351 هـ
962 م
سنه احدى وخمسين وثلاثمائة

ورد الخبر بان اهل زربه دخلوا في أمان الروم، وانهم غدروا بهم فقتلوهم، وقطعوا منها اربعين الف نخله واعاد سيف الدولة بناءها بعد ذلك …

واتى الروم منبجا، وكان فيها ابو فراس بن ابى العلاء بن حمدان، متوليا لها، فأسروه فقال في اسره اشعارا كثيره منها:

ارث لصب بك قد زدته *** على بقايا اسره اسرا
قد عدم الدنيا ولذاتها *** لكنه لم يعدم الصبرا
فهو اسير الجسم في بلده *** وهو اسير القلب في اخرى

وكتبه الى أمه:

فيا امتا لا تعدمى الصبر انه *** الى الخير والنجح القريب رسول
ويا امتا لا تحبطى الاجر انه *** على قدر الصبر الجميل جزيل
اما لك في ذات النطاقين أسوة *** بمكة والحرب العوان تجول
اراد ابنها أخذ الامان فلم تجب *** وتعلم علما انه لقتيل
تاسى كفاك الله ما تحذرينه *** فقد غال هذا الناس قبلك غول
وكوني كما كانت بأحد صفيه *** إذا لعلتها رنه وعويل
لقيت نجوم الليل وهي صوارم *** وخضت سواد الليل وهو وحول
ولم ارع للنفس الكريمه حرمه *** عشيه لم يعطف على حليل
وما لم يرده الله فهو ممزق *** ومن لم يعز الله فهو ذليل
وما لم يرده الله في الأمر كله *** فليس لمخلوق اليه سبيل

ووافى الدمستق الى حلب ومعه ابن اخت الملك ولم يعلم سيف الدولة بخبره، وخرج عند علمه، وحاربه قليلا، فقتل جميع اولاد داود بن حمدان، وابن الحسين ابن حمدان، وانهزم سيف الدولة في نفر يسير، وظفر الدمستق بداره- وهي خارج مدينه حلب- فوجد لسيف الدولة فيها ثلاثمائة وتسعين بدره دراهم، والف وأربعمائة بغل، فاخذ الجميع، وأخذ له من السلاح ما يجاوز الحد، واحرق الدار، وملك الربض، وقاتله اهل حلب من وراء سورهم، فسقطت ثلمه على قوم فقتلتهم، وقاتل عليها اهل البلد، واجتمعوا بالليل وبنوها، وانصرف الروم عنهم، فانتهب رجال الشرطه منازل الناس، وامتعه التجار فمضوا لحربهم.
فلما خلا السور صعد الروم، وفتحوا الأبواب، ووضعوا السيف، وكان في حلب عند المسلمين الف ومائتا اسير من الروم، فاطلقوهم وسبوا بضعه عشر الف صبى وصبيه، وأخذوا من الأموال ما لا يحد، وضربوا الباقى بالنار، واقام الروم بها تسعه ايام، وكان عسكرهم مائتي الف وثلاثين الف رجل بالجواشن، وكان معهم ثلاثون الف صانع للهدم وتطريق الطرق، واربعه آلاف بغل، عليها الحسك الحديد يخندقون به على عسكرهم.
وقال ابن اخت ملكهم: لا ابرح او افتح القلعة، وصعد الى مدرجها، فرماه ديلمى بخشب في صدره فانفذه.
وسار متقدم الروم الى بلده عند ذلك، ولم يتعرض للسواد، وامر اهله بعمارته، ووعدهم بالعود اليهم.
وفي جمادى الآخرة مات دعلج بن احمد بن دعلج المحدث العدل، وله خان بسويقه غالب، عند قبر ابن سريج، وقف على اصحاب الشافعى رحمه الله الى اليوم، وعمره نظام الملك رحمه الله، وقد اطلق له مائه دينار، في أول نوبه دخلها حين مضى اليه اصحاب ابى رحمه الله، واعلموه مقاسهم واستشفعوا بصحبته.
وحكى ابن نصر في كتاب المفاوضه قال: أنزلني الشيخ ابو الحسن العلوي الحنفي الدار المعروفه بدعلج، في درب ابى خلف، بإزاء داره، فقلت داره، فقلت له: لم أزل اسمع الناس يعظمون شان هذه الدار، وما أجدها كما وصفت، فقال لي: كان دعلج في هذه الدار، وكان شاهدا ومحدثا وعظيم الحال موسرا وكان المطيع لله قد اودع أبا عبد الله بن ابى موسى الهاشمى عشره آلاف دينار قبل إفضاء الخلافه اليه، فتصرف فيها وأنفقها وادل بالقدره عليها في طلبها، فلما ولى الخلافه، طالبه بها، فوعده بحملها، ورجع الى منزله، وشرع في بيع شيء من املاكه وثماره فتعذر، فالح المطيع بالمطالبة بالوديعة، فاعتذر بأنها مخبوءه لا يقدر عليها الا بعد ثلاثة ايام، فانظره، فلما حضر وقت الوعد قلق ولم ينم، ولم يتجه له وجه، وخاف ان يحرق به، ولم يعود ثلم جاهه، فركب في بقية الليل بغير غلام، وترك راس البغله تمشى حيث شاءت، فافضت به الى قطيعه الربيع، فدخلها وعطف الى درب ابى خلف، فإذا دعلج قد خرج وفي يده سمكه، فتأمله فقال له: خير، فقال: لا، ابالله انزل، فنزل ودخل داره وقص قصته، فقال: لا باس، اى نقد كانت الدنانير؟ فقال: النقد الفلاني فقال: يا غلام، اغلق الباب، وحط ما عندك من العين، واجلس مع الشريف، وانتقد النوع الفلاني الى ان ارجع من الحمام فلما عاد كان الغلام قد انتقد القدر، فجعلها في اكياس، وأنفذها مع غلمانه، ثم قال: اكتب خطك في دفترى، فكتبت خطى بذلك، الى مده اربعه اشهر وانصرفت.
واستدعيت الظرف التي كانت دنانير المطيع فيه، فنقلتها اليه، وختمتها بالاسريحات التي كانت عليه، فأتاني رسول المطيع، فحملت المال ووضعته بين يديه، وقلت: ان راى امير المؤمنين ان يتقدم بوزنه! فقال: ما افعل ذلك وهي تحت ختمى، فخفت ان يتأمل الختم، فعجلت الى كسره، وحلفت بنعمته لا بد مما تزنه، فوزن.
واتفق انه دخل من ضيعتى ثلاثة آلاف دينار قبل الأجل، فحضرت عند دعلج ودفعتها اليه، فقال: لا اله الا الله، ايها الشريف، بم استحققت منك هذا!
ارتجعه قبل المده فأكون كذابا! فامسكت الدنانير حتى تكاملت في وقتها وفيها خلع معز الدولة على ابى الفرج محمد بن العباس، وقلده كتابه عز الدولة مضافا الى ما اليه من الديوان وفي ذي القعده مات ابو عبد الله بن ابى موسى الهاشمى.
ومات بعده ابو بكر النقاش، صاحب شفاء الصدور في تفسير القرآن.
وفيه لقب عضد الدولة بهذا اللقب.