282 هـ
895 م
سنه اثنتين وثمانين ومائتين (ذكر الاحداث التي كانت فيها)

ذكر امر النيروز المعتضدي، فمن ذلك ما كان من امر المعتضد في المحرم منها بإنشاء الكتب الى جميع العمال في النواحي والأمصار بترك افتتاح …

الخراج في النيروز الذى هو نيروز العجم، وتاخير ذلك الى اليوم الحادي عشر من حزيران، وسمى ذلك النيروز المعتضدي، فانشئت الكتب بذلك من الموصل والمعتضد بها، وورد كتابه بذلك على يوسف بن يعقوب يعلمه انه اراد بذلك الترفيه على الناس، والرفق بهم، وامر ان يقرا كتابه على الناس، ففعل.
وفيها قدم ابن الجصاص من مصر بابنه ابى الجيش خمارويه بن احمد بن طولون التي تزوجها المعتضد، ومعها احد عمومتها، فكان دخولهم بغداد يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم، وادخلت للحرم ليله الأحد، ونزلت في دار صاعد ابن مخلد، وكان المعتضد غائبا بالموصل.
وفيها منع الناس من عمل ما كانوا يعملون في نيروز العجم من صب الماء ورفع النيران وغير ذلك.

ذكر امر المعتضد مع حمدان بن حمدون
وفيها كتب المعتضد من الموصل الى إسحاق بن أيوب وحمدان بن حمدون بالمصير اليه، فاما إسحاق بن أيوب فسارع الى ذلك، واما حمدان بن حمدون فتحصن في قلاعه، وغيب أمواله وحرمه فوجه اليه المعتضد الجيوش مع وصيف موشكير ونصر القشورى وغيرهما، فصادفوا الحسن بن على كوره واصحابه منيخين على قلعه لحمدان، بموضع يعرف بدير الزعفران من ارض الموصل، وفيها الحسين بن حمدان، فلما راى الحسين اوائل العسكر مقبلين طلب الامان فأومن وصار الحسين الى المعتضد، وسلم القلعة، فامر بهدمها، واغذ وصيف موشكير السير في طلب حمدان، وكان قد صار بموضع يعرف بباسورين بين دجلة ونهر عظيم، وكان الماء زائدا، فعبر اصحاب وصيف اليه ونذر بهم، فركب واصحابه ودافعوا عن انفسهم، حتى قتل اكثرهم، فالقى حمدان نفسه في زورق كان معدا له في دجلة، ومعه كاتب له نصرانى يسمى زكرياء بن يحيى، وحمل معه مالا، وعبر الى الجانب الغربي من دجلة من ارض ديار ربيعه، وقدر اللحاق بالاعراب لما حيل بينه وبين اكراده الذين في الجانب الشرقى، وعبر في اثره نفر يسير من الجند فاقتصوا اثره، حتى أشرفوا على دير كان قد نزله، فلما بصر بهم خرج من الدير هاربا ومعه كاتبه، فألقيا أنفسهما في زورق، وخلفا المال في الدير، فحمل الى المعتضد، وانحدر اصحاب السلطان في طلبه على الظهر وفي الماء، فلحقوه، فخرج عن الزورق خاسرا الى ضيعه له بشرقى دجلة، فركب دابه لوكيله، وسار ليله اجمع الى ان وافى مضرب إسحاق بن أيوب في عسكر المعتضد، مستجيرا به، فاحضره إسحاق مضرب المعتضد، وامر بالاحتفاظ به، وبث الخيل في طلب أسبابه، فظفر بكاتبه وعده من قراباته وغلمانه، وتتابع رؤساء الأكراد وغيرهم في الدخول في الامان، وذلك في آخر المحرم من هذه السنه.

[أخبار متفرقة]
وفي شهر ربيع الاول منها قبض على بكتمر بن طاشتمر، وقيد وحبس، وقبض ماله وضياعه ودوره.
وفيها نقلت ابنه خمارويه بن احمد الى المعتضد لاربع خلون من شهر ربيع الآخر، ونودى في جانبي بغداد الا يعبر احد في دجلة يوم الأحد، وغلقت أبواب الدروب التي تلى الشط، ومد على الشوارع النافذة الى دجلة شراع، ووكل بحافتى دجلة من يمنع ان يظهروا في دورهم على الشط.
فلما صليت العتمه وافت الشذا من دار المعتضد، وفيها خدم معهم الشمع، فوقفوا بإزاء دار صاعد، وكانت اعدت اربع حراقات شدت مع دار صاعد، فلما جاءت الشذا احدرت الحراقات، وصارت الشذا بين ايديهم، واقامت الحره يوم الاثنين في دار المعتضد، وجليت عليه يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر ربيع الاول.
وفيها شخص المعتضد الى الجبل، فبلغ الكرج، وأخذ اموالا لابن ابى دلف وكتب الى عمر بن عبد العزيز بن ابى دلف يطلب منه جوهرا كان عنده، فوجه به اليه، وتنحى من بين يديه.
وفيها اطلق لؤلؤ غلام ابن طولون بعد خروج المعتضد، وحمل على دواب وبغال.
وفيها وجه يوسف بن ابى الساج الى الصيمرة مددا لفتح القلانسي، فهرب يوسف بن ابى الساج بمن أطاعه الى أخيه محمد بالمراغة، ولقى مالا للسلطان طريقه فأخذه، فقال في ذلك عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
امام الهدى انصاركم آل طاهر بلا سبب يجفون والدهر يذهب
وقد خلطوا صبرا بشكر ورابطوا وغيرهم يعطى ويحبى ويهرب
وفيها وجه المعتضد الوزير عبيد الله بن سليمان الى الري الى ابى محمد ابنه.
وفيها وجه محمد بن زيد العلوي من طبرستان الى محمد بن ورد العطار باثنين وثلاثين الف دينار، ليفرقها على اهله ببغداد والكوفه، ومكة والمدينة، فسعى به، فاحضر دار بدر، وسئل عن ذلك، فذكر ان يوجه اليه في كل بمثل هذا المال، فيفرقه على من يأمره بالتفرقه عليه من اهله فاعلم بدر المعتضد ذلك، واعلمه ان الرجل في يديه والمال، واستطلع رايه وما يأمر به.
فذكر عن ابى عبد الله الحسنى ان المعتضد قال لبدر: يا بدر، اما تذكر الرؤيا التي خبرتك بها؟ فقال: لا يا امير المؤمنين، فقال: الا تذكر انى حدثتك ان الناصر دعانى، فقال لي: اعلم ان هذا الأمر سيصير إليك، فانظر كيف تكون مع آل على بن ابى طالب! ثم قال: رايت في النوم كأني خارج من بغداد اريد ناحيه النهروان في جيشي، وقد تشوف الناس الى، إذ مررت برجل واقف على تل يصلى، لا يلتفت الى، فعجبت منه ومن قله اكتراثه بعسكرى، مع تشوف الناس الى العسكر، فاقبلت اليه حتى وقفت بين يديه، فلما فرغ من صلاته قال لي: اقبل، فاقبلت اليه، فقال:
اتعرفنى؟ قلت: لا، قال: انا على بن ابى طالب، خذ هذه المسحاة، فاضرب بها الارض- لمسحاه بين يديه- فأخذتها فضربت بها ضربات، فقال لي: انه سيلي من ولدك هذا الأمر بقدر ما ضربت بها، فاوصهم بولدي خيرا قال بدر: فقلت: بلى يا امير المؤمنين، قد ذكرت قال: فاطلق المال، واطلق الرجل وتقدم اليه ان يكتب الى صاحبه بطبرستان ان يوجه ما يوجه به اليه ظاهرا، وان يفرق محمد بن ورد ما يفرقه ظاهرا، وتقدم بمعونة محمد على ما يريد من ذلك.
وفي شعبان لإحدى عشره بقيت منها، توفى ابو طلحه منصور بن مسلم في حبس المعتضد وفيها لثمان خلون من شهر رمضان منها، وافى عبيد الله بن سليمان الوزير بغداد قادما من الري، فخلع عليه المعتضد.
ولثمان بقين من شهر رمضان منها، ولدت ناعم جاريه أم القاسم بنت محمد ابن عبد الله للمعتضد ابنا سماه جعفرا، فسمى المعتضد هذه الجاريه شغب.
وفيها قدم ابراهيم ابن احمد الماذرائى لاثنتى عشره بقيت من ذي الحجه من دمشق على طريق البر، فوافى بغداد في احد عشر يوما، فاخبر المعتضد ان خمارويه بن احمد ذبح على فراشه، ذبحه بعض خدمه من لخاصة، وقيل: ان قتله كان لثلاث خلون من ذي الحجه وقيل ان ابراهيم وافى بغداد من دمشق في سبعه ايام، وقتل من خدمه الذين اتهموا بقتله نيف وعشرون خادما.
وكان المعتضد بعث مع ابن الجصاص الى خمارويه بهدايا، واودعه اليه رساله، فشخص ابن الجصاص لما وجه له، فلما بلغ سامرا بلغ المعتضد مهلك خمارويه، فكتب اليه يأمره بالرجوع اليه فرجع، ودخل بغداد لسبع بقين من ذي الحجه.