180 هـ
796 م
سنة ثمانين ومائة

أقام الحج موسى بن عيسى،  وفيها قدم أمير المؤمنين هارون مكة القدمة الثانية، فدخل البصرة يوم الاثنين لعشر خلون من المحرم، …

وفي ذلك اليوم مات أبو عبيدة عبد الوارث بن سعيد.
وفيها مات ابن أبي الزناد، والمنكدر بن محمد بن المنكدر، وابن أبي حازم، وسلمة بن صالح، وسليم بن أخضر.
وفيها قتل يزيد بن مزيد الوليد بن طريف الشاري بأرض الجزيرة، وكان خرج الوليد بن طريف أحد بني حيي بن عمرو ويقال لهم: أضراس الكلاب من بني تغلب، فخرج في شاطئ الفرات في ثلاثين، وأقبل إلى رأس العين، فلقي رجلا من أهل البصرة يقال له: عمرو بن منصور من التجار ومعه رجل نصراني يقال: له نسطاس، فلقيهما قريبا من رأس العين فقتل عمرو بن منصور وأخذ ماله وخلى عن النصراني، ثم أتى رأس العين فحرق ولم يدخل الحائط، ثم أتى باعربايا من نصيبين، فلقي بزارا رجلا من بني تغلب عند تل أبي الجوزاء، فانهزم بزار وقتل رجالا من أصحابه، وأتى بزار نصيبين، ثم أتى الوليد دارا فباعها بعشرين ألفا، وأتى آمدا فباعها من عصمة بن عصام وأهل بيته بعشرين ألفا، ثم أتى ميافارقين ففدوها بعشرين ألفا، ثم عبر سربط واديا يجئ من أرمينية فعبره إلى أرزن، فأقام بها ففدوها بعشرين ألفا، وقتل رجلا من وجوه أهلها من بني شيبان يقال له: مرة، ثم أتى خلاط، فحاصرهم عشرين يوما ففدوا أنفسهم بثلاثين ألفا، ثم أخذ إلى أذربيجان، ثم أتى حلوان فلقي بها الخرشي يحيى، فهزمه وقتل أصحابه، ثم أتى جولايا ثم أتى السودقانية فعبر إلى غربي دجلة فأتى بلد ففدوها بمائة ألف، ثم أتى نصيبين وبها ابراهيم بن خازم وبزار في بني تغلب، فأقبل الوليد فوقف على التل حيال باب الروم، فدخل في ثلمة من حائط المدينة أغفلوها فخرج ابراهيم بن خازم وبزار من باب الروم، فأتبعهم الوليد، فلحق ابراهيم يوم الاربعاء في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائة، فقتل ابراهيم قتله رجل أسود يقال له: أبو الحواري فغسلوا رأسه ولحيته ونصبوه على رمح يومين ثم بعثوا به إلى البرية وارتجز الأعراب:.

إن عديا عبدها أخزاها *** قد سفك الله به دماها

وخرب العامر من قراها وأباح الوليد نصيبين خمسة أيام، فقتل بها خمسة آلاف، وأصاب متاعا كثيرا ودواب، وأخذ المعافي بن صفوان وكان صديقا لبزار فقتله، فأتاه جعفر بن عبد الله بن عبد الله بن هاشم التغلبي فاشترى منه المدينة بخمسين ألفا، ثم توجه إليه يزيد بن مزيد فقتله بالبرية، وقال رجل من أصحاب يزيد بن مزيد:

بلينا حفاظا والمنايا مطلة *** حذار المخاري والوليد مخوف
ستعلم يا خاقان إن عاد موقف *** وحانت زحوف خلفهن زحوف
من المصطلي حر السيوف إذا بدت *** كواكب يوم شمسهن كسوف

وقال يزيد بن مزيد:

تجهز يا وليد فقد أتينا *** سراعا للقاء وللجلاد
فلست لمزيد إن لم ترونا *** نجالدكم كانا جن وادي

فقال الوليد:

استعلم يا يزيد إذا التقينا *** بشط الزاب أي فتى تلاقي 

وقال ابن النطاح:

وائل بعضها يقتل بعضا *** لا يفل الحديد إلا الحديد

وقالت أخت الوليد ترثيه

فيا شجر الخابور مالك مورقا *** كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يريد الزاد إلامن التقى *** ولا المال إلا من قنا وسيوف
فقدناه فقدان الربيع فليتنا *** فديناه من ساداتنا بألوف .

وخرج باسير رجل من بني تميم فمكث شهرين فقتله أبو هريرة، وخرج صحصح الشيباني فقتله بزار وداود بن اسماعيل، وخرج الفضيل بن أبي سعيد من راذان وكان يتولى بني شيبان، فخرج في عشرين فارسا فأتى بلد فصالحوه على مائة ألف ولم يقتل أحدا، ثم أتى با نعمان دون نصيبين بخمسة فراسخ، فقتل بها اثني عشر رجلا من تغلب، ثم أتى نصيبين وهو في خمسة مائة، فوقف بالباب ودخل أصحابه فأخرجوا إليه الناس من باب الروم، فقال: بيعوهم وأعطاهم بهم درهمين فلم يرد عليه أحد، فرمى إليهم بدرهمين ود رهم إلى المدينة، ثم أتى دارا فصالحهم على خمسة آلاف، ثم أتى آمد فصالحهم على عشرين ألفا، وعبر إلى ميافارقين فصالحهم على عشرة آلاف ثم أتى أرزن فأقام عشرين ليلة فصالحهم على عشرين ألفا، ثم أتى خلاط فأقام بها أياما، ثم رجع إلى نصيبين في مائتين، فوجه إليه معمر بن عيسى العبدي أحد بني غنم في اثني عشر ألفا، فأتى الفضيل الموصل، ثم أتى الزاب فلحقه معمر بالزاب فانهزم معمر، ثم تراجع الناس فعقر بالفضيل وأصحابه فقتلوا.

قال أبو الحسن عن علي بن سليم: خرج جراشة بن شيبان سنة تسع وسبعين ومائة، فأتى السواد ثم البند نجين فقتل بها عمر بن عمران بن جميل الفزاري، ثم مضى إلى الدينور فلقيه الليث، فهزمه جراشة وقتل من أصحابه بضعة وثلاثين رجلا، ورجع جراشة إلى حلوان، فكتب ليث إلى مالك بن علي الخزاعي وهو على حلوان وماه: أن جراشة قد توجه إليك وهو مهزوم مفلول في نفر يسير، فنادى في الناس ليخرجوا فقال له كاتبه: أنشدك الله في نفسك، ما تريد من رجل لم يأتك ؟ قال: اسكت إني لأرجو أن آخذه أسيرا، فخرج وخرج معه قوم من العرب أتوه زوارا فخرج قبل الفطر بيوم وذلك سنة ثمانين ومائة، فعارضه فلقيه في موضع يقال له: قنداب على ستة فراسخ من حلوان، فقتل من الخوارج خمسة وأربعون رجلا، وطعن رجل من الخوارج مالكا في فيه وسقط ونادى أصحابه: قتل الأمير، وانهزموا فتبعوهم فقتلوهم، فقتل من أصحاب مالك مائة رجل وخمسون رجلا.

ثم أتى جراشة شهرزور، فاجتمع التجار وخندقوا على أنفسهم، فحصرهم ثمانية عشر يوما، فصالحه يحيى بن النضر من ماله على أن يدخل القرية رجلان فيحكمان فيها ثم يخرجان ففعل، ثم خرج فأتى سنداباذ، وسرح إلى نهاوند وهمذان من يجبيهما، ووجه الفضل بن يحيى ابراهيم بن جبريل في ألفين، وعقد له يوم الفطر فسار حتى أتى ماه، ثم خرج يريد جراشة، فلقيه جراشة في ثمانين ومائة رجل، ومعه أبو ثور رجل من أهل أرمينية، فاقتتلوا قتالا شديدا، وحمل رجل من الصغد على جراشة فطعنه فرمى به على عنق فرسه، وأحاطت به الرماح ورماه رجل فأصاب جبهة فرسه، فشب به فرسه فعاد في السرج، واحتمله الفرس واتبعه أصحابه، فقتلنا منهم خمسين ومائة رجل، وقتل أبو ثور، واتبعهم ابراهيم بن جبريل فسبقه جراشة إلى قصر اللصوص على ثمانية فراسخ من الموضع الذي لقيه فيه ثم أخذ إلى قرماسين، ثم عدل إلى مروج أمير المؤمنين، فأخذ دواب وأخذ طريق شهرزور، وأخذ أبو بهجة رجل من أصحاب جراشة إلى ماه وأتى جراشة شهرزور في ستين رجلا سار إليها ثلاثة أيام تسعين فرسخا، فبات عند يحيى بن النصر ليلة، ثم عبر دجلة، فأتى ابراهيم بن جبريل شهرزور، فأقام أربعة أيام وقد هلكت دوابه، ثم أتبع جراشة وقد أتى الأنبار فأقام ثمانية عشر يوما ثم أخذ إلى القادسية، وسار ابراهيم وأتاه المدد، وأقبل خالد بن يزيد بن حاتم في ألفين، فنزل العذيب، وخرج جراشة فأخذ طريق البصرة واتبعه ابراهيم فرجع جراشة إلى وادي السباع.

ثم أخذ على العذيب وأخذ في البرية، ورجع ابراهيم يتبع جراشة فنزل القطقطانة، ثم أتى قصر أبي مقاتل، ثم أتى عين التمر، فقيل له: مر اليوم يريد هيت.
فنزل وادي البردان، فقيل له: مضى بين أيديكم، فاتبعه ابراهيم إلى ثميل وعليه أناس من بكر بن وائل بعد عتمة، فقالوا: أتانا صلاة العصر فقتل خمسة نفر وحبس الناس، فلما اعتم خرج لا ندري أين توجه، فأخذ ابراهيم الأدلاء فسرحهم فقال: ائتوني بخبره، فأتوه نصف الليل فأخبروه أنه قد رجع إلى وادي البردان، فرجع ابراهيم إلى وادي البردان وسرح الأدلاء فقالوا: أخذ نحو الجنيبة، فبلغه أن الخيل على الفرات فرجع إلى ثميل، فاتبعه ابراهيم إلى ثميل، ثم سار حتى نزل على فرسخين من ثميل بموضع يقال له: الرمانتان، ثم مضى يريد هيت، واتبعه ابراهيم في ليلة ظلماء فأضل الدليل الطريق فأصبح بينه وبين هيت ثمانية عشر فرسخا، ونزل جراشة عين أقعد، فسرح إلى هيت رجلا يعلم هل هناك خيل فلقي مسلم بن بكار بن مسلم رسول جراشة فأنكره، فأخذه فقال: أدلك على جراشة، فسار إليه مسلم ومعه عبيد بن يقطين، فأتوا جراشة
و هو نائم فقتلوه وقتلوا ثلاثة عشر رجلا من أصحابه، وبلغ ابراهيم قتله فرجع إلى هيت.