103 هـ
722 م
سنة ثلاث ومائة (ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

عزل سعيد خذينه عن خراسان، فمما كان فيها من ذلك عزل عمر بن هبيرة سعيد خذينة عن خراسان، وكان سبب عزله عنها – فيما ذكر  …

علي بن مُحَمَّد عن أشياخه- أن المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله بن عمير الليثي قدما على عمر بن هبيرة، فشكواه فعزله، واستعمل سعيد بن عمرو بن الأسود بن مالك بن كعب بن وقدان بن الحريش بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة، وخذينة غاز بباب سمرقند، فبلغ الناس عزله، فقفل خذينة، وخلف بسمرقند ألف فارس، فقال نهار بن توسعة:

فمن ذا مبلغ فتيان قومي *** بأن النبل ريشت كل ريش
بأن الله أبدل من سعيد *** سعيدا لا المخنث من قريش

قال: ولم يعرض سعيد الحرشي لأحد من عمال خذينة، فقرأ رجل عهده فلحن فيه، فقال سعيد: صه، مهما سمعتم فهو من الكاتب، والأمير منه بريء، فقال الشاعر يضعف الحرشي في هذا الكلام:

تبدلنا سعيدا من سعيد *** لجد السوء والقدر المتاح

قال الطبري: وفي هذه السنة غزا العباس بن الوليد الروم ففتح مدينة يقال لها رسله.
وفيها اغارت الترك عن اللان وفيها ضمت مكة إلى عبد الرحمن بن الضحاك الفهري، فجمعت له مع المدينة.
وفيها ولي عبد الواحد بن عبد الله النضري، الطائف وعزل عبد العزيز بن عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد عن مكة.
وفيها أمر عبد الرحمن بن الضحاك أن يجمع بين أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم وعثمان بن حيان المري، وكان من أمره وأمرهما ما قد مضى ذكره قبل.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الضحاك بن قيس الفهري، كذلك قال أبو معشر والواقدي.
وكان عامل يزيد بن عاتكة في هذه السنة على مكة والمدينة عبد الرحمن بن الضحاك، وعلى الطائف عبد الواحد بن عبد الله النضري وعلى العراق وخراسان عمر بن هبيرة، وعلى خراسان سعيد بن عمرو الحرشي من قبل عمر بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة القاسم بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود، وعلى قضاء البصرة عبد الملك بن يعلى.

استعمال ابن هبيرة سعيدا الحرشي على خراسان
وفيها استعمل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي على خراسان.
ذكر الخبر عن سبب استعماله الحرشي على خراسان:
ذكر علي بن مُحَمَّد عن أصحابه أن ابن هبيرة لما ولي العراق، كتب إلى يزيد بن عبد الملك بأسماء من أبلى يوم العقر، ولم يذكر الحرشي، فقال يزيد بن عبد الملك: لم لم يذكر الحرشي: فكتب إلى ابن هبيرة: ول الحرشي خراسان فولاه، فقدم الحرشي على مقدمته المجشر بن مزاحم السلمي سنة ثلاث ومائة، ثم قدم الحرشي خراسان، والناس بإزاء العدو، وقد كانوا نكبوا، فخطبهم وحثهم على الجهاد، فقال: إنكم لا تقاتلون عدو الإسلام بكثرة ولا بعدة، ولكن بنصر الله وعز الإسلام، فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال:

فلست لعامر إن لم تروني *** أمام الخيل أطعن بالعوالي
فأضرب هامة الجبار منهم *** بعضب الحد حودث بالصقال
فما أنا في الحروب بمستكين *** ولا أخشى مصاولة الرجال
أبى لي والدي من كل ذم *** وخالي في الحوادث خير خال
إذا خطرت أمامي حي كعب *** وزافت كالجبال بنو هلال.

ارتحال اهل السغد عن بلادهم الى فرغانه
وفي هذه السنة ارتحل أهل السغد عن بلادهم عند مقدم سعيد بن عمرو الحرشي فلحقوا بفرغانة، فسألوا ملكها معونتهم على المسلمين.
ذكر الخبر عما كان منهم ومن صاحب فرغانة:
ذكر علي بن مُحَمَّد عن أصحابه، أن السغد كانوا قد أعانوا الترك أيام خذينة، فلما وليهم الحرشي خافوا على أنفسهم، فأجمع عظماؤهم على الخروج عن بلادهم، فقال لهم ملكهم: لا تفعلوا، أقيموا واحملوا إليه خراج ما مضى، واضمنوا له خراج ما تستقبلون، واضمنوا له عمارة أرضيكم والغزو معه إن أراد ذلك، واعتذروا مما كان منكم، وأعطوه رهائن يكونون في يديه.
قالوا: نخاف الا يرضى، ولا يقبل منا، ولكنا نأتي خجندة، فنستجير ملكها، ونرسل إلى الأمير فنسأله الصفح عما كان منا، ونوثق له الا يرى أمرا يكرهه، فقال: أنا رجل منكم، وما أشرت به عليكم كان خيرا لكم، فأبوا، فخرجوا إلى خجندة، وخرج كارزنج وكشين وبياركث وثابت بأهل إشتيخن، فأرسلوا إلى ملك فرغانة الطار يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته فهم أن يفعل، فقالت له أمه: لا تدخل هؤلاء الشياطين مدينتك، ولكن فرغ لهم رستاقا يكونون فيه، فأرسل إليهم: سموا لي رستاقا أفرغه لكم، وأجلوني أربعين يوما- ويقال: عشرين يوما- وإن شئتم فرغت لكم شعب عصام بن عبد الله الباهلي- وكان قتيبة خلفه فيهم- فقبلوا شعب عصام، فأرسلوا إليه: فرغه لنا، قال: نعم، وليس لكم علي عقد ولا جوار حتى تدخلوه، وإن أتتكم العرب قبل أن تدخلوه لم أمنعكم، فرضوا، ففرغ لهم الشعب.
وقد قيل: إن ابن هبيرة بعث إليهم قبل أن يخرجوا من بلادهم يسألهم أن يقيموا، ويستعمل عليهم من أحبوا، فأبوا وخرجوا إلى خجندة وشعب عصام من رستاق أسفرة- وأسفرة يومئذ ولي عهد ملك فرغانه بلاذا، وبيلاذا ابو جور ملكها.
وقيل: قال لهم كارزنج: أخيركم ثلاث خصال، إن تركتموها هلكتم:
إن سعيدا فارس العرب، وقد وجه على مقدمته عبد الرحمن بن عبد الله القشيري في حماة أصحابه، فبيتوه فاقتلوه، فان الحرشي إذ أتاه خبره لم يغزكم، فأبوا عليه، قال: فاقطعوا نهر الشاش، فسلوهم ماذا تريدون؟ فإن أجابوكم وإلا مضيتم إلى سوياب، قالوا: لا، قال: فأعطوهم.
قال: فارتحل كارزنج وجلنج بأهل قي، وأبار بن ماخنون وثابت بأهل إشتيخن، وارتحل اهل بياركث واهل سبسكث بألف رجل عليهم مناطق الذهب مع دهاقين بزماجن، فارتحل الديواشني بأهل بنجيكث إلى حصن ابغر، ولحق كارزنج واهل السغد بخجنده.