175 هـ
791 م
سنة خمس وسبعين ومائة (ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر الخبر عن البيعه للامين، فمن ذلك عقد الرشيد لابنه محمد بمدينة السلام من بعده ولاية عهد المسلمين وأخذه له بذلك بيعة القواد والجند، …

وتسميته إياه الأمين، وله يومئذ خمس سنين، فقال سلم الخاسر:

قد وفق الله الخليفة إذ بنى *** بيت الخليفة للهجان الأزهر
فهو الخليفة عن أبيه وجده *** شهدا عليه بمنظر وبمخبر
قد بايع الثقلان في مهد الهدى *** لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر

ذكر الخبر عن سبب بيعة الرشيد له:
وكان السبب في ذلك- فيما ذكر روح مولى الفضل بْن يحيى بْن خالد- أنه رأى عيسى بْن جعفر قد صار إلى الفضل بْن يحيى، فقال له: أنشدك الله لما عملت في البيعة لابن أختي- يعنى محمد بن زبيدة بنت جعفر بْن المنصور- فإنه ولد لك وخلافته لك، فوعده أن يفعل، وتوجه الفضل على ذلك، وكانت جماعة من بني العباس قد مدوا أعناقهم إلى الخلافة بعد الرشيد، لأنه لم يكن له ولي عهد، فلما بايع له، أنكروا بيعته لصغر سنه.
قَالَ: وقد كان الفضل لما تولى خراسان أجمع على البيعة لمحمد، فذكر محمد بْن الحسين بْن مصعب أن الفضل بْن يحيى لما صار إلى خراسان، فرق فيهم أموالا، وأعطى الجند أعطيات متتابعات، ثم أظهر البيعة لمحمد بن الرشيد، فبايع الناس له وسماه الأمين، فقال في ذلك النمري:

أمست بمرو على التوفيق قد صفقت *** على يد الفضل أيدي العجم والعرب 
ببيعة لولي العهد أحكمها *** بالنصح منه وبالإشفاق والحدب
قد وكد الفضل عقدا لا انتقاض له *** لمصطفى من بنى العباس منتخب

قال: فلما تناهى الخبر إلى الرشيد بذلك، وبايع له أهل المشرق، بايع لمحمد، وكتب إلى الآفاق، فبويع له في جميع الأمصار، فقال أبان اللاحقي في ذلك:

عزمت أمير المؤمنين على الرشد *** برأي هدى، فالحمد لله ذي الحمد

وعزل فيها الرشيد عن خراسان العباس بن جعفر، وولاها خاله الغطريف ابن عطاء.
وفيها صار يحيى بْن عبد الله بْن حسن إلى الديلم، فتحرك هناك.
وغزا الصائفة فيها عبد الرحمن بْن عبد الملك بْن صالح فبلغ إقريطية.
وقال الواقدي: الذي غزا الصائفة في هذه السنة عبد الملك بْن صالح، قَالَ: وأصابهم في هذه الغزاة برد قطع أيديهم وأرجلهم.
وحج بالناس فيها هارون الرشيد.