362 هـ
972 م
سنه اثنتين وستين وثلاثمائة

[أخبار]
خرج الدمستق في جموع كثيره الى بلاد الاسلام، فوطئها واثر الآثار القبيحه فيها، واستباح نصيبين، واقام بها خمسه وعشرين يوما، وانفذ  …

اليه ابو تغلب ما لا هادنه به.
واتى المستغيبون من اهل تلك البلاد الى بغداد، وضجوا في الجامع، وكسروا المنابر، ومنعوا من الخطبه، وصاروا الى دار المطيع لله، وقلعوا بعض شبابيكها.
وكان عز الدولة بالكوفه، فخرج اليه ابو بكر الرازى، وابو الحسين على بن عيسى الرماني، وابو محمد الداركى وابن الدقاق، في خلق من اهل العلم والدين، مستنفرين ووبخوه على حرب عمران بن شاهين، وصرف زمانه الى القبض على ارباب الدواوين وعدوله عن مصالح المسلمين.
فادى اجتهاد ابى الفضل الشيرازى، ان قال للمطيع لله: يجب ان تعطى ما تصرفه في نفقه المجاهدين، فقال المطيع لله: انما يجب على ذلك، إذا كنت مالكا لأمري، وكانت الدنيا في يدي، فاما ان أكون محصورا ليس في يدي غير القوت، الذى يقصر عن كفايتي، فما يلزمني غزو ولا حج، وانما لي منكم الاسم على المنبر، فان آثرتم ان اعتزل اعتزلت.
والتزم له بعد ذلك أربعمائة الف درهم باع بها انقاض داره وثيابه.
ثم وصل الخبر بان الدمستق قصد أمد، فخرج اليه واليها هزار مرد، مولى ابى الهيجاء بن حمدان وانضم اليه هبه الله بن ناصر الدولة، وساعدهم اهل الثغور، فنصرهم الله تعالى، وكثر القتل والاسر لأصحاب الدمستق، وأخذ مأسورا، وذلك في ثانى شوال.
وكان اكثر السبب في خذلان الله تعالى للروم ان هبه الله تعالى متقدمهم في مضيق، وقد تقدم عسكره ولم يتأهب، فكانت الحال في اسره كما وصفنا.
وكتب ابو تغلب كتابا الى المطيع لله، يخبره بالحال، وكتب الصابى الجواب عنه، وهو مذكور في رسائله ومات الدمستق من جراح به.
وفي شعبان قتلت العامه والاتراك خمارا صاحب المعونة برأس الجسر من الجانب الشرقى، واحرقوا جسده، لأنه كان قد قتل رجلا من العوام وولى مكانه الحبشي، فقتل احد العيارين في سوق النخاسين، فثارت العامه وقاتلته، وانفذ ابو الفضل الشيرازى حاجبه صافيا لمعاونه صاحب الشرطه، وكان صافى يبغض اهل الكرخ، فاخترق النخاسين الى السماكين، فذهب من الأموال ما عظم قدره.
واحرق الرجال والنساء في الدور والحمامات واحصى ما احترق فكان سبعه عشر ألفا وثلاثمائة دكان وثلاثمائة وعشرين دارا، اجره ذلك في الشهر ثلاثة واربعون الف دينار واحترق ثلاثة وثلاثون مسجدا.
وكلم ابو احمد الموسوى أبا الفضل الشيرازى، بكلام كرهه، فصرفه عن النقابة، وولى أبا محمد الحسن بن احمد بن الناصر العلوي.
وركب ابو الفضل الى دار ابن حفص التي على باب البركه، واحضر التجار وطيب قلوبهم، فقال: له شيخ منهم: ايها الوزير أريتنا قدرتك، ونحن نؤمل من الله تعالى ان يرينا قدرته فيك، فامسك ابو الفضل ولم يجبه، وركب الى داره.

نزول الخارج بالمغرب بمصر
وكان جوهر صاحب الخارج بمصر، قد اتى مصر، واقام الدعوة لصاحبها وبنى له قصره، وأتاها ابو تميم معد بن اسماعيل، الملقب بالمعز فنزلها.
وفي سادس عشر ذي القعده خلع على إسحاق بن معز الدولة من دار الخلافه بالسيف والمنطقه، ورسم بحجبه المطيع لله على رسم أخيه عز الدولة في ايام ابيه، ولقب عمده الدولة.
وفي سادس ذي الحجه قبض على ابى الفضل الشيرازى، وقد كثر الدعاء عليه في المساجد والبيع والكنائس، وقد ذكرنا مصادراته للمطيع لله، واحراق غلامه الكرخ، وما بت من المصادرات، وسلم الى الشريف ابى الحسن محمد بن عمر، فانفذه الى الكوفه، فسقى ذراريح في سكنجبين، فتقرحت مثانته، ومات من ذلك.
قال ابو حيان: قيل له في وزارته الثانيه: كنت قد وعدت من نفسك، ان اعاد الله يدك الى البسطه، ورد حالك الى السرور والغبطة، انك تجمل في المعاملات، وتنسى المقابله، وتلقى وليك وعدوك بالإحسان الى هذا والكف عن هذا! فكان جوابه ما دل على عتوه لأنه قال: اما سمعتم قول الله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ فما لبث بعد هذا الكلام الا قليلا حتى اورد ولم يصدر، ولم ينعش بعد ان عثر، وتولى ابن بقية مصادرته، فصادره على مائه الف دينار.

وزارة ابى طاهر بن بقية لمعز الدولة
كناه الخليفة، وخلع عليه، ولقبه الناصح، وكان يخدم في مطبخ معز الدولة، حتى خدم أبا الفضل الشيرازى، وكان واسع النفس، وكانت وظيفته في كل يوم الف رطل ثلجا، وفي كل شهر اربعه آلاف منا شمعا، وكان يفعل كما يفعل وزراء الخلفاء، من الجلوس في الدسوت الكامله، ويضع وراء مجلسه أساطين الشمع، وبين يديه عده اتوار فيها الموكبيات والثلاثيات، وفي كل مجلس من الدار تور فيه ثلاثية، وان كان المكان خاليا، وفي أيدي الفراشين الموكبيات، بين يدي من يدخل ويخرج، وفي الشتاء يترك بين يديه كوانين الفحم، فيها جمر الغضا، ويترك عليه اقطاع الشمع، فكان يشتعل احسن اشتعال.
وفي هذه السنه توفى القاضى ابو حامد احمد بن عامر بن بشر المروروذى بالبصرة.