332 هـ
943 م
سنه اثنتين وثلاثين وثلاثمائة

وافى ابو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان الى باب حرب في جيش كثير، فخرج اليه المتقى لله وحرمه وولده وابن مقله وابو نصر محمد بن …

ينال الترجمان، وخرج معه العمال والوجوه، وسلامه الطولونى وابو زكريا السوسي وابو محمد الماذرائى والقراريطى وابو عبد الله الموسوى وغيرهم.
واستتر ابن شيرزاد ونهب اقبال غلامه بعض خزائن المتقى.
وظهر ابن شيرزاد من استتاره.
ووصل سيف الدولة الى تكريت لاربع خلون من شهر ربيع الاول، فتلقاه الأمير ابو منصور، وصار معه الى المتقى لله، واشار بالاصعاد الى الموصل، فامتنع وقال: لم توافقونى على هذا؟
وانفذ توزون حين بلغه الخبر موسى بن سليمان في الف رجل فنزل بالشماسيه.
وعقد توزون واسطا على البريدى، واصعد فوصل بغداد عاشر ربيع الاول.
فعند ذلك، انفذ المتقى حرمه الى الموصل، وانحدر اليه ناصر الدولة في بنى نمير وبنى كلاب وبنى اسد، فتلقاه المتقى وسار توزون اليهم، الى قصر الجص، ودامت الحرب فيه، بين سيف الدولة وبين توزون ثلاثة ايام، فانهزم سيف الدولة حينئذ، واصعد معه اخوه ناصر الدولة، ونهب اعرابهما سوادهما.
وملك توزون تكريت، فشغب عليها اتراكه، ولحق بعضهم بناصر الدولة، فانحدر حينئذ توزون الى بغداد، وأنقذ بابن ابى موسى في الصلح بينه وبين ناصر الدولة.
وانحدر سيف الدولة من الموصل، ومعه الجيش للقاء توزون، وكان توزون قد زوج ابنته من ابى عبد الله البريدى.
وسار توزون الى حربى فالتقيا أول شعبان، فانهزم سيف الدولة، وسار الى الموصل فعند ذلك خرج اخوه ناصر الدولة والمتقى لله وسائر من معهم الى نصيبين، وخرج توزون وراءهم الى الموصل، ومعه ابن شيرزاد، فاستخرج منها مائه الف دينار.
وللنامى يذكر وقعه سيف الدولة بتوزون:

على رماحك نصر الله قد نزلا *** فاسال به يوم تلقاك العدى الاسلا
ان ضل سعدا على مسراك مطلعه *** فقد دعته العدى المريخ او زحلا
يا ناصر الدين ان الدين في وزر *** وموئل الملك ان الملك قد والا
هاتى صنائعك الحسنى أبا حسن *** والت لمن قد بغاك العتر والزللا

وسار المتقى لله الى الرقة في حرمه وولده، ووصلها أول يوم من شهر رمضان، وانفذ من هناك بابى زكريا السوسي الى توزون، وقال: قل له: قد اوحشتنى الظنون السيئه من البريديين، وعرفت انك وهم يد واحده، وقد عفا الله عما سلف، فان آثرت رضائى فصالح نصر الدولة وارجع الى الحضره، فان الأمور تستقيم لك برضائي عنك، فقال ابو زكريا: يا امير المؤمنين انى اخافه على نفسي، فقال: إذا قصدت الصلاح كفيت، فقلت له: فان لم يتم الصلح اعود الى وطنى؟ قال: قد أذنت لك، فقبلت يده.
فلما جئت الموصل، هم الاتراك بي، وارتاب توزون بوصولى، فقلت: ايها الأمير، قد كنت اسفر بينك وبين ابن رائق، فهل عرفتني الا مستقيما؟ قال: صدقت: فقلت: انا رجل سنى كبير وارى طاعه الخليفة، وخرجت معه احتسابا، لا اطلب الدنيا وقد انفذنى رسولا، وأنتم أولادي، ربيتكم وارى الصلح فاشار عليه ابن شيرزاد بذلك.
ووردت الاخبار بمجيء معز الدولة الى واسط، فأحب توزون اتمام الصلح.
وحصل لابن شيرزاد مائتا الف دينار.
وعقد البلد على ناصر الدولة ثلاث سنين، كل سنه بثلاثة آلاف الف وستمائه الف درهم، ودخل توزون بغداد وظهر ببغداد لص يعرف بابن حمدي، فكان يعمل للعملات، ورافقه ابن شيرزاد بعد ان خلع عليه، على خمسه عشر الف دينار، فكان يؤدى الروزات بها أولا أولا.
وكان ابو يوسف البريدى قد استوحش من أخيه، فقال: قد حصل لأخي ابى عبد الله من واسط ثمانية آلاف الف دينار بذر فيها.
فصار في بعض الأيام الى دار ابى عبد الله من واسط، فتلقاه الغلمان وقتلوه.
وورد الخبر بان نافعا غلام يوسف بن وجيه صاحب غان، قتل مولاه وملك مكانه.
ودخل الروم راس عين، وسبوا من أهلها ثلاثة آلاف انسان.
ووضع ابن شيرزاد على سائر مدائن بغداد ضربته، وعم الغلاء، وصار ما كان يساوى في ايام المقتدر رحمه الله دينارا يساوى درهما.
وفي جمادى الآخرة، قبض ابو العباس الديلمى، خليفه توزون، على الشرطه ببغداد، على ابن حمدان اللص ووسطه، فخف عن الناس بعض المكاره بقتله.
وفي رجب مات ابو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد.
وقد قالوا: مريم بنت الحسن بن مخلد أبوها وزير، تقلد الوزارة ثلاث دفعات، وزوجها القاسم بن عبيد الله، وزير المعتضد والمكتفي، وأخوها سليمان بن الحسن ابن مخلد، تقلد الوزارة للمقتدر والراضي والمتقى، وحموها عبيد الله بن سليمان وزير المعتضد، وابنها ابو على الحسن بن القاسم بن عبيد الله وزر للمقتدر بالله.
وقد تقدم قول الناس: امراه يحل لها ان نضع قناعها بين يدي اثنى عشر خليفه، كل لها محرم، وهي عاتكه بنت يزيد بن معاويه، أبوها يزيد وجدها معاويه، وأخوها معاويه بن يزيد، وزوجها عبد الملك بن مروان وابو زوجها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وبنو زوجها الوليد وسليمان وهشام، وابن ابنها الوليد بن يزيد، وابن زوجها يزيد بن الوليد بن عبد الملك، واخوه ابراهيم بن الوليد الذى خلع.
واصعد معز الدولة من واسط، على وعد من البريدى في نصرته فلم يف وانحدر اليه توزون محاربا فالتقيا في الموضع المعروف بقباب حميد، ودامت الحرب بينهم بضعه عشر يوما وكان توزون يتأخر كل يوم، وكثر القتلى في الجانبين.
وعبر توزون نهر ديالى، واستولى على زواريق معز الدولة، فضاقت عليه الميرة، فصار الى جسر النهروان، وعبر اليه توزون في الف عربي وخمسمائة تركي على غفله، وأخذ سواده، وقتل من اصحابه خلقا واسر آخرين، في جملتهم ابن الاطروش المعروف بالداعي العلوي وابو بكر بن قرابه، وكان قد وافى مع الديلم، فصودر على عشرين الف دينار، وشغل توزون عن اتباعهم ما عاود من الصرع.

ونجا معز الدولة والصميرى ونفر يسير باسوا حال.
ولليلة بقيت من شوال، ورد الخبر بموت ابى طاهر سليمان بن الحسين الهجرى، بالجدري في منزل بهجر، في شهر رمضان وصار الأمر لإخوته.
وكان ابن سنبر يعادى المعروف بابى حفص الشريك، واحضر رجلا أصبهانيا، فكشف له دفائن وأسرارا، كان ابو سعيد كشفها لابن سنبر وحده، من غير ان يعلم ابنه أبا طاهر بذلك، وقال الاصبهانى: امض الى ابى طاهر، وعرفه ان أباه كان يدعو إليك وعرفه الاسرار.
فلما أتاه وخبره اعتقد صدقه، وقام بين يديه وسلم الأمر اليه، فتمكن وقتل أبا حفص، وكان إذا قال لأبي طاهر: ان فلانا قد مرض، معناه شك في دينهم، فطهره، قتله ابو طاهر ولو كان اخوه فخاف ابو طاهر على نفسه منه، وقال: قد وقع لي في امره شبهه، وليس بالرجل الذى يعرف الضمائر ويحيى الأموات، وقال: ان أمي عليله، وغطاها بازار، فلما جاء إليها الاصبهانى قال: هذه عليله لا تبرا فطهروها، اى اقتلوها، فجلست الام، فقال له ابو طاهر واخوته: أنت كذاب وقتلوه.
وكان له سبعه من الوزراء اكبرهم ابن سنبر.
وكان لأبي طاهر اخوان، ابو القاسم سعيد بن الحسن، وابو العباس الفضل ابن الحسن، وكان امرهم واحدا، فكانوا إذا أرادوا حالا خرجوا الى الصحراء، واتفقوا على ما يعملون، فإذا انصرفوا تمموا ما عولوا عليه، وكان لهم أخ متشاغل باللذات، لا يدخل معهم في أمورهم.
وفي هذه السنه توفى ابو عبد الله البريدى، بحمى حاده، مكثت به سبعه ايام، وكان بين قتله لأخيه وبين موته ثمانية اشهر.
وانتصب ابو الحسين مكان أخيه، فاستطال على اصحابه، فمضى يانس الى ابى القاسم ابن مولات، وأخذ منه ثلاثمائة الف دينار، ففرقها في الديلم حتى عقدوا له الرئاسة، وكبسوا أبا الحسين بمسماران، فخرج من تحت ليلته، وتنكر ومضى الى الجعفرية، ومضى الى الهجرى فقبله، واقام عنده شهرا، وسار معه أخو ابى طاهر ولم يتمكنوا من دخول البلد، فسفروا بين ابى الحسين وبين عمه في الصلح، وسألوه ان يؤمنه، فاختار الإصعاد الى بغداد، وكان من حاله ما ياتى ذكره.
واجتمع لشكرستان الديلمى، ويانس، على الإيقاع بابى القاسم، فلما خرج يانس من عند القائد اتبعه بزوبين في الليل، فسلم منه وصار الى خراب فآواه.
وكان ابو القاسم معولا على الهرب، حين بلغه ما هما به، واستتر لشكرستان حين علم سلامه يانس.
وعولج يانس حتى برئ، وصادره ابو القاسم على مائه الف دينار، وتلقاه الى عمان، فلما صار في الحديدى قتله غلمان ابى القاسم، وتمكن ابو القاسم من الرئاسة.
وخرج في هذه السنه، عسكر الروسيه الى اذربيجان، وفتحوا برذعه، وملكوها وسبوا أهلها.
فجمع المرزبان بن محمد عسكره، واتته المطوعة، حتى صار في مائتي الف رجل، فلم يقاومهم، وكان أميرهم يركب حمارا وكمن لهم المرزبان كمينا، وهرب من بين ايديهم، وسال الناس العود، فلم يعد احد معه، لما تمكن لهم في النفوس من الهيبه، فعاد وحده طالبا الشهاده، فاستحى خلق من الديلم وعادوا معه، فقتل أميرهم وسبعمائة منهم، وألجأهم الى حصن.
ووقع في الروسيه الوباء حين أكلوا الفاكهة، وكان الواحد منهم إذا مات، كفن بماله وسلاحه، ودفنت زوجته ومعه وغلامه إذا كان يحبه.
واخرج المسلمون، لما مضوا من قبورهم اموالا، وحملوا على ظهورهم الأموال والجواهر، واحرقوا ما عدا ذلك، وساقوا النساء والصبيان ومضوا الى سفن لهم.
واجتمع خمسه منهم في بستان ببرذعه فيهم امرد، ومعهم نسوه من سبى المسلمين، فاحاط بهم المسلمون، واجتمع قوم من الديلم عليهم، ولم يصل الى واحد منهم حتى قتلوا من المسلمين اعدادا، ولم يتمكن من واحد منهم اسرا، وكان الأمرد آخر من بقي منهم، فقتل نفسه.
وظهر للمتقى من بنى حمدان ضجر بمقامه عندهم، فانفذ بالحسن بن هارون وابى عبد الله بن ابى موسى الى توزون في الصلح، فتلقى ذلك باحسن لقاء، وحلف له ولابن مقله بمحضر من الناس.