237 هـ
851 م
سنة سبع وثلاثين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

ذكر وثوب اهل أرمينية بعاملهم يوسف بن محمد
فمن ذلك ما كان من وثوب أهل أرمينية بيوسف بن محمد فيها …

ذكر الخبر عن سبب وثوبهم به:
قد ذكرنا فيما مضى قبل سبب استعمال المتوكل يوسف بن محمد هذا اياه على أرمينية، فأما سبب وثوب أهل أرمينية به، فإنه كان- فيما ذكر- أنه لما صار إلى عمله من أرمينية خرج رجل من البطارقة يقال له بقراط بن أشوط، وكان يقال له بطريق البطارقة، يطلب الإمارة، فأخذه يوسف بن محمد، وقيده وبعث به إلى باب الخليفة، فأسلم بقراط وابنه، فذكر أن يوسف لما حمل بقراط بن أشوط اجتمع عليه ابن أخي بقراط بن أشوط وجماعة من بطارقة أرمينية، وكان الثلج قد وقع في المدينة التي فيها يوسف، وهي- فيما قيل- طرون، فلما سكن الثلج أناخوا عليها من كل ناحية، وحاصروا يوسف ومن معه في المدينة، فخرج يوسف إلى باب المدينة، فقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه، فأما من لم يقاتل معه، فإنهم قالوا له: ضع ثيابك، وانج عريانا، فطرح قوم منهم كثير ثيابهم، ونجوا عراة حفاة، فمات أكثرهم من البرد، وسقطت أصابع قوم منهم ونجوا، وكانت البطارقة لما حمل يوسف بقراط بن أشوط تحالفوا على قتله، ونذروا دمه، ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة، وهو على ابنة بقراط، فنهى سوادة بن عبد الحميد الحجافي يوسف بن أبي سعيد عن المقام بموضعه، وأعلمه بما أتاه من أخبار البطارقة، فأبى أن يفعل، فوافاه القوم في شهر رمضان، فأحدقوا بسور المدينة والثلج ما بين عشرين ذراعا إلى أقل حول المدينة إلى خلاط إلى دبيل، والدنيا كلها ثلج وكان يوسف قبل ذلك قد فرق أصحابه في رساتيق عمله، فتوجه إلى كل ناحية منها قوم من أصحابه، فوجه إلى كل طائفة منهم من البطارقة، وممن معهم جماعة، فقتلوهم في يوم واحد، وكانوا قد حاصروه في المدينة أياما، فخرج إليهم فقاتل حتى قتل، فوجه المتوكل بغا الشرابي إلى أرمينية طالبا بدم يوسف، فشخص إليها من ناحية الجزيرة، فبدأ بأرزن بموسى بن زرارة، وهو ابو الحر وله إخوة: إسماعيل وسليمان وأحمد وعيسى ومحمد وهارون، فحمل بغا موسى بن زرارة إلى باب الخليفة، ثم سار فأناخ بجبل الخويثية، وهم جمة أهل أرمينية، وقتلة يوسف بن محمد، فحاربهم فظفر بهم، فقتل زهاء ثلاثين ألفا، وسبى منهم خلقا كثيرا، فباعهم بأرمينية، ثم سار إلى بلاد الباق فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس وهو صاحب الباق- والباق من كور البسفرجان وبني النشوى، ثم سار إلى مدينة دبيل من أرمينية، فأقام بها شهرا، ثم سار إلى تفليس.
وفي هذه السنة ولي عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بغداد ومعاون السواد.
وفيها قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان، لثمان بقين من شهر ربيع الآخر، فولي الشرطة والجزية وأعمال السواد وخلافة أمير المؤمنين بمدينة السلام، ثم صار إلى بغداد.
وفيها عزل المتوكل محمد بن أحمد بن ابى دواد عن المظالم، وولاها محمد ابن يعقوب المعروف بأبي الربيع.
وفيها رضي عن ابن أكثم، وكان ببغداد فأشخص إلى سامرا، فولي القضاء على القضاة، ثم ولي أيضا المظالم، وكان عزل المتوكل محمد بن أحمد ابن ابى دواد عن مظالم سامرا لعشر بقين من صفر من هذه السنه.

ذكر غضب المتوكل على ابن ابى دواد
وفيها غضب المتوكل على ابن ابى دواد، وامر بالتوكيل على ضياع احمد ابن ابى دواد لخمس بقين من صفر، وحبس يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأول ابنه أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي دواد في ديوان الخراج، وحبس إخوته عند عبيد الله بن السري خليفة صاحب الشرطة فلما كان يوم الاثنين حمل أبو الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وجواهر بقيمة عشرين ألف دينار، ثم صولح بعد ذلك على ستة عشر ألف ألف درهم، وأشهد عليهم جميعا ببيع كل ضيعة لهم، وكان احمد بن ابى دواد قد فلج، فلما كان يوم الأربعاء لسبع خلون من شعبان، أمر المتوكل بولد أحمد بن ابى دواد، فحدروا إلى بغداد، فقال أبو العتاهية:

لو كنت في الرأي منسوبا إلى رشد *** وكان عزمك عزما فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به *** عن أن تقول: كلام الله مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم *** ما كان في الفرع لولا الجهل والموق

وأقيم فيها الخلنجي للناس في جمادى الآخرة.
وفيها ولى ابن أكثم قضاء الشرقية حيان بن بشر، وولى سوار بن عبد الله العنبري قضاء الجانب الغربي، وكلاهما أعور، فقال الجماز:

رأيت من الكبائر قاضيين *** هما أحدوثة في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قدا *** كما اقتسما قضاء الجانبين
وتحسب منهما من هز رأسا *** لينظر في مواريث ودين
كأنك قد وضعت عليه دنا *** فتحت بزاله من فرد عين
هما فأل الزمان بهلك يحيى *** إذ افتتح القضاء باعورين

خبر انزال جثه ابن نصر ودفعه الى اوليائه
وفيها أمر المتوكل في يوم الفطر منها بإنزال جثة أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، ودفعه إلى أوليائه

ذكر الخبر عما فعل به وما كان من الأمر بسبب ذلك:
ذكر أن المتوكل لما أمر بدفع جثته إلى أوليائه لدفنه، فعل ذلك، فدفع إليهم، وقد كان المتوكل لما أفضت إليه الخلافة، نهى عن الجدال في القرآن وغيره، ونفذت كتبه بذلك إلى الآفاق، وهم بإنزال أحمد بن نصر عن خشبته، فاجتمع الغوغاء والرعاع إلى موضع تلك الخشبة، وكثروا وتكلموا، فبلغ ذلك المتوكل، فوجه إليهم نصر بن الليث، فأخذ منهم نحوا من عشرين رجلا، فضربهم وحبسهم، وترك إنزال أحمد بن نصر من خشبته لما بلغه من تكثير العامة في أمره، وبقي الذين أخذوا بسببه في الحبس حينا، ثم أطلقوا، فلما دفع بدنه إلى أوليائه في الوقت الذي ذكرت، حمله ابن أخيه موسى إلى بغداد، وغسل ودفن، وضم رأسه إلى بدنه، وأخذ عبد الرحمن بن حمزة جسده في منديل مصري، فمضى به إلى منزله، فكفنه وصلى عليه، وتولى إدخاله القبر مع بعض أهله رجل من التجار، ويقال له الأبزاري فكتب صاحب البريد ببغداد- وكان يعرف بابن الكلبي، من موضع بناحية واسط، يقال له الكلبانيه- إلى المتوكل بخبر العامة، وما كان من اجتماعها وتمسحها بالجنازة، جنازة أحمد بن نصر وبخشبه رأسه، فقال المتوكل ليحيى بن أكثم: كيف دخل ابن الأبزاري القبر على كبرة خزاعة! فقال:
يا أمير المؤمنين، كان صديقا له فأمر المتوكل بالكتاب إلى محمد بن عبد الله ابن طاهر بمنع العامة من الاجتماع والحركة في مثل هذا وشبهه، وكان بعضهم أوصى ابنه عند موته أن يرهب العامة، فكتب المتوكل ينهى عن الاجتماع.
وغزا الصائفة في هذه السنة علي بن يحيى الأرمني وحج بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور، وكان والى مكة.