293 هـ
905 م
سنه ثلاث وتسعين ومائتين (ذكر ما دار في هذه السنه من اخبار بنى العباس)

ففيها ورد الخبر بان الخليجي المتغلب على مصر واقع احمد بن كيغلغ وجماعه من القواد بالقرب من العريش فهزمهم الخليجي، اقبح هزيمه، …

فندب السلطان للخروج اليه جماعه من القواد المقيمين بمدينه السلام فيهم ابراهيم بن كيغلغ وغيره وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة ورد الخبر بان أخا للحسين بن زكرويه، ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر من اصحابه، ثم اجتمع اليه جماعه من الاعراب والمتلصصة فسار بهم نحو دمشق، في جمادى الاولى وحارب أهلها، فندب السلطان للخروج اليه الحسين بن حمدان بن حمدون، في جمع كثير من الجند ثم ورد الخبر بان هذا القرمطى سار الى طبرية، فامتنع أهلها من ادخاله، فحاربهم حتى دخلها فقتل عامه من بها من الرجال والنساء، ونهبها وانصرف الى ناحيه البادية.
وذكر من حضر مجلس محمد بن داود بن الجراح، وقد ادخل اليه قوم من القرامطة بعد قتل الحسين بن زكرويه المصلوب بجسر بغداد فقال الرجل:
كان زكرويه ابو حسين المقتول مختفيا عندي في منزلي، وقد اعد له سرداب تحت الارض، عليه باب حديد، وكان لنا تنور، فإذا جاءنا الطلب، وضعنا التنور على باب السرداب، وقامت امراه تسخنه فمكث زكرويه كذلك اربع سنين، في ايام المعتضد، ثم انتقل من منزلي الى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار، فإذا فتح الباب انطبق على باب البيت، فيدخل الداخل، فلا يرى باب البيت الذى هو فيه، فلم تزل هذه حاله حتى مات المعتضد، فحينئذ انفذ الدعاه، واستهوى طوائف من اهل البادية، وصار اهل قريه صوعر يتفلونه على ايديهم، ويسجدون له واعترف لزكرويه جميع من رسخ حب الكفر في قلبه من عربي ومولى ونبطي وغيرهم، بانه رئيسهم وكهفهم وملاذهم، وسموه السيد والمولى، وساروا به وهو محجوب عن اهل عسكره، والقاسم يتولى الأمور دونه، يمضيها على رايه وذكر محمد بن داود ان زكرويه بن مهرويه هذا اقام رجلا كان يعلم الصبيان بقرية تدعى زابوقه، من عمل الفلوجة يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فتسمى بنصر ليعمى امره، ويخفى خبره، فاستهوى طوائف من الاصبغيين والعليصيين وصعاليك من بطون كلب، وقصد بهم ناحيه الشام، وكان عامل السلطان على دمشق والأردن احمد بن كيغلغ، وكان مقيما بمصر على حرب الخليجي، فاغتنم ذلك عبد الله ابن سعيد المتسمى بنصر وسار الى مدينه بصرى، فحارب أهلها، ثم آمنهم فلما استسلموا له قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، واستاق أموالهم، ثم نهض الى دمشق، فخرج اليه من كان بقي بها مع صالح بن الفضل خليفه احمد بن كيغلغ فقتل صالحا، وفض عسكره ولم يطمع في مدينه دمشق إذ دافعهم أهلها عنها ثم قصد القرمطى ومن معه مدينه طبرية، فقتلوا طائفه من أهلها، وسبوا النساء والذرية بها، فحينئذ انفذ السلطان لمحاربتهم الحسين بن حمدان في جماعه من القواد والرجال، فوردوا دمشق، وقد دخل القرامطة طبرية فلما اتصل بهم خروج القواد اليهم، عطفوا نحو السماوه، وتبعهم الحسين بن حمدان وهم ينتقلون من ماء الى ماء ويعورون ما وراءهم من المياه.
فانقطع الحسين عن اتباعهم لما عدم الماء، وعاد الى الرحبه، وقصدت القرامطة الى هيت، فصبحوها ولم يصلوا الى المدينة لحصانه سورها لسبع بقين من شعبان، مع طلوع الشمس، فنهبوا ربضها، وقتلوا من قدروا عليه من أهلها، واحرقت المنازل وانهبت السفن التي في الفرات، وقتل من اهل البلد نحو مائتي نفس، وأوقروا ثلاثة آلاف بعير بالأمتعة والحنطة ثم رحلوا الى البادية.
ثم شخص باثرهم محمد بن كنداج اليهم، فلما كان بقربه منهم، هربوا منه وعوروا المياه بينهم وبينه، فانفذت اليه الإبل والروايا والزاد، وكتب الى الحسين بن حمدان بالنفوذ اليهم من جهة الرحبه، والاجتماع مع محمد بن كنداج على الإيقاع بهم.
فلما احسن الكلبيون الذين كانوا مع عبد الله بن سعيد القرمطى المتسمى بنصر، وثبوا عليه، وقتلوه، وتقربوا برأسه الى محمد بن كنداج، واقتتلت القرامطة حتى وقعت بينهما الدماء.
ثم انفذ زكرويه داعيه له يسمى القاسم بن احمد، الى اكره السواد، فاستهواهم ووعدهم بان ظهوره قد حضر، وانه قد بايع له بالكوفه نحو اربعين الف رجل وفي سوادها أربعمائة الف رجل، وان يوم موعدهم الذى ذكره الله يوم الزينة وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى وامرهم بالمسير الى الكوفه ليفتتحوها في غداه يوم النحر، وهو يوم الخميس فإنهم لا يمنعون منها فتوجه القاسم بن احمد باهل السواد ومن يجتمع اليه من الصعاليك، حتى وافوا باب الكوفه في ثمانمائه فارس، عليهم الدروع والجواشن والإله الحسنه، ومعهم جماعه من الرجاله على الرواحل، وقد انصرف الناس عن مصلاهم، فاوقعوا بمن لحقوه من العوام، وقتلوا منهم زهاء عشرين نفسا.
وخرج اليهم إسحاق بن عمران عامل الكوفه ومن كان معه من الجند فصافوا القرامطة الحرب الى وقت العصر، وكان شعار القرامطة: يا احمد يا محمد، وهم يدعون: يا لثارات الحسين! يعنون المصلوب بجسر بغداد، وأظهروا الاعلام البيض، وضربوا على القاسم بن احمد قبة، وقالوا: هذا ابن رسول الله، فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت القرامطة نحو القادسية، واصلح اهل الكوفه سورهم وخندقهم، وحرسوا مدينتهم وكتب إسحاق بن عمران الى السلطان يستمده، فندب اليه جماعه فيهم طاهر بن على بن وزير ووصيف بن صوارتكين والفضل بن موسى بن بغا وبشر الخادم وجنى الصفواني ورائق الخزري، وضم اليهم جماعه من غلمان الحجر، وامر القاسم بن سيما ومن ضم اليه من رؤساء البوادى بديار ربيعه وطريق الفرات وغيرهم بالنهوض الى القرامطة، إذ كان اصحاب السلطان متفرقين في نواحي الشام ومصر، فنفذت الكتب بذلك اليهم.
وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب، قرئ على المنبر ببغداد كتاب بان اهل صنعاء وسائر اهل اليمن اجتمعوا على الخارجي وحاربوه وفلوا جموعه، فانحاز الى بعض النواحي باليمن، فخلع السلطان على مظفر بن حاج، وعقد له على اليمن وخرج إليها لخمس خلون من ذي القعده، فأقام بها حتى مات ولتسع بقين من رجب اخرجت مضارب المكتفي الى باب الشماسيه، فضربت هنالك ليخرج الى الشام، ويحاصر ابن الخليجي، فورد كتاب من قبل فاتك القائد واصحابه، يذكرون محاربتهم له وظفرهم به، وانهم موجهون له الى مدينه السلام، فردت مضارب المكتفي، وصرفت خزائنه، وقد كانت جاوزت تكريت، ثم ادخل مدينه السلام للنصف من شهر رمضان ابن الخليجي واحد وعشرون رجلا معه على جمال، وعليهم برانس ودراريع حرير، فحبسوا ثم خلع المكتفي على وزيره العباس بن الحسن خلعا لحسن تدبيره في امر هذا الفتح ثم لخمس خلون من شوال، ادخل بغداد راس القرمطى المتسمى بنصر الذى انتهب مدينه هيت منصوبا في قناه ولسبع خلون من شوال ورد الخبر مدينه السلام، بان الروم أغاروا على قورس وقتلوا مقاتلتهم، ودخلوا المدينة، واخربوا مسجدها، وسبوا من بقي فيها، وقتلوا رؤساء بنى تميم المنضوين إليها .
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بْن عبد الملك الهاشمى.