108 هـ
726 م
سنة ثمان ومائة (ذكر ما كان فيها من الأحداث)

ففيها كانت غزوة مسلمة بْن عبد الملك حتى بلغ قيسارية، مدينة الروم مما يلي الجزيرة، ففتحها الله على يديه وفيها وجه بكير بن ماهان الى …

خراسان عدة، فيهم عمار العبادي، فوشى بهم رجل إلى أسد بْن عبد الله، فأخذ عمارا فقطع يديه ورجليه ونجا أصحابه، فقدموا على بكير بْن ماهان فأخبروه الخبر، فكتب بذلك إلى محمد بْن علي، فكتب إليه في جواب الكتاب: الحمد لله الذي صدق دعوتكم ونجى شيعتكم.
وفيها كان الحريق بدابق، فذكر مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نافع حدثه عن أبيه، قَالَ: احترق المرعى حتى احترق الدواب والرجال.

غزو الختل
وفيها غزا أسد بْن عبد الله الختل، فذكر عن علي بْن محمد أن خاقان أتى أسدا وقد انصرف إلى القواديان، وقطع النهر، ولم يكن بينهم قتال في تلك الغزاة وذكر عن أبي عبيدة، أنه قَالَ: بل هزموا أسدا وفضحوه، فتغنى عليه الصبيان:

از ختلان آمذى *** برو تباه آمذي

قَالَ: وكان السبل محاربا له، فاستجلب خاقان، وكان أسد قد أظهر أنه يشتو بسرخ دره، فأمر أسد الناس فارتحلوا، ووجه راياته، وسار في ليلة مظلمة إلى سرخ دره، فكبر الناس، فقال أسد: ما للناس؟ قالوا: هذه علامتهم إذا ففلوا، فقال لعروة المنادي: ناد أن الأمير يريد غورين، ومضى وأقبل خاقان حين انصرفوا إلى غورين النهر فقطع النهر، فلم يلتق هو ولا هم، ورجع إلى بلخ، فقال الشاعر في ذلك يمدح اسد بن عبد الله:

ندبت لي من كل خمس ألفين *** من كل لحاف عريض الدفين

قال: ومضى المسلمون إلى الغوريان فقاتلوهم يوما، وصبروا لهم، وبرز رجل من المشركين، فوقف أمام أصحابه وركز رمحه، وقد أعلم بعصابة خضراء- وسلم بْن أحوز واقف مع نصر بن سيار- فقال سلم لنصر: قد عرفت رأي أسد، وأنا حامل على هذا العلج، فلعلي أن أقتله فيرضى.
فقال: شأنك، فحمل عليه، فما اختلج رمحه حتى غشيه سلم فطعنه فإذا هو بين يدي فرسه، ففحص برجله، فرجع سلم فوقف، فقال لنصر: أنا حامل حمله أخرى، فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدو، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، فرجع سلم جريحا، فقال نصر لسلم: قف لي حتى أحمل عليهم، فحمل حتى خالط العدو، فصرع رجلين ورجع جريحا، فوقف فقال: أترى ما صنعنا يرضيه؟ لا أرضاه الله! فقال: لا والله فيما أظن وأتاهما رسول أسد فقال: يقول لكما الأمير: قد رأيت موقفكما منذ اليوم وقلة غنائكما عن المسلمين، لعنكما الله! فقالا: آمين إن عدنا لمثل هذا وتحاجزوا يومئذ، ثم عادوا من الغد فلم يلبث المشركون أن انهزموا، وحوى المسلمون عسكرهم، وظهروا على البلاد فأسروا وسبوا وغنموا، وقال بعضهم رجع أسد في سنة ثمان ومائة مفلولا من الختل، فقال اهل خراسان:

از ختلان آمذى *** برو تباه آمذي

بيدل فراز آمذي
قال: وكان أصاب الجند في غزاة الختل جوع شديد، فبعث اسد بكبشين مع غلام له، وقال: لا تبعهما باقل من خمسمائة، فلما مضى الغلام، قَالَ أسد: لا يشتريهما إلا ابن الشخير، وكان في المسلحة، فدخل ابن الشخير حين أمسى، فوجد الشاتين في السوق، فاشتراهما بخمسمائة، فذبح إحداهما وبعث بالأخرى إلى بعض إخوانه، فلما رجع الغلام إلى أسد أخبره بالقصة، فبعث إليه أسد بألف درهم.
قَالَ: وابن الشخير هو عثمان بْن عبد الله بْن الشخير، أخو مطرف بْن عبد الله بْن الشخير الحرشي وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام وهو على المدينة ومكة والطائف.
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال محمد بن عمر الواقدي وكان العمال في هذه السنة على الأمصار في الصلاة والحروب والقضاء هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها، وقد ذكرناهم قبل.