226 هـ
840 م
سنة ست وعشرين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

خبر وثوب على بن إسحاق برجاء بن ابى الضحاك، فمن ذلك ما كان فيها من وثوب علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ- وكان على المعونة بدمشق …

من قبل صول أرتكين- برجاء بن أبي الضحاك، وكان على الخراج، فقتله، وأظهر الوسواس، ثم تكلم أحمد بن أبي دواد فيه، فأطلق من محبسه، فكان الحسن بن رجاء يلقاه في طريق سامرا، فقال البحتري الطائي:

عفا علي بن إسحاق بفتكته *** على غرائب تيه كن في الحسن
أنسته تنقيعه في اللفظ نازلة *** لم تبق فيه سوى التسليم للزمن
فلم يكن كابن حجر حين ثار ولا ***أخي كليب ولا سيف بن ذي يزن
ولم يقل لك في وتر طلبت به *** تلك المكارم لا قعبان من لبن

وفيها مات محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين، فصلى عليه المعتصم في دار محمد

ذكر الخبر عن موت الافشين
وفيها مات الأفشين.

ذكر الخبر عن موته وما فعل به عند موته وبعده:
ذكر عن حمدون بن إسماعيل، أنه قال: لما جاءت الفاكهة الحديثة، جمع المعتصم من الفواكه الحديثة في طبق، وقال لابنه هارون الواثق: اذهب بهذه الفاكهة بنفسك إلى الأفشين، فأدخلها إليه فحملت مع هارون الواثق حتى صعد بها اليه في البناء الذى بنى له الذى يسمى لؤلؤه، فحبس فيه، فنظر إليه الأفشين، فافتقد بعض الفاكهة، إما الإجاص وإما الشاهلوج، فقال للواثق: لا إله الا الله، ما أحسنه من طبق، ولكن ليس لي فيه إجاص ولا شاهلوج! فقال له الواثق: هو ذا، انصرف أوجه به إليك، ولم يمس من الفاكهة شيئا، فلما أراد الواثق الانصراف قال له الأفشين: أقرئ سيدي السلام، وقل له: أسألك أن توجه إلي ثقة من قبلك يؤدي عني ما أقول، فأمر المعتصم حمدون بن إسماعيل- وكان حمدون في أيام المتوكل في حبس سليمان بن وهب في حبس الأفشين هذا، فحدث بهذا الحديث وهو فيه:
قال حمدون: فبعث بي المعتصم إلى الأفشين، فقال لي: إنه سيطول عليك فلا تحتبس قال: فدخلت عليه، وطبق الفاكهة بين يديه لم يمس منه واحدة فما فوقها، فقال لي: اجلس، فجلست فاستمالني بالدهقنة، فقلت: لا تطول، فإن أمير المؤمنين قد تقدم إلي ألا أحتبس عندك، فأوجز.
فقال: قل لأمير المؤمنين، أحسنت إلي وشرفتني، وأوطأت الرجال عقبي، ثم قبلت في كلاما لم يتحقق عندك، ولم تتدبره بعقلك، كيف يكون هذا، وكيف يجوز لي أن أفعل هذا الذي بلغك! تخبر بأني دسست إلى منكجور أن يخرج، وتقبله، وتخبر أني قلت للقائد الذي وجهته إلى منكجور:
لا تحاربه، واعذر، وإن أحسست بأحد منا فانهزم من بين يديه، أنت رجل قد عرفت الحرب، وحاربت الرجال، وسست العساكر، هذا يمكن رأس عسكر يقول لجند يلقون قوما: افعلوا كذا وكذا، هذا ما لا يسوغ لأحد أن يفعله، ولو كان هذا يمكن ما كان ينبغي أن تقبله من عدو قد عرفت سببه، وأنت أولى بي، إنما أنا عبد من عبيدك، وصنيعك، ولكن مثلي ومثلك يا أمير المؤمنين مثل رجل ربى عجلا له حتى أسمنه وكبر، وحسنت حاله، وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه، فعرضوا له بذبح العجل فلم يجبهم إلى ذلك، فاتفقوا جميعا على أن قالوا له ذات يوم: ويحك! لم تربي هذا الأسد؟ هذا سبع، وقد كبر، والسبع إذا كبر يرجع إلى جنسه! فقال لهم: ويحك هذا عجل بقر، ما هو سبع، فقالوا: هذا سبع، سل من شئت عنه، وقد تقدموا إلى جميع من يعرفونه، فقالوا له: إن سألكم عن العجل، فقولوا له: هذا سبع، فكلما سأل الرجل إنسانا عنه، وقال له: أما ترى هذا العجل ما أحسنه! قال الآخر: هذا سبع، هذا أسد، ويحك! فأمر بالعجل فذبح، ولكني أنا ذلك العجل، كيف أقدر أن أكون أسدا! الله الله في امرى، اصطنعتنى وشرفتني وأنت سيدي ومولاي، أسأل الله أن يعطف بقلبك علي قال حمدون: فقمت فانصرفت، وتركت الطبق على.
حاله لم يمس منه شيئا، ثم ما لبثنا إلا قليلا، حتى قيل: إنه يموت أو قد مات، فقال المعتصم:
أروه ابنه، فأخرجوه فطرحوه بين يديه، فنتف لحيته وشعره، ثم أمر به فحمل إلى منزل إيتاخ.
قال: وكان أحمد بن أبي دواد دعا به في دار العامة من الحبس، فقال له: قد بلغ أمير المؤمنين أنك يا خيدر، أقلف، قال: نعم، وإنما أراد ابن أبي دواد أن يشهد عليه، فإن تكشف نسب إلى الخرع، وإن لم يتكشف صح عليه أنه أقلف، فقال: نعم، أنا أقلف، وحضر الدار ذلك اليوم جميع القواد والناس، وكان ابن ابى دواد أخرجه إلى دار العامة قبل مصير الواثق إليه بالفاكهة، وقبل مصير حمدون بن إسماعيل إليه.
قال حمدون: فقلت له: أنت أقلف كما زعمت؟ فقال الأفشين:
أخرجني إلى مثل ذلك الموضع، وجميع القواد والناس قد اجتمعوا، فقال لي ما قال، وإنما أراد أن يفضحني، إن قلت له: نعم لم يقبل قولي، وقال لي: تكشف، فيفضحني بين الناس، فالموت كان أحب إلي من أن أتكشف بين أيدي الناس، ولكن يا حمدون إن أحببت أن أتكشف بين يديك حتى تراني فعلت، قال حمدون: فقلت له: أنت عندي صدوق، وما أريد أن تكشف.
فلما انصرف حمدون فأبلغ المعتصم رسالته، أمر بمنع الطعام منه إلا القليل، فكان يدفع إليه في كل يوم رغيف حتى مات، فلما ذهب به بعد موته إلى دار إيتاخ، أخرجوه فصلبوه على باب العامة ليراه الناس، ثم طرح بباب العامة مع خشبته، فأحرق وحمل الرماد، وطرح في دجلة.
وكان المعتصم حين أمر بحبسه وجه سليمان بن وهب الكاتب يحصي جميع ما في دار الأفشين ويكتبه في ليلة من الليالي، وقصر الأفشين بالمطيرة، فوجد في داره بيت فيه تمثال إنسان من خشب، عليه حلية كثيرة وجوهر، وفي أذنيه حجران أبيضان مشتبكان، عليهما ذهب، فأخذ بعض من كان مع سليمان أحد الحجرين، وظن أنه جوهر له قيمة، وكان ذلك ليلا، فلما أصبح ونزع عنه شباك الذهب، وجده حجرا شبيها بالصدف الذي يسمى الحبرون، من جنس الصدف الذي يقال له البوق، من صدف اخرج من منزله صور السماجة وغيرها وأصنام وغير ذلك، والاطواف والخشب التي كان أعدها، وكان له متاع بالوزيرية، فوجد فيه أيضا صنم آخر، ووجدوا في كتبه كتابا من كتب المجوس يقال له زراوه وأشياء كثيرة من الكتب، فيها ديانته التي كان يدين بها ربه.
وكان موت الأفشين في شعبان من سنة ست وعشرين ومائتين.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن داود بأمر أشناس، وكان أشناس حاجا في هذه السنة، فولي كل بلدة يدخلها فدعي له على جميع المنابر التي مر بها من سامرا إلى مكة والمدينة.
وكان الذي دعا له على منبر الكوفة محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى، وعلى منبر فيد هارون بن محمد بن أبي خالد المروروذي، وعلى منبر المدينة محمد بن أيوب بن جعفر بن سليمان، وعلى منبر مكة محمد بن داود بن عيسى بن موسى، وسلم عليه في هذه الكور كلها بالإمارة، وكانت له ولايتها إلى أن رجع إلى سامرا.