238 هـ
852 م
سنة ثمان وثلاثين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

ذكر ظفر بغا بإسحاق بن اسماعيل وإحراقه مدينه تفليس، فمن ذلك ما كان من ظفر بغا بإسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية بتفليس وإحراقه مدينة تفليس …

ذكر الخبر عما كان من بغا في ذلك:
ذكر أن بغا لما صار إلى دبيل بسبب قتل القاتلين من اهل أرمينية يوسف ابن محمد، أقام بها شهرا، فلما كان يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وجه بغا زيرك التركي، فجاوز الكر- وهو نهر عظيم مثل الصراة ببغداد وأكبر، وهو ما بين المدينة وتفليس في الجانب الغربي وصغدبيل في الجانب الشرقي- وكان معسكر بغا في الشرقي، فجاوز زيرك الكر إلى ميدان تفليس، ولتفليس خمسة أبواب: باب الميدان، وباب قريس، وباب الصغير، وباب الربض، وباب صغدبيل- والكر نهر ينحدر مع المدينة- ووجه بغا أيضا أبا العباس الواثي النصراني إلى أهل أرمينية عربها وعجمها، فأتاهم زيرك مما يلي الميدان وأبو العباس مما يلي باب الربض، فخرج إسحاق بن إسماعيل إلى زيرك، فناوشه القتال، ووقف بغا على تل مطل على المدينة مما يلي صغدبيل، لينظر ما يصنع زيرك وأبو العباس، فبعث بغا النفاطين فضربوا المدينة بالنار، وهي من خشب الصنوبر، فهاجت الريح في الصنوبر، فأقبل إسحاق بن إسماعيل إلى المدينة لينظر، فإذا النار قد أخذت في قصره وجواريه، وأحاطت به النار، ثم أتاه الأتراك والمغاربة فأخذوه أسيرا، وأخذوا ابنه عمرا، فأتوا بهما بغا، فأمر بغا به، فرد إلى باب الحسك، فضربت عنقه هناك صبرا، وحمل رأسه إلى بغا، وصلبت جيفته على الكر، وكان شيخا محدودا ضخم الرأس، يخضب بالوسمة، آدم أصلع أحول، فنصب رأسه على باب الحسك.
وكان الذي تولى قتله غامش خليفة بغا، واحترق في المدينة نحو من خمسين الف انسان، واطفئت النار في يوم وليلة، لأنها نار الصنوبر، لا بقاء لها، وصبحهم المغاربة، فأسروا من كان حيا، وسلبوا الموتى.
وكانت امرأة إسحاق نازلة بصغدبيل، وهي حذاء تفليس في الجانب الشرقي، وهي مدينة بناها كسرى أنوشروان، وكان إسحاق قد حصنها وحفر خندقها، وجعل فيها مقاتلة من الخويثية وغيرهم وأعطاهم بغا الأمان على ان يضعوا أسلحتهم، ويذهبوا حيث شاء وكانت امرأة إسحاق ابنة صاحب السرير.
ثم وجه بغا- فيما ذكر- زيرك إلى قلعة الجردمان- وهي بين برذعة وتفليس- في جماعة من جنده، ففتح زيرك الجردمان، وأخذ بطريقها القطريج أسيرا، فحمله إلى العسكر ثم نهض بغا إلى عيسى بن يوسف ابن أخت اصطفانوس، وهو في قلعة كثيش من كورة البيلقان، وبينها وبين البيلقان عشرة فراسخ، وبينها وبين برذعة خمسة عشر فرسخا، فحاربه، ففتحها، وأخذه وحمله وحمل ابنه معه وأباه، وحمل أبا العباس الواثي- واسمه سنباط بن أشوط- وحمل معه معاوية بن سهل بن سنباط بطريق اران، وحمل آذر نرسى بن إسحاق الخاشنى.

ذكر مقدم الروم بمراكبهم الى دمياط
وفي هذه السنه جاءت للروم ثلاثمائة مركب مع عرفا وابن قطونا وامردناقه- وهم كانوا الرؤساء في البحر- مع كل واحد منهم مائة مركب، فأناخ ابن قطونا بدمياط، وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون فيها الماء إلى صدر الرجل، فمن جازها إلى الأرض أمن من مراكب البحر، فجازها قوم فسلموا، وغرق قوم كثير من نساء وصبيان، واحتمل من كانت له قوة في السفن، فنجوا إلى ناحية الفسطاط، وبينها وبين الفسطاط مسيرة أربعة أيام وكان والي معونة مصر عنبسة بن إسحاق الضبي، فلما قرب العيد، أمر الجند الذين بدمياط أن يحضروا الفسطاط لتحمل لهم في العيد، وأخلى دمياط من الجند، فانتهى مراكب الروم من ناحية شطا التي يعمل فيها الشطوي، فأناخ بها مائة مركب من الشلنديه، تحمل كل مركب ما بين الخمسين رجلا إلى المائه، فخرجوا اليه وأحرقوا ما وصلوا إليه من دورها وأخصاصها، واحتملوا سلاحا كان فيها أرادوا حمله إلى أبي حفص صاحب إقريطش نحوا من ألف قناة وآلتها، وقتلوا من أمكنهم قتله من الرجال، وأخذوا من الأمتعة والقند والكتان ما كان عبئ ليحمل إلى العراق، وسبوا من المسلمات والقبطيات نحوا من ستمائه امرأة، ويقال إن المسلمات منهن مائة وخمس وعشرون امرأة والباقي من نساء القبط.
ويقال إن الروم الذين كانوا في الشلنديات التي أناخت بدمياط كانوا نحوا من خمسة آلاف رجل، فأوقروا سفنهم من المتاع والأموال والنساء، وأحرقوا خزانة القلوع وهي شرع السفن، وأحرقوا مسجد الجامع بدمياط، وأحرقوا كنائس، وكان من حزر منهم ممن غرق في بحيرة دمياط من النساء والصبيان أكثر ممن سباه الروم ثم رحل الروم عنها.
وذكر أن ابن الأكشف كان محبوسا في سجن دمياط، حبسه عنبسة، فكسر قيده وخرج، فقاتلهم، وأعانه قوم، فقتل من الروم جماعة، ثم صاروا إلى أشتوم تنيس، فلم يحمل الماء سفنهم إليها، فخشوا أن توحل، فلما لم يحملهم الماء صاروا إلى أشتومها- وهي مرسى بينه وبين تنيس أربعة فراسخ وأقل، وله سور وباب حديد كان المعتصم أمر بعمله- فخربوا عامته، وأحرقوا ما فيه من المجانيق والعرادات، وأخذوا بابيه الحديد، فحملوها، ثم توجهوا إلى بلادهم، لم يعرض لهم أحد.
وخرج المتوكل في هذه السنة يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى الآخرة من سامرا يريد المدائن، فصار إلى الشماسية يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة، فأقام هنالك إلى يوم السبت، وعبر بالعشي إلى قطربل، ثم رجع ودخل بغداد يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت منه فمضى في سوقها وشارعها حتى نزل الزعفرانية، ثم صار إلى المدائن.
وغزا الصائفة فيها علي بن يحيى الأرمني وحج بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر.