15 شوال 86 هـ
13 تشرين الاول 705 م
سنة ست وثمانين (ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

خبر وفاه عبد الملك بن مروان، فمما كان فيها من ذلك هلاك عبد الملك بن مروان، وكان مهلكه في النصف من شوال منها حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت …

عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر، قال: توفي عبد الملك بن مروان يوم الخميس للنصف من شوال سنة ست وثمانين، فكانت خلافته ثلاث عشرة سنة وخمسة أشهر.
وأما الحارث فإنه حدثني عَنِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، قال: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيل بن أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: أجمع الناس على عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين.
قال ابن عمر: وحدثني أبو معشر نجيح، قال: مات عبد الملك بن مروان بدمشق يوم الخميس للنصف من شوال سنة ست وثمانين، فكانت ولايته منذ يوم بويع إلى يوم توفي إحدى وعشرين سنة وشهرا ونصفا، كان تسع سنين منها يقاتل فيها عبد الله بن الزبير، ويسلم عليه بالخلافة بالشام، ثم بالعراق بعد مقتل مصعب، وبقي بعد مقتل عبد الله بن الزبير واجتماع الناس عليه ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر إلا سبع ليال.
وأما علي بن مُحَمَّد المدائني، فإنه- فيما حدثنا أبو زيد عنه- قال: مات عبد الملك سنة ست وثمانين بدمشق، وكانت ولايته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما.

ذكر الخبر عن مبلغ سنه يوم توفي
اختلف اهل السير في ذلك، فقأن أبو معشر فيه- ما حدثني الحارث عن ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو معشر نجيح.
قال: مات عبد الملك بن مروان وله ستون سنة.
قال الواقدي: وقد روي لنا أنه مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
قال: والأول أثبت وهو على مولده، قال: وولد سنة ست وعشرين في خلافه عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وشهد يوم الدار مع أبيه وهو ابن عشر سنين.
وقال المدائني علي بن مُحَمَّد- فيما ذكر، أبو زيد عنه: مات عبد الملك وهو ابن ثلاث وستين سنة

ذكر نسبه وكنيته
أما نسبه، فإنه عبد الملك بن مروان بن الحكم بن ابى العاص بن اميه ابن عبد شمس بن عبد مناف وأما كنيته فأبو الوليد وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، وله يقول ابن قيس الرقيات:

أنت ابن عائشة التي *** فضلت أروم نسائها
لم تلتفت للداتها *** ومضت على غلوائها

ذكر أولاده وأزواجه
منهم الوليد، وسليمان، ومروان الاكبر- درج- وعائشة، أمهم ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض.
ويزيد، ومروان، ومعاوية- درج- وأم كلثوم، وأمهم عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
وهشام، وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وقال المدائني: اسمها عائشة بنت هشام.
وأبو بكر، واسمه بكار، أمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله، والحكم- درج- أمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان.
وفاطمة بنت عبد الملك، أمها أم المغيرة بنت المغيرة.
بن خالد بن العاص ابن هشام بن المغيرة وعبد الله ومسلمة والمنذر وعنبسة ومُحَمَّد وسعيد الخير والحجاج، لأمهات أولاد.
قال المدائني: وكان له من النساء- سوى من ذكرنا- شقراء بنت سلمه ابن حلبس الطائي، وابنة لعلي بن أبي طالب ع، وأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر.
وذكر المدائني، عن عوانة وغيره أن سلمة بن زيد بن وهب بن نباتة الفهمي دخل على عبد الملك فقال له: أي الزمان أدركت أفضل؟ وأي الملوك أكمل؟ قال: أما الملوك فلم أر إلا ذاما وحامدا، وأما الزمان فيرفع أقواما ويضع أقواما، وكلهم يذم زمانه لأنه يبلي جديدهم، ويهرم صغيرهم، وكل ما فيه منقطع غير الأمل، قال: فأخبرني عن فهم، قال: هم كما قال من قال:

درج الليل النهار على فهم *** بن عمرو فأصبحوا كالرميم
وخلت دارهم فأضحت يبابا *** بعد عز وثروة ونعيم
كذاك الزمان يذهب بالناس *** وتبقى ديارهم كالرسوم

قال: فمن يقول منكم:

رأيت الناس مذ خلقوا وكانوا *** يحبون الغني من الرجال
وإن كان الغني قليل خير *** بخيلا بالقليل من النوال
فما أدري علام وفيم هذا *** وماذا يرتجون من البخال!
أللدنيا؟ فليس هناك دنيا *** ولا يرجى لحادثة الليالي

قال: أنا.
قال علي: قال أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعبد الملك بن مروان:

نبئت أن ابن القلمس عابني *** ومن ذا من الناس الصحيح المسلم
فأبصر سبل الرشد سيد قومه *** وقد يبصر الرشد الرئيس المعمم
فمن أنتمُ؟ ها خبرونا منَ انتمُ؟ *** وقد جعلت أشياء تبدو وتكتم

فقال عبد الملك: ما كنت أرى أن مثلنا يقال له: من أنتم! أما والله لولا ما تعلم لقلت قولا ألحقكم بأصلكم الخبيث، ولضربتك حتى تموت.
وقال عبد الله بن الحجاج الثعلبي لعبد الملك:

يا بن أبي العاص ويا خير فتى *** أنت سداد الدين إن دين وهى
أنت الذي لا يجعل الأمر سدى *** جيبت قريش عنكم جوب الرحى
إن أبا العاصي وفي ذاك اعتصى *** أوصى بنيه فوعوا عنه الوصى
إن يسعروا الحرب ويأبوا ما أبى *** الطاعنين في النحور والكلى
شزرا ووصلا للسيوف بالخطا *** إلى القتال فحووا ما قد حوى

وقال أعشى بني شيبان:

عرفت قريش كلها *** لبني أبي العاص الإماره
لأبرها وأحقها *** عند المشورة بالإشاره
المانعين لما ولوا *** والنافعين ذوي الضراره
وهمُ أحقهمُ بها *** عند الحلاوة والمراره

وقال عبد الملك: ما أعلم مكان أحد أقوى على هذا الأمر مني، وإن ابن الزبير لطويل الصلاة، كثير الصيام، ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسا.

خلافة الوليد بن عبد الملك
وفي هذه السنة بويع للوليد بن عبد الملك بالخلافة، فذكر أنه لما دفن أباه وانصرف عن قبره، دخل المسجد فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس، فخطب فقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! والله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين، والحمد لله على ما أنعم به علينا من الخلافة قوموا فبايعوا.
فكان أول من قام لبيعته عبد الله بن همام السلولي، فإنه قام وهو يقول:

الله أعطاك التي لا فوقها *** وقد أراد الملحدون عوقها
عنك ويأبى الله إلا سوقها *** إليك حتى قلدوك طوقها

فبايعه، ثم تتابع الناس على البيعة وأما الواقدي فإنه ذكر أن الوليد لما رجع من دفن أبيه، ودفن خارج باب الجابية، لم يدخل منزله حتى صعد على منبر دمشق، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثم قال:
أيها الناس، إنه لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت وقد صار إلى منازل الأبرار ولى هذه الامه الذى يحق عليه لله من الشدة على المريب، واللين لأهل الحق والفضل، وإقامة ما أقام الله من منار الإسلام وأعلامه، من حج هذا البيت، وغزو هذه الثغور، وشن هذه الغارة على أعداء الله، فلم يكن عاجزا ولا مفرطا أيها الناس، عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، فإن الشيطان مع الفرد أيها الناس، من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه.
ثم نزل، فنظر إلى ما كان من دواب الخلافه فحازه، وكان جبارا عنيدا ولايه قتيبة بن مسلم على خراسان من قبل الحجاج
وفي هذه السنة قدم قتيبة بن مسلم خراسان واليا عليها من قبل الحجاج، فذكر علي بن مُحَمَّد أن كليب بن خلف، اخبره عن طفيل ابن مرداس العمي والحسن بن رشيد، عن سُلَيْمَان بن كثير العمي، قال: أخبرني عمي قال: رأيت قتيبة بن مسلم حين قدم خراسان في سنة ست وثمانين، فقدم والمفضل يعرض الجند، وهو يريد أن يغزو أخرون وشومان، فخطب الناس قتيبة، وحثهم على الجهاد، وقال:
إن الله أحلكم هذا المحل ليعز دينه، ويذب بكم عن الحرمات، ويزيد بكم المال استفاضه، والعدو وقما، ووعد نبيه صلى الله عليه وسلم النصر بحديث صادق، وكتاب ناطق، فَقَالَ: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] ووعد المجاهدين في سبيله أحسن الثواب، وأعظم الذخر عنده فقال:
{ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [التوبة: 120] ، إلى قوله: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [التوبة: 121] ثم أخبر عمن قتل في سبيله أنه حي مرزوق، فقال: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فتنجزوا موعود ربكم ووطنوا أنفسكم على أقصى اثر وامضى الم، وإياي والهوينى

ذكر ما كان من أمر قتيبة بخراسان في هذه السنة
ثم عرض قتيبة الجند في السلاح والكراع، وسار واستخلف بمرو على حربها إياس بن عبد الله بن عمرو، وعلى الخراج عثمان بن السعدي، فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ وبعض عظمائهم فساروا معه، فلما قطع النهر تلقاه تيش الأعور ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب، فدعاه إلى بلاده، فأتاه وأتى ملك كفتان بهدايا وأموال، ودعاه إلى بلاده، فمضى مع بيش إلى الصغانيان، فسلم إليه بلاده، وكان ملك أخرون وشومان قد أساء جوار تيش وغزاه وضيق عليه، فسار قتيبة إلى أخرون وشومان- وهما من طخارستان، فجاءه غشتاسبان فصالحه على فدية أداها إليه، فقبلها قتيبة ورضي، ثم انصرف إلى مرو، واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم، وتقدم جنده فسبقهم إلى مرو، وفتح صالح بعد رجوع قتيبة باسارا، وكان معه نصر بن سيار فأبلى يومئذ، فوهب له قرية تدعى تنجانة، ثم قدم صالح على قتيبة فاستعمله على الترمذ.
قال: وأما الباهليون فيقولون: قدم قتيبة خراسان سنة خمس وثمانين فعرض الجند، فكان جميع ما احصوا من الدروع في جند خراسان ثلاثمائه وخمسين درعا، فغزا أخرون وشومان، ثم قفل فركب السفن فانحدر إلى آمل، وخلف الجند، فأخذوا طريق بلخ إلى مرو، وبلغ الحجاج، فكتب إليه يلومه ويعجز رأيه في تخليفه الجند، وكتب إليه:
إذا غزوت فكن في مقدم الناس، وإذا قفلت فكن في أخرياتهم وساقتهم.
وقد قيل: إن قتيبة أقام قبل أن يقطع النهر في هذه السنة على بلخ، لأن بعضها كان منتقضا عليه، وقد ناصب المسلمين، فحارب أهلها، فكان ممن سبى امرأة برمك، أبي خالد بن برمك- وكان برمك على النوبهار- فصارت لعبد الله بن مسلم الذي يقال له الفقير، أخي قتيبة بن مسلم، فوقع عليها، وكان به شيء من الجذام ثم إن أهل بلخ صالحوا من غد اليوم الذي حاربهم قتيبة فأمر قتيبة يرد السبي، فقالت امرأة برمك لعبد الله بن مسلم: يا تازي، إني قد علقت منك وحضرت عبد الله بن مسلم الوفاة، فأوصى أن يلحق به ما في بطنها، وردت إلى برمك، فذكر أن ولد عبد الله بن مسلم جاءوا أيام المهدي حين قدم الري إلى خالد، فادعوه، فقال لهم مسلم بن قتيبة: إنه لا بد لكم إن استلحقتموه ففعل من أن تزوجوه، فتركوه وأعرضوا عن دعواهم.
وكان برمك طبيبا، فداوى بعد ذلك مسلمه من عله كانت به.

[أخبار متفرقة]
وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم.
وفيها حبس الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب، وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان، وعبد الملك بن المهلب عن شرطته.
وحج بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل المخزومي، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر.
وكذلك قَالَ الواقدي.
وكان الأمير على العراق كله والمشرق كله الحجاج بن يوسف وعلى الصلاة بالكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل وعلى الحرب بها من قبل الحجاج زياد بن جرير بن عبد الله وعلى البصرة أيوب بن الحكم وعلى خراسان قتيبة بن مسلم.