330 هـ
941 م
سنه ثلاثين وثلاثمائة

انحدر ابن رائق في عاشر المحرم الى واسط، حين اخر عنه البريدى ما ضمنه، فهرب عند قربه منها البريدى الى البصره وانفذ اليه مائه وسبعين …

الف دينار، وضمن حمل ستمائه الف دينار في السنه.
فاصعد ابن رائق الى بغداد، وانفذ صاحب خراسان الى المتقى لله هدايا من غلمان اتراك وطيب وخيل، على يدي ابى العباس بن شقيق، وانفذ معه برأس ما كان، فشهر ببغداد في دجلة.
وشغب توزون والاتراك على ابن رائق، وساروا الى البريدى فقوى بهم ولقوه بواسط.
وكوتب البريدى من الحضره بالوزارة، واستخلف له ابن شيرزاد، ثم عول على الإصعاد الى الحضره، فركب المتقى وابنه وابن رائق، بين ايديهم المصاحف المنشورة، واستنفروا العامه، ولعن بنو البريدى على المنابر.
واصعد ابو الحسين البريدى الى بغداد في جيش أخيه، فاستامن اليه قرامطه ابن رائق.
وعمل ابن رائق على التحصن بدار السلطان، ونصبت العرادات على سورها، واستنهض العامه، فكان ذلك سببا للفتن واحرقوا نهر طابق، وكبسوا المنازل ليلا ونهارا.
واشتبكت الحرب بين ابى الحسين البريدى وابن رائق في الماء، واشتدت الحرب في حادي عشر من جمادى الآخرة، وملك الديلم من اصحاب البريدى دار السلطان، فخرج وابنه هاربين ومضوا الى باب الشماسيه، فلحق بهم ابن رائق، واصعدوا الى الموصل فيها.
وقيد كورنكج وحده واحدره الى أخيه، فكان آخر العهد به وكان القاهر محبوسا، فتركه الموكلون به فخرج فرئي وهو يتصدق بسوق الثلاثاء، فبلغ ذلك البريدى، فانفذ بمن اقامه واجرى له في كل يوم خمسه دراهم.
ونزل البريدى دار مؤنس، وقلد توزون الشرطه، فلما وليها سكنت الفتنة، وأخذ ابو الحسين حرم توزون وعيالات القواد رهينه وانفذهم الى أخيه، وغلت الأسعار.
وظلم البريدى الناس، وافتتح الخراج في آذار، وافتتح الجزية، وأخذ الأقوياء بالضعفاء، وقرر على الحنطة وسائر المكيلات من كل كر سبعين درهما، وقبض على خمسمائة كر، وردت للتجار من الكوفه، وادعى انها للحسن بن هارون فقلد الناحية.
وهرب خجخج الى المتقى لله.
وتخالف توزون ونوشتكين والاتراك على كبس ابى الحسين البريدى، فغدر نوشتكين بتوزون.
ونمى الخبر الى الحسين، فتحرز واحضر الديلم فاستظهر بهم.
وقصد توزون دار ابى الحسين، وغلقت الأبواب دونه.
وانكشف لتوزون غدر نوشتكين به، فلعنه، وانصرف ضحوه نهار يوم الثلاثاء، ومضى معه قطعه وافرة من الاتراك الى الموصل، وقاتلت العامه البريدى، فقوى ابن حمدان بتوزون وبالاتراك، وعمل على الانحدار مع المتقى لله الى بغداد، وبلغ ذلك البريدى فكتب الى أخيه يستمده فامده بجماعه من الديلم والقواد.
واخرج ابو الحسين مضربه الى باب الشماسيه، واظهر انه يحارب ابن حمدان، وذلك بعد ان قتل ابن حمدان ابن رائق، وكان سبب قتله، ان ابن حمدان كان بشرقى الموصل وابن رائق والمتقى بغربيها، فما زالت المراسلات بينهم، حتى توثق بعضهم من بعض وانس بهم.
فعبر الأمير ابو منصور بن المتقى لله ومعه ابن رائق، يوم الاثنين لتسع بقين من رجب، الى ابن حمدان، فلقيهم اجمل لقاء ونثر على الأمير الدنانير.
فلما اراد الانصراف ركب الأمير ابو منصور، وقدم فرس ابن رائق ليركب من داخل المضرب، فامسكه ابو محمد بن حمدان، وقال: تقيم عندي اليوم لنتحدث فان بيننا ما نتجاراه، فقال له ابن رائق: امضى في خدمه الأمير واعود، فالح عليه ابن حمدان إلحاحا استراب به ابن رائق، فجذب كمه من يده حتى تخرق، وكانت رجله في الركاب فشب به الفرس فوقع وقام ليركب، فصاح ابو محمد لغلمانه: ويلكم لا يفوتكم! فقتلوه.
وانفذ للمتقى لله ان ابن رائق اراد ان يغتاله، فرد عليه المتقى انه الموثوق به.
وعبر الى المتقى، فخلع عليه وعقد له لواء، ولقبه ناصر الدولة، وجعله امير الأمراء وكناه، وذلك مستهل شعبان، وخلع على أخيه على، وعلى ابى عبد الله الحسين بن سعيد ابن حمدان وكتب الى القراريطى بتقليد الوزارة.
ولما قارب المتقى بغداد، هرب ابو الحسين البريدى عنها الى واسط.
ودخل المتقى وناصر الدولة واخوه الشفيعى ولقى القراريطى المتقى وناصر الدولة.
وتقلد ابو الوفاء توزون الشرطه.
وخلع المتقى على القراريطى خلع الوزارة لليلتين خلتا من ذي القعده.
وخلع بعد ذلك، على ناصر الدولة وأخيه وطوقهما وسورهما.
وأتاهم الخبر ان البريدى على قصد بغداد، فعبر حينئذ المتقى وناصر الدولة الى الجانب الغربي، وسار ابو الحسن على بن عبد الله بن حمدان في الجيش الى الكيل، ولقيهم البريدى بها، ومعه ابن شيرزاد وابن قرابه في الديلم وجيش عظيم فكانت الوقعه مستهل ذي الحجه يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعه، ومع ابن حمدان توزون وخجخج والاتراك، فانهزم على واصحابه الى المدائن، فردهم ناصر الدولة الى الكيل، فانهزم حينئذ البريدى، واستؤسر من اصحابه يانس وجماعه من قواد البريدى.

وعاد الى واسط، واستامن الى ابن حمدان محمد بن ينال الترجمان، وجماعه من قواد البريدى، وعاد منهزما مفلولا.
وانحدر سيف الدولة الى واسط، فوجد البريديين قد انحدروا منها فأقام بها.
ودخل ناصر الدولة يوم الجمعه لثانى عشر ليله بقيت من ذي الحجه، بغداد وبين يديه يانس غلام البريدى واصحابه مشهرين على رءوسهم البرانس، وسار في الجانب الغربي الى دار عمه ابى الوليد سليمان بن حمدان، وهي بالقرب من الجسر، ولأجل هذا لقب المتقى لله أبا الحسن على بن حمدان، بسيف الدولة، وكتب في ذلك ابن ثوابه كتابا.
ولأجل هذا يقول المتنبى في قصيدته في سيف الدولة:

انا منك بين مكارم وفضائل *** ومن ارتياحك في غمام دائم

يقول فيها:

ان الخليفة لم يسمك سيفه *** حتى ابتلاك فكنت عين الصارم
فإذا تتوج كنت دره تاجه *** وإذا تختم كنت فص الخاتم

قال ابو الفتح: يقال فص وفص والفتح اكثر.

وإذا انتضاك على العدى في معرك *** هلكوا وضاقت كفه بالقائم

وظهر الكوفى لناصر الدولة وخدمه.

وأخذ ابو زكريا السوسي لابن مقاتل أمانا، وشرط ان استقر ما بينه وبين ناصر الدولة، تمم الظهور، والا عاد الى استتاره.
فلما عاد لم يتمش بينهما امر، فقال له: عد الى استتارك، فقال ابن مقاتل: لم أجد عهدا، وان شئت فعلت.
فضج ناصر الدولة من ذلك، وعلم انها حيله وقعت عليه، فصحح امره على مائه وثلاثين الف دينار، وعلى ان ينفذ جيشا الى حلب ليفتحها، وصح له خمسون الف دينار.
ونظر ناصر الدولة في امر النقد، وطالب بتصفيه العين والورق، وضرب دنانير سماها الابريزيه، وبيع الدينار منها بثلاثة عشر درهما، بعد ان كان عشره، وكتب ابن ثوابه عن المكتفي في ذلك كتابا.
وفي هذه السنه توفى ابو الحسن على بن اسماعيل بن بشر الأشعري المتكلم.
وولد سنه ستين ومائتين، ودفن في مشرعه الروايا في تربه الى جانبها مسجد، وبالقرب منها حمام على يسار المار من السوق الى دجلة واخبر بذلك الخطيب عن ابن برهان، وعمرها ابو سعيد الصوفى في زماننا.