334 هـ
945 م
سنه اربع وثلاثين وثلاثمائة

[أخبار]
في المحرم خرج ابن شيرزاد الى هيت، فصالحه ابو المرجى عمرو بن كلثوم مقدمها على ثمانمائه الف وخمسين الف درهم، يسقطها على …

اهل البلد، واقام لأخذها.
فورد عليه الخبر بوفاه توزون في ثانى عشر المحرم، وانه دفن بتربه يانس الموفقى.
وكانت اماره ابى الوفاء توزون سنتين واربعه اشهر وسبعه وعشرين يوما، كتب له ابن شيرزاد سنتين وشهرا، فعقد العسكر الإمارة لابن شيرزاد.
وانحدر عن هيت، وخلف بها غلامه إقبالا، فقبلوه، وحلف له المستكفى بحضره القضاه والعدول والعسكر، وانفذ ابن ابى موسى الى ناصر الدولة، فعاد من عنده بخمسمائة الف درهم ودقيق، فلم يكن لها موقع، لغلاء السعر وانتشار الأمر.
وقسط ابن شيرزاد على الكتاب والعمال والتجار ارزاق الجند، وكان في البلد ساعيان، يعرفان بهاروت وماروت، يسعيان اليه بمن عنده قوت لعياله فيأخذه، فصار البلد محاصرا بهذا الفعل وبالضرائب التي قررها، وانقطع الجلب.
وكان من جمله من صادر ابو بكر محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمى، أخذ منه عشره آلاف دينار.
وقبض المستكفى على القاضى ابن ابى الشوارب، ونفاه الى سر من راى، وقسم اعماله، فولى الشرقيه أبا طاهر محمد بن احمد بن نصر، وولى المدينة أبا السائب عتبة بن عبيد.
وكان الى ابى عبد الله بن ابى موسى الهاشمى القضاء بالجانب الشرقى، فدخل عليه اللصوص في شهر ربيع الآخر فأخذوا أمواله وقتلوه، فولى ابو السائب مكانه.
وورد الخبر بوقوع الصلح بين سيف الدولة والإخشيد، وسلم اليه سيف الدولة حلب وأنطاكية، فتزوج ابنه أخيه عبيد الله بن طغج، وتوسط ذلك الحسن بن طاهر العلوي، فقال النامي يمدح سيف الدولة:

فتى قسم الأيام بين سيوفه *** وبين طريفات المكارم والتلد
فسود يوما بالعجاج وبالقنا *** وبيض يوما بالفضائل والمجد
سرى ابن طغج في ثلاثين جحفلا *** واحجامه في الزحف عن فارس فرد
وكانت لسيف الدولة العزم عاده *** إذا كر القى البيض حدا على حد
أيا سائلي عن يومه اسمع فانه *** حديث المعالى قصه قصص الجهد
وقالت لها الهيجاء في صدر سيفه *** وقد نهدت من صدر غير الشرى نهد
كأنك من ضغن ودرعك من تقى *** وطرفك من راى وسيفك من حقد
فاظماتهم والماء معترض لهم *** واسقيتهم ماء على قصب الهند
الم تر فرعونا وموسى تنازعا *** فغودرت العقبى لذى الحق لا الحشد
فغرقه في البحر فاجعل فويقها *** لتغريقه كالبحر وامدده بالمد
فلو جئت ثمدا ناصبا ورفدته *** بجودك فاض البحر من ذلك الثمد

وورد الخبر بموت ابى عبد الله الكوفى بحلب، وقد تقدمت اخباره.
وورد الخبر بوصول الأمير ابى الحسن معز الدولة الى باجسرى وكان ابن شيرزاد قد استخلف بواسط ينال كوشا، فدخل في طاعته، فاستتر ابن شيرزاد حينئذ، فكانت امارته ثلاثة اشهر وخمسه ايام.
واستتر المستكفى، حتى خرج الاتراك مصعدين الى الموصل، فظهر حينئذ وأتاه ابو محمد المهلبى فخدمه عن معز الدولة، في حادي عشر جمادى الاولى ونزل بالشماسيه، وانفذ اليه المستكفى هدايا، ووصل اليه بعد ثلاثة ايام، فخلع عليه وطوقه، وعقد له اللواء، وقلده الإمارة ووقف بين يدي الخليفة، وأخذت عليه البيعه، وحلف له بايمان البيعه، على ان يصون أبا احمد الشيرازردى وحماته علم القهرمانه، والقاضى أبا السائب، وولد ابن موسى، وأبا العباس بن خاقان الحاجب.
ثم استخلف المستكفى، الأمير أبا الحسين واخوته، ثم ساله في امر ابن شيرزاد، فآمنه وحلف له، ولبس الخلع ولقب معز الدولة، وكنى ولقب اخوه ابو الحسن على عماد الدولة، ولقب اخوه ابو على ركن الدولة، وضربت القابهم على الدنانير، وانصرف الى دار مؤنس فنزلها.
ومن جمله دار مؤنس المدرسه النظامية اليوم وظهر ابن شيرزاد ولقى معز الدولة.
وقرر المستكفى في كل يوم خمسين الف درهم لنفقته.
وكتب ابو عبد الله الحسين بن على بن مقله، الى معز الدولة رقعه يخطب فيها كتابته، وكان قد ولاها ابن شيرزاد، فلم يؤثره عليه، وقبض على ابى عبد الله.
وعملت علم القهرمانه دعوه عظيمه احضرتها الديلم، فقيل لمعز الدولة: انها فعلت ذلك لتاخذ البيعه عليهم للمستكفى، وعرفوه انها هي السبب في ولايته، فساء ظنه وانحدر الى دار الخلافه، كما جرت عادته، وانحدر معه الصيمرى وابن شيرزاد، ووقفا في مراتبهم، وكان ابو احمد الشيرازى وولد ابن ابى موسى واقفين، ودخل معز الدولة فقبل الارض، وجلس على كرسي، فاوصل رسول البريدى.
وتقدم نفسان الى المستكفى، فظن انهما يريدان تقبيل يده، فمدها، فجذباه وطرحاه الى الارض، وحملاه الى دار معز الدولة ماشيا، وقبضوا على ابن ابى موسى وعلى علم، ونهبت الدار.
قال ابن البهلول: كنا إذا كلمنا المستكفى، وجدنا كلامه كلام العيارين، وكان جلدا بعيد الغور والحيله، وكان يلعب قبل الخلافه بالطيور ويرمى بالبندق، ويخرج الى البساتين للفرجه واللعب، وكان لا ينفق عليه من الجوارى غير السودان، ولا يعاشر غير الرجال.
وعزم معز الدولة على ان يبايع أبا الحسن محمد بن يحيى الزيدي العلوي، فمنعه الصيمرى من ذاك، وقال: إذا بايعته استنفر عليك اهل خراسان وعوام البلدان، وأطاعه الديلم، ورفضوك وقبلوا امره فيك، وبنو العباس قوم منصورون، تعتل دولتهم مره وتصح مرارا، وتمرض تاره وتستقل أطوارا، لان أصلها ثابت وبنيانها راسخ.
فعدل معز الدولة عن تعويله، واحدر أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله من دار ابن طاهر الى دار الخلافه.

خلافه المطيع لله ابى القاسم الفضل بن المقتدر
كانت تسعه وعشرين سنه واربعه اشهر.
بويع له يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة، أمه تدعى مشغله، وتوفيت في مستهل ذي الحجه سنه خمس واربعين وثلاثمائة، بايعه معز الدولة، واحدر المستكفى اليه، فسلم عليه بالخلافة، واشهد على نفسه بالخلع، وسمل واعتقل عنده.
وقام ابن شيرزاد بتدبير الأمر، واستكتب على خاص امره أبا الحسن طازاذ بن عيسى النصراني، واستحجب أبا العباس بن خاقان.
وأنشأ ابو العباس بن ثوابه يذكر بيعته كتابا الى الافاق.
واقام معز الدولة لنفقته في كل يوم الفى درهم.
وركب ومعز الدولة بين يديه والجيش وراءه، الى باب الشماسيه، وعاد في المساء الى دار الخلافه، وصرف ابن نصر عن القضاء بالجانب الغربي، واعاد ابن ابى الشوارب.
وصادر ابن شيرزاد ابن ابى موسى وعلم القهرمانه، على اربعين الف دينار، وقطع لسانها وسلمها الى المطيع لله، ولم يعارض أبا احمد الشيرزاى لقديم مودته.
ولما استولى ابن شيرزاد على الأمور، قال ابو الفرج بن ابى هشام: باى شيء نفق عليك؟ وما يصلح لكتابه الإنشاء ولا لجباية الخراج، وانما تتولى ديوان النفقات، وكتب لابن الخال تاره وقد سالك المستكفى عزله بعد ان سالك فيه فلم تجب، فقال: لما رايت عظيم لحيته، قلت: لان يكون هذا قطانا اولى من ان يكون كاتبا، ولكن رايته قد ملك بغداد، واستولى على الخلافه، وصار لي نظيرا، فاردت ان احطه من منزله بعد اخرى، حتى اجعله كاتبا لأحد قوادي.
وورد ناصر الدولة والاتراك معه الى سر من راى.
ووافى ابو العطاف بن عبد الله بن حمدان، أخو ناصر الدولة، ونزل باب قطربل وظهر له ابن شيرزاد وجماعه من العجم.
وكان معز الدولة قد اصعد ومعه المطيع الى ناصر الدولة، فتركهم ناصر الدولة وانحدر في الجانب الشرقى، ونزل مقابل قطربل، فنهب الديلم تكريت وسر من راى.
وانحدروا ومعهم المطيع لله الى بغداد، ومع ناصر الدولة الاتراك، وقد جعلهم على مقدمته مع ابى عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان، وكان يخطب في اعماله للمستكفى وهو مخلوع.
ونزل معز الدولة في قطيعه أم جعفر، وانزل المطيع لله في دير النصارى.
وقد استولى ناصر الدولة على السفن، وجعلها بالجانب الشرقى، فلحق الناس بالجانب الغربي مجاعه شديده، وكانت الأسعار بالشرقي رخيصه، والقرامطة من اصحاب ناصر الدولة يعبرون ويجولون بين الديلم وبين الغلات.
فابتاع وكيل معز الدولة له كر دقيق بعد الجهد بعشرين الف درهم.
وكان ابن شيرزاد، قد اثبت خلقا من العيارين ليحاربوا مع ناصر الدولة، وظفر بكافور خادم معز الدولة فشهره، فظفر معز الدولة بابى الحسين بن شيرزاد فصلبه حيا، فاطلق ابو جعفر الخادم فحط معز الدولة أخاه.
وكان جعفر بن ورقاء يقول لمعز الدولة: لقد سمعت ان رجلا يعد بألف رجل فلم اصدق، حتى رايت ناصر الدولة، وقد عبر بصافى التوزونى لكبس معز الدولة، فانفذ اليه بي وبابى جعفر الصيمرى وباسفهدرست، فرايت اسفهدرست وقد هزمهم وبنى معز الدولة في الحدق نيفا وخمسين زبزبا، وعبر فيها، فانهزم ناصر الدولة، وملك الديلم الجانب الشرقى سلخ ذي الحجه سحر يوم السبت، وطرحوا النار في المخرم، ونهبوا باب الطاق وسوق يحيى، وهرب الناس لما اودعوه قلوب الديلم من السب، فخرجوا حفاه في الحر، وطلبوا عكبرا فماتوا في الطريق.
قال بعضهم: رايت امراه تقول: انا بنت ابن قرابه، ومعى حلى وجواهر تزيد على الف دينار، فمن يأخذها ويسقيني شربه ماء؟ فما أجابها احد، وماتت وما فتشها احد، لشغل كل انسان بنفسه.
وامر معز الدولة برفع السيف والكف من النهب، ولما وصل ناصر الدولة الى عكبرا، ومعه الاتراك وابن شيرزاد، انفذ بابى بكر ابن قرابه، وطلب الصلح فتم ذلك.
وعرف الاتراك الحال، فهموا بالوثوب بناصر الدولة، فهرب الى الموصل.
وقصد عيار خيمه ناصر الدولة بباب الشماسيه ليلا، فطفا الشمعه، واراد ان يضع السكين في حلقه وهو نائم، فوضعها في المخدة وظن انه قتله ومضى الى معز الدولة، فاخبره فقال: هذا لا يؤمن، ودفعه الى الصيمرى وقتله.
واكل الناس في يوم الغلاء النوى والميته، وكان يؤخذ البزر قطونا ويضرب بالماء ويبسط على طابق حديد، ويوقد تحته النار ويوكل، فمات الناس باكله، وكان الواحد يصيح: الجوع! ويموت، ووجدت امراه قد شوت صبيا حيا فقتلت.

وانحل السعر عند دخول الغلات.
ونظر الصيمرى فيما كان ينظر فيه ابن شيرزاد، فاستخلف له أبا عبد الله بن مقله، فقبض على ابى زكريا السوسي، والحسن بن هارون فشتمهما، فقال الصيمرى: لم يكن غرضك غير التشفى منهما.
واطلق معز الدولة أبا زكريا السوسي، ولم يلزمه بشيء، والزم الحسن بن هارون خمسين الف دينار، وعزل ابن مقله، وانفرد الصيمرى بالأمر، واقطع اصحابه ضياع السلطان وضياع ابن شيرزاد وضياع المستترين.
وفي شعبان انبثق في البحر بثق الخالص والنهروان وفي ذي الحجه مات الإخشيد ابو بكر بن طغج بدمشق، وتقلد مكانه ابنه ابو القاسم.

وغلب كافور على الأمر وكان ابن طغج جبانا شديد التيقظ في حروبه، وكان جيشه يحتوى على أربعمائة رجل، وكان له خمسه آلاف مملوك يحرسونه بالليل بالنوبه، كل نوبه ألفا مملوك، ويوكل بجانب خيمته الخدم، ثم لا يثق بعد ذلك فيمضى الى خيم الفراشين فينام.
قال التنوخي: لقب الراضي أبا بكر محمد بن طغج امير مصر بالاخشيد، وسبب ذلك انه فرغانى، وكل ملك بفرغانه يدعى اخشيد، كما تدعو الروم ملكها بقيصر، والفرس بكسرى، وشاها بشاه، والمسلمون بامير المؤمنين، وملك اشروسنه صول، وملك اذربيجان اصبهبذ، وملك طبرستان يدعى سالان.
وابو بكر بن الإخشيد على مذهب الجبائي، كان جده يدعى بحضره المعتضد الإخشيد، ولقب على ابنه بذلك، وهو من اولاد الملوك بفرغانه.