205 هـ
820 م
سنة خمس ومائتين (ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث)

ولايه طاهر بن الحسين خراسان فمن ذلك تولية المأمون فيها طاهر بْن الحسين من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق، وقد كان قبل …

ذلك ولاه الجزيرة والشرط وجانبي بغداد ومعاون السواد، وقعد للناس.

ذكر الخبر عن سبب توليته:
وكان سبب توليته إياه خراسان والمشرق، ما ذكر عن حماد بْن الحسن، عن بشر بْن غياث المريسي، قَالَ: حضرت عبد الله المأمون أنا وثمامة ومحمد ابن أبي العباس وعلي بْن الهيثم، فتناظروا في التشيع، فنصر محمد بن ابى العباس الإمامة، ونصر علي بْن الهيثم الزيدية، وجرى الكلام بينهما، إلى أن قَالَ محمد لعلي: يا نبطي، ما أنت والكلام! قَالَ: فقال المأمون- وكان متكئا فجلس: الشتم على، والبذاء لؤم، إنا قد أبحنا الكلام، وأظهرنا المقالات، فمن قَالَ بالحق حمدناه، ومن جهل ذلك وقفناه، ومن جهل الأمرين حكمنا فيه بما يجب، فاجعلا بينكما أصلا، فإن الكلام فروع، فإذا افترعتم شيئا رجعتم إلى الأصول قَالَ: فإنا نقول: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأن محمدا عبده ورسوله، وذكرا الفرائض والشرائع في الإسلام، وتناظرا بعد ذلك.
فأعاد محمد لعلي بمثل المقالة الأولى، فقال له علي: والله لولا جلالة مجلسه وما وهب الله من رأفته، ولولا ما نهى عنه لأعرقت جبينك، وبحسبك من جهلك غسلك المنبر بالمدينة.
قَالَ: فجلس المأمون- وكان متكئا- فقال: وما غسلك المنبر؟
ألتقصير مني في أمرك أو لتقصير المنصور كان في أمر أبيك؟ لولا أن الخليفة إذا وهب شيئا استحيا أن يرجع فيه لكان أقرب شيء بيني وبينك إلى الأرض رأسك، قم وإياك ما عدت.
قَالَ: فخرج محمد بْن أبي العباس، ومضى إلى طاهر بْن الحسين- وهو زوج أخته- فقال له: كان من قصتي كيت وكيت، وكان يحجب المأمون على النبيذ فتح الخادم، وياسر يتولى الخلع، وحسين يسقي، وأبو مريم غلام سعيد الجوهري يختلف في الحوائج فركب طاهر إلى الدار، فدخل فتح، فقال: طاهر بالباب، فقال: إنه ليس من أوقاته، ائذن له: فدخل طاهر فسلم عليه، فرد ع، وقال: اسقوه رطلا، فأخذه في يده اليمنى، وقال له: اجلس، فخرج فشربه ثم عاد، وقد شرب المأمون رطلا آخر، فقال: اسقوه ثانيا، ففعل كفعله الأول، ثم دخل، فقال له المأمون:
اجلس، فقال يا أمير المؤمنين، ليس لصاحب الشرطة أن يجلس بين يدي سيده، فقال له المأمون: ذلك في مجلس العامة، فأما مجلس الخاصة فطلق، قَالَ: وبكى المأمون، وتغرغرت عيناه، فقال له طاهر: يا أمير المؤمنين، لم تبكي لا أبكى الله عينيك! فو الله لقد دانت لك البلاد، وأذعن لك العباد، وصرت إلى المحبة في كل أمرك فقال: أبكي لأمر ذكره ذل، وستره حزن، ولن يخلو أحد من شجن، فتكلم بحاجة إن كانت لك، قَالَ: يا أمير المؤمنين، محمد بْن أبي العباس أخطأ فأقله عثرته، وارض عنه قَالَ: قد رضيت عنه، وأمرت بصلته، ورددت عليه مرتبته، ولولا أنه ليس من أهل الإنس لأحضرته.
قَالَ: وانصرف طاهر، فأعلم ابن ابى العباس ذلك، ودعا بهارون بن جبغويه، فقال له: إن للكتاب عشيرة، وإن أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض، فخذ معك ثلاثمائة ألف درهم، فأعط الحسين الخادم مائتي ألف، وأعط كاتبه محمد بْن هارون مائة ألف، وسله ان يسال المأمون: لم بكى؟
قَالَ: ففعل ذلك، قَالَ: فلما تغدى قَالَ: يا حسين اسقني، قَالَ: لا والله لاسقينك أو تقول لي: لم بكيت حين دخل عليك طاهر؟ قَالَ: يا حسين، وكيف عنيت بهذا حتى سألتني عنه! قَالَ: لغمي بذاك، قَالَ: يا حسين هو أمر إن خرج من رأسك قتلتك، قَالَ: يا سيدي، ومتى أخرجت لك سرا! قَالَ: إني ذكرت محمدا أخي، وما ناله من الذلة، فخنقتني العبرة فاسترحت إلى الإفاضة، ولن يفوت طاهرا مني ما يكره قَالَ: فأخبر حسين طاهرا بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بْن أبي خالد، فقال له: إن الثناء مني ليس برخيص، وإن المعروف عندي ليس بضائع، فغيبني عن عينه، فقال له: سأفعل، فبكر إلي غدا قَالَ: فركب ابن أبي خالد إلى المأمون، فلما دخل عليه قَالَ: ما نمت البارحة، فقال: لم ويحك! فقال: لأنك وليت غسان خراسان، وهو ومن معه أكلة رأس، فأخاف أن يخرج عليه خارجة من الترك فتصطلمه، فقال له: لقد فكرت فيما فكرت فيه، قَالَ: فمن ترى؟
قَالَ: طاهر بْن الحسين، قَالَ: ويلك يا أحمد! هو والله خالع، قَالَ:
أنا الضامن له، قَالَ: فأنفذه، قَالَ: فدعا بطاهر من ساعته، فعقد له، فشخص من ساعته، فنزل في بستان خليل بْن هاشم، فحمل إليه في كل يوم ما أقام فيه مائة ألف فأقام شهرا، فحمل إليه عشرة آلاف ألف، التي تحمل إلى صاحب خراسان.
قَالَ أبو حسان الزيادي: وكان قد عقد له على خراسان والجبال من حلوان إلى خراسان، وكان شخوصه من بغداد يوم الجمعة لليلة بقيت من ذي القعدة سنة خمس ومائتين، وقد كان عسكر قبل ذلك بشهرين، فلم يزل مقيما في عسكره قَالَ أبو حسان: وكان سبب ولايته- فيما اجتمع الناس عليه- أن عبد الرحمن المطوعي جمع جموعا بنيسابور ليقاتل بهم الحرورية بغير أمر والي خراسان، فتخوفوا أن يكون ذلك لاصل عمله عليه وكان غسان بْن عباد يتولى خراسان من قبل الحسن بْن سهل، وهو ابْن عم الفضل بْن سهل.
وذكر عن علي بْن هارون أن طاهر بْن الحسين قبل خروجه إلى خراسان وولايته لها، ندبه الحسن بْن سهل للخروج إلى محاربة نصر بْن شبث، فقال: حاربت خليفة، وسقت الخلافة إلى خليفة، وأومر بمثل هذا! وإنما كان ينبغي أن توجه لهذا قائدا من قوادي، فكان سبب المصارمة بين الحسن وطاهر.
قَالَ: وخرج طاهر إلى خراسان لما تولاها، وهو لا يكلم الحسن بْن سهل، فقيل له في ذلك، فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها لي في مصارمته.
وفي هذه السنة ورد عبد الله بْن طاهر بغداد منصرفا من الرقة، وكان أبوه طاهر استخلفه عليها، وأمره بقتال نصر بْن شبث، وقدم يحيى بْن معاذ فولاه المأمون الجزيرة.
وفيها ولى المأمون عيسى بْن محمد بْن أبي خالد أرمينية وأذربيجان ومحاربة بابك.
وفيها مات السري بْن الحكم بمصر، وكان واليها.
وفيها مات داود بْن يزيد عامل السند، فولاها المأمون بشر بْن داود على أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم.
وفيها ولى المأمون عيسى بْن يزيد الجلودي محاربة الزط.
وفيها شخص طاهر بْن الحسين إلى خراسان في ذي القعدة، وأقام شهرين حتى بلغه خروج عبد الرحمن النيسابوري المطوعي بنيسابور، فشخص ووافى التغرغزيه أشروسنة.
وفيها أخذ فرج الرخجي عبد الرحمن بْن عمار النيسابوري.
وحج بالناس في هذه السنة عبيد الله بْن الحسن، وهو والي الحرمين.