105 هـ
723 م
سنة خمس ومائة (ذكر الخبر عما فيها من الأحداث)

فمما كان فيها من ذلك غزوة الجراح بْن عبد الله الحكمي اللان حتى جاز ذلك إلى مدائن وحصون من وراء بلنجر، ففتح بعض ذلك، وجلى عنه …

بعض أهله، وأصاب غنائم كثيرة.
وفيها كانت غزوة سعيد بْن عبد الملك أرض الروم، فبعث سرية في نحو من ألف مقاتل، فأصيبوا – فيما ذكر – جميعا.
وفيها غزا مسلم بْن سعيد الترك، فلم يفتح شيئا، فقفل ثم غزا أفشينة مدينة من مدائن السغد بعد في هذه السنة، فصالح ملكها وأهلها.

ذكر الخبر عن ذَلِكَ:
ذكر عَلِيّ بن محمد عن أصحابه، أن مسلم بْن سعيد مرزب بهرام سيس فجعله المرزبان وأن مسلما غزا في آخر الصيف من سنة خمس ومائة، فلم يفتح شيئا وقفل، فاتبعه الترك فلحقوه، والناس يعبرون نهر بلخ وتميم على الساقة، وعبيد الله بْن زهير بْن حيان على خيل تميم، فحاموا عن الناس حتى عبروا ومات يزيد بْن عبد الملك، وقام هشام، وغزا مسلم أفشين فصالح ملكها على ستة آلاف رأس، ودفع إليه القلعة، فانصرف لتمام سنة خمس ومائة.

ذكر موت يزيد بن عبد الملك
وفي هذه السنة مات الخليفة يزيد بْن عبد الملك بْن مروان، لخمس ليال بقين من شعبان منها، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق ابن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي، وقال الواقدي: كانت وفاته ببلقاء من أرض دمشق، وهو يوم مات ابن ثمان وثلاثين سنة.
وقال بعضهم: كان ابن أربعين سنة.
وقال بعضهم: ابن ست وثلاثين سنة، فكانت خلافته في قول أبي معشر وهشام بْن محمد وعلي بْن محمد أربع سنين وشهرا، وفي قول الواقدي أربع سنين.
وكان يزيد بْن عبد الملك يكنى أبا خالد، كذلك قال ابو معشر وهشام ابن محمد والواقدي وغيرهم.
وقال علي بْن محمد: توفي يزيد بْن عبد الملك وهو ابن خمس وثلاثين سنة أو أربع وثلاثين سنة في شعبان يوم الجمعة لخمس بقين منه سنة خمس ومائة.
وقال: ومات بأربد من أرض البلقاء، وصلى عليه ابنه الوليد وهو ابن خمس عشرة سنة، وهشام بْن عبد الملك يومئذ بحمص، حدثنى بذلك عمر ابن شبه، عن على.
وقال هشام بْن محمد: توفي يزيد بْن عبد الملك، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
قَالَ علي: قَالَ أبو ماوية أو غيره من اليهود ليزيد بْن عبد الملك: إنك تملك أربعين سنة، فقال رجل من اليهود: كذب لعنه الله، إنما رأى أنه يملك أربعين قصبة، والقصبة شهر، فجعل الشهر سنة.

ذكر بعض سيره وأموره
حدثني عمر بْن شبة، قَالَ: حدثنا علي، قَالَ: كان يزيد بْن عاتكة من فتيانهم، فقال يوما وقد طرب، وعنده حبابة وسلامة: دعوني أطير، فقالت حبابة: إلى من تدع الأمة! فلما مات قالت سلامة القس:

لا تلمنا إن خشعنا ***  أو هممنا بالخشوع
قد لعمري بت ليلي ***  كأخي الداء الوجيع
ثم بات الهم مني ***  دون من لي من ضجيع
للذي حل بنا اليوم ***  من الأمر الفظيع
كلما أبصرت ربعا ***  خاليا فاضت دموعي
قد خلا من سيد كان ***  لنا غير مضيع

ثم نادت: وا امير المؤمنيناه! والشعر لبعض الأنصار.
قَالَ علي: حج يزيد بْن عبد الملك في خلافة سليمان بْن عبد الملك فاشترى حبابة- وكان اسمها العالية- بأربعة آلاف دينار من عثمان بْن سهل ابن حنيف، فقال سليمان: هممت أن أحجر على يزيد، فرد يزيد حبابة فاشتراها رجل من أهل مصر، فقالت سعدة ليزيد: يا أمير المؤمنين، هل بقي من الدنيا شيء تتمناه بعد؟ قَالَ: نعم حبابة، فأرسلت سعدة رجلا فاشتراها باربعه آلاف دينار، وصنعتها حتى ذهب عنها كلال السفر، فأتت بها يزيد، فأجلستها من وراء الستر، فقالت: يا أمير المؤمنين، أبقي شيء من الدنيا تتمناه؟ قَالَ: ألم تسأليني عن هذا مرة فأعلمتك! فرفعت الستر وقالت: هذه حبابه، وقامت وخلتها عنده، فحظيت سعدة عند يزيد وأكرمها وحباها وسعدة امرأة يزيد، وهي من آل عثمان ابن عفان.
قَالَ علي عن يونس بْن حبيب: إن حبابة جارية يزيد بْن عبد الملك غنت يوما:

بين التراقي واللهاة حرارة ***  ما تطمئن وما تسوغ فتبرد

فأهوى ليطير فقالت: يا أمير المؤمنين، إن لنا فيك حاجة، فمرضت وثقلت، فقال: كيف أنت يا حبابة؟ فلم تجبه، فبكى وقال:

لئن تسل عنك النفس أو تذهل الهوى *** فباليأس يسلو القلب لا بالتجلد

وسمع جارية لها تتمثل:

كفى حزنا بالهائم الصب أن يرى *** منازل من يهوى معطلة قفرا

فكان يتمثل بهذا.
قَالَ عمر: قَالَ علي: مكث يزيد بْن عبد الملك بعد موت حبابة سبعة أيام لا يخرج إلى الناس، أشار عليه بذلك مسلمة، وخاف أن يظهر منه شيء يسفهه عند الناس.

خلافة هشام بْن عبد الملك
وفي هذه السنة استخلف هشام بْن عبد الملك لليال بقين من شعبان منها، وهو يوم استخلف ابن أربع وثلاثين سنة وأشهر.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: حدثنا أبو محمد القرشي وأبو محمد الزيادي والمنهال بْن عبد الملك وسحيم بْن حفص العجيفي، قالوا: ولد هشام بْن عبد الملك عام قتل مصعب بْن الزبير سنة اثنتين وسبعين.
وأمه عائشة بنت هشام بْن إسماعيل بْن هشام بْن الوليد بْن المغيرة بْن عبد الله ابن عمر بْن مخزوم، وكانت حمقاء، أمرها أهلها ألا تكلم عبد الملك حتى تلد، وكانت تثني الوسائد وتركب الوسادة وتزجرها كأنها دابة، وتشترى الكندر فتمضغه وتعمل منه تماثيل، وتصنع التماثيل على الوسائد، وقد سمت كل تمثال باسم جارية، وتنادي: يا فلانة ويا فلانة، فطلقها عبد الملك لحمقها وسار عبد الملك إلى مصعب فقتله، فلما قتله بلغه مولد هشام، فسماه منصورا، يتفاءل بذلك، وسمته أمه باسم أبيها هشام، فلم ينكر ذلك عبد الملك، وكان هشام يكنى أبا الوليد.
وذكر محمد بْن عمر عمن حدثه أن الخلافة أتت هشاما وهو بالزيتونة في منزله في دويرة له هناك.
قَالَ محمد بْن عمر: وقد رأيتها صغيرة، فجاءه البريد بالعصا والخاتم، وسلم عليه بالخلافة، فركب هشام من الرصافة حتى أتى دمشق.
وفي هذه السنة قدم بكير بن ماهان من السغد- وكان بها مع الجنيد بْن عبد الرحمن ترجمانا له- فلما عزل الجنيد بْن عبد الرحمن، قدم الكوفة ومعه أربع لبنات من فضة ولبنة من ذهب، فلقي أبا عكرمة الصادق وميسرة ومحمد بْن خنيس وسالما الأعين وأبا يحيى مولى بني سلمة، فذكروا له أمر دعوة بني هاشم، فقبل ذلك ورضيه، وأنفق ما معه عليهم، ودخل الى محمد ابن علي ومات ميسرة فوجه محمد بْن علي بكير بْن ماهان إلى العراق مكان ميسرة، فأقامه مقامه.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام بْن إسماعيل، والنضري على المدينة.
قَالَ الواقدي: حدثني إبراهيم بْن محمد بْن شرحبيل، عن أبيه، قَالَ:
كان إبراهيم بْن هشام بْن إسماعيل حج، فأرسل إلى عطاء بن ابى رباح:
متى أخطب بمكة؟ قَالَ: بعد الظهر، قبل التروية بيوم، فخطب قبل الظهر، وقال: أمرني رسولي بهذا عن عطاء، فقال عطاء: ما امرته الا بعد الظهر، قال: فاستحيا إبراهيم بْن هشام يومئذ، وعدوه منه جهلا.

ذكر ولايه خالد القسرى على العراق
وفي هذه السنة عزل هشام بْن عبد الملك عمر بْن هبيرة عن العراق وما كان إليه من عمل المشرق، وولى ذلك كله خالد بْن عبد الله القسري في شوال.
ذكر محمد بْن سلام الجمحي، عن عبد القاهر بْن السري، عن عمر بْن يزيد بْن عمير الأسيدي قَالَ: دخلت على هشام بْن عبد الملك، وعنده خالد بْن عبد الله القسري، وهو يذكر طاعة أهل اليمن، قَالَ: فصفقت تصفيقة بيدي دق الهواء منها، فقلت: تالله ما رأيت هكذا خطأ ولا مثله خطلا! والله ما فتحت فتنة في الإسلام إلا بأهل اليمن، هم قتلوا أمير المؤمنين عثمان، وهم خلعوا أمير المؤمنين عبد الملك، وإن سيوفنا لتقطر من دماء آل المهلب قَالَ: فلما قمت تبعني رجل من آل مروان كان حاضرا، فقال: يا أخا بني تميم، ورت بك زنادي، قد سمعت مقالتك، وأمير المؤمنين مول خالدا العراق، وليست لك بدار ذكر عبد الرزاق أن حماد بْن سعيد الصنعانى اخبره قال: أخبرني زياد ابن عبيد الله، قَالَ: أتيت الشام، فاقترضت، فبينا أنا يوما على الباب باب هشام، إذ خرج علي رجل من عند هشام، فقال لي: ممن أنت يا فتى؟
قلت: يمان، قَالَ: فمن أنت؟ قلت: زياد بْن عبيد الله بْن عبد المدان، قَالَ: فتبسم، وقال: قم الى ناحيه العسكر فقل لأصحابي: ارتحلوا فإن أمير المؤمنين قد رضي عني، وأمرني بالمسير، ووكل بي من يخرجني قَالَ: قلت: من أنت يرحمك الله؟ قَالَ: خالد بْن عبد الله القسري، قَالَ:
ومرهم يا فتى ان يعطوك منديل ثيابي وبرذوني الأصفر فلما جزت قليلا ناداني، فقال: يا فتى، وإن سمعت بي قد وليت العراق يوما فالحق بي، قَالَ: فذهبت إليهم، فقلت: إن الأمير قد أرسلني إليكم بأن أمير المؤمنين قد رضي عنه، وأمره بالمسير فجعل هذا يحتضنني وهذا يقبل رأسي، فلما رأيت ذلك منهم، قلت: وقد أمرني أن تعطوني منديل ثيابه وبرذونه الأصفر، قالوا: إي والله وكرامة، قَالَ: فأعطوني منديل ثيابه وبرذونه الأصفر، فما أمسى بالعسكر أحد أجود ثيابا مني، ولا أجود مركبا مني، فلم ألبث إلا يسيرا حتى قيل: قد ولي خالد العراق، فركبني من ذلك هم، فقال لي عريف لنا: ما لي أراك مهموما! قلت: أجل قد ولي خالد كذا وكذا، وقد أصبت هاهنا رزيقا عشت به، وأخشى أن أذهب إليه فيتغير على فيفوتني هاهنا وهاهنا، فلست أدري كيف أصنع! فقال لي:
هل لك في خصلة؟ قلت: وما هي؟ قَالَ: توكلني بأرزاقك وتخرج، فإن أصبت ما تحب فلي أرزاقك، وإلا رجعت فدفعتها إليك، فقلت نعم.
وخرجت، فلما قدمت الكوفه لبست من صالح ثيابي وأذن للناس، فتركتهم حتى أخذوا مجالسهم، ثم دخلت فقمت بالباب، فسلمت ودعوت وأثنيت، فرفع رأسه، فقال: أحسنت بالرحب والسعة، فما رجعت الى منزلي حتى اصبت ستمائه دينار بين نقد وعرض.
ثم كنت أختلف إليه، فقال لي يوما: هل تكتب يا زياد؟ فقلت: أقرأ ولا أكتب، أصلح الله الأمير! فضرب بيده على جبينه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! سقط منك تسعة أعشار ما كنت أريده منك، وبقي لك واحدة فيها غني الدهر قَالَ: قلت: أيها الأمير، هل في تلك الواحدة ثمن غلام؟ قَالَ: وماذا حينئذ! قلت: تشتري غلاما كاتبا تبعث به إلي فيعلمني، قَالَ: هيهات! كبرت عن ذلك، قَالَ: قلت: كلا، فاشترى غلاما كاتبا حاسبا بستين دينارا، فبعث به إلي، فأكببت على الكتاب، وجعلت لا آتيه إلا ليلا، فما مضت إلا خمس عشرة ليلة حتى كتبت ما شئت وقرأت ما شئت قَالَ: فإني عنده ليلة، إذ قَالَ: ما أدري هل أنجحت من ذلك الأمر شيئا؟ قلت: نعم، أكتب ما شئت، وأقرأ ما شئت، قَالَ:
إني أراك ظفرت منه بشيء يسير فأعجبك، قلت: كلا، فرفع شاذ كونه، فإذا طومار، فقال: اقرأ هذا الطومار، فقرأت ما بين طرفيه، فإذا هو من عامله على الري، فقال: اخرج فقد وليتك عمله، فخرجت حتى قدمت الري، فأخذت عامل الخراج، فأرسل إلي: إن هذا أعرابي مجنون، فإن الأمير لم يول على الخراج عربيا قط، وإنما هو عامل المعونة، فقل له:
فليقرني على عملي وله ثلاثمائة ألف، قَالَ: فنظرت في عهدي، فإذا أنا على المعونة، فقلت: والله لا انكسرت، ثم كتبت إلى خالد: إنك بعثتني على الري، فظننت أنك جمعتها لي فأرسل إلي صاحب الخراج ان اقره على عمله ويعطيني ثلاثمائة ألف درهم فكتب إلي أن اقبل ما أعطاك، واعلم أنك مغبون فأقمت بها ما أقمت، ثم كتبت: إني قد اشتقت إليك فارفعني إليك، ففعل، فلما قدمت عليه ولاني الشرطة.
وَكَانَ العامل فِي هَذِهِ السنة عَلَى الْمَدِينَة ومكة والطائف عبد الواحد بْن عبد الله النضري وعلى قضاء الكوفة حسين بْن حسن الكندي، وعلى قضاء البصرة موسى بْن أنس وقد قيل إن هشاما إنما استعمل خالد بْن عبد الله القسري على العراق وخراسان في سنة ست ومائة، وإن عامله على العراق وخراسان في سنة خمس ومائة كان عمر بْن هبيرة.