250 هـ
864 م
سنة خمسين ومائتين ( ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث )

ظهور يحيى بن عمر الطالبي ثم مقتله، فمن ذلك ما كان من ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي …

بن أبي طالب رضي الله عنه، المكنى بأبي الحسين بالكوفة، وفيها كان مقتله رضي الله عنه.

ذكر الخبر عن سبب ظهوره وما آل إليه أمره:
ذكر أن أبا الحسين يحيى بن عمر- وأمه أم الحسين فاطمه بنت الحسين ابن عبد الله بْن إسماعيل بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- نالته ضيقة شديدة، ولزمه دين ضاق به ذرعا، فلقي عمر بن فرج- وهو يتولى امر الطالبين- عند مقدمه من خراسان أيام المتوكل، فكلمه في صلته، فأغلظ عليه عمر القول، فقذفه يحيى بن عمر في مجلسه، فحبس، فلم يزل محبوسا إلى أن كفل به أهله، فأطلق، فشخص إلى مدينة السلام، فأقام بها بحال سيئة، ثم صار إلى سامرا، فلقي وصيفا في رزق يجرى له، فأغلظ له وصيف في القول، وقال: لأي شيء يجري على مثلك! فانصرف عنه.
فذكر ابن أبي طاهر أن ابن الصوفي الطالبي حدثه، أنه أتاه في الليلة التي كان خروجه في صبيحتها، فبات عنده، ولم يعلمه بشيء مما عزم عليه، وأنه عرض عليه الطعام، وتبين فيه أنه جائع، فأبى أن يأكل، وقال:
إن عشنا أكلنا، قال: فتبينت أنه قد عزم على فتكة، وخرج من عندي، فجعل وجهه إلى الكوفة، وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان عاملا عليها من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر، فجمع يحيى بن عمر جمعا كثيرا من الأعراب، وضوى إليه جماعة من أهل الكوفة، فأتى الفلوجة، فصار إلى قرية تعرف بالعمد، فكتب صاحب البريد بخبره، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أيوب بن الحسن وعبد الله بن محمود السرخسي- وكان عامل محمد بن عبد الله على معاون السواد- يأمرهما بالاجتماع على محاربه يحيى ابن عمر- وكان على الخراج بالكوفة بدر بن الأصبغ- فمضى يحيى بن عمر في سبعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها، وصار إلى بيت مالها، فأخذ ما فيه، والذي وجد فيه ألفا دينار وزيادة شيء، ومن الورق سبعون ألف درهم، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجنين، وأخرج جميع من كان فيهما، وأخرج عمالها عنها، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي- وكان في عداد الشاكرية، فضربه يحيى بن عمر ضربة على قصاص شعره في وجهه أثخنته، فانهزم ابن محمود مع أصحابه، وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدواب والمال ثم خرج يحيى بن عمر من الكوفة إلى سوادها، فصار إلى موضع يقال له بستان- أو قريبا منه- على ثلاثة فراسخ من جنبلاء، ولم يقم بالكوفه، وتبعته جماعه من الزيدية، واجتمعت على نصرته جماعة من قرب من تلك الناحية من الأعراب وأهل الطفوف والسيب الأسفل، وإلى ظهر واسط ثم أقام بالبستان، فكثر جمعه، فوجه محمد بن عبد الله لمحاربته الحسين بن اسماعيل ابن إبراهيم بن مصعب، وضم إليه من ذوي البأس والنجدة من قواده جماعة، مثل خالد بن عمران وعبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس، وأبي السناء الغنوي، وعبد الله بن نصر بن حمزة، وسعد الضبابي، ومن الاسحاقيه احمد ابن محمد بن الفضل وجماعة من خاصة الخراسانية وغيرهم.
وشخص الحسين بن إسماعيل، فنزل بإزاء هفندى في وجه يحيى بن عمر، لا يقدم عليه الحسين بن إسماعيل ومن معه، وقصد يحيى نحو البحرية – وهي قرية بينها وبين قسين خمسة فراسخ، ولو شاء الحسين أن يلحقه لحقه- ثم مضى يحيى بن عمر في شرقي السيب والحسين في غربيه، حتى صار الى احمداباذ فعبر إلى ناحية سورا، وجعل الجند لا يلحقون ضعيفا عجز عن اللحاق بيحيى إلا اخذوه، واوقعوه بمن صار إلى يحيى بن عمر من أهل تلك القرى.
وكان أحمد بن الفرج المعروف بابن الفزاري يتولى معونة السيب لمحمد ابن عبد الله، فحمل ما اجتمع عنده من حاصل السيب قبل دخول يحيى بن عمر احمداباذ، فلم يظفر به.
ومضى يحيى بن عمر نحو الكوفة، فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب وجه الفلس، فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالا شديدا، فانهزم عبد الرحمن بن الخطاب، وانحاز إلى ناحية شاهي، ووافاه الحسين بن إسماعيل، فعسكر بها، ودخل يحيى بن عمر الكوفة، واجتمعت إليه الزيدية، ودعا إلى الرضا من آل محمد وكثف أمره، واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه، وتولاه العامة من أهل بغداد- ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره- وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيعهم، ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم.
وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي، واستراح وأراح أصحابه دوابهم، ورجعت إليهم أنفسهم، وشربوا العذب من ماء الفرات، واتصلت بهم الأمداد والميرة والأموال وأقام يحيى بن عمر بالكوفة يعد العدد، ويطبع السيوف، ويعرض الرجال، ويجمع السلاح.
وإن جماعة من الزيدية ممن لا علم له بالحرب، أشاروا على يحيى بمعاجلة الحسين، وألحت عليه عوام أصحابه بمثل ذلك، فزحف إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب، ومعه الهيضم العجلي، في فرسان من بني عجل وأناس من بني أسد ورجالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علم ولا تدبير ولا شجاعة، فأسروا ليلتهم، ثم صبحوا حسينا وأصحابه- وأصحاب حسين مستريحون ومستعدون- فثاروا إليهم في الغلس فرموا ساعة، ثم حمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموا، ووضع فيهم السيف، فكان أول أسير الهيضم بن العلاء بن جمهور العجلي، فانهزم رجالة أهل الكوفة، وأكثرهم عزل بغير سلاح، ضعفي القوى، خلقان الثياب، فداستهم الخيل، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر، وعليه جوشن تبتي، وقد تقطر به البرذون الذي أخذه من عبد الله بن محمود، فوقف عليه ابن لخالد بن عمران يقال له خير، فلم يعرفه، وظن أنه رجل من أهل خراسان، لما رأى عليه الجوشن، ووقف عليه أيضا أبو الغور بن خالد بن عمران، فقال لخير بن خالد: يا أخي، هذا والله أبو الحسين قد انفرج قلبه، وهو نازل لا يعرف القصة لانفراج قلبه، فأمر خير رجلا من أصحابه المواصلين من العرفاء يقال له محسن بن المنتاب، فنزل إليه فذبحه، وأخذ رأسه وجعله في قوصرة، ووجهه مع عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن الخطاب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر.
وادعى قتله غير واحد، فذكر عن العرس بن عراهم أنهم وجدوه باركا، ووجدوا خاتمه مع رجل يعرف بالعسقلاني مع سيفه، وادعى أنه طعنه وسلبه، وادعى سعد الضبابي أنه قتله.
وذكر عن أبي الحسين خال أبي السناء أنه طعن في الغلس رجلا في ظهره لا يعرفه، فأصابوا في ظهر أبي الحسين طعنة ولا يدرى من قتله، لكثرة من ادعاه، وورد الرأس دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وقد تغبر، فطلبوا من يقور ذلك اللحم، ويخرج الحدقة والغلصمة، فلم يوجد، وهرب الجزارون، وطلب ممن في السجن من الخرمية الذباحين من يفعل ذلك فلم يقدم عليه أحد، إلا رجل من عمال السجن الجديد، يقال له سهل بن الصغدي، فإنه تولى إخراج دماغه وعينيه وقوره بيديه، وحشي بالصبر والمسك والكافور بعد أن غسل وصير في القطن وذكر أنهم رأوا بجنبيه ضربة بالسيف منكرة ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد اليوم الذي وافاه فيه، وكتب إليه بالفتح بيده، ونصب رأسه بباب العامة بسامرا، واجتمع الناس لذلك، وكثروا وتذمروا، وتولى إبراهيم الديرج نصبه، لأن إبراهيم بن إسحاق خليفة محمد بن عبد الله أمره فنصبه لحظة، ثم حط، ورد إلى بغداد لينصب بها بباب الجسر، فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله لكثرة من اجتمع من الناس وذكر لمحمد بن عبد الله أنهم على أخذه اجتمعوا، فلم ينصبه، وجعله في صندوق في بيت السلاح في داره، ووجه الحسين ابن إسماعيل بالأسرى ورءوس من قتل معه مع رجل يقال له أحمد بن عصمويه، ممن كان مع إسحاق بن إبراهيم، فكدهم وأجاعهم وأساء بهم، فأمر بهم فحبسوا في سجن الجديد، وكتب فيهم محمد بن عبد الله يسأل الصفح عنهم، فأمر بتخليتهم، وأن تدفن الرءوس ولا تنصب، فدفنت في قصر بباب الذهب.
وذكر عن بعض الطاهرين أنه حضر مجلس محمد بن عبد الله وهو يهنأ بمقتل يحيى بن عمرو بالفتح وجماعة من الهاشميين والطالبيين وغيرهم حضور، فدخل عليه داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري فيمن دخل، فسمعهم يهنئونه، فقال: أيها الأمير، إنك لتهنَّأ بقتل رجل لو كان رسول الله ص حيا لعزي به! فما رد عليه محمد بن عبد الله شيئا، فخرج أبو هاشم الجعفري، وهو يقول:

يا بني طاهر كلوه وبيا *** إن لحم النبي غير مري
إن وترا يكون طالبه الله *** لوتر نجاحه بالحري

وكان المستعين قد وجه كلباتكين مددا للحسين ومستظهرا به، فلحق حسينا بعد ما هزم القوم وقتل يحيى بن عمر، فمضى ومعهم صاحب بريد الكوفة فلقي جماعة ممن كان مع يحيى بن عمر، ومعهم أسوقة وأطعمة يريدون عسكر يحيى، فوضع فيهم السيف فقتلهم، ودخل الكوفة، فأراد أن ينهبها ويضع السيف في اهلم، فمنعه الحسين وآمن الأسود والأبيض بها، وأقام أياما ثم انصرف عنها

ذكر خبر خروج الحسن بن زيد العلوي
وفي هذه السنة كان خروج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن ابن زيد بْن الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي شهر رمضان منها.

ذكر الخبر عن سبب خروجه:
حدثني جماعة من أهل طبرستان وغيرهم، أن سبب ذلك كان أن محمد بن عبد الله بن طاهر لما جرى على يده ما جرى من قتل يحيى بن عمر، ودخول أصحابه وجيشه الكوفة بعد فراغهم من قتل يحيى، أقطعه المستعين من صوافي السلطان بطبرستان قطائع، وأن من تلك القطائع التي أقطعها قطيعة فيما قرب من ثغري طبرستان مما يلي الديلم، وهما كلار وسالوس، كان بحذائها أرض لأهل تلك الناحية فيها مرافق، منها محتطبهم ومراعي مواشيهم ومسرح سارحتهم، وليس لأحد عليها ملك، وإنما هي صحراء من موتان الأرض، غير أنها ذات غياض وأشجار وكلأ.
فوجه- فيما ذكر لي- محمد بن عبد الله بن طاهر أخا لكاتبه بشر بن هارون النصراني يقال له جابر بن هارون، لحيازة ما أقطع هنالك من الأرض، وعامل طبرستان يومئذ سليمان بن عبد الله خليفة محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، أخو محمد بن عبد الله بن طاهر، والمستولي على سليمان، والغالب على أمره محمد بن أوس البلخي، وقد فرق محمد بن أوس ولده في مدن طبرستان، وجعلهم ولاتها، وضم إلى كل واحد منهم مدينة منها، وهم أحداث سفهاء، قد تأذى بهم وبسفههم من تحت أيديهم من الرعية واستنكروا منهم ومن والدهم ومن سليمان بن عبد الله سفههم وسيرهم فيهم، وغلظ عليهم سوء أثرهم فيهم، بقصص يطول الكتاب بشرح أكثرها.
ووتر مع ذلك- فيما ذكر لي- محمد بن أوس الديلم بدخوله إلى ما قرب من بلادهم من حدود طبرستان، وهم أهل سلم وموادعة لأهل طبرستان على اغترار من الديلم بما يلتمس بدخوله إليهم بغارة، فسبى منهم وقتل، ثم انكفأ راجعا إلى طبرستان، فكان ذلك مما زاد أهل طبرستان عليه حنقا وغيظا، فلما صار رسول محمد بن عبد الله- وهو جابر بن هارون النصراني- إلى طبرستان لحيازة ما أقطعه هنالك محمد، عمد- فيما قيل لي- جابر بن هارون إلى ما أقطع محمد بن عبد الله من صوافي السلطان فحازه، وحاز ما اتصل به من موات الأرض التي يرتفق بها أهل تلك الناحية- فيما ذكر- فكان فيما رام حيازته من ذلك الموات الذى بقرب من الثغرين اللذين يسمى أحدهما كلار والآخر سالوس، وكان في تلك الناحية يومئذ رجلان معروفان بالبأس والشجاعة، وكانا مذكورين قديما بضبط تلك الناحية ممن رامها من الديلم، وبإطعام الناس بها وبالإفضال عن من ضوى إليهما، يقال لأحدهما محمد وللآخر جعفر، وهما ابنا رستم أخوان، فأنكرا ما فعل جابر بن هارون من حيازته الموات الذي وصفت أمره، ومانعاه ذلك وكان ابنا رستم في تلك الناحية مطاعين فاستنهضا من أطاعهما ممن في ناحيتهما لمنع جابر بن هارون من حيازة ما رام حيازته من الموات الذي هو مرفق لأهل تلك الناحية- فيما ذكر- وغير داخل فيما أقطعه صاحبه محمد بن عبد الله، فنهضوا معهما، وهرب جابر بن هارون خوفا على نفسه منهما وممن قد نهض معهما، لإنكار ما رام جابر النصراني فعله فلحق بسليمان بن عبد الله ابن طاهر، وأيقن محمد وجعفر ابنا رستم ومن نهض معهما في منع جابر عما حاول من حيازة ما حاول حيازته من الموات الذي ذكرت بالشر، وذلك أن عامل طبرستان كلها سليمان بن عبد الله، وهو أخو محمد بن عبد الله بن طاهر وعم محمد ابن طاهر بن عبد الله عامل المستعين على خراسان وطبرستان والري والمشرق كله يومئذ فلما ايقن القوم بذلك، راسلوا جيرانهم من الديلم، وذكروهم وفاءهم لهم بالعهد الذي بينهم وبينهم، وما ركبهم به محمد بن أوس من الغدر والقتل والسبي، وأنهم لا يأمنون من ركوبه إياهم بمثل الذي ركبهم به، ويسألونهم مظاهرتهم عليه وعلى من معه، فأعلمهم الديلم أن ما يلي أرضهم من جميع نواحيها من الأرضين والبلاد، إنما عمالها إما عمال لطاهر، واما عمال من يتخذ آل طاهر إن احتاجوا إلى إنجادهم، وإن ما سألوا من معاونتهم لا سبيل لهم إليه إلا بزوال الخوف عنهم من أن يؤتوا من قبل ظهورهم إذا هم اشتغلوا بحرب من بين أيديهم من عمال سليمان بن عبد الله، فأعلمهم الذين سألوهم المظاهرة على حرب سليمان وعماله أنهم لا يغفلون عن كفايتهم ذلك، حتى يأمنوا مما خافوا منه فأجابهم الديلم إلى ما سألوهم من ذلك، وتعاقدوا هم وأهل كلار وسالوس على معاونه بعضهم بعضا على حرب سليمان ابن عبد الله وابن أوس وغيرهم ممن قصدهم بحرب.
ثم أرسل ابنا رستم محمد وجعفر- فيما ذكر- إلى رجل من الطالبيين المقيمين كانوا يومئذ بطبرستان، يقال له محمد بن إبراهيم، يدعونه إلى البيعة له، فأبى وامتنع عليهم، وقال لهم: لكني أدلكم على رجل منا هو أقوم بما دعوتموه إليه مني، فقالوا: من هو؟ فأخبرهم أنه الحسن بن زيد، ودلهم على منزله ومسكنه بالري فوجه القوم إلى الري عن رسالة محمد بن إبراهيم العلوي إليه من يدعوه إلى الشخوص معه إلى طبرستان، فشخص معه إليها، فوافاهم الحسن بن زيد، وقد صارت كلمة الديلم وأهل كلار وسالوس ورويان على بيعته وقتال سليمان بن عبد الله واحدة، فلما وافاهم الحسن بن زيد بايع له ابنا رستم، وجماعة أهل الثغور ورؤساء الديلم: كجايا ولاشام ووهسودان بن جستان، ومن أهل رويان عبد الله بن ونداميد- وكان عندهم من أهل التأله والتعبد- ثم ناهضوا من في تلك النواحي من عمال ابن أوس فطردوهم عنها، فلحقوا بابن أوس وسليمان بن عبد الله، وهما بمدينه ساريه، وانضم الى الحسن ابن زيد مع من بايعه من أهل النواحي التي ذكرت، لما بلغهم ظهوره بها حوزيه جبال طبرستان كما صمغان وفادسبان وليث بن قباذ، ومن أهل السفح خشكجستان بن ابراهيم بن الخليل بن وندا سفجان، خلا ما كان من سكان جبل فريم، فإن رئيسهم كان يومئذ والمتملك عليهم قارن بن شهريار، فإنه كان ممتنعا بجبله وأصحابه، فلم ينقد للحسن بن زيد ولا من معه حتى مات ميتة نفسه، مع موادعة كانت بينهما في بعض الاحوال، ومخاتنه ومصاهرة كفا من قارن بذلك من فعله عادية الحسن بن زيد ومن معه.
ثم زحف الحسن بن زيد وقواده من أهل النواحي التي ذكرت نحو مدينة آمل، وهي أول مدن طبرستان مما يلي كلار وسالوس من السفح- وأقبل ابن أوس من سارية إليها يريد دفعه عنها، فالتقى جيشاهما في بعض نواحي آمل، ونشبت الحرب بينهم وخالف الحسن بن زيد وجماعة ممن معه من أصحابه موضع معركة القوم إلى ناحية أخرى، فدخلوها فاتصل الخبر بدخوله مدينة آمل بابن أوس، وهو مشتغل بحرب من هو في وجهه من رجال الحسن بن زيد، فلم يكن له هم إلا النجاء بنفسه واللحاق بسليمان بسارية، فلما دخل الحسن بن زيد آمل كثف جيشه، وغلظ أمره، وانقض إليه كل طالب نهب ومريد فتنة من الصعاليك والحوزية وغيرهم، فأقام- فيما حدثت- الحسن بن زيد بآمل أياما، حتى جبى الخراج من أهلها، واستعد ثم نهض بمن معه نحو سارية مريدا سليمان بن عبد الله، فخرج سليمان وابن أوس بمن معهما من جيوشهما، فالتقى الفريقان خارج مدينة سارية، ونشبت الحرب بينهم، فخالف الوجه الذي التقى فيه الجيشان بعض قواد الحسن بن زيد إلى وجه آخر من وجوه سارية، فدخلها برجاله وأصحابه، فانتهى الخبر إلى سليمان بن عبد الله ومن معه من الجند، فلم يكن لهم هم غير النجاة بأنفسهم.
ولقد حدثني جماعة من أهل تلك الناحية وغيرها، أن سليمان بن عبد الله هرب وترك أهله وعياله وثقله وكل ما كان له بسارية من مال وأثاث وغير ذلك بغير مانع ولا دافع، فلم يكن له ناهية دون جرجان وغلب على ما كان له ولغيره بها من جنده الحسن بن زيد وأصحابه فأما عيال سليمان وأهله وأثاثه فإنه بلغني أن الحسن بن زيد أمر لهم بمركب حملهم فيه حتى ألحقهم بسليمان وهو بجرجان، وأما ما كان لأصحابه فإن من كان مع الحسن بن زيد من التبع انتهبه، فاجتمع للحسن بن زيد بلحاق سليمان بن عبد الله بجرجان إمرة طبرستان كلها.
فلما اجتمعت للحسن بن زيد طبرستان، وأخرج عنها سليمان ابن عبد الله وأصحابه وجه إلى الري خيلا مع رجل من أهل بيته، يقال له الحسن بن زيد، فصار إليها، فطرد عنها عاملها من قبل الطاهرية، فلما دخل الموجه به من قبل الطالبيين الري هرب منها عاملها، فاستخلف بها رجلا من الطالبيين يقال له محمد بن جعفر، وانصرف عنها، فاجتمعت للحسن بن زيد مع طبرستان الري إلى حد همذان، وورد الخبر بذلك على المستعين، ومدبر أمره يومئذ وصيف التركي، وكاتبه أحمد بن صالح بن شيرزاد، وإليه خاتم المستعين ووزارته فوجه إسماعيل بن فراشة في جمع الى همذان، وامره بالمقام بها وضبطها الى أن يتجاوز إليها خيل الحسن بن زيد، وذلك أن ما وراء عمل همذان كان إلى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، وبه عماله، وعليه صلاحه.
فلما استقر بمحمد بن جعفر الطالبي القرار بالري ظهرت منه- فيما ذكر- أمور كرهها أهل الري، فوجه محمد بن طاهر بن عبد الله قائدا له من قبله، يقال له محمد بن ميكال- وهو أخو الشاه بن ميكال- في جمع من الخيل والرجالة إلى الري، فالتقى هو ومحمد بن جعفر الطالبي، خارج الري، فذكر أن محمد بن ميكال أسر محمد بن جعفر الطالبي، وفض جيشه، ودخل الري، فأقام بها، ودعا بها للسلطان، فلم يتطاول بها مكثه حتى وجه الحسن بن زيد إليه خيلا، عليها قائد له من اهل اللازر، يقال له واجن فلما صار واجن إلى الري خرج إليه محمد بن ميكال، فاقتتلا، فهزم واجن وأصحابه محمد بن ميكال وجيشه، والتجأ محمد بن ميكال إلى مدينة الري معتصما بها، فاتبعه واجن وأصحابه حتى قتلوه، وصارت الري إلى أصحاب الحسن بن زيد فلما كان يوم عرفة من هذه السنة بعد مقتل محمد بن ميكال، ظهر بالري أحمد بن عيسى بن علي بن حسين الصغير بْن علي بْن حسين بْن علي بْن أبي طالب رضي الله عنه وإدريس بن موسى بْن عبد الله بْن موسى بْن عبد الله ابن حسن بْن حسن بْن علي بْن أبي طالب، فصلى أحمد بن عيسى بأهل الري صلاة العيد، ودعا للرضا من آل محمد، فحاربه محمد بن علي بن طاهر، فهزمه احمد بن عيسى، فصار الى قزوين.

[أخبار متفرقة]
وفي هذه السنة غضب على جعفر بن عبد الواحد، لأنه كان بعث إلى الشاكرية، فزعم وصيف أنه أفسدهم، فنفي إلى البصرة لسبع بقين من شهر ربيع الأول.
وفيها أسقطت مرتبة من كانت له مرتبة في دار العامة من بني أمية، كابن أبي الشوارب والعثمانيين.
وأخرج في هذه السنة من الحبس الحسن بن الأفشين.
وأجلس فيها العباس بن أحمد بن محمد، فعقد لجعفر بن الفضل بن عيسى ابن موسى المعروف ببشاشات على مكة في جمادى الأولى.
وفيها وثب أهل حمص وقوم من كلب- عليهم رجل يقال له عطيف ابن نعمة الكلبي- بالفضل بن قارن أخي مازيار بن قارن، وهو يومئذ عامل السلطان على حمص، فقتلوه في رجب، فوجه المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير، فشخص موسى من سامرا يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فلما قرب موسى تلقاه أهلها فيما بينها وبين الرستن، فحاربهم فهزمهم، وافتتح حمص وقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وأحرقها وأسر جماعة من رؤساء أهلها، وكان عطيف قد لحق بالبدو.
وفيها مات جعفر بن أحمد بن عمار القاضي يوم الأحد لسبع بقين من شهر رمضان.
وفيها مات أحمد بن عبد الكريم الجواري والتيمي قاضي البصرة.
وفيها ولي أحمد بن الوزير قضاء سامرا وفيها وثبت الشاكرية والجند بفارس بعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، فانتهبوا منزله، وقتلوا محمد بن الحسن بن قارن، وهرب عبد الله بن إسحاق.
وفيها وجه محمد بن طاهر من خراسان بفيلين كان وجه بهما إليه من كابل وأصنام وفوائح.
وغزا الصائفة فيها بلكاجور.
وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن الفضل بشاشات وهو والي مكة.