236 هـ
850 م
سنة ست وثلاثين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

خبر مقتل محمد بن ابراهيم بن مصعب، فمن ذلك ما كان من مقتل محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق، أخي إسحاق بن إبراهيم بفارس …

ذكر الخبر عن مقتله وكيف قتل:
حدثني غير واحد، عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم، أن أباه إسحاق بلغه عنه أنه أكول لا يملأ جوفه شيء، وأنه أمر باتخاذ الطعام والإكثار منه، ثم أرسل إليه فدعاه، ثم أمره أن يأكل، وقال له: إني أحب أن أرى أكلك، فأكل وأكثر حتى عجب إسحاق منه، ثم قدم إليه بعد ما ظن أنه شبع وامتلأ من الطعام حمل مشوي، فأكل منه حتى لم يبق منه إلا عظامه، فلما فرغ من أكله، قال: يا بني، مال أبيك لا يقوم بطعام بطنك، فالحق أمير المؤمنين، فإن ماله أحمل لك من مالي فوجهه الى الباب والزمه الخدمه، فكان في خدمة السلطان حياة أبيه، وخليفة أبيه ببابه، حتى مات أبوه إسحاق، فعقد له المعتز على فارس، وعقد له المنتصر على اليمامة والبحرين وطريق مكة، في المحرم من هذه السنة، وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها، وزاده المنتصر ولاية مصر، وذلك أنه كان- فيما ذكر- حمل إلى المتوكل وأولياء عهده مما كان في خزائن أبيه من الجواهر والأشياء النفيسة ما حظي به عندهم، فرفعوه ورفعوا مرتبته.
فلما بلغ محمد بن إبراهيم ما فعل بابن أخيه محمد بن إسحاق تنكر للسلطان، وبلغ المتوكل عنه أمور أنكرها، فأخبرني بعضهم أن تنكر محمد بن إبراهيم إنما كان لابن أخيه محمد بن إسحاق، واعتلاله عليه بحمل خراج فارس إليه وأن محمدا شكا إلى المتوكل ما كان من تنكر عمه محمد بن إبراهيم في ذلك، فبسط يده عليه، وأطلق له العمل فيه بما أحب، فولى محمد بن إسحاق الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب فارس، وعزل عمه، وتقدم محمد إلى الحسين بن إسماعيل في قتل عمه محمد بن إبراهيم، فذكر أنه لما صار إلى فارس أهدى إليه في يوم النيروز هدايا، فكان فيما اهدى اليه حلواء، فأكل محمد بن إبراهيم منها، ثم دخل الحسين بن إسماعيل عليه، فأمر بإدخاله إلى موضع آخر واعاده الحلواء عليه، فأكل أيضا منها، فعطش فاستسقى، فمنع الماء، ورام الخروج من الموضع الذي أدخل إليه، فإذا هو محبوس لا سبيل له إلى الخروج، فعاش يومين وليلتين، ومات فحمل ماله وعياله إلى سامرا على مائة جمل ولما ورد نعي محمد بن إبراهيم على المتوكل امر بالكتاب فيه إلى طاهر بن عبد الله بن طاهر بالتعزية فكتب:
أما بعد، فإن أمير المؤمنين يوجب لك مع كل فائدة ونعمة تهنئتك بمواهب الله وتعزيتك عن ملمات أقداره، وقد قضى الله في محمد بن إبراهيم مولى أمير المؤمنين ما هو قضاؤه في عباده، حتى يكون الفناء لهم والبقاء له.
وأمير المؤمنين يعزيك عن محمد بما أوجب الله لمن عمل بما أمره به في مصائبه، من جزيل ثوابه وأجره، فليكن الله وما قربك منه أولى بك في أحوالك كلها، فإن مع شكر الله مزيده، ومع التسليم لأمر الله رضاه، وبالله توفيق أمير المؤمنين والسلام.

ذكر خبر وفاه الحسن بن سهل
وفي هذه السنة توفي الحسن بن سهل في قول بعضهم في أول ذي الحجة منها، وقال قائل هذه المقالة: مات محمد بن إسحاق بن إبراهيم في هذا الشهر لأربع بقين منه وذكر عن القاسم بن احمد الكوفى، انه قال: كنت في خدمة الفتح بن خاقان في سنة خمس وثلاثين ومائتين، وكان الفتح يتولى للمتوكل أعمالا، منها أخبار الخاصة والعامة بسامرا والهاروني وما يليها، فورد كتاب إبراهيم بن عطاء المتولي الأخبار بسامرا يذكر وفاة الحسن بن سهل، وأنه شرب شربة دواء في صبيحة يوم الخميس لخمس ليال بقين من ذي القعدة من سنة خمس وثلاثين ومائتين أفرطت عليه، وأنه توفي في هذا اليوم وقت الظهر، وأن المتوكل أمر بتجهيز جهازه من خزائنه فلما وضع على سريره تعلق به جماعة من التجار من غرماء الحسن بن سهل، ومنعوه من دفنه، فتوسط أمرهم يحيى بن خاقان وإبراهيم بن عتاب ورجل يعرف ببرغوث، فقطعوا أمرهم، ودفن فلما كان من الغد ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام بوفاة محمد بن إسحاق بن إبراهيم بعد الظهر يوم الخميس لخمس خلون من ذي الحجة، فجزع عليه المتوكل جزعا، وقال: تبارك الله وتعالى! كيف توافت منية الحسن ومحمد بن إسحاق في وقت واحد!

ذكر خبر هدم قبر الحسين بن على
وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق، فهرب الناس، وامتنعوا من المصير إليه، وحرث ذلك الموضع، وزرع ما حواليه.
وفيها استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وصرف محمد بن الفضل الجرجرائي وفيها حج محمد المنتصر، وحجت معه جدته شجاع أم المتوكل، فشيعها المتوكل إلى النجف.
وفيها هلك أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي الكبح فجاءه، ذكر أن فارس بن بغا الشرابي وهو خليفة أبيه، عقد لأبي سعيد هذا، وهو مولى طيئ على أذربيجان وأرمينية، فعسكر بالكرخ، كرخ فيروز، فلما كان لسبع بقين من شوال وهو بالكرخ مات فجاءة، لبس أحد خفيه ومد الآخر ليلبسه فسقط ميتا، فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان أبوه وليه من الحرب، وولاه بعد ذلك خراج الناحية وضياعها، فشخص إلى الناحية فضبطها، ووجه عماله في كل ناحية.
وحج بالناس في هذه السنة المنتصر محمد بن جعفر المتوكل.