117 هـ
735 م
سنة سبع عشرة ومائة (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

فمما كان فيها غزوة معاوية بْن هشام الصائفة اليسرى وغزوة سليمان بْن هشام بْن عبد الملك الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة، وفرق سراياه …

في أرض الروم وفيها بعث مروان بْن محمد – وهو على أرمينية – بعثين، فافتتح أحدهما حصونا ثلاثة من اللان ونزل الآخر على تومانشاه، فنزل أهلها على الصلح.
وفيها عزل هشام بْن عبد الملك عاصم بْن عبد الله عن خراسان، وضمها إلى خالد بْن عبد الله، فولاها خالد أخاه أسد بْن عبد الله.
وقال المدائني: كان عزل هشام عاصما عن خراسان وضم خراسان إلى خالد بْن عبد الله في سنة ست عشرة ومائة.

ذكر الخبر عن سبب عزل هشام عاصما وتوليته خالدا خراسان
وكان سبب ذلك – فيما ذكر علي عن أشياخه – أن عاصم بْن عبد الله كتب إلى هشام بْن عبد الملك: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد كان من أمر أمير المؤمنين إلي ما يحق به علي نصيحته، وإن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى صاحب العراق، فتكون موادها ومنافعها ومعونتها في الأحداث والنوائب من قريب، لتباعد أمير المؤمنين عنها.
وتباطؤ غياثه عنها فلما مضى كتابه خرج إلى أصحابه يحيى بْن حضين والمجشر بْن مزاحم وأصحابهم، فأخبرهم، فقال له المجشر بعد ما مضى الكتاب: كأنك بأسد قد طلع عليك فقدم أسد بْن عبد الله، بعث به هشام بعد كتاب عاصم بشهر، فبعث الكميت بْن زيد الأسدي إلى أهل مرو بهذا الشعر:

ألا أبلغ جماعة أهل مرو *** على ما كان من نأى وبعد
رسالة ناصح يهدي سلاما *** ويأمر في الذي ركبوا بجد
وأبلغ حارثا عنا اعتذارا *** إليه بأن من قبلي بجهد
ولولا ذاك قد زارتك خيل *** من المصرين بالفرسان تردي
فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف *** ولا يغرركم أسد بعهد
وكونوا كالبغايا إن خدعتم *** وإن اقررتم ضيما لوغد
وإلا فارفعوا الرايات سودا *** على أهل الضلالة والتعدي
فكيف وأنتم سبعون ألفا *** رماكم خالد بشبيه قرد
ومن ولى بذمته رزينا *** وشيعته ولم يوف بعهد
ومن غشى قضاعة ثوب خزي *** بقتل أبي سلامان بْن سعد
فمهلا يا قضاع فلا تكوني *** توابع لا أصول لها بنجد
وكنت إذا دعوت بني نزار *** أتاك الدهم من سبط وجعد
فجدع من قضاعة كل أنف *** ولا فازت على يوم بمجد

قَالَ: ورزين الذي ذكر كان خرج على خالد بْن عبد الله بالكوفة، فأعطاه الأمان ثم لم يف به.
وقال فيه نصر بْن سيار حين أقبل الحارث إلى مرو وسود راياته- وكان الحارث يرى رأى المرجئة:

دع عنك دنيا وأهلا أنت تاركهم *** ما خير دنيا وأهل لا يدومونا!
إلا بقية أيام إلى أجل *** فاطلب من الله أهلا لا يموتونا
اكثر تقى الله في الإسرار مجتهدا *** إن التقى خيره ما كان مكنونا
واعلم بأنك بالأعمال مرتهن *** فكن لذاك كثير الهم محزونا
إني أرى الغبن المردي بصاحبه *** من كان في هذه الأيام مغبونا
تكون للمرء أطوارا فتمنحه *** يوما عثارا وطورا تمنح اللينا
بينا الفتى في نعيم العيش حوله *** دهر فأمسى به عن ذاك مزبونا
تحلو له مرة حتى يسر بها *** حينا وتمقره طعما أحايينا
هل غابر من بقايا الدهر تنظره *** إلا كما قد مضى فيما تقضونا
فامنح جهادك من لم يرج آخره *** وكن عدوا لقوم لا يصلونا
واقتل مواليهم منا وناصرهم *** حينا تكفرهم والعنهم حينا
والعائبين علينا ديننا وهم *** شر العباد إذا خابرتهم دينا
والقائلين سبيل الله بغيتنا *** لبعد ما نكبوا عما يقولونا
فاقتلهم غضبا لله منتصرا *** منهم به ودع المرتاب مفتونا
إرجاؤكم لزَّكم والشرك في قرن *** فأنتم أهل إشراك ومرجونا
لا يبعد الله في الأجداث غيركم *** إذ كان دينكم بالشرك مقرونا
ألقى به الله رعبا في نحوركم *** والله يقضي لنا الحسنى ويعلينا
كيما نكون الموالي عند خائفة *** عما تروم به الإسلام والدينا
وهل تعيبون منا كاذبين به *** غال ومهتضم، حسبي الذي فينا
يأبى الذي كان يبلي الله أولكم *** على النفاق وما قد كان يبلينا

قال: ثم عاد الحارث لمحاربة عاصم، فلما بلغ عاصما أن أسد بْن عبد الله قد أقبل، وأنه قد سير على مقدمته محمد بْن مالك الهمداني، وأنه قد نزل الدندانقان، صالح الحارث، وكتب بينه وبينه كتابا على أن ينزل الحارث أي كور خراسان شاء، وعلى أن يكتبا جميعا إلى هشام، يسألانه كتاب الله وسنة نبيه، فإن أبى اجتمعا جميعا عليه فختم على الكتاب بعض الرؤساء، وابى يحيى ابن حضين أن يختم، وقال: هذا خلع لأمير المؤمنين، فقال خلف بْن خليفة ليحيى:

أبى هم قلبك إلا اجتماعا *** ويأبى رقادك إلا امتناعا
بغير سماع ولم تلقني *** أحاول من ذات لهو سماعا
حفظنا أمية في ملكها *** ونخطر من دونها ان تراعى
ندافع عنها وعن ملكها *** إذا لم نجد بيديها امتناعا
أبى شعب ما بيننا في القديم *** وبين أمية إلا انصداعا
ألم نختطف هامه ابن الزبير *** وتنتزع الملك منه انتزاعا
جعلنا الخلافة في أهلها *** إذا اصطرع الناس فيها اصطراعا
نصرنا أمية بالمشرفي *** إذا انخلع الملك عنها انخلاعا
ومنا الذي شد أهل العراق *** ولو غاب يحيى عن الثغر ضاعا
على ابن سريج نقضنا الأمور *** وقد كان أحكمها ما استطاعا
حكيم مقالته حكمة *** إذا شتت القوم كانت جماعا
عشية زرق وقد أزمعوا *** قمعنا من الناكثين الزماعا
ولولا فتى وائل لم يكن *** لينضج فيها رئيس كراعا
فقل لأمية ترعى لنا *** أيادي لم نجزها واصطناعا
أتلهين عن قتل ساداتنا *** ونأبى لحقك إلا اتباعا
أمن لم يبعك من المشترين *** كآخر صادف سوقا فباعا!
أبى ابن حضين لما تصنعين *** إلا اضطلاعا وإلا اتباعا
ولو يأمن الحارث الوائلين *** لراعك في بعض من كان راعا
وقد كان اصعر ذا نيرب *** أشاع الضلالة فيما أشاعا
كفينا أمية مختومة *** أطاع بها عاصم من أطاعا
فلولا مراكز راياتنا *** من الجند خاف الجنود الضياعا
وصلنا القديم لها بالحديث *** وتأبى أمية إلا انقطاعا
ذخائر في غيرنا نفعها *** وما إن عرفنا لهن انتفاعا
ولو قدمتها وبان الحجاب *** لارتعت بين حشاك ارتياعا
فأين الوفاء لأهل الوفاء *** والشكر أحسن من أن يضاعا!
وأين ادخار بني وائل *** إذا الذخر في الناس كان ارتجاعا!
ألم تعلمي أن أسيافنا *** تداوى العليل وتشفي الصداعا!
إذا ابن حضين غدا باللواء *** اسلم أهل القلاع القلاعا
إذا ابن حضين غدا باللواء *** أشار النسور به والضباعا
إذا ابن حضين غدا باللواء *** ذكى وكانت معد جداعا

قَالَ: وكان عاصم بْن سليمان بْن عبد الله بْن شراحيل اليشكري من أهل الرأي، فأشار على يحيى بنقض الصحيفة، وقال له: غمرات ثم ينجلين، وهي المغمضات، فغمض.
قَالَ: وكان عاصم بْن عبد الله في قرية بأعلى مرو لكندة، ونزل الحارث قرية لبني العنبر، فالتقوا بالخيل والرجال، ومع عاصم رجل من بنى عبس في خمسمائة من أهل الشام وإبراهيم بْن عاصم العقيلي في مثل ذلك، فنادى منادي عاصم: من جاء برأس فله ثلاثمائة درهم، فجاء رجل من عماله برأس وهو عاض على أنفه، ثم جاءه رجل من بني ليث- يقال له ليث بْن عبد الله- برأس، ثم جاء آخر برأس، فقيل لعاصم: إن طمع الناس في هذا لم يدعوا ملاحا ولا علجا إلا أتوك برأسه، فنادى مناديه: لا يأتنا أحد برأس، فمن أتانا به فليس له عندنا شيء، وانهزم أصحاب الحارث فأسروا منهم أسارى، وأسروا عبد الله بْن عمرو المازني رأس أهل مرو الروذ، وكان الأسراء ثمانين، أكثرهم من بني تميم، فقتلهم عاصم بْن عبد الله على نهر الداندنقان وكانت اليمانية بعثت من الشام رجلا يعدل بألف يكنى أبا داود، أيام العصبية في خمسمائة، فكان لا يمر بقرية من قرى خراسان إلا قَالَ: كأنكم بي قد مررت راجعا حاملا رأس الحارث بْن سريج، فلما التقوا دعا إلى البراز، فبرز له الحارث بْن سريج، فضربه فوق منكبه الأيسر فصرعه، وحامى عليه أصحابه فحملوه فخولط، فكان يقول: يا أبرشهر الحارث بْن سريجاه! يا أصحاب المعموراه! ورمى فرس الحارس بْن سريج في لبانه، فنزع النشابة، واستحضره وألح عليه بالضرب حتى نزقه وعرقه، وشغله عن ألم الجراحة.
قَالَ: وحمل عليه رجل من أهل الشام، فلما ظن أن الرمح مخالطه، مال عن فرسه واتبع الشامي، فقال له: أسألك بحرمة الإسلام في دمي! قَالَ:
انزل عن فرسك، فنزل وركبه الحارث، فقال الشامي: خذ السرج، فو الله إنه خير من الفرس، فقال رجل من عبد القيس:

تولت قريش لذة العيش واتقت *** بنا كل فج من خراسان أغبرا
فليت قريشا أصبحوا ذات ليلة *** يعومون في لج من البحر أخضرا

قَالَ: وعظم أهل الشام يحيى بْن حضين لما صنع في أمر الكتاب الذي كتبه عاصم، وكتبوا كتابا، وبعثوا مع محمد بْن مسلم العنبري ورجل من أهل الشام، فلقوا أسد بْن عبد الله بالري- ويقال: لقوه ببيهق- فقال:
ارجعوا فإني أصلح هذا الأمر، فقال له محمد بْن مسلم: هدمت داري، فقال: أبنيها لك، وأرد عليكم كل مظلمة.
قَالَ: وكتب أسد إلى خالد ينتحل أنه هزم الحارث، ويخبره بأمر يحيى.
قَالَ: فأجاز خالد يحيى بْن حضين بعشرة آلاف دينار وكساه مائة حله.
قَالَ: وكانت ولاية عاصم أقل من سنة- قيل كانت سبعة أشهر- وقدم اسد ابن عبد الله وقد انصرف الحارث، فحبس عاصما وسأله عما أنفق، وحاسبه فأخذه بمائة ألف درهم، وقال: إنك لم تغز ولم تخرج من مرو، ووافق عمارة بْن حريم وعمال الجنيد محبوسين عنده، فقال لهم: أسير فيكم بسيرتنا أم بسيره قومكم؟ قالوا: بسيرتك، فخلى سبيلهم.
قَالَ علي عن شيوخه: قالوا: لما بلغ هشام بن عبد الملك امر الحارث ابن سريج، كتب إلى خالد بْن عبد الله: ابعث أخاك يصلح ما أفسد، فإن كانت رجية فلتكن به قَالَ: فوجه أخاه أسدا إلى خراسان، فقدم أسد وما يملك عاصم من خراسان إلا مرو وناحية أبرشهر، والحارث بْن سريج بمرو الروذ وخالد بْن عبيد الله الهجري بآمل، ويخاف إن قصد للحارث بمرو الروذ دخل خالد بْن عبيد الله مرو من قبل آمل، وإن قصد لخالد دخلها الحارث من قبل مرو الروذ، فأجمع على أن يوجه عبد الرحمن بْن نعيم الغامدي في أهل الكوفة وأهل الشام في طلب الحارث إلى ناحية مرو الروذ وسار أسد بالناس إلى آمل، واستعمل على بني تميم الحوثرة بْن يزيد العنبري، فلقيهم خيل لأهل آمل، عليهم زياد القرشي مولى حيان النبطي عند ركايا عثمان، فهزمهم حتى انتهوا إلى باب المدينة، ثم كروا على الناس، فقتل غلام لأسد بْن عبد الله يقال له جبلة، وهو صاحب علمه، وتحصنوا في ثلاث مدائن لهم.
قَالَ: فنزل عليهم أسد وحصرهم، ونصب عليهم المجانيق، وعليهم خالد ابن عبيد الله الهجري من أصحاب الحارث، فطلبوا الامان، فخرج اليهم رويد ابن طارق القطعي ومولى لهم، فقال: ما تطلبون؟ قالوا: كتاب الله وسنه نبيه ص، قَالَ: فلكم ذلك، قالوا: على ألا تأخذ أهل هذه المدن بجنايتنا فأعطاهم ذلك، واستعمل عليهم يحيى بْن نعيم الشيباني أحد بني ثعلبة بْن شيبان، ابن أخي مصقلة بْن هبيرة ثم أقبل أسد في طريق زم يريد مدينة بلخ، فتلقاه مولى لمسلم بْن عبد الرحمن، فأخبره أن أهل بلخ قد بايعوا سليمان بْن عبد الله بْن خازم فقدم بلخ، واتخذ سفنا وسار منها إلى الترمذ، فوجد الحارث محاصرا سنانا الأعرابي السلمي، ومعه بنو الحجاج بْن هارون النميري، وبنو زرعة وآل عطية الأعور النضري في أهل الترمذ، والسبل مع الحارث، فنزل أسد دون النهر، ولم يطق القطوع إليهم ولا أن يمدهم، وخرج أهل الترمذ من المدينة، فقاتلوا الحارث قتالا شديدا، وكان الحارث استطرد لهم، ثم كر عليهم، فانهزموا فقتل يزيد بْن الهيثم بْن المنخل وعاصم بْن معول النجلي في خمسين ومائة من أهل الشام وغيرهم، وكان بشر بْن جرموز وأبو فاطمة الإيادي ومن كان مع الحارث من القرى يأتون أبواب الترمذ، فيبكون ويشكون بني مروان وجورهم، ويسألونهم النزول إليهم على أن يمالئوهم على حرب بني مروان فيأبون عليهم، فقال السبل وهو مع الحارث: يا حارث، إن الترمذ قد بنيت بالطبول والمزامير، ولا تفتح بالبكاء وإنما تفتح بالسيف، فقاتل إن كان بك قتال وتركه السبل وأتى بلاده.
قَالَ: وكان أسد حين مر بأرض زم تعرض للقاسم الشيباني وهو في حصن بزم يقال له باذكر، ومضى حتى أتى الترمذ، فنزل دون النهر، ووضع سريره على شاطئ النهر، وجعل الناس يعبرون، فمن سفلت سفينته عن سفن المدينة قاتلهم الحارث في سفينة، فالتقوا في سفينة فيها أصحاب أسد، فيهم أصغر بْن عيناء الحميري، وسفينة أصحاب الحارث فيها داود الأعسر، فرمى أصغر فصك السفينة، وقال: أنا الغلام الأحمري، فقال داود الأعسر: لأمر ما انتميت إليه، لا أرض لك! وألزق سفينته بسفينة أصغر فاقتتلوا، وأقبل الأشكند- وقد أراد الحارث الانصراف- فقال له: إنما جئتك ناصرا لك، وكمن الأشكند وراء دير، وأقبل الحارث بأصحابه، وخرج إليه أهل الترمذ فاستطرد لهم فاتبعوه، ونصر مع أسد جالس ينظر، فأظهر الكراهية، وعرف أن الحارث قد كادهم، فظن أسد أنه إنما فعل ذلك شفقة على الحارث حين ولى، فأراد أسد معاتبة نصر، فإذا الأشكند قد خرج عليهم، فحمل على أهل الترمذ فهربوا وقتل في المعركة يزيد بْن الهيثم بْن المنخل الجرموزي من الأزد وعاصم بْن معول- وكان من فرسان أهل الشام- ثم ارتحل أسد إلى بلخ، وخرج أهل الترمذ إلى الحارث فهزموه، وقتلوا أبا فاطمة وعكرمة وقوما من أهل البصائر، ثم سار أسد الى سمرقند في طريق زم، فما قدم زم بعث إلى الهيثم الشيباني- وهو في باذكر، وهو من أصحاب الحارث- فقال:
إنكم إنما أنكرتم على قومكم ما كان من سوء سيرتهم، ولم يبلغ ذلك النساء ولا استحلال الفروج ولا غلبة المشركين على مثل سمرقند، وأنا أريد سمرقند، وعلي عهد الله وذمته ألا يبدأك مني شر، ولك المؤاساة واللطف والكرامة والأمان ولمن معك، وأنت إن غمصت ما دعوتك إليه فعلي عهد الله وذمة أمير المؤمنين وذمة الأمير خالد إن أنت رميت بسهم ألا اؤمنك بعده، وإن جعلت لك ألف أمان لا أفي لك به فخرج إليه على ما أعطاه من الأمان فآمنه، وسار معه إلى سمرقند فأعطاهم عطاءين، وحملهم على ما كان من دواب ساقها معه، وحمل معه طعاما من بخارى، وساق معه شياء كثيرة من شاء الأكراد قسمها فيهم، ثم ارتفع إلى ورغسر وماء سمرقند منها، فسكر الوادي وصرفه عن سمرقند، وكان يحمل الحجارة بيديه حتى يطرحها في السكر، ثم قفل من سمرقند حتى نزل بلخ.
وقد زعم بعضهم أن الذي ذكرت من أمر أسد وأمر اصحاب الحارث كان في سنه ثمان عشره.
وحج بالناس في هذه السنة خالد بْن عبد الملك.
وكان العامل فيها على المدينة، وعلى مكة والطائف محمد بْن هشام بْن إسماعيل، وعلى العراق والمشرق خالد بْن عبد الله، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بْن محمد.
وفيها توفيت فاطمه بنت على وسكينه ابنه الحسين بن على.

امر اسد بن عبد الله مع دعاه بنى العباس
وفي هذه السنة أخذ أسد بْن عبد الله جماعة من دعاة بني العباس بخراسان، فقتل بعضهم، ومثل ببعضهم، وحبس بعضهم، وكان فيمن أخذ سليمان بْن كثير ومالك بْن الهيثم وموسى بْن كعب ولاهز بْن قريظ وخالد بْن إبراهيم وطلحة بْن رزيق، فأتى بهم، فقال لهم: يا فسقة، ألم يقل الله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ} [المائدة: 95]!
فذكر أن سليمان بْن كثير قَالَ: أتكلم أم أسكت؟ قَالَ: بل تكلم، قَالَ: نحن والله كما قَالَ الشاعر:

لو بغير الماء حلقي شرق *** كنت كالغصان، بالماء اعتصاري

تدري ما قصتنا؟ صيدت والله العقارب بيدك أيها الأمير، إنا أناس من قومك، وإن هذه المضرية إنما رفعوا إليك هذا لأنا كنا أشد الناس على قتيبة بْن مسلم، وإنما طلبوا بثأرهم فتكلم ابن شريك بْن الصامت الباهلي، وقال: إن هؤلاء القوم قد أخذوا مرة بعد مرة، فقال مالك بْن الهيثم:
أصلح الله الأمير! ينبغي لك أن تعتبر كلام هذا بغيره، فقالوا: كأنك يا أخا باهلة تطلبنا بثأر قتيبة! نحن والله كنا أشد الناس عليه، فبعث بهم أسد إلى الحبس، ثم دعا عبد الرحمن بْن نعيم فَقَالَ لَهُ: مَا تَرَى؟ قَالَ:
أَرَى أَنْ تمن بهم على عشائرهم، قَالَ: فالتميميان اللذان معهم؟ قَالَ: تخلي سبيلهما، قَالَ: أنا إذا من عبد الله بْن يزيد نفي، قَالَ: فكيف تصنع بالربعي؟ قَالَ: أخلي والله سبيله ثم دعا بموسى بْن كعب وأمر به فألجم بلجام حمار، وأمر باللجام أن يجذب فجذب حتى تحطمت أسنانه، ثم قَالَ: اكسروا وجهه، فدق أنفه، ووجأ لحيته، فندر ضرس له ثم دعا بلاهز بْن قريط، فقال لاهز: والله ما في هذا الحق أن تصنع بنا هذا، وتترك اليمانيين والربعيين، فضربه ثلاثمائه سوط، ثم قَالَ: اصلبوه، فقال الحسن بْن زيد الأزدي: هو لي جار وهو بريء مما قذف به، قَالَ: فالآخرون؟ قَالَ:
أعرفهم بالبراءه، فخلى سبيلهم.