116 هـ
734 م
سنة ست عشرة ومائة (ذكر الأخبار عما كان فيها من الأحداث)

فمن ذلك ما كان من غزوة معاوية بْن هشام أرض الروم الصائفة وفيها كان طاعون شديد بالعراق والشام، وكان أشد ذلك- فيما ذكر- بواسط …

وفاة الجنيد بْن عبد الرحمن وولاية عاصم بن عبد الله خراسان
وفيها كانت وفاة الجنيد بْن عبد الرحمن وولاية عاصم بْن عبد الله بْن يزيد الهلالي خراسان.

ذكر الخبر عن أمرهما:
ذكر علي بْن محمد، عن أشياخه، أن الجنيد بْن عبد الرحمن تزوج الفاضلة بنت يزيد بْن المهلب، فغضب هشام على الجنيد، وولى عاصم بْن عبد الله خراسان، وكان الجنيد سقى بطنه، فقال هشام لعاصم: إن أدركته وبه رمق فازهق نفسه، فقدم عاصم وقد مات الجنيد.
قال: وذكروا ان جبله بن أبي رواد دخل على الجنيد عائدا، فقال:
يا جبلة، ما يقول الناس؟ قَالَ: قلت يتوجعون للأمير، قَالَ: ليس عن هذا سألتك، ما يقولون؟ وأشار نحو الشام بيده قَالَ: قلت: يقدم على خراسان يزيد بْن شجرة الرهاوي، قَالَ: ذلك سيد أهل الشام، قَالَ: ومن؟
قلت: عصمة أو عصام، وكنيت عن عاصم، فقال: إن قدم عاصم فعدو جاهد، لا مرحبا به ولا أهلا.
قَالَ: فمات في مرضه ذلك في المحرم سنة ست عشرة ومائة، واستخلف عمارة بْن حريم وقدم عاصم بْن عبد الله، فحبس عمارة بْن حريم وعمال الجنيد وعذبهم وكانت وفاته بمرو، فقال ابو الجويرية عيسى ابن عصمه يرثيه:

هلك الجود والجنيد جميعا *** فعلى الجود والجنيد السلام
أصبحا ثاويين في أرض مرو *** ما تغنت على الغصون الحمام
كنتما نزهة الكرام فلما *** مت مات الندى ومات الكرام

ثم إن أبا الجويرية أتى خالد بْن عبد الله القسري وامتدحه، فقال له خالد: ألست القائل: هلك الجود والجنيد جميعا؟
مالك عندنا شيء، فخرج فقال:

تظل لامعة الآفاق تحملنا *** إلى عمارة والقود السراهيد

قصيدة امتدح بها عمارة بْن حريم، ابن عم الجنيد، وعمارة هو جد أبي الهيذام صاحب العصبية بالشام.
قَالَ: وقدم عاصم بْن عبد الله فحبس عماره بن حريم وعمال الجنيد وعذبهم

ذكر خلع الحارث بن سريج
وفي هذه السنة خلع الحارث بْن سريج، وكانت الحرب بينه وبين عاصم بْن عبد الله.

ذكر الخبر عن ذلك:
ذكر علي عن أشياخه، قَالَ: لما قدم عاصم خراسان واليا، اقبل الحارث ابن سريج من النخذ حتى وصل إلى الفارياب، وقدم أمامه بشر بن جرموز.
قَالَ: فوجه عاصم الخطاب بْن محرز السلمي ومنصور بْن عمر بن ابى الخرقاء السلمي وهلال بْن عليم التميمي والأشهب الحنظلي وجرير بْن هميان السدوسي ومقاتل بْن حيان النبطي مولى مصقلة إلى الحارث، وكان خطاب ومقاتل بْن حيان قالا: لا تلقوه إلا بأمان، فأبي عليهما القوم، فلما انتهوا إليه بالفارياب قيدهم وحبسهم، ووكل بهم رجلا يحفظهم قَالَ: فأوثقوه وخرجوا من السجن، فركبوا دوابهم، وساقوا دواب البريد، فمروا بالطالقان فهم سهرب صاحب الطالقان بهم، ثم أمسك وتركهم فلما قدموا مرو أمرهم عاصم فخطبوا وتناولوا الحارث، وذكروا خبث سيرته وغدره ثم مضى الحارث إلى بلخ وعليها نصر، فقاتلوه، فهزم أهل بلخ ومضى نصر إلى مرو.
وذكر بعضهم: لما أقبل الحارث إلى بلخ وكان عليها التجيبي بْن ضبيعة المري ونصر بْن سيار، وولاهما الجنيد قَالَ: فانتهى إلى قنطرة عطاء وهي على نهر بلخ على فرسخين من المدينة، فتلقى نصر بْن سيار في عشرة آلاف والحارث بْن سريج في أربعة آلاف، فدعاهم الحارث إلى الكتاب والسنة والبيعه للرضا، فقال قطن بْن عبد الرحمن بْن جزي الباهلي: يا حارث، أنت تدعو إلى كتاب الله والسنة، والله لو أن جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ما أجبتك، فقاتلهم فأصابته رمية في عينه، فكان أول قتيل.
فانهزم أهل بلخ إلى المدينة، وأتبعهم الحارث حتى دخلها، وخرج نصر من باب آخر، فأمر الحارث بالكف عنهم، فقال رجل من أصحاب الحارث: إني لأمشي في بعض طرق بلخ إذ مررت بنساء يبكين وامرأة تقول: يا أبتاه! ليت شعري من دهاك! وأعرابي إلى جنبي يسير، فقال:
من هذه الباكية؟ فقيل له: ابنة قطن بْن عبد الرحمن بْن جزي، فقال الأعرابي: أنا وأبيك دهيتك، فقلت: أنت قتلته؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: ويقال: قدم نصر والتجيبي على بلخ، فحبسه نصر، فلم يزل محبوسا حتى هزم الحارث نصرا، وكان التجيبي ضرب الحارث أربعين سوطا في إمرة الجنيد، فحوله الحارث إلى قلعة باذكر بزم، فجاء رجل من بني حنيفة فادعى عليه أنه قتل أخاه أيام كان على هراة، فدفعه الحارث إلى الحنفي، فقال له التجيبي: أفتدي منك بمائة ألف، فلم يقبل منه وقتله وقوم يقولون: قتل التجيبي في ولاية نصر قبل أن يأتيه الحارث.
قَالَ: ولما غلب الحارث علي بلخ استعمل عليها رجلا من ولد عبد الله ابن خازم، وسار، فلما كان بالجوزجان دعا وابصة بْن زرارة العبدي، ودعا دجاجة ووحشا العجليين وبشر بْن جرموز وأبا فاطمة، فقال: ما ترون؟ فقال أبو فاطمة: مرو بيضة خراسان، وفرسانهم كثير، لو لم يلقوك إلا بعبيدهم لانتصفوا منك، فأقم فإن أتوك قاتلتهم وإن أقاموا قطعت المادة عنهم، قَالَ: لا أرى ذلك، ولكن أسير إليهم فأقبل الحارث إلى مرو، وقد غلب على بلخ والجوزجان والفارياب والطالقان ومرو الروذ، فقال أهل الدين من أهل مرو: إن مضى إلى أبرشهر ولم يأتنا فرق جماعتنا، وإن أتانا نكب.
قَالَ: وبلغ عاصما أن أهل مرو يكاتبون الحارث، قَالَ: فأجمع على الخروج وقال: يا اهل خراسان، قد بايعتم الحارث بن سريج، لا يقصد مدينة إلا خليتموها له، إني لاحق بأرض قومي أبرشهر، وكاتب منها إلى أمير المؤمنين حتى يمدني بعشرة آلاف من أهل الشام فقال له المجشر بْن مزاحم:
إن أعطوك بيعتهم بالطلاق والعتاق فأقم، وإن أبوا فسر حتى تنزل أبرشهر، وتكتب إلى أمير المؤمنين فيمدك بأهل الشام فقال خالد بن هريم احد بنى ثعلبه بن يربوع وأبو محارب هلال بْن عليم: والله لا نخليك والذهاب، فيلزمنا دينك عند أمير المؤمنين، ونحن معك حتى نموت إن بذلت الأموال.
قَالَ: افعل، قَالَ يزيد بْن قران الرياحي: ان لم اقاتل معك ما قاتلت فابنه الأبرد بْن قرة الرياحي طالق ثلاثا- وكانت عنده- فقال عاصم: أكلكم على هذا؟ قالوا: نعم وكان سلمة بْن أبي عبد الله صاحب حرسه يحلفهم بالطلاق.
قَالَ: وأقبل الحارث بْن سريج إلى مرو في جمع كثير- يقال في ستين ألفا- ومعه فرسان الأزد وتميم، منهم محمد بْن المثنى وحماد بْن عامر ابن مالك الحماني وداود الأعسر وبشر بْن أنيف الرياحي وعطاء الدبوسي.
ومن الدهاقين الجوزجان وترسل دهقان الفارياب وسهرب ملك الطالقان، وقرياقس دهقان مرو، في أشباههم.
قَالَ: وخرج عاصم في أهل مرو وفي غيرهم، فعسكر بجياسر عند البيعه، وأعطى الجند دينارا دينارا، فخف عنه الناس، فأعطاهم ثلاثة دنانير ثلاثة دنانير، وأعطى الجند وغيرهم، فلما قرب بعضهم من بعض أمر بالقناطر فكسرت، وجاء أصحاب الحارث فقالوا: تحصروننا في البرية! دعونا نقطع إليكم فنناظركم فيما خرجنا له، فأبوا وذهب رجالتهم يصلحون القناطر، فأتاهم رجالة أهل مرو فقاتلوهم، فمال محمد بْن المثنى الفراهيذي برايته إلى عاصم فأمالها في ألفين فأتى الأزد، ومال حماد بْن عامر بْن مالك الحماني إلى عاصم، وأتى بني تميم.
قَالَ سلمة الأزدي: كان الحارث بعث الى عاصم رسلا- منهم محمد ابن مسلم العنبري- يسألونه العمل بكتاب الله وسنة نبيه ص.
قَالَ: وعلى الحارث بْن سريج يومئذ السواد قَالَ: فلما مال محمد بْن المثنى بدأ أصحاب الحارث بالحملة، والتقى الناس، فكان أول قتيل غياث بْن كلثوم من أهل الجارود، فانهزم أصحاب الحارث، فغرق بشر كثير من أصحاب الحارث في أنهار مرو والنهر الأعظم، ومضت الدهاقين إلى بلادهم، فضرب يومئذ خالد بْن علباء بْن حبيب بْن الجارود على وجهه، وأرسل عاصم بْن عبد الله المؤمن بْن خالد الحنفي وعلباء بْن أحمر اليشكري ويحيى بْن عقيل الخزاعي ومقاتل بْن حيان النبطي إلى الحارث يسأله ما يريد؟ فبعث الحارث محمد بْن مسلم العنبري وحده، فقال لهم: ان الحارث وإخوانكم يقرءونكم السلام، ويقولون لكم: قد عطشنا وعطشت دوابنا، فدعونا ننزل الليلة، وتختلف الرسل فيما بيننا ونتناظر، فإن وافقناكم على الذي تريدون وإلا كنتم من وراء أمركم، فأبوا عليه وقالوا مقالا غليظا، فقال مقاتل ابن حيان النبطي: يا أهل خراسان، إنا كنا بمنزلة بيت واحد وثغرنا واحد، ويدنا على عدونا واحدة، وقد أنكرنا ما صنع صاحبكم، وجه إليه أميرنا بالفقهاء والقراء من أصحابه، فوجه رجلا واحدا قَالَ محمد: إنما أتيتكم مبلغا، لطلب كتاب الله وسنه نبيه ص، وسيأتيكم الذي تطلبون من غد إن شاء الله تعالى وانصرف محمد بْن مسلم إلى الحارث، فلما انتصف الليل سار الحارث فبلغ عاصما، فلما أصبح سار إليه فالتقوا، وعلى ميمنة الحارث رابض بْن عبد الله بْن زرارة التغلبي، فاقتتلوا قتالا شديدا، فحمل يحيى بْن حضين- وهو رأس بكر بْن وائل، وعلى بكر بن وائل زياد بْن الحارث بْن سريج- فقتلوا قتلا ذريعا، فقطع الحارث وادي مرو، فضرب رواقا عند منازل الرهبان، وكف عنه عاصم قَالَ: وكانت القتلى مائة، وقتل سعيد بْن سعد بْن جزء الأزدي، وغرق خازم بْن موسى بْن عبد الله بْن خازم- وكان مع الحارث بْن سريج- واجتمع إلى الحارث زهاء ثلاثة آلاف، فقال القاسم بْن مسلم: لما هزم الحارث كف عنه عاصم، ولو ألح عليه لأهلكه.
وأرسل إلى الحارث: إني راد عليك ما ضمنت لك ولأصحابك، على أن ترتحل، ففعل.
قَالَ: وكان خالد بْن عبيد الله بْن حبيب أتى الحارث ليلة هزم، وكان أصحابه أجمعوا على مفارقة الحارث، وقالوا: ألم تزعم أنه لا يرد لك راية! فأتاهم فسكنهم.
وكان عطاء الدبوسي من الفرسان، فقال لغلامه يوم زرق: أسرج لي برذوني لعلي ألاعب هذه الحمارة، فركب ودعا إلى البراز، فبرز له رجل من أهل الطالقان، فقال بلغته: اى كير خر.
قَالَ أبو جعفر الطبري رحمه الله: وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة الْوَلِيد بْن يزيد بْن عبد الملك، وهو ولي العهد، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر وكذلك قَالَ الواقدي وغيره.
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في التي قبلها إلا ما كان من خراسان فإن عاملها في هذه السنة عاصم بْن عبد الله الهلالي.