312 هـ
924 م
سنه اثنتى عشره وثلاثمائة

ورد الخبر بان أبا طاهر بن ابى سعيد الجنابى، ورد الهبير لتلقى حاج سنه احدى عشره وثلاثمائة في رجوعهم، فاوقع بقافله بغداديه واقام بقية …

القوافل بعيدا، فلما فنيت ازوادهم، ارتحلوا، فاشار ابو الهيجاء بن حمدان، واليه طريق الكوفه وطريق مكة، ان يعدل بهم الى وادي القرى، فامتنعوا وساروا، فسار معهم مخاطرا حتى بلغ الهبير، فلقيهم ابو طاهر، فقتل منهم خلقا، واسر أبا الهيجاء واحمد بن بدر عم السيده أم المقتدر، وجماعه من خدم السلطان وحرمه.
وسار ابو طاهر الى هجر، وسنه إذ ذاك سبع عشره سنه، ومات من استاسره بالحفاء والعطش فنال اهل بغداد منالا عظيما، وخرج النساء منشرات الشعور مسودات الوجوه في الجانبين، فانضاف اليهن من حرم الذين نكبهم ابن الفرات، فانبسط لسان نصر عليه، واشار على المقتدر بمكاتبه مؤنس.
ورجمت العامه طيار ابن الفرات، وامتنعوا من الصلوات في الجماعات.
وانفذ المقتدر بياقوت وابنيه محمد والمظفر الى الكوفه، ورجعوا حين علموا انصراف القرمطى الى بلده.
وجمع المقتدر بالله ابن الفرات ونصر وامرهما بالتظافر.
وقدم مؤنس الى بغداد، فركب اليه ابن الفرات، ولم تجر له عاده بذلك، فخرج مؤنس الى باب داره، وساله ان ينصرف، فلم يفعل، وصعد اليه من طيارة حتى هناه بمقدمه، وخرج معه مؤنس حتى نزل الطيار وانفذ المقتدر بنازوك وبليق فهجما على ابن الفرات، وهو في دار حرمه، فاخرجاه حاسرا، فاعطاه نازوك رداء قصب، فقال له مؤنس: الان تخاطبني بالاستاذ وبالأمس نفيتنى الى الرقة والمطر يصب على راسى، ثم تذكر لأمير المؤمنين سعيي في فساد مملكته! ورجمت العامه طيار مؤنس، لكون ابن الفرات فيه، وسلم الى نصر، وقبض على ولده وأسبابه.
فكانت مده ابن الفرات في هذه الوزارة الثالثه عشره اشهر وثمانية عشر يوما.
واجمع وجوه القواد فقالوا: ان حبس ابن الفرات في دار الخلافه خرجنا بأسرنا، فسلم الى شفيع واعتقل عنده.
واشار مؤنس بتوليه ابى القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخاقانى، فانفذ ابن الفرات الى المقتدر بمائه ونيف وستين الف دينار، وقال لشفيع: فعلت ذلك حتى لا يوهم الخاقانى للمقتدر انه استخرجها.
قال الجمل كاتب شفيع: ولم أر قلبا اقوى من قلب ابن الفرات، سألني:
من قلد الخليفة وزارته؟ فقلت: الخاقانى، فقال: الخليفة نكب ولم انكب انا.
وسألني عمن استخلف في الدواوين؟ فقلت: في ديوان السواد ابن حفص، فقال: القدر رمى بحجره، وسميت له جماعه، فقال: لقد أيد الله هذا الوزير بالكفاءه.
واقر ابن الفرات بمائه وخمسين الف دينار اخرى، وطولب بالمكاره، فلم يستجب بمال، وكان لا يستجيب بمكروه، وانفذ الى الخاقانى: ايها الوزير، لست غرا جاهلا فتحتال على، وانا قادر على مال، إذا كتب الخليفة الى أمانا على نفسي لافديها بالمال، ويشهد عليه القضاه فيه، فقال الخاقانى: لو قدرت على ذلك فعلت، ولكن ان تكلمت عاداني خواص الدولة.

ورد الخليفة امره الى هارون بن غريب، فاخذ يداريه، وقال له: أنت اعرف بالأمور وان الوزراء لا يلاجون الخلفاء، فلم يزل به حتى أخذ خطه بألفي الف دينار، يعجل منها الربع، وان يطلق له بيع ضياعه، واذن له في احضار دواه، ليكتب الى من يرى، او ان ينفذ الى دار شفيع اللؤلؤى، ويطلق الكلوذانى ليتصرف في أمواله.
وكانت حماه المحسن تخرجه في زي النساء الى مقابر قريش، فامست ليله عن المصير الى الكرخ، فصارت الى منزل امراه أخبرتها ان معها بنتا لم تتزوج، وسالت ان تفرد لها بيتا، ففعلت، وخلع المحسن ثيابه، فجاءت جاريه سوداء بسراج، فوضعته في الضفة، فرات المحسن، فاخبرت مولاتها فابصرت، وكانت مولاتها زوجه محمد بن نصر وكيل على بن عيسى، مات حين طالبه المحسن من الفزع، فمضت المرأة الى دار السلطان وشرحت الصورة لنصر، فاركب نازوك وقبض عليه، وضربت الدبادب لأجل الظفر به عند انتصاف الليل، فظن الناس ان القرمطى قد كسر بغداد وحمل الى دار مستخرج، يعرف بابن بعد شر، في المخرم بدار الوزارة، فأجرى عليه المكاره، وأخذ خطه بثلاثة آلاف الف دينار، ثم ابتلع رقعته، واقام على الامتناع من كتب شيء، فضرب بالدبابيس على راسه وعذب.
واحضر ابن الفرات مجلس الخاقانى، فناظره أشد مناظره، فلج ابن الفرات فيها، فقال له الخاقانى: انك استغللت ضياعك التي استغلها على بن عيسى، أربعمائة الف دينار وقال: كان ذلك بعمارتى البلاد واعتمادى ما جلب الريع.
ونوظر فيمن قتله ابنه، وقيل له: أنت قتلتهم، فقال هذا غير حكم الله، قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [الأنعام: 164]  والنبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه ابنه: «لا يجنى عليك ولا تجنى عليه»، ومع هذا فان ابنى لم يباشر قتلا ولا سفك دما، وأجاب مؤنسا حين قال: اخرجتنى من بغداد فقال: انما اخرجك مولاك حين كتب الى يشكو ما يلاقيه من تبسط، وفتحك البلدان بالمؤن الغليظة، واغلاقك إياها بسوء التدبير: وسئل احضار سفط فيه المهمات فاحضر وطلب الرقعة، فوجدت فأخذها مؤنس، وحملها الى المقتدر بالله واقراه الرقعة، فزاد غيظه وامر بضربه، فضرب خمس درر فقط وسلم وابنه الى نازوك، فضربا حتى تدودت لحومهما وحمل الخاقانى القواد على خلع الطاعة ان حملا الى دار الخليفة ولما توقف الخاقانى في قتلهما، وقال: لست ادخل في سفك الدماء، ولا اسهل على الخلفاء قتل خواصهم.

وحمل الى ابن الفرات ما يفطر عليه، فقال: رايت أخي أبا العباس في المنام يقول: إفطارك عندنا، وما أخبرني بشيء الا وصح، وانا مقتول.
فاخرج القواد توقيع المقتدر الى نازوك، بضرب أعناقهما، فقال: هذا امر عظيم لا اعمل فيه بتوقيع، فشافهه المقتدر بذلك.
وجاء نازوك، فامر السودان فضربوا عنق المحسن، واتى برأسه الى ابيه، فجزع وقال: يا أبا منصور، راجع امير المؤمنين، فان عندي اموالا جمه، فقال له: جل الأمر عن هذا، وامر به فضرب عنقه، وحمل راسه وراس ابنه الى المقتدر بالله، فامر بتغريقهما.
وكان سن الحسن بن الفرات، يوم قتل، احدى وسبعين سنه وشهورا، وسن ابنه ثلاثا وثلاثين سنه.
وقال التنوخي: كان من عاده ابن الفرات ان يقول لكل من يخاطبه: بارك الله فيك، ولم يكن يفارق هذه اللفظه وكان على بن عيسى يقول في كلامه: وال وإليك فكان الناس يقولون: لو لم يكن بين الرجلين الا ما بين الكلامين من الخشونة واللطف، لكان من اعظم فرق.

ويقال ان على بن عيسى خاطب الراضي يوما بوال.
وكان ابن الفرات إذا ولى، غلا معذاذ الشمع والكاغذ، لكثرة استعماله لهما فيعرف الناس ولايته لغلائهما قال الصولي: ابو الحسن على بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات من قريه يقال لها بايك قريبه من صريفين، وكان أبوه محمد بن موسى، تولى اعمالا جليله، واكبر اولاده ابو العباس احمد وابو عبد الله وابو عيسى، من خيار المسلمين والزهاد، جاور بمكة وواصل بها الصوم والصلاة، ومات في وزارة أخيه.
وقد ذكرنا اسر القرمطى لالفى رجل ومائتين وعشرين وخمسمائة امراه، فاطلق منهم أبا الهيجاء واحمد بن بدر عم السيده، وانفذ رسلا يسال ان يفرج له عن البصره والاهواز فلم تقع اجابه.
وكان سليمان بن الحسن بن مخلد، وابو على بن مقله، وابو الحسن محمد بن محمد بن ابى البغل، معتقلين بشيراز، فاطلقهم ابو عبد الله الكرخي، حين وقف على مثل ابن الفرات فكتب ابن ابى البغل على جانب تقويمه.
وفي هذا اليوم، ولد احمد بن يحيى، وله احدى وثمانون سنه، واتفق ان سليمان هرب في زي الفيوجى، فاشتد الأمر على الخاقانى، وارجف له بالوزارة، ودخل بغداد مستترا، وصار ابن مقله الى الاهواز، واجرى له في كل شهر مائتي دينار، واذن له في المصير الى بغداد وسال موسى في على بن عيسى، فكوتب صاحب اليمن بانفاذه الى مكة، وحمل اليه كسوه ومالا نحو خمسين الف دينار، ولما وصلها قلده الخاقانى الاشراف على الشام ومصر.
وتولى ابو العباس بن الخصيبى استخراج سبعمائة الف دينار من زوجه المحسن.
وشغب الجند على الخاقانى، فلم يكن عنده ما يدفعه اليهم، وبقي شهورا لا يركب الى الموكب.
وكان مؤنس بواسط، واشار عند قدومه بعلى بن عيسى، واشارت السيده والخاله بابى العباس بن الخصيبى، وهو احمد بن عبد الله، فولاه المقتدر، وقبض على الخاقانى، وكانت وزارته سنه وسته اشهر.

وزارة ابى العباس الخصيبى
استحضره المقتدر يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فقلده وخلع عليه، وكان قبل كاتب القهرمانه، واستكتب مكانه أبا يوسف عبد الرحمن ابن محمد، وكان تائبا من العمل، فسماه الناس المرتد.
واستدرك اموالا، كان الخصيبى اضاعها، فتنكرت القهرمانه للخصيبى، وضاعت الأمور بوزارته حين كان مواصلا للشرب ليلا ونهارا ويبيت مخمورا.
فصادر الخاقانى على مائتي الف وخمسين الف دينار.
وصادر جعفر بن القاسم [الكرخي] على مائه وخمسين الف دينار.
وتوجه جعفر بن ورقاء الشيبانى بالحاج في الف من بنى عمه، وكان في القوافل الذين يبذرقون الحاج سته آلاف رجل، فلقيهم الجنابى فهزمهم بالعقبه وولوا الى الكوفه، فخرج قواد السلطان فهزمهم، واقام بالكوفه سته ايام، وحمل منها اربعه آلاف ثوب وشى وثلاثمائة راويه زيت، وانصرف الى بلده.
واضطرب الناس ببغداد، وعبر اهل الغربي منها الى الجانب الشرقى.
واتى موسى الكوفه، فاستخلف عليها ياقوت.
وسار مؤنس الى واسط.
وقرئت الكتب بفتح ابن ابى الساج طبرستان.
ووردت خريطة الموسم لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، بان النحر كان بمكة يوم الثلاثاء، ونحر الناس ببغداد يوم الاثنين.
وحج على بن عيسى ثم ورد مكة من مصر.