137 هـ
754 م
سنة سبع وثلاثين ومائة (ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث)

ذكر خبر خروج عبد الله بن على وهزيمته
فمما كان فيها من ذلك قدوم المنصور أبي جعفر من مكة ونزوله الحيرة، …

فمما كان فيها من ذلك قدوم المنصور أبي جعفر من مكة ونزوله الحيرة، فوجد عيسى بْن موسى قد شخص إلى الأنبار، واستخلف على الكوفه طلحه ابن إسحاق بْن محمد بْن الأشعث، فدخل أبو جعفر الكوفة فصلى بأهلها الجمعة يوم الجمعة، وخطبهم وأعلمهم أنه راحل عنهم، ووافاه أبو مسلم بالحيرة، ثم شخص أبو جعفر إلى الأنبار وأقام بها، وجمع إليه أطرافه.
وذكر علي بْن محمد عن الوليد، عن أبيه، أن عيسى بْن موسى كان قد أحرز بيوت الأموال والخزائن والدواوين، حتى قدم عليه أبو جعفر الأنبار، فبايع الناس له بالخلافة، ثم لعيسى بْن موسى من بعده، فسلم عيسى بْن موسى إلى أبي جعفر الأمر، وقد كان عيسى بْن موسى بعث أبا غسان- واسمه يزيد بْن زياد، وهو حاجب أبي العباس- إلى عبد الله بْن علي ببيعه ابى جعفر، ذلك بأمر أبي العباس قبل أن يموت حين أمر الناس بالبيعة لأبي جعفر من بعده فقدم أبو غسان على عبد الله بْن على بأفواه الدروب متوجها يريد والروم، فلما قدم عليه أبو غسان بوفاة أبي العباس وهو نازل بموضع يقال له دلوك، أمر مناديا فنادى: الصلاة جامعة فاجتمع إليه القواد والجند، فقرأ عليهم الكتاب بوفاة أبي العباس، ودعا الناس إلى نفسه، وأخبرهم أن أبا العباس حين أراد أن يوجه الجنود إلى مروان بْن محمد دعا بني أبيه، فأرادهم على المسير إلى مروان بْن محمد، وقال: من انتدب منكم فسار إليه فهو ولي عهدي، فلم ينتدب له غيري، فعلى هذا خرجت من عنده، وقتلت.
من قتلت فقام أبو غانم الطائي وخفاف المروروذي في عدة من قواد أهل خراسان فشهدوا له بذلك، فبايعه أبو غانم وخفاف وأبو الأصبغ وجميع من كان معه من أولئك القواد، فيهم حميد بْن قحطبة وخفاف الجرجاني وحياش بْن حبيب ومخارق بْن غفار وترار خدا وغيرهم من أهل خراسان والشام والجزيرة، وقد نزل تل محمد، فلما فرغ من البيعة ارتحل فنزل حران، وبها مقاتل العكي- وكان أبو جعفر استخلفه لما قدم على أبي العباس- فأراد مقاتلا على البيعة فلم يجبه، وتحصن منه، فأقام عليه وحصره حتى استنزله من حصنه فقتله.
وسرح أبو جعفر لقتال عبد الله بْن علي أبا مسلم، فلما بلغ عبد الله إقبال أبي مسلم أقام بحران، وقال أبو جعفر لأبي مسلم: إنما هو أنا أو أنت، فسار أبو مسلم نحو عبد الله بحران، وقد جمع إليه الجنود والسلاح، وخندق وجمع إليه الطعام والعلوفة وما يصلحه، ومضى أبو مسلم سائرا من الأنبار، ولم يتخلف عنه من القواد أحد، وبعث على مقدمته مالك بْن الهيثم الخزاعي، وكان معه الحسن وحميد ابنا قحطبة، وكان حميد قد فارق عبد الله بْن علي، وكان عبد الله أراد قتله، وخرج معه أبو إسحاق وأخوه وأبو حميد وأخوه وجماعة من أهل خراسان، وكان أبو مسلم استخلف على خراسان حيث شخص خالد بْن إبراهيم أبا داود.
قَالَ الهيثم: كان حصار عبد الله بْن علي مقاتلا العكي أربعين ليلة، فلما بلغه مسير أبي مسلم إليه، وأنه لم يظفر بمقاتل، وخشي أن يهجم عليه أبو مسلم أعطى العكي أمانا، فخرج إليه فيمن كان معه، وأقام معه أياما يسيرة، ثم وجهه إلى عثمان بْن عبد الأعلى بْن سراقة الأزدي إلى الرقة ومعه ابناه، وكتب إليه كتابا دفعه إلى العكي، فلما قدموا على عثمان قتل العكي وحبس ابنيه، فلما بلغه هزيمة عبد الله بْن علي وأهل الشام بنصيبين أخرجهما فضرب أعناقهما.
وكان عبد الله بْن علي خشي ألا يناصحه أهل خراسان، فقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا، أمر صاحب شرطه فقتلهم، وكتب لحميد بْن قحطبة كتابا ووجهه إلى حلب، وعليها زفر بْن عاصم وفي الكتاب: إذا قدم عليك حميد بْن قحطبة فاضرب عنقه، فسار حميد حتى إذا كان ببعض الطريق فكر في كتابه، وقال: إن ذهابي بكتاب ولا أعلم ما فيه لغرر، ففك الطومار فقرأه، فلما رأى ما فيه دعا أناسا من خاصته فأخبرهم الخبر، وأفشى إليهم أمره، وشاورهم، وقال: من أراد منكم أن ينجو ويهرب فليسر معي، فإني أريد أن آخذ طريق العراق، وأخبرهم ما كتب به عبد الله بْن علي في أمره، وقال لهم: من لم يرد منكم أن يحمل نفسه على السير فلا يفشين سري، وليذهب حيث أحب.
قَالَ: فاتبعه على ذلك ناس من أصحابه، فأمر حميد بدوابه فأنعلت، وأنعل أصحابه دوابهم، وتأهبوا للمسير معه، ثم فوز بهم وبهرج الطريق فأخذ على ناحية من الرصافة، رصافة هشام بالشام، وبالرصافة يومئذ مولى لعبد الله بْن علي يقال له سعيد البربري، فبلغه أن حميد بْن قحطبة قد خالف عبد الله بْن علي، وأخذ في المفازة، فسار في طلبه فيمن معه من فرسانه، فلحقه ببعض الطريق، فلما بصر به حميد ثنى فرسه نحوه حتى لقيه، فقال له:
ويحك! أما تعرفني! والله مالك في قتالي من خير فارجع، فلا تقتل أصحابي وأصحابك، فهو خير لك فلما سمع كلامه عرف ما قَالَ له، فرجع إلى موضعه بالرصافة، ومضى حميد ومن كان معه، فقال له صاحب حرسه موسى بْن ميمون: إن لي بالرصافة جارية، فإن رأيت أن تأذن لي فآتيها فأوصيها ببعض ما أريد، ثم ألحقك! فأذن له فأتاها، فأقام عندها، ثم خرج من الرصافة يريد حميدا، فلقيه سعيد البربري مولى عبد الله بْن علي، فأخذه فقتله، وأقبل عبد الله بْن علي حتى نزل نصيبين، وخندق عليه.
وأقبل أبو مسلم وكتب أبو جعفر إلى الحسن بْن قحطبة- وكان خليفته بأرمينية- أن يوافي أبا مسلم، فقدم الحسن بْن قحطبة على أبي مسلم وهو بالموصل، وأقبل أبو مسلم، فنزل ناحية لم يعرض له، وأخذ طريق الشام، وكتب إلى عبد الله:
إني لم أومر بقتالك، ولم أوجه له، ولكن أمير المؤمنين ولاني الشام، وإنما أريدها، فقال من كان مع عبد الله من أهل الشام لعبد الله: كيف نقيم معك وهذا يأتي بلادنا، وفيها حرمنا فيقتل من قدر عليه من رجالنا، ويسبى ذرارينا! ولكنا نخرج إلى بلادنا فنمنعه حرمنا وذرارينا ونقاتله إن قاتلنا، فقال لهم عبد الله بْن علي: إنه والله ما يريد الشام، وما وجه الا لقتالكم، ولئن أقمتم ليأتينكم قَالَ: فلم تطب أنفسهم، وأبوا إلا المسير إلى الشام قَالَ: وأقبل أبو مسلم فعسكر قريبا منهم، وارتحل عبد الله بْن علي من عسكره متوجها نحو الشام، وتحول أبو مسلم حتى نزل في معسكر عبد الله ابن علي في موضعه، وعور ما كان حوله من المياه، وألقى فيها الجيف.
وبلغ عبد الله بْن علي نزول أبي مسلم معسكره، فقال لأصحابه من أهل الشام: ألم أقل لكم! وأقبل فوجد أبا مسلم قد سبقه إلى معسكره، فنزل في موضع عسكر أبي مسلم الذي كان فيه، فاقتتلوا أشهرا خمسة أو ستة، وأهل الشام أكثر فرسانا وأكمل عده، وعلى ميمنه عبد الله بكار بْن مسلم العقيلي، وعلى ميسرته حبيب بْن سويد الأسدي، وعلى الخيل عبد الصمد بْن علي، وعلى ميمنة أبي مسلم الحسن بْن قحطبة، وعلى الميسرة أبو نصر خازم بْن خزيمة، فقاتلوه أشهرا.
قَالَ علي: قَالَ هشام بْن عمرو التغلبي: كنت في عسكر أبي مسلم، فتحدث الناس يوما، فقيل: أي الناس أشد؟ فقال: قولوا حتى أسمع، فقال رجل: أهل خراسان وقال آخر: أهل الشام، فقال أبو مسلم: كل قوم في دولتهم أشد الناس قَالَ: ثم التقينا، فحمل علينا أصحاب عبد الله بْن علي فصدمونا صدمة أزالونا بها عن مواضعنا، ثم انصرفوا وشد علينا عبد الصمد في خيل مجردة، فقتل منا ثمانية عشر رجلا، ثم رجع في أصحابه، ثم تجمعوا فرموا بأنفسهم: فأزالوا صفنا وجلنا جولة، فقلت لأبي مسلم:
لو حركت دابتى حتى اشرف على هذا التل فاصبح بالناس، فقد انهزموا! فقال: افعل، قَالَ: قلت: وأنت أيضا فتحرك دابتك، فقال: إن أهل الحجى لا يعطفون دوابهم على هذه الحال، ناد: يا أهل خراسان ارجعوا، فإن العاقبة لمن اتقى قَالَ: ففعلت، فتراجع الناس، وارتجز أبو مسلم يومئذ فقال:
من كان ينوي أهله فلا رجع فر من الموت وفي الموت وقع قَالَ: وكان قد عمل لأبي مسلم عريش، فكان يجلس عليه إذا التقى الناس فينظر إلى القتال، فإن رأى خللا في الميمنة أو في الميسرة أرسل إلى صاحبها:
إن في ناحيتك انتشارا، فاتق ألا تؤتى من قبلك، فافعل كذا، قدم خيلك كذا، أو تأخر كذا إلى موضع كذا، فإنما رسله تختلف إليهم برأيه حتى ينصرف بعضهم عن بعض.
قَالَ: فلما كان يوم الثلاثاء – أو الأربعاء – لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ومائة – أو سبع وثلاثين ومائة – التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا.
فلما رأى ذلك أبو مسلم مكر بهم، فأرسل إلى الحسن بْن قحطبة- وكان على ميمنته- أن أعر الميمنة وضم أكثرها إلى الميسرة، وليكن في الميمنة حماة أصحابك وأشداؤهم فلما رأى ذلك أهل الشام أعروا ميسرتهم، وانضموا إلى ميمنتهم بإزاء ميسرة أبي مسلم ثم أرسل أبو مسلم إلى الحسن أن مر أهل القلب فليحملوا مع من بقي في الميمنة على ميسرة أهل الشام فحملوا عليهم فحطموهم وجال أهل القلب والميمنة.
قَالَ: وركبهم أهل خراسان فكانت الهزيمة، فقال عبد الله بْن علي لابن سراقه الأزدي- وكان معه: يا بن سراقة، ما ترى؟ قَالَ: أرى والله أن تصبر وتقاتل حتى تموت، فإن الفرار قبيح بمثلك، وقبل عبته على مروان، فقلت: قبح الله مروان! جزع من الموت ففر! قَالَ: فإني آتي العراق، قَالَ: فأنا معك فانهزموا وتركوا عسكرهم، فاحتواه أبو مسلم، وكتب بذلك إلى أبي جعفر فأرسل أبو جعفر أبا الخصيب مولاه يحصي ما أصابوا في عسكر عبد الله بْن علي، فغضب من ذلك أبو مسلم ومضى عبد الله بْن علي وعبد الصمد بْن علي، فأما عبد الصمد فقدم الكوفة فاستأمن له عيسى بْن موسى فآمنه أبو جعفر، وأما عبد الله بْن علي فأتى سليمان بْن علي بالبصرة، فأقام عنده وآمن أبو مسلم الناس فلم يقتل أحدا، وأمر بالكف عنهم ويقال: بل استأمن لعبد الصمد بْن علي إسماعيل بْن علي.
وقد قيل: إن عبد الله بْن علي لما انهزم مضى هو وعبد الصمد أخوه إلى رصافة هشام، فأقام عبد الصمد بها حتى قدمت عليه خيول المنصور، وعليها جهور بْن مرار العجلي، فأخذه فبعث به إلى المنصور مع أبي الخصيب مولاه موثقا، فلما قدم عليه أمر بصرفه إلى عيسى بْن موسى، فآمنه عيسى وأطلقه وأكرمه، وحباه وكساه.
وأما عبد الله بْن علي فلم يلبث بالرصافة إلا ليلة، ثم أدلج في قواده ومواليه حتى قدم البصرة على سليمان بْن علي وهو عاملها يومئذ، فآواهم سليمان وأكرمهم وأقاموا عنده زمانا متوارين

ذكر خبر قتل ابى مسلم الخراسانى
وفي هذه السنة قتل أبو مسلم.

ذكر الخبر عن مقتله وعن سبب ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زهير، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن محمد، قَالَ: حدثنا سلمة بْن محارب ومسلم بْن المغيرة وسعيد بْن أوس وأبو حفص الأزدي والنعمان أبو السري ومحرز بْن إبراهيم وغيرهم، أن أبا مسلم كتب إلى أبي العباس يستأذنه في الحج – وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة – وإنما أراد أن يصلي بالناس.
فأذن له، وكتب أبو العباس إلى أبي جعفر وهو على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان:
أن أبا مسلم كتب إلي يستأذن في الحج وقد أذنت له، وقد ظننت أنه إذا قدم يريد أن يسألني أن أوليه إقامة الحج للناس، فاكتب إلي تستأذنني في الحج فإنك إذا كنت بمكة لم يطمع أن يتقدمك فكتب أبو جعفر إلى أبي العباس يستأذنه في الحج فأذن له، فوافى الأنبار، فقال أبو مسلم: أما وجد أبو جعفر عاما يحج فيه غير هذا! واضطغنها عليه.
قَالَ علي: قَالَ مسلم بْن المغيرة: استخلف أبو جعفر على أرمينية في تلك السنة الحسن بْن قحطبة وقال غيره: استعمل رضيعه يحيى بْن مسلم بْن عروة- وكان أسود مولى لهم- فخرجا إلى مكة فكان أبو مسلم يصلح العقاب ويكسو الأعراب في كل منزل، ويصل من سأله، وكسا الأعراب البتوت والملاحف، وحفر الآبار، وسهل الطرق، فكان الصوت له، وكان الأعراب يقولون: هذا المكذوب عليه، حتى قدم مكة فنظر إلى اليمانية فقال لنيزك- وضرب جنبه-: يا نيزك، أي جند هؤلاء لو لقيهم رجل ظريف اللسان سريع الدمعة! ثم رجع الحديث إلى حديث الأولين قالوا: لما صدر الناس عن الموسم، نفر أبو مسلم قبل أبي جعفر، فتقدمه، فأتاه كتاب بموت أبي العباس واستخلاف أبي جعفر فكتب أبو مسلم إلى أبي جعفر يعزيه بأمير المؤمنين، ولم يهنئه بالخلافة، ولم يقم حتى يلحقه ولم يرجع فغضب أبو جعفر فقال لأبي أيوب: اكتب إليه كتابا غليظا، فلما أتاه كتاب أبي جعفر كتب إليه يهنئه بالخلافة، فقال يزيد بْن أسيد السلمي لأبي جعفر: إني أكره أن تجامعه في الطريق والناس جنده، وهم له أطوع، وله أهيب، وليس معك أحد فأخذ برأيه، فكان يتأخر ويتقدم أبو مسلم، وأمر أبو جعفر أصحابه فقدموا، فاجتمعوا جميعا وجمع سلاحهم، فما كان في عسكره الا سته اذرع، فمضى أبو مسلم إلى الأنبار، ودعا عيسى بْن موسى إلى أن يبايع له، فأتى عيسى، فقدم أبو جعفر فنزل الكوفة، وأتاه أن عبد الله بْن علي قد خلع، فرجع إلى الأنبار، فدعا أبا مسلم، فعقد له، وقال له: سر إلى ابن علي، فقال له أبو مسلم:
إن عبد الجبار بْن عبد الرحمن وصالح بْن الهيثم يعيبانني فاحبسهما، فقال أبو جعفر: عبد الجبار على شرطي- وكان قبل على شرط أبي العباس- وصالح بْن الهيثم أخو أمير المؤمنين من الرضاعة، فلم أكن لأحبسهما لظنك بهما، قَالَ: أراهما آثر عندك مني! فغضب أبو جعفر، فقال أبو مسلم:
لم أرد كل هذا قَالَ علي: قَالَ مسلم بْن المغيرة: كنت مع الحسن بْن قحطبة بأرمينية فلما وجه أبو مسلم إلى الشام كتب أبو جعفر إلى الحسن أن يوافيه ويسير معه، فقدمنا على أبي مسلم وهو بالموصل فأقام أياما، فلما أراد أن يسير، قلت للحسن: أنتم تسيرون الى القتال وليس بك إلي حاجة، فلو أذنت لي فأتيت العراق، فأقمت حتى تقدموا إن شاء الله! قَالَ: نعم، لكن أعلمني إذا أردت الخروج، قلت: نعم، فلما فرغت وتهيأت أعلمته، وقلت:
أتيتك أودعك، قَالَ: قف لي بالباب حتى أخرج إليك، فخرجت فوقفت وخرج، فقال: إني أريد أن ألقي إليك شيئا لتبلغه أبا أيوب، ولولا ثقتي بك لم أخبرك، ولولا مكانك من أبي أيوب لم أخبرك، فأبلغ أبا أيوب أني قد ارتبت بأبي مسلم منذ قدمت عليه، إنه يأتيه الكتاب من أمير المؤمنين فيقرؤه، ثم يلوي شدقه، ويرمي بالكتاب إلى أبي نصر، فيقرؤه ويضحكان استهزاء، قلت: نعم قد فهمت، فلقيت أبا أيوب وأنا أرى أن قد أتيته بشيء، فضحك، وقال: نحن لأبي مسلم أشد تهمة منا لعبد الله بْن علي إلا أنا نرجو واحدة، نعلم أن أهل خراسان لا يحبون عبد الله بْن علي، وقد قتل منهم من قتل، وكان عبد الله بْن علي حين خلع خاف أهل خراسان فقتل منهم سبعة عشر ألفا، أمر صاحب شرطته حياش بْن حبيب فقتلهم.
قَالَ علي: فذكر أبو حفص الأزدي أن أبا مسلم قاتل عبد الله بْن علي فهزمه، وجمع ما كان في عسكره من الأموال فصيره في حظيرة، وأصاب عينا ومتاعا وجوهرا كثيرا، فكان منثورا في تلك الحظيرة، ووكل بها وبحفظها قائدا من قواده، فكنت في أصحابه، فجعلها نوائب بيننا، فكان إذا خرج رجل من الحظيرة فتشه، فخرج أصحابي يوما من الحظيرة وتخلفت، فقال لهم الأمير: ما فعل أبو حفص؟ فقالوا: هو في الحظيرة، قَالَ: فجاء فاطلع من الباب، وفطنت له فنزعت خفي وهو ينظر، فنفضتهما وهو ينظر، ونفضت سراويلي وكمي، ثم لبست خفي وهو ينظر، ثم قام فقعد في مجلسه وخرجت، فقال لي: ما حبسك؟ قلت: خير، فخلاني، فقال: قد رأيت ما صنعت فلم صنعت هذا؟ قلت: إن في الحظيرة لؤلؤا منثورا ودراهم منثورة، ونحن نتقلب عليها، فخفت أن يكون قد دخل في خفي منها شيء، فنزعت خفي وجوربي، فأعجبه ذلك وقال: انطلق، فكنت أدخل الحظيرة مع من يحفظ فآخذ من الدراهم ومن تلك الثياب الناعمة فاجعل بعضها في خفي وأشد بعضها على بطني، ويخرج أصحابي فيفتشون ولا أفتش، حتى جمعت مالا، قَالَ: وأما اللؤلؤ فإني لم أكن أمسه.
ثم رجع الحديث إلى حديث الذين ذكر علي عنهم قصة أبي مسلم في أول الخبر قالوا: ولما انهزم عبد الله بْن علي بعث أبو جعفر أبا الخصيب إلى أبي مسلم ليكتب له ما أصاب من الأموال، فافترى أبو مسلم على أبي الخصيب وهم بقتله، فكلم فيه، وقيل: إنما هو رسول، فخل سبيله فرجع إلى أبي جعفر، وجاء القواد إلى أبي مسلم، فقالوا: نحن ولينا أمر هذا الرجل، وغنمنا عسكره، فلم يسأل عما في أيدينا، إنما لأمير المؤمنين من هذا الخمس.
فلما قدم أبو الخصيب على أبي جعفر أخبره أن أبا مسلم هم بقتله، فخاف أن يمضي أبو مسلم إلى خراسان، فكتب إليه كتابا مع يقطين، أن قد وليتك مصر والشام، فهي خير لك من خراسان، فوجه إلى مصر من أحببت، وأقم بالشام فتكون بقرب أمير المؤمنين، فإن أحب لقاءك أتيته من قريب.
فلما أتاه الكتاب غضب، وقال: هو يوليني الشام ومصر، وخراسان لي! وأعتزم بالمضي إلى خراسان، فكتب يقطين إلى أبي جعفر بذلك.
وقال غير من ذكرت خبره: لما ظفر أبو مسلم بعسكر عبد الله بْن علي بعث المنصور يقطين بْن موسى، وأمره أن يحصي ما في العسكر، وكان أبو مسلم يسميه يك دين، فقال أبو مسلم: يا يقطين، أمين على الدماء خائن في الأموال! وشتم أبا جعفر، فابلغه يقطين ذلك.
وأقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمعا على الخلاف، وخرج من وجهه معارضا يريد خراسان، وخرج أبو جعفر من الأنبار إلى المدائن، وكتب إلى أبي مسلم في المصير إليه فكتب أبو مسلم، وقد نزل الزاب وهو على الرواح إلى طريق حلوان: إنه لم يبق لأمير المؤمنين أكرمه الله عدو إلا أمكنه الله منه، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان: أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، حريون بالسمع والطاعة، غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة، فإن أرضاك ذاك فأنا كأحسن عبيدك، فإن أبيت إلا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت من عهدك، ضنا بنفسي فلما وصل الكتاب إلى المنصور كتب إلى أبي مسلم: قد فهمت كتابك، وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم، الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم، فإنما راحتهم في انتشار نظام الجماعة، فلم سويت نفسك بهم، وأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به! وليس مع الشريطة التي اوجبت منك سمع ولا طاعة وحمل إليك أمير المؤمنين عيسى بْن موسى رسالة لتسكن إليها إن أصغيت إليها، واسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك، فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك أوكد عنده، وأقرب من طبه من الباب الذي فتحه عليك ووجه إليه جرير بْن يزيد بْن جرير بْن عبد الله البجلي، وكان واحد أهل زمانه، فخدعه ورده، وكان أبو مسلم يقول: والله لأقتلن بالروم، وكان المنجمون يقولون ذلك، فأقبل والمنصور في الرومية في مضارب، وتلقاه الناس وأنزله وأكرمه أياما.
وأما علي فإنه ذكر عن شيوخه الذين تقدم ذكرنا لهم إنهم قالوا: كتب أبو مسلم إلى أبي جعفر: أما بعد، فإني اتخذت رجلا إماما ودليلا على ما افترضه الله على خلقه، وكان في محلة العلم نازلا، وفي قرابته من رسول الله ص قريبا، فاستجهلني بالقرآن فحرفه عن مواضعه، طمعا في قليل قد تعافاه الله إلى خلقه، فكان كالذي دلي بغرور، وأمرني أن أجرد السيف، وأرفع الرحمة، ولا أقبل المعذرة، ولا أقيل العثرة، ففعلت توطيدا لسلطانكم حتى عرفكم الله من كان جهلكم، ثم استنقذني الله بالتوبة، فان يعف عنى فقد ما عرف به ونسب إليه، وإن يعاقبني فيما قدمت يداي وما الله بظلام للعبيد وخرج أبو مسلم يريد خراسان مراغما مشاقا، فلما دخل أرض العراق، ارتحل المنصور من الأنبار، فأقبل حتى نزل المدائن، وأخذ أبو مسلم طريق حلوان، فقال: رب أمر لله دون حلوان وقال أبو جعفر لعيسى بْن علي وعيسى بْن موسى ومن حضره من بني هاشم: اكتبوا إلى أبي مسلم، فكتبوا إليه يعظمون امره، ويشكرون له ما كان منه، ويسألونه أن يتم على ما كان منه وعليه من الطاعة، ويحذرونه عاقبة الغدر، ويأمرونه بالرجوع إلى أمير المؤمنين، وأن يلتمس رضاه وبعث بالكتاب أبو جعفر مع أبي حميد المروروذي، وقال له: كلم أبا مسلم بألين ما تكلم به أحدا، ومنه وأعلمه أني رافعه وصانع به ما لم يصنعه أحد، إن هو صلح وراجع ما أحب، فإن أبى أن يرجع فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: لست للعباس وأنا بريء من محمد، ان مضيت مشاقا ولم تأتني، إن وكلت أمرك إلى أحد سواي، وإن لم أل طلبك وقتالك بنفسي، ولو خضت البحر لخضته، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك ولا تقولن له هذا الكلام حتى تأيس من رجوعه، ولا تطمع منه في خير فسار أبو حميد في ناس من أصحابه ممن يثق بهم، حتى قدموا على أبي مسلم بحلوان، فدخل أبو حميد وأبو مالك وغيرهما، فدفع إليه الكتاب، وقال له: إن الناس يبلغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله، وخلاف ما عليه رأيه فيك، حسدا وبغيا، يريدون إزالة النعمة وتغييرها، فلا تفسد ما كان منك، وكلمه وقال: يا أبا مسلم، إنك لم تزل أمين آل محمد، يعرفك بذلك الناس، وما ذخر الله لك من الأجر عنده في ذلك أعظم مما أنت فيه من دنياك، فلا تحبط أجرك، ولا يستهوينك الشيطان، فقال له أبو مسلم:
متى كنت تكلمني بهذا الكلام! قَالَ: إنك دعوتنا إلى هذا وإلى طاعة أهل بيت النبي ص بني العباس، وأمرتنا بقتال من خالف ذلك، فدعوتنا من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة، فجمعنا الله على طاعتهم، وألف بين قلوبنا بمحبتهم، وأعزنا بنصرنا لهم، ولم نلق منهم رجلا إلا بما قذف الله في قلوبنا، حتى أتيناهم في بلادهم ببصائر نافذة، وطاعة خالصة، أفتريد حين بلغنا غاية منانا ومنتهى أملنا أن تفسد أمرنا، وتفرق كلمتنا، وقد قلت لنا: من خالفكم فاقتلوه، وإن خالفتكم فاقتلوني! فأقبل على أبي نصر، فقال: يا مالك، أما تسمع ما يقول لي هذا! ما هذا بكلامه يا مالك! قَالَ:
لا تسمع كلامه، ولا يهولنك هذا منه، فلعمري لقد صدقت ما هذا كلامه، ولما بعد هذا أشد منه، فامض لأمرك ولا ترجع، فو الله لئن أتيته ليقتلنك، ولقد وقع في نفسه منك شيء لا يأمنك أبدا فقال: قوموا، فنهضوا، فأرسل أبو مسلم إلى نيزك، وقال: يا نيزك، إني والله ما رأيت طويلا أعقل منك، فما ترى، فقد جاءت هذه الكتب، وقد قَالَ القوم ما قالوا؟ قَالَ: لا أرى أن تأتيه، وأرى أن تأتي الري فتقيم بها، فيصير ما بين خراسان والري لك، وهم جندك ما يخالفك أحد، فإن استقام لك استقمت له، وإن أبى كنت في جندك، وكانت خراسان من ورائك، ورأيت رأيك فدعا أبا حميد، فقال:
ارجع إلى صاحبك، فليس من رأيي أن آتيه قَالَ: قد عزمت على خلافه؟
قَالَ: نعم، قَالَ: لا تفعل، قَالَ: ما أريد أن ألقاه، فلما آيسه من الرجوع، قَالَ له ما امره به ابو جعفر، فوجم طويلا، ثم قَالَ: قم فكسره ذلك القول ورعبه.
وكان أبو جعفر قد كتب إلى أبي داود- وهو خليفة أبي مسلم بخراسان- حين اتهم أبا مسلم: إن لك إمرة خراسان ما بقيت فكتب أبو داود إلى أبي مسلم: إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبيه ص، فلا تخالفن إمامك ولا ترجعن إلا بإذنه فوافاه كتابه على تلك الحال، فزاده رعبا وهما، فأرسل إلى أبي حميد وأبي مالك فقال لهما: إني قد كنت معتزما على المضي إلى خراسان، ثم رأيت أن أوجه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتيني برأيه، فإنه ممن أثق به فوجهه، فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب، وقال له أبو جعفر: اصرفه عن وجهه، ولك ولاية خراسان، وأجازه فرجع أبو إسحاق إلى أبي مسلم، فقال له: ما أنكرت شيئا، رأيتهم معظمين لحقك، يرون لك ما يرون لأنفسهم وأشار عليه أن يرجع إلى أمير المؤمنين، فيعتذر إليه مما كان منه، فأجمع على ذلك، فقال له نيزك: قد أجمعت على الرجوع؟ قَالَ: نعم، وتمثل:

ما للرجال مع القضاء محالة *** ذهب القضاء بحيلة الأقوام

فقال: اما إذا اعتزمت على هذا فخار الله لك، واحفظ عني واحدة، إذا دخلت عليه فاقتله ثم بايع لمن شئت، فإن الناس لا يخالفونك وكتب أبو مسلم إلى أبي جعفر يخبره أنه منصرف إليه.
قالوا: قَالَ أبو أيوب: فدخلت يوما على أبي جعفر وهو في خباء شعر بالرومية جالسا على مصلى بعد العصر، وبين يديه كتاب أبي مسلم، فرمى به إلي فقرأته، ثم قَالَ: والله لئن ملأت عيني منه لأقتلنه، فقلت في نفسي: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! طلبت الكتابه حتى إذا بلغت غايتها فصرت كاتبا للخليفة، وقع هذا بين الناس! والله ما أرى إنا إن قتل يرضى أصحابه بقتله، ولا يدعون هذا حيا، ولا أحدا ممن هو بسبيل منه، وامتنع مني النوم، ثم قلت: لعل الرجل يقدم وهو آمن، فإن كان آمنا فعسى أن ينال ما يريد، وإن قدم وهو حذر لم يقدر عليه إلا في شر، فلو التمست حيلة! فأرسلت إلى سلمة بْن سعيد بْن جابر، فقلت له: هل عندك شكر؟ فقال: نعم، فقلت: إن وليتك ولاية تصيب منها مثل ما يصيب صاحب العراق، تدخل معك حاتم بْن أبي سليمان أخي؟ قَالَ: نعم، فقلت- وأردت أن يطلع ولا ينكر: وتجعل له النصف؟ قَالَ: نعم، قلت: إن كسكر كالت عام أول كذا وكذا، ومنها العام أضعاف ما كان عام أول، فإن دفعتها إليك بقبالتها عاما أول أو بالأمانة أصبت ما تضيق به ذرعا، قَالَ: فكيف لي بهذا المال؟ قلت: تأتي أبا مسلم، فتلقاه وتكلمه غدا، وتسأله أن يجعل هذا فيما يرفع من حوائجه أن تتولاها أنت بما كانت في العام الأول، فإن أمير المؤمنين يريد أن يوليه إذا قدم ما وراء بابه، ويستريح ويريح نفسه، قَالَ:
فكيف لي أن يأذن أمير المؤمنين في لقائه؟ قلت: أنا أستأذن لك، ودخلت إلى أبي جعفر، فحدثته الحديث كله، قَالَ: فادع سلمة، فدعوته، فقال:
إن أبا أيوب استأذن لك، أفتحب أن تلقى أبا مسلم؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فقد أذنت لك، فاقرئه السلام، وأعلمه بشوقنا إليه فخرج سلمة فلقيه، فقال:
أمير المؤمنين أحسن الناس فيك رأيا، فطابت نفسه، وكان قبل ذلك كئيبا.
فلما قدم عليه سلمة سره ما أخبره به وصدقه، ولم يزل مسرورا حتى قدم.
قَالَ أبو أيوب: فلما دنا أبو مسلم من المدائن أمر أمير المؤمنين الناس فتلقوه، فلما كان عشية قدم، دخلت على أمير المؤمنين وهو في خباء على مصلى، فقلت: هذا الرجل يدخل العشية، فَمَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ:
أُرِيدُ أَنْ أقتله حين أنظر إليه، قلت: أنشدك الله، إنه يدخل معه الناس، وقد علموا ما صنع، فإن دخل عليك ولم يخرج لم آمن البلاء، ولكن إذا دخل عليك فأذن له أن ينصرف، فإذا غدا عليك رأيت رأيك وما أردت بذلك إلا دفعه بها، وما ذاك إلا من خوفي عليه وعلينا جميعا من أصحاب أبي مسلم فدخل عليه من عشيته وسلم، وقام قائما بين يديه، فقال: انصرف يا عبد الرحمن فأرح نفسك، وادخل الحمام، فإن للسفر قشفا، ثم اغد علي، فانصرف أبو مسلم وانصرف الناس قَالَ: فافترى علي أمير المؤمنين حين خرج أبو مسلم، وقال: متى أقدر على مثل هذه الحال منه التي رأيته قائما على رجليه، ولا أدري ما يحدث في ليلتي! فانصرفت وأصبحت غاديا عليه، فلما رآنى قال: يا بن اللخناء، لا مرحبا بك! أنت منعتني منه أمس، والله ما غمضت الليلة، ثم شتمني حتى خفت أن يأمر بقتلي، ثم قَالَ: ادع لي عثمان بْن نهيك، فدعوته، فقال: يا عثمان، كيف بلاء أمير المؤمنين عندك؟
قَالَ: يا أمير المؤمنين إنما أنا عبدك، والله لو أمرتني أن أتكئ على سيفي حتى يخرج من ظهري لفعلت، قَالَ: كيف أنت إن أمرتك بقتل أبي مسلم؟
فوجم ساعة لا يتكلم، فقلت: ما لك لا تتكلم! فقال قولة ضعيفة: أقتله، قَالَ: انطلق فجيء باربعه من وجوه الحرس جلند، فمضى، فلما كان عند الرواق، ناداه: يا عثمان يا عثمان، ارجع، فرجع، قَالَ: اجلس، وأرسل إلي من تثق به من الحرس، فأحضر منهم أربعة، فقال لوصيف له انطلق:
فادع شبيب بْن واج، وادع أبا حنيفة ورجلين آخرين، فدخلوا، فقال لهم أمير المؤمنين نحوا مما قَالَ لعثمان، فقالوا: نقتله، فقال: كونوا خلف الرواق، فإذا صفقت فاخرجوا فاقتلوه.
وأرسل إلى أبي مسلم رسلا بعضهم على أثر بعض، فقالوا: قد ركب، وأتاه وصيف، فقال: أتى عيسى بْن موسى، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا أخرج فأطوف في العسكر، فأنظر ما يقول الناس؟ هل ظن أحد ظنا، او تكلم أحد بشيء؟ قَالَ: بلى، فخرجت، وتلقاني أبو مسلم داخلا، فتبسم وسلمت عليه ودخل، فرجعت، فإذا هو منبطح لم ينتظر به رجوعي، وجاء أبو الجهم، فلما رآه مقتولا قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! فأقبلت على أبي الجهم، فقلت له: أمرته بقتله حين خالف، حتى إذا قتل قلت هذه المقالة! فنبهت به رجلا غافلا، فتكلم بكلام أصلح ما جاء منه، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، ألا أرد الناس؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فمر بمتاع يحول إلى رواق آخر من أرواقك هذه، فأمر بفرش فأخرجت، كأنه يريد أن يهيئ له رواقا آخر وخرج أبو الجهم، فقال: انصرفوا، فإن الأمير يريد أن يقيل عند أمير المؤمنين، ورأوا المتاع ينقل، فظنوه صادقا، فانصرفوا ثم راحوا، فأمر لهم أبو جعفر بجوائزهم، وأعطى أبا إسحاق مائة الف قَالَ أبو أيوب: قَالَ لي أمير المؤمنين: دخل علي أبو مسلم فعاتبته ثم شتمته، فضربه عثمان فلم يصنع شيئا، وخرج شبيب بْن واج وأصحابه فضربوه فسقط، فقال وهم يضربونه: العفو، فقلت: يا بن اللخناء، العفو والسيوف قد اعتورتك! وقلت: اذبحوه، فذبحوه.
قَالَ علي عن أبي حفص الأزدي، قَالَ: كنت مع أبي مسلم، فقدم عليه أبو إسحاق من عند أبي جعفر بكتب من بني هاشم، وقال: رأيت القوم على غير ما ترى، كل القوم يرون لك ما يرون للخليفة، ويعرفون ما أبلاهم الله بك.
فسار إلى المدائن، وخلف أبا نصر في ثقله، وقال: أقم حتى يأتيك كتابي، قَالَ: فاجعل بيني وبينك آية أعرف بها كتابك، قَالَ: إن أتاك كتابي مختوما بنصف خاتم فأنا كتبته، وإن أتاك بالخاتم كله، فلم أكتبه ولم أختمه فلما دنا من المدائن تلقاه رجل من قواده، فسلم عليه، فقال له:
أطعني وارجع، فإنه إن عاينك قتلك، قَالَ: قد قربت من القوم فأكره أن أرجع فقدم المدائن في ثلاثة آلاف، وخلف الناس بحلوان، فدخل على أبي جعفر، فأمره بالانصراف في يومه، وأصبح يريده، فتلقاه أبو الخصيب فقال: أمير المؤمنين مشغول، فاصبر ساعة حتى تدخل خاليا، فأتى منزل عيسى بْن موسى – وكان يحب عيسى – فدعا له بالغداء وقال أمير المؤمنين للربيع- وهو يومئذ وصيف يخدم أبا الخصيب: انطلق إلى أبي مسلم، ولا يعلم أحد، فقل له: قَالَ لك مرزوق: إن أردت أمير المؤمنين خاليا فالعجل، فقام فركب، وقال له عيسى: لا تعجل بالدخول حتى أدخل معك، فأبطأ عيسى بالوضوء، ومضى أبو مسلم فدخل فقتل قبل أن يجيء عيسى، وجاء عيسى وهو مدرج في عباءة، فقال: أين أبو مسلم؟ قَالَ: مدرج في الكساء، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ! قَالَ: اسكت، فما تم سلطانك وأمرك إلا اليوم، ثم رمي به في دجلة.
قَالَ علي: قَالَ أبو حفص: دعا أمير المؤمنين عثمان بْن نهيك وأربعة من الحرس، فقال لهم: إذا ضربت بيدي إحداهما على الأخرى، فاضربوا عدو الله، فدخل عليه أبو مسلم، فقال له: أخبرني عن نصلين أصبتهما في متاع عبد الله بْن علي، قَالَ: هذا أحدهما الذي علي، قَالَ: أرنيه فانتضاه، فناوله، فهزه أبو جعفر، ثم وضعه تحت فراشه، وأقبل عليه يعاتبه، فقال: أخبرني عن كتابك إلى أبي العباس تنهاه عن الموات، أردت أن تعلمنا الدين! قَالَ: ظننت أخذه لا يحل، فكتب إلي، فلما أتاني كتابه علمت أن أمير المؤمنين وأهل بيته معدن العلم، قَالَ: فأخبرني عن تقدمك إياي في الطريق؟ قَالَ: كرهت اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس، فتقدمتك التماس الرفق، قَالَ: فقولك حين أتاك الخبر بموت أبي العباس لمن أشار عليك أن تنصرف إلي: نقدم فنرى من رأينا، ومضيت فلا أنت اقمت حتى الحقك ولا أنت رجعت إلي! قَالَ: منعني من ذلك ما اخبرتك من طلب الرفق بالناس، وقلت: نقدم الكوفة فليس عليه مني خلاف، قَالَ:
فجارية عبد الله بْن علي أردت أن تتخذها؟ قَالَ: لا، ولكني خفت ان تضيع، فحملتها في قبة، ووكلت بها من يحفظها، قَالَ: فمراغمتك وخروجك إلى خراسان؟ قَالَ: خفت أن يكون قد دخلك مني شيء، فقلت: آتي خراسان، فأكتب إليك بعذري، وإلى ذلك ما قد ذهب ما في نفسك علي، قَالَ: تالله ما رأيت كاليوم قط، والله ما زدتني إلا غضبا، وضرب بيده، فخرجوا عليه، فضربه عثمان وأصحابه حتى قتلوه.
قَالَ علي: قَالَ يزيد بْن أسيد: قَالَ أمير المؤمنين: عاتبت عبد الرحمن، فقلت: المال الذي جمعته بحران؟ قَالَ: أنفقته وأعطيته الجند تقوية لهم واستصلاحا، قلت: فرجوعك إلى خراسان مراغما؟ قَالَ: دع هذا فما أصبحت أخاف أحدا إلا الله، فغضبت فشتمته، فخرجوا فقتلوه وقال غير من ذكرت في أمر أبي مسلم: إنه لما أرسل إليه يوم قتل، أتى عيسى بْن موسى، فسأله أن يركب معه، فقال له: تقدم وأنت في ذمتي، فدخل مضرب أبي جعفر، وقد أمر عثمان بْن نهيك صاحب الحرس، فأعد له شبيب بْن واج المروروذي رجلا من الحرس وأبا حنيفة حرب بْن قيس، وقال لهم: إذا صفقت بيدي فشأنكم، وأذن لأبي مسلم، فقال لمحمد البواب النجاري: ما الخبر؟ قَالَ: خير، يعطيننى الأمير سيفه، فقال: ما كان يصنع بي هذا! قَالَ: وما عليك! فشكا ذلك إلى أبي جعفر، قَالَ: ومن فعل بك هذا قبحه الله! ثم أقبل يعاتبه: ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك، والكاتب إلي تخطب أمينة بنت علي، وتزعم أنك ابن سليط بْن عبد الله بْن عباس! ما دعاك إلى قتل سليمان بْن كثير مع أثره في دعوتنا، وهو أحد نقبائنا قبل أن ندخلك في شيء من هذا الأمر؟ قَالَ: أراد الخلاف وعصاني فقتلته.
فقال المنصور: وحاله عندنا حاله فقتلته، وتعصيني وأنت مخالف علي! قتلني الله إن لم أقتلك! فضربه بعمود، وخرج شبيب وحرب فقتلاه، وذلك لخمس ليال بقين من شعبان من سنة سبع وثلاثين ومائة، فقال المنصور:

زعمت أن الدين لا يقتضى *** فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كاسا كنت تسقي بها *** أمر في الحلق من العلقم

قَالَ: وكان أبو مسلم قد قتل في دولته وحروبه ستمائه ألف صبرا.
وقيل: إن أبا جعفر لما عاتب أبا مسلم، قَالَ له: فعلت وفعلت، قَالَ له أبو مسلم.

ليس يقال هذا لي بعد بلائي، وما كان مني، فقال: يا بن الخبيثة، والله لو كانت أمة مكانك لأجزت ناحيتها، إنما عملت ما عملت في دولتنا وبريحنا، ولو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلا، ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك، والكاتب إلي تخطب أمينة بنت علي، وتزعم أنك ابن سليط بْن عبد الله بْن عباس! لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعبا! فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه.
وقيل: إن عثمان بْن نهيك ضرب أبا مسلم أول ما ضرب ضربة خفيفة بالسيف، فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه، فاعتقل بها ابو مسلم وضرب شبيب بن واج رجله، واعتوره بقية أصحابه حتى قتلوه، والمنصور يصيح بهم: اضربوا قطع الله أيديكم! وقد كان أبو مسلم قَالَ- فيما قيل- عند أول ضربة أصابته:
يا أمير المؤمنين، استبقني لعدوك قَالَ: لا أبقاني الله إذا! وأي عدو لي أعدى منك! وقيل: إن عيسى بْن موسى دخل بعد ما قتل أبو مسلم، فقال:
يا أمير المؤمنين، أين أبو مسلم؟ فقال: قد كان هاهنا آنفا، فقال عيسى: يا أمير المؤمنين، قد عرفت طاعته ونصيحته ورأي الإمام إبراهيم كان فيه، فقال: يا أنوك، والله ما أعلم في الأرض عدوا أعدى لك منه، ها هو ذاك في البساط، فقال عيسى: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! وكان لعيسى رأي في أبي مسلم، فقال له المنصور: خلع الله قلبك، وهل كان لكم ملك أو سلطان أو أمر أو نهي مع ابى مسلم! قال: ثم دعا ابو جعفر جعفر بْن حنظلة، فدخل عليه، فقال: ما تقول في أبي مسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت أخذت شعرة من رأسه فاقتل ثم اقتل ثم اقتل، فقال المنصور: وفقك الله! ثم أمره بالقيام والنظر إلى أبي مسلم مقتولا، فقال: يا أمير المؤمنين، عد من هذا اليوم لخلافتك.
ثم استؤذن لإسماعيل بْن علي، فدخل، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت في ليلتي هذه كأنك ذبحت كبشا وإني توطأته برجلي، فقال: نامت عينك يا أبا الحسن، قم فصدق رؤياك، قد قتل الله الفاسق، فقام إسماعيل إلى الموضع الذي فيه أبو مسلم، فتوطأه.
ثم إن المنصور هم بقتل أبي إسحاق صاحب حرس أبي مسلم وقتل أبي نصر مالك – وكان على شرط أبي مسلم – فكلمه أبو الجهم، فقال:
يا أمير المؤمنين، جنده جندك، أمرتهم بطاعته فأطاعوه ودعا المنصور بأبي إسحاق فلما دخل عليه ولم ير أبا مسلم، قَالَ له أبو جعفر: أنت المتابع لعدو الله أبي مسلم على ما كان أجمع، فكف وجعل يلتفت يمينا وشمالا تخوفا من أبي مسلم، فقال له المنصور: تكلم بما أردت، فقد قتل الله الفاسق، وأمر بإخراجه إليه مقطعا، فلما رآه أبو إسحاق خر ساجدا، فأطال السجود، فقال له المنصور: ارفع رأسك وتكلم، فرفع رأسه وهو يقول: الحمد لله الذي آمنني بك اليوم، والله ما أمنته يوما واحدا منذ صحبته، وما جئته يوما قط إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت، ثم رفع ثيابه الظاهرة فإذا تحتها ثياب كتان جدد، وقد تحنط فلما رأى أبو جعفر حاله رحمه، ثم قَالَ:
استقبل طاعة خليفتك، واحمد الله الذي أراحك من الفاسق ثم قَالَ له أبو جعفر: فرق عني هذه الجماعة ثم دعا بمالك بْن الهيثم فحدثه بمثل ذلك، فاعتذر إليه بأنه أمره بطاعته، وإنما خدمه وخف له الناس بمرضاته، وإنه قد كان في طاعتهم قبل أن يعرف أبا مسلم، فقبل منه وأمره بمثل ما أمر به أبا إسحاق من تفريق جند أبي مسلم وبعث أبو جعفر إلى عدة من قواد أبي مسلم بجوائز سنية، وأعطى جميع جنده حتى رضوا، ورجع أصحابه وهم يقولون: بعنا مولانا بالدراهم ثم دعا أبو جعفر بعد ذلك أبا إسحاق، فقال: أقسم بالله لئن قطعوا طنبا من أطنابي لأضربن عنقك ثم لأجاهدنهم فخرج إليهم أبو إسحاق فقال:
يا كلاب انصرفوا.
قَالَ علي: قَالَ أبو حفص الأزدي: لما قتل أبو مسلم كتب أبو جعفر إلى أبي نصر كتابا عن لسان أبي مسلم يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده، وأن يقدم، وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم، فلما رأى أبو نصر نقش الخاتم تاما، علم أن أبا مسلم لم يكتب الكتاب، فقال: أفعلتموها! وانحدر إلى همذان وهو يريد خراسان، فكتب أبو جعفر لأبي نصر عهده على شهرزور، ووجه رسولا إليه بالعهد، فأتاه حين مضى الرسول بالعهد أنه قد توجه إلى خراسان، فكتب إلى زهير بْن التركي- وهو على همذان: إن مر بك أبو نصر فاحبسه، فسبق الكتاب إلى زهير وأبو نصر بهمذان، فأخذه فحبسه في القصر، وكان زهير مولى لخزاعة، فأشرف أبو نصر على إبراهيم بْن عريف- وهو ابن أخي أبي نصر لأمه- فقال: يا إبراهيم، تقتل عمك! قَالَ: لا والله أبدا، فأشرف زهير فقال لإبراهيم: إني مأمور والله، إنه لمن أعز الخلق علي، ولكني لا أستطيع رد أمر امير المؤمنين وو الله لئن رمى أحدكم بسهم لأرمين إليكم برأسه ثم كتب أبو جعفر كتابا آخر إلى زهير: إن كنت أخذت أبا نصر فاقتله.
وقدم صاحب العهد على أبي نصر بعهده فخلى زهير سبيله لهواه فيه، فخرج، ثم جاء بعد يوم الكتاب إلى زهير بقتله، فقال: جاءني كتاب بعهده فخليت سبيله.
وقدم أبو نصر على أبي جعفر، فقال: أشرت على أبي مسلم بالمضي إلى خراسان؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، كانت له عندي أياد وصنائع فاستشارني فنصحت له، وأنت يا أمير المؤمنين إن اصطنعتني نصحت لك وشكرت فعفا عنه، فلما كان يوم الراوندية قام أبو نصر على باب القصر، وقال: أنا اليوم البواب، لا يدخل أحد القصر وأنا حي فقال أبو جعفر:
أين مالك بْن الهيثم؟ فأخبروه عنه فرأى أنه قد نصح له.
وقيل: إن أبا نصر مالك بْن الهيثم لما مضى إلى همذان كتب أبو جعفر إلى زهير بْن التركي: إن لله دمك إن فاتك مالك، فأتى زهير مالكا، فقال له: إني قد صنعت لك طعاما، فلو أكرمتني بدخول منزلي! فقال: نعم، وهيأ زهير أربعين رجلا تخيرهم، فجعلهم في بيتين يفضيان إلى المجلس الذي هيأه، فلما دخل مالك قَالَ: يا أدهم، عجل طعامك، فخرج أولئك الأربعون إلى مالك، فشدوه وثاقا، ووضع في رجليه القيود وبعث به إلى المنصور فمن عليه وصفح عنه واستعمله على الموصل.
وفي هذه السنة ولى أبو جعفر المنصور أبا داود خالد بْن إبراهيم خراسان وكتب اليه بعهده

ذكر خروج سنباذ للطلب بدم ابى مسلم ثم قتله
وفيها خرج سنباذ بخراسان يطلب بدم أبي مسلم.

ذكر الخبر عن سنباذ:
ذكر أن سنباذ هذا كان مجوسيا، من أهل قرية من قرى نيسابور يقال لها أهن، وأنه كثر اتباعه لما ظهر، وكان خروجه غضبا لقتل أبي مسلم- فيما قيل- وطلبا بثأره، وذلك أنه كان من صنائعه، وغلب حين خرج على نيسابور وقومس والري، وتسمى فيروز أصبهبذ فلما صار بالري قبض خزائن أبي مسلم، وكان أبو مسلم خلف بها خزائنه حين شخص متوجها إلى أبي العباس، وكان عامة أصحاب سنباذ أهل الجبال فوجه إليهم أبو جعفر جهور بْن مرار العجلي في عشرة آلاف، فالتقوا بين همذان والري على طرف المفازة، فاقتتلوا، فهزم سنباذ، وقتل من اصحابه في الهزيمة نحو من ستين ألفا، وسبي ذراريهم ونساءهم ثم قتل سنباذ بين طبرستان وقومس، قتله لونان الطبرى، فصير المنصور اصبهبذه طبرستان الى ولد هرمز بْن الفرخان، وتوجه.
وكان بين مخرج سنباذ الى قتله سبعون ليله.

خروج ملبد بن حرمله الشيبانى
وفي هذه السنة خرج ملبد بْن حرملة الشيباني، فحكم بناحية الجزيرة، فسارت إليه روابط الجزيرة، وهم يومئذ فيما قيل ألف، فقاتلهم ملبد فهزمهم، وقتل من قتل منهم ثم سارت إليه روابط الموصل فهزمهم، ثم سار إليه يزيد بْن حاتم المهلبي، فهزمه ملبد بعد قتال شديد كان بينهما، وأخذ ملبد جاريه ليزيد كان يطؤها، وقتل قائد من قواده، ثم وجه إليه أبو جعفر مولاه المهلهل بْن صفوان في ألفين من نخبة الجند، فهزمهم ملبد، واستباح عسكرهم ثم وجه إليه نزارا قائدا من قواد أهل خراسان، فقتله ملبد، وهزم أصحابه، ثم وجه إليه زياد بْن مشكان في جمع كثير، فلقيهم ملبد فهزمهم.
ثم وجه إليه صالح بْن صبيح في جيش كثيف وخيل كثيرة وعدة، فهزمهم.
ثم سار إليه حميد بْن قحطبة وهو يومئذ على الجزيرة، فلقيه الملبد فهزمه، وتحصن منه حميد، وأعطاه مائة ألف درهم على أن يكف عنه.
وأما الواقدي فإنه زعم أن ظهور ملبد وتحكيمه كان في سنة ثمان وثلاثين ومائة، ولم يكن للناس في هذه السنة صائفة لشغل السلطان بحرب سنباذ.
وحج بالناس في هذه السنة إسماعيل بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، كذلك قَالَ الواقدي وغيره، وهو على الموصل.
وكان على المدينة زياد بْن عبيد الله، والعباس بْن عبد الله بْن معبد على مكة ومات العباس عند انقضاء الموسم، فضم إسماعيل عمله إلى زياد بْن عبيد الله، فأقره عليها أبو جعفر.
وكان على الكوفة في هذه السنة عيسى بْن موسى وعلى البصرة وأعمالها سليمان بْن علي، وعلى قضائها عمر بْن عامر السلمي وعلى خراسان أبو داود خالد بْن إبراهيم وعلى الجزيرة حميد بْن قحطبة وعلى مصر صالح بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس.