302 هـ
914 م
سنه اثنتين وثلاثمائة (ذكر ما دار في هذه السنه من اخبار بنى العباس)

فيها ركب شفيع الخادم المعروف بالمقتدرى في جماعه من الجند والفرسان والرجال الى دار الحسين بن احمد المعروف بابن الجصاص …

التي في سوق يحيى، ولحقه صاحب الشرطه بدر الشرابي، فوكل شفيع بالأبواب وقبض على جميع ما تحويه داره من مال وجوهر وفرش واثاث ورقيق ودواب، وحمل في وقته ذلك صناديق مختومه، ذكر ان فيها جوهر وآنيه ذهب، ووجد في داره فرشا سلطانيا من فرش أرمينية وطبرستان جليلا لا يعرف قدره، ووجد فيها من مرتفع ثياب مصر خمسمائة سفط وحفرت داره فوجدت له في بستانه اموال جليله مدفونة في جرار خضر وقماقم مرصصه الرؤوس، فحملت كهيئتها الى دار المقتدر، وأخذ هو فقيد بخمسين رطلا من حديد وغل، وتسمع الناس ما جرى عليه، فصودر على مائه الف دينار بعد هذا كله، واطلق الى منزله.
وقال ابو الحسن بن عبد الحميد كاتب السيده: ان الذى صح مما قبض من مال الحسين بن احمد بن الجصاص الجوهري من العين والورق والانيه والثياب والفرش والكراع والخدم- لا ثمن ضيعه في ذلك ولا ثمن بستان- ما قيمته سته آلاف الف دينار.
وفي هذه السنه في رجب ورد كتاب محمد بن على الماذرائى الى السلطان من مصر يزعم ان وقعه كانت بين اصحاب السلطان وبين جيش القيروان فقتل من اصحاب الشيعى سبعه آلاف واسر نحوهم، وانهزم من بقي منهم، ومضوا على وجوههم، فمات اكثرهم قبل وصولهم الى برقه، ووردت كتب التجار بدخول الشيعة برقه، وعظم ما أحدثوا في تلك الناحية، وان الغلبه انما كانت لهم قال الصولي: وفيها جلس على بن عيسى للمظالم في كل يوم ثلاثاء، فحضرته يوما، وقد جيء برجل يزعم انه نبى، فناظره فقال: انا احمد النبي، وعلامتي ان خاتم النبوه في ظهري، ثم كشف عن ظهره فإذا سلعه صغيره، فقال له: هذه سلعه الحماقة، وليست بخاتم النبوه، ثم امر بصفعه وتقييده وحبسه في المطبق.
وفي شهر رمضان من هذه السنه وافى باب الشماسيه قائد من قواد صاحب القيروان يقال له ابو جده، ومعه من اصحابه مائتا فارس، نازعين الى الخليفة فاحضر القائد دار السلطان، وخلع عليه، واخرج هو واصحابه الى البصره ليكونوا مع محمد بن إسحاق بن كنداج.
وفيها اطلق المقتدر من سجنه الصفاري المعروف بالقتال، خلع عليه، واقطعه دارا ينزلها واجرى عليه الرزق، وامره بحضور الدار في يومى الموكب مع الأولياء، واطلق أيضا محمد بن الليث الكردى وخلع عليه، وهو ممن ادخل مع الليث، وطوف على جمل.
وفيها جاء رجل حسن البزة طيب الرائحة الى باب غريب خال المقتدر، وعليه دراعه وخف احمر وسيف جديد بحمائل، وهو راكب فرسا ومعه غلام، فاستأذن للدخول، فمنعه البواب، فانتهره واغلظ عليه، ونزل فدخل، ثم قعد الى جانب الخال، وسلم عليه بغير الإمرة، فقال له غريب وقد استبشع امره: ما تقول اعزك الله؟ قال: انا رجل من ولد على بن ابى طالب، وعندي نصيحه للخليفة لا يسعني ان يسمعها غيره، وهي من المهم الذى ان تأخر وصولي اليه حدث امر عظيم.
فدخل الخال الى المقتدر والى السيده، واعلمهما بامره، فبعث في الوزير على بن عيسى واحضر الخال الرجل، فاجتهد الوزير والحاجب نصر والخال ان يعلمهم النصيحه ما هي، فأبى حتى ادخل الى الخليفة، وأخذ سيفه، وادنى منه، وتنحى الغلمان والخدم، فاخبر المقتدر بشيء لم يقف عليه احد، ثم امره بالانصراف الى منزل اقيم له وخلع عليه ما يلبسه، ووكل به خدم يخدمونه، وامر المقتدر ان يحضر ابن طومار نقيب الطالبيين ومشايخ آل ابى طالب، فيسمعون منه ويفهمون امره، فدخلوا عليه وهو على برذعه طبرية مرتفعه، فما قام الى واحد منهم، فسأله ابن طومار عن نسبته فزعم انه محمد بن الحسن بن على بن موسى بن جعفر الرضا وانه قدم من البادية، فقال له ابن طومار: لم يعقب الحسن- وكان قوم يقولون انه اعقب، وقوم قالوا لم يعقب- فبقى الناس في حيره من امره، حتى قال ابن طومار: هذا يزعم انه قدم من البادية وسيفه جديد الحلية والصنعه، فابعثوا بالسيف الى دار الطاق، وسلوا عن صانعه وعن نصله، فبعث به الى اصحاب السيوف بباب الطاق، فعرفوه واحضروا رجلا ابتاعه من صيقل هناك، فقيل له: لمن ابتعت هذا السيف؟ فقال: لرجل يعرف بابن الضبعى، كان أبوه من اصحاب ابن الفرات، وتقلد له المظالم بحلب، فاحضر الضبعى الشيخ، وجمع بينه وبين هذا المدعى الى بنى ابى طالب فاقر بانه ابنه، فاضطرب الدعي وتلجج في قوله، فبكى الشيخ بين يدي الوزير حتى رحمه ووعده بان يستوهب عقوبته ويحبسه او ينفيه، فضج بنو هاشم، وقالوا: يجب ان يشهر هذا بين الناس، ويعاقب أشد عقوبة، ثم حبس الدعي، وحمل بعد ذلك على جمل، وشهر في الجانبين يوم الترويه ويوم عرفه، ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي.
وفي هذه السنه اضطرب امر خراسان لما قتل احمد بن اسماعيل، واشتغل نصر بن احمد والده بمحاربه عمه، ودارت بينهما فتوق، فكتب احمد بن على المعروف بصعلوك، وكان يلى الري من قبل احمد بن اسماعيل ايام حياته الى المقتدر، ووجه اليه رسولا يخطب اليه اعمال الري وقزوين وجرجان وطبرستان، وما يستضيف الى هذه الاعمال، ويضمن في ذلك مالا كثيرا، وعنى به نصر الحاجب، حتى انفذ اليه الكتب بالولاية، ووصله المقتدر من المال الذى ضمن بمائه الف درهم، وامر بمائده تقام له في كل شهر من شهور الأهلة بخمسه آلاف درهم، واقطعه من ضياع السلطان بالري ما يقوم في كل سنه بمائه الف درهم.
وفي هذه السنه ركب المقتدر الى الميدان، وركب باثره على بن عيسى الوزير ليلحقه، فنفرت دابته وسقط سقطه مؤلمه، وامر الخليفة اصحاب الركاب باقامته، وحمله على دابته، فانهضوه وحملوه، وقيلت فيه اشعار منها:

سقوطك يا على لكسف بال *** وخزى عاجل وسقوط حال
فما قلنا لعا لك بل سررنا *** وكان لما رجونا خير فال
أضعت المال في شرق وغرب *** فلم يحظ الامام بجمع مال

قال: وكان على بن عيسى بخيلا، فابغضه الناس لذلك.
ووردت الاخبار بدخول صاحب إفريقية الإسكندرية وتغلبه على برقه وغيرها، وكتب تكين الخاصة والى مصر يطلب المدد، ويستصرخ السلطان، فعظم ذلك على المقتدر ورجاله وكانوا من قبل مستخفين بأمر عبيد الله الشيعى وبابى عبد الله القائم بدعوته، وكانوا قد فحصوا عن نسبه ومكانه، وباطن امره.
قال محمد بن يحيى الصولي: حدثنا ابو الحسن على بن سراج المصرى، وكان حافظا لاخبار الشيعة ان عبيد الله هذا القائم بإفريقية هو عبيد الله بن عبد الله بن سالم من اهل عسكر مكرم بن سندان الباهلى صاحب شرطه زياد، ومن مواليه وسالم جده، قتله المهدى على الزندقة.
قال: وأخبرني غير ابن سراج ان جده كان ينزل بنى سهم من باهله بالبصرة، وكان يدعى انه يعرف مكان الامام القائم وله دعاه في النواحي، يجمعون له المال بسببه، فوجه الى ناحيه المغرب رجلا يعرف بابى عبد الله الصوفى المحتسب، فأرى الناس نسكا، ودعاهم سرا الى طاعه الامام، فافسد على زياده الله بن الاغلب القيروان، وكان عبيد الله هذا مقيما بسلميه مده، ثم خرج الى مصر فطلب بها، وظفر به محمد ابن سليمان، فاخذ منه مالا، واطلقه، ثم ثار المحتسب على ابن الاغلب وطرده عن القيروان، وقدم عليه عبيد الله، فقال المحتسب للناس: الى هذا كنت ادعو، وكان عبيد الله يعرف أول دخوله القيروان بابن البصرى، فأظهر شرب الخمر والغناء، فقال المحتسب: ما على هذا خرجنا، وانكر فعله، فدس عليه عبيد الله رجلا من المغاربه يعرف بابن خنزير، فقتله، وملك عبيد الله البلاد، وحاصر اهل طرابلس حتى فتحها، وأخذ اموالا عظيمه ثم ملك برقه واقبل جيشه يريد مصر، وقدم ولد عبيد الله الإسكندرية، وخطب فيها خطبا كثيره محفوظه، لولا كفر فيها لاجتلبت بعضها.
ولما وردت الاخبار باستطاله صاحب القيروان بجهة مصر، انهض المقتدر مؤنسا الخادم وندب معه العساكر، وكتب الى عمال اجناد الشام بالمصير الى مصر.
وكتب الى ابنى كيغلغ وذكا الأعور، وابى قابوس الخراسانى باللحاق بتكين لمحاربته.
وخلع على مؤنس في شهر ربيع الاول سنه ثنتين وثلاثمائة وخرج متوجها الى مصر، وتقدم على بن عيسى الوزير بترتيب الجمازات من مصر الى بغداد ليروح عليه الاخبار في كل يوم، فورد الخبر بان جيش عبيد الله الخارج مع ابنه، ومع قائده حباسه انهزموا وبشر على بن عيسى بذلك المقتدر، فتصدق في يومه بمائه الف درهم، ووصل على ابن عيسى بمال عظيم، فلم يقبله ثم رجع على وقد باع له ابن ما شاء الله ضيعه باربعه آلاف دينار، وفرقها كلها شكرا لله عز وجل، ودخل مؤنس الخادم بالجيوش مصر في جمادى الآخرة، وقد انصرف كثير من اهل المغرب عن الإسكندرية ونواحيها، وانصرف ولد عبيد الله قافلا الى القيروان وكتب محمد بن على الماذرائى يذكر ضيق الحال بمصر وكثره الجيوش بها وما يحتاج اليه من الأموال لها، فانفذ اليه المقتدر مائتي بدره دراهم على مائتي جمازه مع جابر بن اسلم صاحب شرطه الجانب الشرقى ببغداد.
وورد الخبر من مصر في ذي القعده بان الاخبار تواترت عليهم بموت عبيد الله الشيعى فانصرف مؤنس يريد بغداد، وعزل المقتدر تكين عن مصر، وولاه دمشق ونقل ذكا الأعور من حلب الى مصر.
وفي هذه السنه صرف ابو ابراهيم بن بشر بن زيد أبا بكر الكريزى العامل عن اعمال قصر ابن هبيرة ونواحيه، فطالبه وضربه بالمقارع حتى مات، وحمل الى مدينه السلام في تابوت.
وفيها مات القاسم بن الحسن بن الاشيب، ويكنى أبا محمد، وكان قد حدث وحمل عنه الناس توفى لليلتين بقيتا من جمادى الاولى، ولم يتخلف عن جنازته قاض ولا فقيه ولا عدل.
وفيها ماتت بدعه جاريه عريب مولاه المأمون لست خلون من ذي الحجه وصلى عليها ابو بكر بن المهتدى، وخلفت مالا كثيرا وجوهرا وضياعا وعقارات، فامر المقتدر بالله بقبض ذلك كله، وتوفيت ولها ستون سنه ما ملكها رجل قط.
وقطع في هذه السنه بطريق مكة على حاتم الخراسانى وعلى خلق عظيم معه، خرج عليهم رجل من الحسينية مع بنى صالح بن مدرك الطائي، فأخذوا الأموال واستباحوا الحرم ومات من سلم عطشا، وسلمت القوافل غير قافلة حاتم.
واقام الحج للناس في هذه السنه الفضل بن عبد الملك الهاشمى.