321 هـ
933 م
سنه احدى وعشرين وثلاثمائة

[أخبار متفرقة]
قبض ابن مقله على جماعه من العمال، منهم النوبختى إسحاق بن اسماعيل، وعلى الكلواذى، وعتب عليه انه لم يراع اهله وقت غيبته، …

وأخذ خطه بمائتي الف دينار، وسلمه الى ابى بكر بن قرابه.
وقبض على بنى البريدى، وضمن اعمالهم محمد بن خلف النيرمانى بزيادة ثلاثمائة الف دينار، وضمن له ابن قرابه ان يصادرهم على ستمائه الف دينار.
ولم يزل ابو عبد الله البريدى يدارى محمد بن خلف، ويعرفه انه يعمل بين يديه فرفهه من بين اخوته وتوصل ابو عبد الله حتى ضمنه ابن قرابه واطلق.
ومضى البريدى الى ابن مقله وقال: عرفت من ابن خلف انه يطلب الوزارة، فانفذ خدمه وحجابه للقبض عليه، فهزمهم محمد بن خلف، وحصلهم في بيت، واقفل عليهم بابه، وتسور السطوح وهرب، فلم يظهر الا بعد عزل ابن مقله.
ومضى البريدى الى الاهواز بتوسط ابن قرابه حاله.
وكان ابن مقله يعادى أبا الخطاب بن ابى العباس بن الفرات، فلم يجد للقبض عليه طريقا، لأنه ترك التصرف منذ عشرين سنه، ولزم منزله وقنع بدخول ضيعته.
وكان ابن مقله استسعفه ايام نكبته، فاعتذر بالإضافة ولم يسعفه، فأظهر ابو الخطاب اولاده ودعا اولاد ابن مقله، فعادوا الى ابيهم واخبروه بزينته فتركه.
حتى قصده للسلام، فقبض عليه وطالبه بثلاثمائة الف دينار، فقال: بم يحتج على الوزير وقد تركت التصرف من عشرين سنه؟ وفي حال تصرفى كنت الزم الصحة، ولي على الوزير حقوق، مثله لا ينساها، ولولا تهجينه لي لقد كنت اظهر خطوطا له عندي قبل هذه الحال، وما اريد من رعايتها الا السلامة، وان كان يعتقد اننى ورثت من ابى مالا فاننا كنا جماعه اولاد، ولو كان شيء لتقاسمناه فقال ابن مقله للخصيبى: عاقبه، فعوقب، فلم يذعن، فقال: اضربوا عنقه، فقال للسياف: وجهني الى القبله، وأخذ يتشهد.
فقال مؤنس وقد بلغه الخبر: اى طريق لك على رجل لم يعمل منذ سنه تسع وتسعين ومائتين، وتوسط امره على عشره آلاف دينار، وصرفه الى منزله.
وتوسط ابن شيرزاد حال هارون بن غريب، على مصادره بثلاثمائة الف دينار، وعنى به مؤنس المظفر، فقبلت مصادرته وقلد اعمال ماه الكوفه وماسبذان.
وكان هارون بواسط، ففارقه عبد الواحد بن المقتدر ومحمد بن ياقوت وأبناء رائق وسرور ومفلح، وقصدوا السوس، واخرجوا البلاد في طريقهم، وأقاموا بسوق الاهواز، فنفذ لحربهم بليق.
وانحدر بدر الخرشنى في الماء وكوتب احمد بن نصر القشورى، وهو يتقلد البصره فلما تحصلت الجيوش بواسط، تغير اصحاب ابن ياقوت عليه، وصاحب البريدى بليق، وضمن تستر عسكره، وعمل بالاهواز كل عظيم من المصادرات، وأخذ الأمتعة واتى بعده البريدى فعمل كعمله.
وقال ابو عبد الله البريدى: لما رايت انحلال امر بليق هممت بالتغلب، وصار بين محمد بن ياقوت وبليق نهر، فحلف بليق لمحمد بالا يناله من جهته سوء إذا عبر اليه، فعبر اليه محمد، في غلام واحد، وانفرد وحلف كل واحد منهما لصاحبه، فاصطلحا على ان يسيرا الى الحضره ويكون بينهما منزل.
واشار البريدى على ابن الطبرى كاتب بليق، بان يخاطب استاذه في القبض على محمد فلما خاطبه، قال: ما كنت لاخفر أمانتي.
وخلف بليق بتستر البريدى، فعمل بها كل قبيح.
ورحل ابن ياقوت، وتبعه بليق الى مدينه السلام، فلما دخل بليق خلع القاهر عليه وطوقه وسوره، واطلق املاك ابن رائق ومحمد بن ياقوت ومفلح وسرور دون اقطاعاتهم وبيعت دار الوزارة بالمخرم، وكانت قديما لسليمان بن وهب، وذرعها اكثر من ثلاثمائة الف ذراع، وقطعت وصرف ثمنها في مال البيعه للقاهر بالله.
وورد الخبر من مصر بموت تكين الخاصة.
واشار ابن مقله بانفاذ على بن عيسى، فجاءه ليلا واستشفع الى كرمه به، وعرفه كبر سنه، فأعفاه عن الشخوص لما تذلل له، وهم بتقبيل يده، فمنعه من ذلك.
وورد كتاب محمد بن تكين، يخطب مكان ابيه، فأجيب اليه، فشغب الجند عليه بمصر وهزموه.
وانحرف ابن مقله عن محمد بن ياقوت، ومكن في قلب مؤنس المظفر وبليق وعلى ابنه انه في تدبير عليهم مع القاهر عليهم وان رسوله في ذلك عيسى الطبيب.
فوجه مؤنس بعلى بن بليق الى دار الخلافه، وهجم غلمانه على عيسى الطبيب، فاخذوه من بين يدي القاهر، ونفاه مؤنس من وقته الى الموصل.
واستتر محمد بن ياقوت، ووكل مؤنس بدار القاهر، وامر بتفتيش كل من يدخل إليها، حتى فتش لبنا مع احدى الجوارى وخاف ان تكون فيه رقعه.
وأخذ المحبوسين فيها، وسلم والده المقتدر الى والده على بن بليق، فاقامت عندها مرهفه عشره ايام، وماتت بعد ذلك وحملت الى التربة بالرصافة فدفنت بها.
وباع ابن مقله الضياع والاملاك السلطانيه، لتمام مال البيعه بألفي الف وأربعمائة الف دينار.
وتقدم بالقبض على البر بهارى ورئيس الحنابله، فهرب، وقبض على جماعه من كبار اصحابه، ونفاهم الى البصره.
قال بعض اهل العلم: خرجنا في يوم مطير، مع جنازة ابى هاشم عبد السلام ابن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، الى باب البستان، فإذا نحن بجنازة معها جماعه فقلت: جنازة من هذه؟ فقالوا: جنازة ابى بكر بن دريد، فبكينا على الكلام والأدب وذلك في سنه احدى وعشرين وثلاثمائة فاما ابو هاشم فبينه وبين ابى بكر بن دريد اثنا عشر سنه، وله الكتب المشهوره في الكلام وفي الرد على ابن الراوندي والملحده.
قال الخطيب: ساله بعض اصحابه عن مساله فأجابه، فقال: يا أبا هاشم الصاحى بموضع رجلي السكران اعرف من السكران بموضع رجلي نفسه، يعنى ان العالم اعلم بمقدار ما يحسنه الجاهل من الجاهل بقدر ما يحسن.
واما ابو بكر بن دريد، فهو صاحب كتاب الجمهرة، وهو اشعر العلماء.
ومن شعره المقصورة، نقلت من خط التميمى له:

اعاد من اجلك من ضنى *** وسائر العواد اشراكى
ولست اشكوك الى عائد *** اخاف ان اشكو الى شاكى

وله:

وحمراء قبل المزج صفراء بعده *** أتت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكت وجنه المعشوق صرفا فسلطوا *** عليها مزاجا فاكتست لون عاشق

ومن شعره:

كل يوم يروعني بالتجنى *** من أراه مكان روحي منى
مشبه للهلال والظبى والغصن *** بوجه ومقله وتثنى
جمع الله شهوة الخلق فيه *** فهو في الحسن غاية المتمنى
امن العدل ان ارق ويجفونى *** واشتاقه ويصير عنى

وفي هذه السنه، تم تدبير القاهر على مؤنس، وانعكس ما دبره مع ابن مقله من القبض على القاهر، وذلك انه لما عومل بما ذكرناه، وضيق عليه التضييق الذى شرحناه راسل الساجيه وضربهم على مؤنس وبليق، وضمن لهم الضمانات الكثيره.
وكانت اختيار قهرمانه القاهر، تخرج من الدار، وتتوصل الى ان تمضى ليلا الى ابى جعفر محمد بن القيم بن عبيد الله وتشاوره في امور القاهر وعزم ابن مقله وبليق وابو الحسن بن هارون على خلع القاهر، وتوليه ابى احمد بن المكتفي بالله، فاشار عليهم مؤنس بالتمهل، وامرهم بالتلبث الى ان ينبسط القاهر، ثم يقبضون عليه، فاتفق لبليق ان خادمه صدمه في الميدان صدمه اعتل فيها.
وبادر ابن مقله بمكاتبه القاهر، يعلمه ان القرمطى قد وافى الكوفه، وقد قررت انا ومؤنس مع على بن بليق الخروج اليه، وأمرناه بلقاء امير المؤمنين في ليلتنا هذه وكان قصدهم انه إذا وصل اليه، قبض عليه، واتبع الرقعة بأخرى تتضمن الحال، فاستراب القاهر، وخاف ان تكون حيله ونم الخبر اليه من جهة طريف السبكرى.
فلما كان بعد العصر، حضر ابن بليق منتبذا، ومعه عدد يسير من غلمانه:
وكان الظاهر قد ارسل الساجيه يحضرون بالسلاح، وشتموا عليا، وعملوا على القبض عليه، فحامى غلمانه عنه وطرح نفسه من الروشن الى الطيار، وعبر واستتر من ليلته.
واستتر ابن مقله وابن قرابه.
وانحدر بليق ليعتذر لابنه، فقبض عليه القاهر، وراسل مؤنسا واعلمه الحال وساله في الحضور، فاعتذر بثقل الحركة، فعاوده في السؤال في الحضور، فاستقبح له طريف السبكرى التأخر، فلما حصل في دار السلطان قبض عليه، فكانت وزارة ابن مقله للقاهر تسعه اشهر وثلاثة ايام.

وزارة ابى جعفر محمد بن القاسم
ووجه القاهر الى ابى جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله، فاستحضره في مستهل شعبان وقلده وزارته، وخلع عليه يوم الاثنين ثالث شعبان خلع الوزارة.
ووجه القاهر من يومه من استقدم عيسى المتطبب من الموصل.
وانفذ الى دار ابن مقله بباب البستان فطرح فيها النار.
وظهر محمد بن ياقوت وصار الى دار السلطان، وخدم في الحجبة، ثم علم كراهية طريف والساجيه والحجريه له، فاحتال في الهرب واستتر، وانحدر الى ابيه بفارس وجلس بزي الصوفية في الماء وركب البحر، ووافى مهروبان، وجاء ليلا الى ارجان، فنزل على ابى العباس بن دينار، وانفذ اليه أبوه مالا وكسوه، وتلاحق به اصحابه، وقلده القاهر كور الاهواز ثم أصبهان واستحجب القاهر سلامه الطولونى، وقلد أبا العباس احمد بن خاقان الشرطه بجانبي بغداد، وأخذ القاهر أبا احمد بن المكتفي من دار عبد الله بن الفتح، فسد عليه باب البيت، وعرف باستتار على بن بليق في دار، فانفذ من كبسها فاستتر في تنور، فاطبق عليه غطاءه، فتأخر بعض الرجال عن اصحابه حين لم يجدوه، واتى الى التنور، ففتحه وظن ان فيه خبزا يابسا، فلما رآه صاح، فعاد اصحابه فاخذوه، وضرب بين يدي القاهر، وادى عشره آلاف دينار، وحبسه.
وقبض الوزير ابو جعفر على أخيه الحسين، بعد ان امنه ونفاه الى الرقة، وقال: انه يعتقد مذهب ابن ابى العزاقر.
ثم ان رجال مؤنس وبليق شغبوا وقصدوا دار الوزير ابى جعفر فاحرقوا روشنه.
وتقدم القاهر يذبح على بن بليق، وانفذه الى ابيه، فلما رآه بكى ثم ذبح بليق، وانفذ راسيهما الى مؤنس، فلما رآهما لعن قاتلهما، فذبح كما تذبح الشاه، واخرج الرؤوس في ثلاث طسوت حتى شاهدها الناس وأعيدت الى خزانه الرؤوس.
وكان وزن راس مؤنس بعد تفريغ دماغه سته أرطال.
وسهل القاهر امر ابن مقله، حين أخذ من الاستتار فاطلقه.
وقبض الوزير على ابى جعفر بن شيرزاد، وأخذ خطه بعشرين الف دينار وكبس على بنى البريدى فلم يوجدوا.
واحضر القاهر على بن عيسى وقلده واسطا وسقى الفرات.
وقبض القاهر على الوزير محمد بن القاسم، فكانت وزارته ثلاثة اشهر واثنى عشر يوما.
وأخذ من داره ابو يوسف البريدى.
واستدعى القاهر عبد الوهاب بن عبيد الله الخاقانى وإسحاق بن على القناني، على ان يولى أحدهما الوزارة، وجلس القواد بين أيديهما، فخرجت رساله بالقبض عليهما وإدخالهما المطبق ثم وجه الى سليمان بن الحسن، واستحضره للوزارة، فحضر، وتلقاه القواد وقبلوا يده، ووجه بمن قبض عليه وحبسه.
ثم وجه الى الفضل بن جعفر واستدعاه ليستوزره، فاستتر.
ثم استدعى الخصيبى، وخلع عليه، وكتب للبريديين أمانا، بعد ان صادر أبا يوسف على اثنى عشر الف الف درهم ولما أتاه عبد الله، عاتبه وقال له: شمت أم أخي وهي أمي، وحقوقي عليك توجب صيانتها عن الذكر القبيح، فقال له:
دع ما مضى، فاننى لم املك نفسي، وقد وصفتك لأمير المؤمنين ولا بد من الفى الف درهم فقال ابو عبيد الله: لقد اعتبتنى ايها الوزير، واحسنت التلاقى فقال: بحياتى عليك، اكتب خطك بهذا المبلغ، فكتب به خطه وانصرف.
وانحدر البريدى الى واسط، وعقدها القاهر عليه بثلاثة عشر الف درهم، وأتاها وبها على بن عيسى، وقد عمرها، وقال عيسى المتطبب للبريدى: ان القاهر يريد القبض عليك فاستتر، ولم يظهر حتى خلع القاهر.

وزارة الخصيبى
وكان ابن مقله، يراسل الساجيه والحجريه في استتاره، ويضريهم على القاهر.
وكان الحسن بن هارون يلقاهم ليلا بزي السؤال، وفي يده زبيل حتى تمت له الحيله.
وبذل لمنجم كان يخدم سيما مائتي دينار، حتى قال له من طريق النجوم: انه يخاف عليه من القاهر.
وبلغ الخبر باستيلاء اصحاب ابن رائق على الاهواز.
وبلغ الخصيبى ما عول عليه الحجريه والساجيه، من قصد دار السلطان، فانفذ عيسى المتطبب الى القاهر ليخبره بالحال، فوجده نائما مخمورا، واجتهد في انباهه فلم ينتبه لشدة سكره.
فقام سيما بهم، وركبوا معه الى دار السلطان، ورتب على كل باب من أبوابها جماعه من الحجريه والساجيه، وامرهم بالهجوم في وقت عينه، وهجم من باب العامه، فوقف به ودخل اصحابه.
فخرج الخصيبى في زي امراه واستتر.
وانحدر سلامه الى مشرعه الساج واستتر.
ولما علم القاهر بالحال، انتبه من سكره، وافاق، وهرب الى سطح حمام في دور الحرم، ووقع في ايديهم خادم صغير، فضربوه بالدبابيس، حتى دلهم على موضعه، فاخذوه وعلى راسه منديل ديبقى وبيده سيف مجرد، واجتهدوا به في النزول اليهم.
وقالوا: نحن عبيدك وما نريد غير التوثق لأنفسنا وهو ممتنع حتى فوق اليه احدهم سهما، فنزل.
وقبضوا عليه ضحوه يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الآخرة سنه اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
وأتوا الى محبس طريف السبكرى فكسروا قيده، وحبسوا القاهر مكانه، ووكلوا به.
وظفروا بزيزك خادمه، وعيسى المتطبب واختيار القهرمانه.
واستدلوا على الموضع الذى فيه ابو العباس محمد بن المقتدر، فدلهم على مكانه خادم، فوجدوه ووالدته معتقلين، ففتحوا عنهما. ووقع النهب ببغداد.

خلافه الراضي بالله ابى العباس محمد بن المقتدر رحمه الله
وأمه ظلوم وكانت مده خلافته ست سنين وعشره اشهر وعشره ايام.
اجلسه الساجيه والحجريه على السرير، وبايع له القواد وبدر الخرشنى، ولقب بالراضى بالله.
واستحضر على بن عيسى وأخاه عبد الرحمن، وشاورهما، فعرفه ابو الحسن ان سبيله ان يعقد لواء لنفسه، على رسم الخلفاء، ففعل ذلك، واستحفظ باللواء في الخزانه وتسلم خاتم الخلافه، وهو خاتم فضه وفصه حديد صينى، عليه مكتوب ثلاثة اسطر محمد رسول الله.
وانفذ الى القاهر بمن طالبه بتسليم خاتمه اليه، وكان فصه ياقوتا احمر وعليه منقوش: بالله محمد الامام القاهر بالله امير المؤمنين يثق فامر ان يسلم الى نقاش حاذق فمحاه.
ومضى القاضى ابو الحسين والقاضى ابو محمد الحسن بن عبد الله بن ابى الشوارب، فامتنع ان يخلع نفسه، فقال على بن عيسى: اخلعوه فان افعاله مشهوره واعماله معروفه وسمل في تلك الليلة.
وأخذ البيعه للراضى على بن عيسى واخوه، وسال الراضي على بن عيسى ان يتقلد الوزارة فاستعفاه وقال: انى لا أفي بالأمر، واشار بابن مقله، وكان مستترا وكتب له أمانا فظهر

 وزارة ابن مقله
ومضى الناس اليه، وهو في دار ابن عبدوس الجهشيارى، فهنئوه وخلع عليه خلع الوزارة.
وظهر من الاستتار مفلح الأسود، خادم المقتدر، وسرور وفلفل والحسين ابن هارون، وابو بكر بن قرابه.
وصاروا الى ابى على وهنئوه، وقال ابن مقله لما أتاه الناس: كنت مستترا في دار ابى الفضل بن مارى النصراني، فسعى بي القاهر، قبل زوال امره بشهرين، وعرف موضعي، وانى لجالس وقد مضى نصف الليل اتحدث مع ابن مارى، أخبرتنا زوجته ان الشارع قد امتلا بالمشاعل والشمع والفرسان، فطار عقلي، وادخلنى ابن مارى بيت تبن، وكبست الدار وفتشوها، ودخلوا بيت التبن وفتشوه بايديهم، فلم اشك اننى مأخوذ، وعهدت وعاهدت الله تعالى على انه ان نجاني من يد القاهر بالله، ان انزع عن ذنوب كثيره، واننى ان تقلدت الوزارة امنت المستترين، واطلقت ضياع المنكوبين، ووقفت وقوفا على الطالبيين، فما استتم نذرى، حتى خرج القوم وانتقلت الى مكان آخر.
وما نزع من الخلع، حتى وفي بالنذر.
وكتب ابن ثوابه في خلع القاهر كتابا قرئ على المنابر واطلق ابن مقله المحبوسين.
وقلد الراضي بالله الشرطه ببغداد بدرا الخرشنى.
وكان زيرك القاهرى قد اجمل عشره الراضي وقت اعتقاله، فكافاه بان قلده امر حرمه واكرمه.
وسلم ابن مقله عيسى المتطبب الى بنى البريدى فأخذوا منه ثلاثين الف دينار، ارتفق بها منهم، وردوه على ابن مقله وقالوا: انه قد امتنع من أداء شيء.
ولم يعترف القاهر بشيء سوى خمسين الف دينار، ففرقها الراضي في الجند.
وقلد ابن مقله أبا الفتح الفضل بن جعفر خلافته على سائر الاعمال.
وقلد أبا عبد الله البريدى خوزستان، وقلد اخوته البصره والسوس وجنديسابور وكور دجلة وبادوريا والأنبار وبيرسير وقطربل ومسكن وكتب الى على بن خلف بن طياب باقراره على فارس وكرمان.
وقلد الحسن بن هارون ما قلده على بن عيسى من اعمال واسط بمائه الف كر شعير وعشره آلاف كر أرز وأربعمائة كر سمسم والف الف وأربعمائة الف درهم.
وقلد القراريطى كتابه ابن ياقوت الزمام وديوان الفرات، فسفر حينئذ لصاحبه محمد بن ياقوت في الحجبة.
وحمل الى سماء خمسه عشر الف دينار، حتى عرف الراضي بالله انهم لا يريدون غير محمد بن ياقوت، وانفق هذا الوجه بحجه على القواد مائه الف وعشرين الف دينار.
فغاظ ابن مقله، لأنه استدعى ابن رائق وهو بالباسيان لذلك ولم يمكنه تغييره، فلما صار ابن رائق بالمدائن، امره الراضي بالانحدار الى واسط، وأضافها الى اعماله بالبصرة وغيرها.
وكان ابن ياقوت برامهرمز عازما على التوجه الى أصبهان، فكوتب بالاصعاد، فالتقى ابن ياقوت في طيارة وابن رائق في حديديه، فسلم كل واحد منهما على صاحبه إيماء من غير قيام.
وتلقى ابن ياقوت الحجريه والساجيه، ودخل على الراضي، فخلع عليه وقلده الحجبة، وصار اليه الناس الى داره بالزاهر، ولم يقم لأحد الا لابن مقله ولعلى ابن عيسى.
واستولى ابن ياقوت على الأمر.
وحصل ابن مقله مع كاتبه القراريطى، وبقي متعطلا.
وأخذ خطوط البريديين بمائه الف دينار.
وكان هارون بن غريب بالدينور، فعرف الحال بينهما، وهي على عشره فراسخ من بغداد، عازما على ان يتقلد الجيش، فكره الناس ذلك واستحضر ابن ياقوت ابن شيرزاد، واوصله الى الراضي بالله، حتى حمله رساله اليه، يأمره بالرجوع الى الدينور فمضى ومعه القراريطى، فالتقى به بجسر النهروان، فلم يقبل، قال: ومن جعل ابن ياقوت أحق بالرئاسه منى! وقد كان يجلس بين يدي، وانا نسيب امير المؤمنين، وقال القراريطى: لولا انك رسول لقتلتك، فانصرفا الى بغداد واستخرج هارون اموال طريق خراسان فعسف الرعية وظلمهم وسار ابن ياقوت في الحين الى القنطرة فنزلها، وانفذ ابن شيرزاد برسالة جميله، وعرض عليه تسييب الأموال على النهروانات فلم يقبل.
ومضى كثير من الجند الى هارون مستأمنين، واشتد القتال وابن ياقوت يقرا في مصحف ويسبح، وهو في عدد قليل، حتى انهزم اصحابه، ونهب سواده.
وبلغ هارون ان محمدا قد عبر قنطره نهر بين، فبادر وحده لياسره، فتمطر به فرسه فسقط عنه في ساقيه، فلحقه غلام ابيه يمن الغربي، فضربه ضربه عظيمه وبادر غلام اسود فذبحه ورفع راسه، فتفرق اصحابه، ونهب الحجريه والساجيه سوادهم.
وامر ابن ياقوت بتكفينه، ودفن بهرس من غير ان يصلى عليه، ودخل بغداد، وبين يديه راسه ورءوس اصحابه، فامر الراضي بنصبهما على باب العامه.
ثم ان والده الراضي، سالت ان تحمل جثته ويدفن راسه في تربته بقصر عيسى، فأجابها الى ذلك: وأخذ ابن مقله لابنه ابى الفتح أمانا من الراضي، وقطع امره على ثلاثين الف دينار.

وفي رجب هذه السنه مات ابو جعفر السجزى، وبلغ من السن مائه واربعين سنه قال ابن سنان: وراسه صحيح الحواس والبصر، منتصب الظهر، ملزز الأعضاء بغير معاون، وقال له على بن عيسى يوما: انما قطعت مالك لكذبك في سنك، فقال: ايها الوزير استدع الجرائد من سر من راى، فإنك تجد اسمى فيها واسم من كان قبلي وبعدي، فوجد الأمر كما قال وقال ابن ابى داود السجستانى: اعرفه واهله وهم معمرون وحكى انه يذكر دخول هرثمة وهو في المكتب.
واراد الراضي توليه محمد بن الحسن بن ابى الشوارب، القضاء بمدينه المنصور، كما كان يتولى ذلك أبوه، فشفع محمد بن ياقوت في امر ابى الحسن، حتى لم يغير عليه، وكتب عهده حتى زال الارجاف عنه.
وضمن ابو يوسف البريدى اعمال واسط والصلح والمبارك، واستخلف عليها الحسين بن على النوبختى، وكان يتقلدها لهارون بن غريب، وكان عفيفا خبيرا بالأعمال.
وكان ابن مقله قد احدر الخصيبى وسليمان بن الحسن الى البصره، وامر البريدى بنفيهما في البحر، فخف بهما ليله، فكادا يغرقان وايسا من الحياه، فقال الخصيبى: اللهم اننى استغفرك من كل ذنب وخطيئة واتوب إليك من معاوده معاصيك الا من مكروه ابى على بن مقله ان قدرت عليك جازيته عن ليلتي هذه وما حل بي منه فيها، وتناهيت في الإساءة اليه، فقال سليمان: وفي هذا الموضع وأنت معاين للهلاك نقول هذا؟ فقال: ما كنت لاخادع ربى.
ولما وصلا الى عمان، عدل بالخصيبى الى سرنديب، فعرف سليمان بن الحسن ابن وجيه خبره فامر برده الى عمان.
ولما عزل الراضي ابن مقله وولى عبد الرحمن بن عيسى، ضمن الخصيبى ابن مقله، فلما رآه تلفت نفسه، فاسمعه الخصيبى نهاية ما كره، وسلمه الى الدستوائى، وكان لابن مقله اليه اساءه، لأنه سلمه الى ابن البريدى حين الوى نعمته، فعمل الدستوائى بابن مقله صنوف المكاره.
وجاء ابو بكر بن قرابه، فضمن عنه مائه الف دينار والفى دينار، ودفعت الضرورة الى ان وزن ابن قرابه المال من عنده وفي هذه السنه، ظهرت حال ابن ابى العزاقر، وكان يدعى ان اللاهوت قد حل فيه، وكان قد استتر عند بختيشوع بن يحيى المتطبب، وتتبع حتى قتل وقتل جماعه صدقوه.