3 محرم 203 هـ
15 تموز 818 م
سنة ثلاث ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

موت على بن موسى الرضى، ذكر أن مما كان فيها موت علي بْن موسى بْن جعفر ذكر الخبر عن سبب وفاته: ذكر أن المأمون شخص من …

سرخس حتى صار إلى طوس، فلما صار بها أقام بها عند قبر أبيه أياما ثم أن علي بْن موسى أكل عنبا فأكثر منه، فمات فجأة، وذلك في آخر صفر، فامر به المأمون فدفن عند قبر الرشيد، وكتب في شهر ربيع الأول إلى الحسن بْن سهل يعلمه أن علي بْن موسى بْن جعفر مات، ويعلمه ما دخل عليه من الغم والمصيبة بموته، وكتب إلى بني العباس والموالي وأهل بغداد يعلمهم موت علي بْن موسى، وأنهم إنما نقموا بيعته له من بعده، ويسألهم الدخول في طاعته فكتبوا إليه وإلى الحسن جواب الكتاب بأغلظ ما يكتب به إلى أحد وكان الذي صلى على علي بْن موسى المأمون.
ورحل المأمون في هذه السنة من طوس يريد بغداد، فلما صار إلى الري أسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم.
وفي هذه السنة غلبت السوداء على الحسن بْن سهل، فذكر سبب ذلك أنه كان مرض مرضا شديدا، فهاج به من مرضه تغير عقله، حتى شد في الحديد وحبس في بيت وكتب بذلك قواد الحسن إلى المأمون، فأتاهم جواب الكتاب أن يكون على عسكره دينار بْن عبد الله، ويعلمهم أنه قادم على اثر كتابه

خبر حبس إبراهيم بْن المهدي عيسى بْن محمد بْن ابى خالد
وفي هذه السنة ضرب إبراهيم بْن المهدي عيسى بْن محمد بْن أبي خالد وحبسه.

ذكر الخبر عن سبب ذلك:
ذكر أن عيسى بْن محمد بْن أبي خالد كان يكاتب حميدا والحسن، وكان الرسول بينهم محمد بْن محمد المعبدي الهاشمي، وكان يظهر لإبراهيم الطاعة والنصيحة، ولم يكن يقاتل حميدا ولا يعرض له في شيء من عمله، وكان كلما قَالَ إبراهيم: تهيأ للخروج لقتال حميد، يعتل عليه بأن الجند يريدون أرزاقهم، ومرة يقول: حتى تدرك الغلة، فما زال بذلك حتى إذا توثق مما يريد مما بينه وبين الحسن وحميد فارقهم، على أن يدفع إليهم إبراهيم بْن المهدي يوم الجمعة لانسلاخ شوال وبلغ الخبر إبراهيم، فلما كان يوم الخميس، جاء عيسى إلى باب الجسر، فقال للناس: إني قد سالمت حميدا، وضمنت له الا ادخل عمله، وضمن لي الا يدخل عملي ثم أمر أن يحفر خندق بباب الجسر وباب الشام، وبلغ إبراهيم ما قَالَ وما صنع، وقد كان عيسى سأل إبراهيم أن يصلي الجمعة بالمدينة، فأجابه إلى ذلك، فلما تكلم عيسى بما تكلم به، وبلغ إبراهيم الخبر وأنه يريد أخذه حذر.
وذكر أن هارون أخا عيسى أخبر إبراهيم بما يريد أن يصنع به عيسى، فلما أخبره، بعث إليه أن يأتيه حتى يناظره في بعض ما يريد، فاعتل عليه عيسى، فلم يزل إبراهيم يعيد إليه الرسل حتى أتاه إلى قصره بالرصافة، فلما دخل عليه حجب الناس، وخلا إبراهيم وعيسى، وجعل يعاتبه، وأخذ عيسى يعتذر إليه مما يعتبه به، وينكر بعض ما يقول، فلما قرره بأشياء أمر به فضرب.
ثم أنه حبسه وأخذ عدة من قواده فحبسهم، وبعث إلى منزله، فأخذ أم ولده وصبيانا له صغارا، فحبسهم، وذلك ليلة الخميس لليلة بقيت من شوال.
وطلب خليفة له يقال له العباس فاختفى فلما بلغ حبس عيسى أهل بيته وأصحابه، مشى بعضهم إلى بعض، وحرض أهل بيته وإخوته الناس على إبراهيم واجتمعوا، وكان رأسهم عباس خليفة عيسى، فشدوا على عامل إبراهيم على الجسر فطردوه، وعبر إلى إبراهيم فأخبره الخبر، وأمر بقطع الجسر فطردوا كل عامل كان لإبراهيم في الكرخ وغيره، وظهر الفساق والشطار، فقعدوا في المسالح وكتب عباس إلى حميد يسأله أن يقدم إليهم حتى يسلموا إليه بغداد، فلما كان يوم الجمعة صلوا في مسجد المدينة أربع ركعات، صلى بهم المؤذن بغير خطبه

ذكر خبر خلع اهل بغداد ابراهيم بن المهدى
وفي هذه السنة خلع أهل بغداد إبراهيم بْن المهدي، ودعوا للمأمون بالخلافة.

ذكر الخبر عن سبب ذلك:
قد ذكرنا قبل ما كان من إبراهيم وعيسى بْن محمد بْن أبي خالد وحبس إبراهيم إياه، واجتماع عباس خليفة عيسى وإخوة عيسى على إبراهيم، وكتابهم إلى حميد يسألونه المصير إليهم ليسلموا بغداد إليه، فذكر أن حميدا لما أتاه كتابهم، وفيه شرط منهم عليه أن يعطي جند أهل بغداد، كل رجل منهم خمسين درهما، فأجابهم الى ذلك، وجاء حتى نزل صرصر بطريق الكوفة يوم الأحد، وخرج إليه عباس وقواد اهل بغداد، فلقوه غداه الاثنين، فوعدهم ومناهم، وقبلوا ذلك منه، فوعدهم أن يضع لهم العطاء يوم السبت في الياسرية، على أن يصلوا الجمعة فيدعو للمأمون، ويخلعوا إبراهيم، فأجابوه إلى ذلك فلما بلغ ابراهيم الخبر اخرج عيسى واخوته من الحبس، وسأله أن يرجع إلى منزله، ويكفيه أمر هذا الجانب، فأبى ذلك عليه.
فلما كان يوم الجمعة بعث عباس إلى محمد بْن أبي رجاء الفقيه، فصلى بالناس الجمعة، ودعا للمأمون، فلما كان يوم السبت جاء حميد إلى الياسرية فعرض حميد جند أهل بغداد، وأعطاهم الخمسين التي وعدهم، فسألوه أن ينقصهم عشرة عشرة، فيعطيهم أربعين أربعين درهما لكل رجل منهم، لما كانوا تشاءموا به من علي بْن هشام حين أعطاهم الخمسين فغدر بهم، وقطع العطاء عنهم، فقال لهم حميد: لا بل أزيدكم وأعطيكم ستين درهما لكل رجل فلما بلغ ذلك إبراهيم دعا عيسى فسأله أن يقاتل حميدا، فأجابه إلى ذلك، فخلى سبيله، وأخذ منه كفلاء، فكلم عيسى الجند أن يعطيهم مثل ما أعطى حميد، فأبوا ذلك عليه، فلما كان يوم الاثنين عبر إليهم عيسى وإخوته وقواد أهل الجانب الشرقي، فعرضوا على أهل الجانب الغربي أن يزيدوهم على ما أعطى حميد، فشتموا عيسى وأصحابه، وقالوا: لا نريد إبراهيم.
فخرج عيسى وأصحابه حتى دخلوا المدينة، وأغلقوا الأبواب، وصعدوا السور، وقاتلوا الناس ساعة فلما كثر عليهم الناس انصرفوا راجعين، حتى أتوا باب خراسان، فركبوا في السفن، ورجع عيسى كأنه يريد أن يقاتلهم، ثم احتال حتى صار في أيديهم شبه الأسير، فأخذه بعض قواده فأتي به منزله، ورجع الباقون إلى إبراهيم فأخبروه الخبر، فاغتم لذلك غما شديدا، وقد كان المطلب ابن عبد الله بْن مالك اختفى من إبراهيم، فلما قدم حميد أراد العبور إليه فأخذه المعبر، فذهب إلى إبراهيم فحبسه عنده ثلاثة أيام أو أربعة، ثم أنه خلى عنه ليلة الاثنين لليلة خلت من ذي الحجه.

ذكر خبر اختفاء ابراهيم بن المهدى
وفي هذه السنة اختفى إبراهيم بْن المهدي، وتغيب بعد حرب بينه وبين حميد بْن عبد الحميد، وبعد أن أطلق سعد بْن سلامة من حبسه.

ذكر الخبر عن اختفائه والسبب في ذلك:
ذكر أن سهل بْن سلامة كان الناس يذكرون أنه مقتول، وهو عند إبراهيم محبوس، فلما صار حميد إلى بغداد ودخلها أخرجه ابراهيم وكان يدعو في مسجد الرصافة كما كان يدعو، فإذا كان الليل رده إلى حبسه، فمكث بذلك أياما، فأتاه أصحابه ليكونوا معه، فقال لهم: الزموا بيوتكم، فانى ارزا هذا- يعنى ابراهيم- فلما كان ليلة الاثنين لليلة خلت من ذي الحجة خلى سبيله، فذهب فاختفى، فلما رأى أصحاب إبراهيم وقواده أن حميدا قد نزل في ارحاء عبد الله بْن مالك، تحول عامتهم إليه، وأخذوا له المدائن، فلما رأى ذلك إبراهيم، أخرج جميع من عنده حتى يقاتلوا، فالتقوا على جسر نهر ديالي، فاقتتلوا، فهزمهم حميد، فقطعوا الجسر، فتبعهم أصحابه حتى أدخلوهم بيوت بغداد، وذلك يوم الخميس لانسلاخ ذي القعدة.
فلما كان يوم الأضحى أمر إبراهيم القاضي أن يصلي بالناس في عيساباذ، فصلى بهم فانصرف الناس، واختفى الفضل بْن الربيع، ثم تحول الى حميد، ثم تحول على بن ريطة إلى عسكر حميد، وجعل الهاشميون والقواد يلحقون بحميد واحدا بعد واحد، فلما رأى ذلك إبراهيم أسقط في يديه، فشق عليه.
وكان المطلب يكاتب حميدا على أن يأخذ له الجانب الشرقى، وكان سعيد ابن الساجور وأبو البط وعبدويه وعدة معهم من القواد يكاتبون علي بْن هشام، على أن يأخذوا له إبراهيم، فلما علم إبراهيم بأمرهم وما اجتمع عليه كل قوم من أصحابه، وأنهم قد أحدقوا به، جعل يداريهم، فلما جنه الليل اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، وبعث المطلب إلى حميد يعلمه أنه قد أحدق بدار إبراهيم هو وأصحابه، فإن كان يريده فليأته.
وكتب ابن الساجور وأصحابه إلى علي بْن هشام، فركب حميد من ساعته، وكان نازلا في ارحاء عبد الله، فأتى باب الجسر، وجاء علي بن هشام حتى نزل نهر بين، وتقدم الى مسجد كوثر، وخرج إليه ابن الساجور وأصحابه، وجاء المطلب إلى حميد، فلقوه بباب الجسر، فقربهم ووعدهم ونبأهم أن يعلم المأمون ما صنعوا، فأقبلوا إلى دار إبراهيم، وطلبوه فيها فلم يجدوه، فلم يزل إبراهيم متواريا حتى قدم المأمون وبعد ما قدم، حتى كان من أمره ما كان وقد كان سهل بْن سلامة حيث اختفى وتحول إلى منزله وظهر، وبعث إليه حميد، فقربه وأدناه، وحمله على بغل، ورده إلى أهله، فلم يزل مقيما حتى قدم المأمون، فأتاه فأجازه ووصله، وأمره أن يجلس في منزله.
وفي هذه السنة انكسفت الشمس يوم الأحد لليلتين بقيتا من ذي الحجة حتى ذهب ضوءها، وكان غاب أكثر من ثلثيها، وكان انكسافها ارتفاع النهار، فلم يزل كذلك حتى قرب الظهر ثم انجلت.
فكانت أيام إبراهيم بْن المهدي كلها سنة وأحد عشر شهرا واثني عشر يوما.
وغلب علي بْن هشام على شرقي بغداد وحميد بْن عبد الحميد على غربيها، وصار المأمون إلى همذان في آخر ذي الحجة وحج بالناس في هذه السنة سليمان بْن عبد الله بْن سليمان بن على.