216 هـ
831 م
سنة ست عشرة ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

عود الى ذكر غزو المأمون ارض الروم
فمن ذلك كر المأمون إلى أرض الروم …

ذكر السبب في كره إليها:
اختلف في ذلك، فقيل: كان السبب فيه ورود الخبر على المأمون بقتل ملك الروم قوما من أهل طرسوس والمصيصة، وذلك- فيما ذكر- ألف وستمائه.
فلما بلغه ذلك شخص حتى دخل أرض الروم يوم الاثنين لإحدى عشرة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة، فلم يزل مقيما فيها إلى النصف من شعبان.
وقيل: أن سبب ذلك أن توفيل بْن ميخائيل كتب إليه، فبدأ بنفسه، فلما ورد الكتاب عليه لم يقرأه، وخرج إلى أرض الروم، فوافاه رسل توفيل بْن ميخائيل بأذنه، ووجه بخمسمائة رجل من أسارى المسلمين إليه، فلما دخل المأمون أرض الروم، ونزل على أنطيغوا، فخرج أهلها على صلح وصار إلى هرقلة.
فخرج أهلها إليه على صلح، ووجه أخاه أبا إسحاق، فافتتح ثلاثين حصنا ومطمورة ووجه يحيى بن أكثم من طوانة، فأغار وقتل وحرق، وأصاب سبيا ورجع إلى العسكر ثم خرج المأمون إلى كيسوم، فأقام بها يومين أو ثلاثة، ثم ارتحل إلى دمشق.
وفي هذه السنة ظهر عبدوس الفهري، فوثب بمن معه على عمال أبي إسحاق، فقتل بعضهم، وذلك في شعبان، فشخص المأمون من دمشق يوم الأربعاء لأربع عشرة بقيت من ذي الحجة إلى مصر.
وفيها قدم الأفشين من برقة منصرفا عنها، فأقام بمصر وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بْن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا، فبدءوا بذلك في مسجد المدينة والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان من هذه السنة، حين قضوا الصلاة، فقاموا قياما، فكبروا ثلاث تكبيرات، ثم فعلوا ذلك في كل صلاة مكتوبة.
وفيها غضب المأمون على علي بْن هشام، فوجه إليه عجيف بْن عنبسة وأحمد بْن هشام، وأمر بقبض أمواله وسلاحه.
وفيها ماتت أم جعفر ببغداد في جمادى الأولى.
وفيها قدم غسان بْن عباد من السند، وقد استأمن إليه بشر بْن داود المهلبي، وأصلح السند، واستعمل عليها عمران بْن موسى البرمكي، فقال الشاعر:

سيف غسان رونق الحرب فيه *** وسمام الحتوف في ظبتيه
فإذا جره إلى بلد السند *** فألقى المقاد بشر إليه
مقسما لا يعود ما حج لله *** مصل وما رمى جمرتيه
غادرا يخلع الملوك ويغتال *** جنودا تأوي إلى ذروتيه

فرجع غسان إلى المأمون، وهرب جعفر بْن داود القمي إلى قم، وخلع بها وفي هذه السنة كان البرد الشديد.
وحج بالناس- في قول بعضهم- في هذه السنة سليمان بْن عبد الله بْن سليمان بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس وفي قول بعضهم: حج بهم في هذه السنة عبد الله بْن عبيد الله بْن العباس بْن محمد بْن علي بْن عبد الله بْن العباس، وكان المأمون ولاه اليمن، وجعل إليه ولاية كل بلدة يدخلها حتى يدخل إلى اليمن، فخرج من دمشق حتى قدم بغداد، فصلى بالناس بها يوم الفطر، فشخص من بغداد يوم الاثنين لليلة خلت من ذي القعدة، وأقام الحج للناس.