام عندهم ذخائر الخلافه.
فصرت الى توزون، ولقيت أبا عمران موسى بن سليمان، فاطلعته على الحال، فقال: انى لا ادخل في هذه الأمور، فلما آيسنى حلفته على الكتمان، واستحلفت توزون على الكتمان بالمصحف، واخبرته، فطلب الرجل ان يبصره، فقلت: بشرط ان تكتم الحال من ابن شيرزاد.
واتى توزون معى الى دار موسى بن سليمان، فلقيه هناك وخاطبه وبايعه.
فلما وصل المتقى لله الى السندية ولقيه توزون، قلت له: ان كنت عزمت على اتمام ذلك الأمر فافعله الان، فانه ان دخل بغداد، تعذر عليك الأمر، فوكل به.
وكانت المرأة التي سفرت للمستكفى المعروفه بعلم الشيرازيه، حماه ابى احمد الفضل الشيرازى، وصارت قهرمانه المستكفى، واستولت على الأمور.
وكان سمل المتقى وخلعه في صفر.

خلافه المستكفى بالله
ابى القاسم عبيد الله بن المكتفي بالله بن المعتضد بالله، أمه رومية اسمها غصن، ولى الخلافه، وسنه يومئذ احدى واربعون سنه وسبعه ايام، وكان في سن المنصور يوم ولى، وكانت خلافته سنه واربعه اشهر.
فقلد أبا الفرج محمد بن على السرمزراى الوزارة، ولم يكن اليه غير اسم الوزارة، وابو جعفر بن شيرزاد الناظر في الأمور.
وخلع على توزون، وطوقه وسوره، ووضع على راسه التاج المرصع بجواهر، وجلس بين يدي المستكفى بالله على كرسي.
وفي شهر ربيع الاول، تقلد القاضى ابو عبد الله محمد بن عيسى المعروف بابن ابى موسى الضرير القضاء بالجانب الشرقى من بغداد، وتقلد ابو الحسن محمد ابن الحسن بن ابى الشوارب القضاء في الجانب الغربي منها.
وطلب المستكفى بالله الفضل بن المقتدر طلبا شديدا، فاستتر منه، فامر بهدم داره التي على دجلة، بدار ابن طاهر، فهدمت، فلم يبق منها غير المسناه وما زال في ايام المستكفى مستترا، فلما هدم داره، قال على بن عيسى: اليوم بايع له بولاية العهد.
وقد ذكرنا حال ابى عيسى البريدى وهربه من ابى القاسم ابن أخيه، فورد الحضره بعد ما امنه ابو القاسم، واختار الإصعاد إليها، فوصلها في شهر ربيع الاول، ولقى توزون، ونزل دار طازاد، التي كانت بقصر فرج على دجلة، وسعى في ضمان البصره إذا سير معه توزون جيشا، واوصله توزون الى المستكفى، فخلع عليه خلعا سلطانيه، وسار الجيش معه الى داره.
فبلغ ذلك ابن أخيه، فانفذ اليه توزون مالا اقره به على عمله.
وبلغ ابن شيرزاد ان أبا الحسين يخطب كتابه توزون، فتوصل الى القبض عليه، وضرب بدار صافى مولى توزون ضربا مبرحا، وقرض لحم فخذيه بالمقاريض، وانتزعت اظافره.
وكان ابو عبد الله بن ابى موسى، أخذ ايام ناصر الدولة فتوى الفقهاء بإحلال دم ابى الحسين، فاظهرها في هذا الوقت.
فلما كان في آخر ذي الحجه جلس المستكفى، واحضر القضاه والفقهاء، واحضر البريدى، وبسط النطع وجرد السيف، وحضر ابو عبد الله بن ابى موسى يقرا ما افتى به واحد واحد، من اباحه دمه على رءوس الاشهاد، وابو الحسين يسمع ذلك وراسه مشدود الى جثته، فامر المستكفى بضرب عنقه من غير ان يحتج لنفسه بحجه.
وأخذ راسه وطيف به في بغداد، ورد الى دار السلطان، وصلبت جثته على باب الخاصة على دجلة، في الموضع الذى كان حديديه مشدودا فيه، فكان هذا خاتمه امور الثلاثة، وعقبى ما ارتكبوه من الظلم واهله، ومن البلاء كله.
ومضى سيف الدولة الى حلب، بعد انصراف ابى بكر محمد بن طغج الإخشيد، وبها يانس، فتركها ومضى الى الإخشيد، وتسلم سيف الدولة حلب.
وفي شهر ربيع الاول، كان لسيف الدولة وقعه مع الروم، رزق الظفر فيها.
واطلق توزون أبا الحسين بن مقله، بعد ان صادره على ثلاثين الف دينار.
ثم قبض على ابى الفرج السرمزراى، وصادره على ثلاثمائه الف درهم، فكان وقوع اسم الوزارة عليه اثنين واربعين يوما وخرج القاهر الى جامع المنصور، ملتفا في قطن يتصدق، ورآه ابن ابى موسى، فمنعه بالرفق واعطاه خمسمائة درهم، وقصد القاهر بذلك التشنيع.
وانفذت الى ابى القاسم البريدى الخلع، وذلك في جمادى الآخرة.
وعزم المستكفى على الخروج مع توزون، حين اخر ناصر الدولة المال، فسفر ابو القاسم بن مكرم، كاتب ناصر الدولة في الصلح، وحمل مالا تقرر.
وأخذ ابن شيرزاد خطوط الناس بمال الضمان، فدخل اليه ابو القاسم عيسى ابن على بن عيسى فقال: اكتب عن والدك بألف دينار، فكتب ومضى الى ابيه، فادى خمسمائة، وركب الى ابن شيرزاد، فخرج اليه ابو زكريا السوسي وطازاد معتذرين، فقال على بن عيسى: انى اريد ان القاه ولا اخاطبه في البقية، فمضى وعاد اليه، وقالا انه يستحيى من لقائك، فانصرف على بن عيسى كئيبا من المذلة اكثر من كابته بالعزم. وكان هو الذى اصطنع ابن شيرزاد.
وخرج تكين الشيرزادى صاحب توزون الى جزيرة بنى غبر، وعاد الى جسر سابور، وامر اصحابه بالتقدم الى واسط، واجلس في بستان يشرب، فاحاط به عسكر البريدى فأسروه وحملوه الى البصره.
وفي رجب دخل ابو جعفر الصيمرى واسطا.
ودخلها معز الدولة ولما علم انحدار توزون اليه مع المستكفى بالله، انصرف عنها.
وراسل توزون البريدى، فاطلق تكينا وضمنه واسطا.
واصعد المستكفى وتوزون الى بغداد.
وورد كتاب نوح صاحب خراسان بفتحه جرجان وطبرستان، وكان بها الحسن ابن الفيروزان الديلمى، وملك الري.
وانصرف ركن الدولة الى أصبهان ونزل نوح بنيسابور.
وورد الخبر بانهزام سيف الدولة من الإخشيد، واتباعهم له الى الرقة، وذلك بعد ان أخذ منهم حلب وملك دمشق، واسر منهم الفى رجل، ثم انصرف عنه اصحابه فكانت هزيمته.