109 هـ
727 م
سنة تسع ومائة (ذكر الأحداث التي كانت فيها)

فِمِمَّا كَانَ فِيهَا من ذلك غزوة عبد الله بْن عقبة بْن نافع الفهري على جيش في البحر وغزوة معاوية بْن هشام أرض الروم ففتح حصنا بها يقال له طيبة …

وأصيب معه قوم من اهل أنطاكية

خبر مقتل عمر بن يزيد الأسيدي
وفيها قتل عمر بْن يزيد الأسيدي، قتله مالك بْن المنذر بْن الجارود
ذكر الخبر عن ذلك:
وكان سبب ذلك – فيما ذكر – أن خالد بْن عبد الله شهد عمر بْن يزيد أيام حرب يزيد بْن المهلب، فأعجب به يزيد بْن عبد الملك، وقال: هذا رجل العراق، فغاظ ذلك خالدا، فأمر مالك بْن المنذر وهو على شرطه البصرة أن يعظم عمر بْن يزيد، ولا يعصى له أمرا حتى يعرفه الناس، ثم أقبل يعتل عليه حتى يقتله، ففعل ذلك، فذكر يوما عبد الأعلى بْن عبد الله بْن عامر، فافترى عليه مالك، فقال له عمر بْن يزيد: تفتري على مثل عبد الأعلى! فأغلظ له مالك، فضربه بالسياط حتى قتله

غزو غورين
وفيها غزا أسد بْن عبد الله غورين، وقال ثابت قطنة:

أرى أسدا في الحرب إذ نزلت به *** وقارع أهل الحرب فاز وأوجبا
تناول أرض السبل، خاقان ردؤه *** فحرق ما استعصى عليه وخربا
أتتك وفود الترك ما بين كابل *** وغورين إذ لم يهربوا منك مهربا
فما يغمر الأعداء من ليث غابة *** أبي ضاريات حرشوه فعقبا
أزب كأن الورس فوق ذراعه *** كريه المحيا قد أسن وجربا
ألم يك في الحصن المبارك عصمة *** لجندك إذ هاب الجبان وأرهبا!
بنى لك عبد الله حصنا ورثته *** قديما إذا عد القديم وأنجبا.

وفي هذه السنة عزل هشام بْن عبد الملك خالد بْن عبد الله عن خراسان وصرف أخاه أسدا عنها

ذكر الخبر عن عزل هشام خالدا وأخاه عن خراسان
وكان سبب ذلك أن أسدا أخا خالد تعصب حتى أفسد الناس، فقال أبو البريد- فيما ذكر علي بْن محمد لبعض الأزد: ادخلنى على ابن عمك عبد الرحمن ابن صبح، وأوصه بي، وأخبره عني، فأدخله عليه- وهو عامل لأسد على بلخ- فقال: أصلح الله الأمير! هذا أبو البريد البكري أخونا وناصرنا، وهو شاعر أهل المشرق، وهو الذي يقول:

إن تنقض الأزد حلفا كان أكده *** في سالف الدهر عباد ومسعود
ومالك وسويد أكداه معا *** لما تجرد فيها أي تجريد
حتى تنادوا أتاك الله ضاحية *** وفي الجلود من الإيقاع تقصيد

قَالَ: فجذب أبو البريد يده، وقال: لعنك الله من شفيع كذب! أصلحك الله! ولكني الذي أقول:

الأزد إخوتنا وهم حلفاؤنا *** ما بيننا نكث ولا تبديل

قال: صدقت، وضحك وأبو البريد من بني علباء بن شيبان بن ذهل ابن ثعلبة.
قَالَ: وتعصب على نصر بْن سيار ونفر معه من مضر، فضربهم بالسياط، وخطب في يوم جمعه فقال في خطبته: قبح الله هذه الوجوه! وجوه أهل الشقاق والنفاق، والشغب والفساد اللهم فرق بيني وبينهم، وأخرجني إلى مهاجري ووطني، وقل من يروم ما قبلي أو يترمرم، وأمير المؤمنين خالي، وخالد بْن عبد الله أخي، ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان ثم نزل عن منبره، فلما صلى ودخل عليه الناس، وأخذوا مجالسهم، أخرج كتابا من تحت فراشه، فقرأه على الناس، فيه ذكر نصر بْن سيار وعبد الرحمن بن نعيم الغامدي وسورة بْن الحر الأباني- أبان بْن دارم- والبختري بْن أبي درهم من بني الحارث بْن عباد، فدعاهم فأنبهم، فأزم القوم، فلم يتكلم منهم أحد، فتكلم سورة، فذكر حاله وطاعته ومناصحته، وأنه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدو مبطل، وأن يجمع بينهم وبين من قرفهم بالباطل فلم يقبل قوله، وأمر بهم فجردوا، فضرب عبد الرحمن بْن نعيم، فإذا رجل عظم البطن، أرسح، فلما ضرب التوى، وجعل سراويله يزل عن موضعه، فقام رجل من أهل بيته، فأخذ رداء له هرويا، وقام مادا ثوبه بيده، وهو ينظر إلى أسد، يريد أن يأذن له فيؤزره فأومى إليه أن أفعل، فدنا منه فأزره- ويقال بل أزره أبو نميلة- وقال له: اتزر أبا زهير، فإن الأمير وال مؤدب ويقال: بل ضربهم في نواحي مجلسه.
فلما فرغ قَالَ: أين تيس بني حمان؟ – وهو يريد ضربه، وقد كان ضربه قبل – فقال: هذا تيس بني حمان، وهو قريب العهد بعقوبة الأمير، وهو عامر بْن مالك بْن مسلمة بْن يزيد بْن حجر بْن خيسق بْن حمان بْن كعب بْن سعد وقيل إنه حلقهم بعد الضرب، ودفعهم إلى عبد ربه بْن أبي صالح مولى بني سليم – وكان من الحرس – وعيسى بن ابى بريق، ووجههم الى خالد، وكتب اليه: انهم أرادوا الوثوب عليه، فكان ابن ابى بريق كلما نبت شعر احدهم حلقه، وكان البختري بن أبي درهم، يقول: لوددت أنه ضربني وهذا شهرا- يعني نصر بْن سيار لما كان بينهما بالبروقان- فأرسل بنو تميم إلى نصر: إن شئتم انتزعناكم من أيديهم، فكفهم نصر، فلما قدم بهم على خالد لام أسدا وعنفه، وقال: ألا بعثت برءوسهم! فقال عرفجة التميمي:

فكيف وأنصار الخليفة كلهم *** عناة وأعداء الخليفة تطلق
بكيت ولم أملك دموعي وحق لي *** ونصر شهاب الحرب في الغل موثق

وقال نصر:

بعثت بالعتاب في غير ذنب *** في كتاب تلوم أم تميم
إن أكن موثقا أسيرا لديهم *** في هموم وكربة وسهوم
رهن قسر فما وجدت بلاء *** كأسار الكرام عند اللئيم
أبلغ المدعين قسرا وقسر *** أهل عود القناة ذات الوصوم
هل فطمتم عن الخيانة والغدر *** أم أنتم كالحاكر المستديم،

وقال الفرزدق:

أخالد لولا الله لم تعط طاعة *** ولولا بنو مروان لم توثقوا نصرا
إذا للقيتم دون شد وثاقه *** بنى الحرب لا كشف اللقاء ولا ضجرا

وخطب أسد بْن عبد الله على منبر بلخ، فقال في خطبته: يا أهل بلخ، لقبتموني الزاغ والله لأزيغن قلوبكم.
فلما تعصب أسد وأفسد الناس بالعصبية، كتب هشام إلى خالد بْن عبد الله: اعزل أخاك، فعزله فاستأذن له في الحج، فقفل أسد إلى العراق ومعه دهاقين خراسان، في شهر رمضان سنة تسع ومائة، واستخلف أسد على خراسان الحكم بْن عوانة الكلبي، فأقام الحكم صيفيه، فلم يغز.

ذكر الخبر عن دعاه بنى العباس
وذكر علي بْن محمد أن أول من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان في ولاية أسد بْن عبد الله الأولى، بعثه محمد بْن على ابن عبد الله بْن العباس، وقال له: ادع الناس إلينا وانزل في اليمن، والطف بمضر ونهاه عن رجل من أبرشهر، يقال له غالب، لأنه كان مفرطا في حب بني فاطمه ويقال: أول من جاء أهل خراسان بكتاب محمد بن على حرب بْن عثمان، مولى بني قيس بْن ثعلبة من أهل بلخ.
قَالَ: فلما قدم زياد أبو محمد، ودعا إلى بني العباس، وذكر سيرة بني مروان وظلمهم، وجعل يطعم الناس الطعام، فقدم عليه غالب من أبرشهر، فكانت بينهم منازعة، غالب يفضل آل أبي طالب وزياد يفضل بني العباس.
ففارقه غالب، وأقام زياد بمرو شتوة، وكان يختلف إليه من أهل مرو يحيى بْن عقيل الخزاعي وإبراهيم بْن الخطاب العدوي.
قَالَ: وكان ينزل برزن سويد الكاتب في دور آل الرقاد، وكان على خراج مرو الحسن بْن شيخ، فبلغه أمره، فأخبر به أسد بْن عبد الله، فدعا به- وكان معه رجل يكنى أبا موسى- فلما نظر أليه أسد، قَالَ له:
أعرفك؟ قَالَ: نعم، قَالَ له أسد: رأيتك في حانوت بدمشق، قَالَ: نعم، قَالَ لزياد: فما هذا الذي بلغني عنك؟ قَالَ: رفع إليك الباطل، إنما قدمت خراسان في تجارة، وقد فرقت مالي على الناس، فإذا صار إلي خرجت.
قَالَ له أسد: اخرج عن بلادي، فانصرف، فعاد إلى أمره، فعاود الحسن أسدا، وعظم عليه أمره، فأرسل إليه، فلما نظر إليه، قَالَ: ألم أنهك عن المقام بخراسان! قَالَ: ليس عليك أيها الأمير مني بأس، فاحفظه وأمر بقتلهم، فقال له أبو موسى: فاقض ما أنت قاض فازداد غضبا، وقال له: أنزلتني منزلة فرعون! فقال له: ما أنزلتك ولكن الله أنزلك.
فقتلوا، وكانوا عشرة من أهل بيت الكوفة، فلم ينج منهم يومئذ إلا غلامان استصغرهما، وأمر بالباقين فقتلوا بكشانشاه.
وقال قوم: أمر أسد بزياد أن يخط وسطه، فمد بين اثنين، فضرب فنبا السيف عنه، فكبر أهل السوق، فقال أسد: ما هذا؟ فقيل له، لم يحك السيف فيه فأعطى أبا يعقوب سيفا، فخرج في سراويل والناس قد اجتمعوا عليه، فضربه، فنبا السيف، فضربه ضربة أخرى، فقطعه باثنتين وقال آخرون: عرض عليهم البراءة، فمن تبرأ منهم مما رفع عليه خلى سبيله، فأبى البراءة ثمانية منهم، وتبرأ اثنان.
فلما كان الغد أقبل أحدهما وأسد في مجلسه المشرف على السوق بالمدينة العتيقة، فقال: اليس هذا أسيرنا بالأمس! فأتاه، فقال له: أسألك أن تلحقني بأصحابي، فأشرفوا به على السوق، وهو يقول: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد ص نبيا، فدعا اسد بسيف بخاراخذاه، فضرب عنقه بيده قبل الأضحى بأربعة أيام، ثم قدم بعدهم رجل من أهل الكوفة يسمى كثيرا، فنزل على أبي النجم، فكان يأتيه الذين لقوا زيادا فيحدثهم ويدعوهم، فكان على ذلك سنة أو سنتين، وكان كثير أميا، فقدم عليه خداش، وهو في قرية تدعى مرعم، فغلب كثيرا على أمره، ويقال: كان اسمه عمارة فسمي خداشا، لأنه خدش الدين.
وكان أسد استعمل عيسى بْن شداد البرجمي إمرته الأولى في وجه وجهه على ثابت قطنة، فغضب، فهجا أسدا، فقال:

أرى كل قوم يعرفون أباهم *** وأبو بجيلة بينهم يتذبذب
إني وجدت أبي أباك فلا تكن *** إلبا علي مع العدو تجلب
أرمي بسهمي من رماك بسهمه *** وعدو من عاديت غير مكذب
اسد بن عبد الله جلل عفوه *** أهل الذنوب فكيف من لم يذنب!
أجعلتني للبرجمي حقيبة *** والبرجمي هو اللئيم المحقب
عبد إذا استبق الكرام رأيته *** يأتي سكينا حاملا في الموكب
إني أعوذ بقبر كرز أن أرى *** تبعا لعبد من تميم محقب.

ولايه اشرس بن عبد الله على خراسان
وفي هذه السنة استعمل هشام بْن عبد الملك على خراسان اشرس ابن عبد الله السلمي، فذكر علي بْن محمد، عن أبي الذيال العدوي ومحمد بْن حمزة، عن طرخان ومحمد بْن الصلت الثقفي أن هشام بن عبد الملك عزل اسد ابن عبد الله عن خراسان، واستعمل أشرس بْن عبد الله السلمي عليها، وأمره أن يكاتب خالد بْن عبد الله القسري- وكان أشرس فاضلا خيرا، وكانوا يسمونه الكامل لفضله عندهم- فسار الى خراسان، فلما قدمها فرحوا بقدومه، فاستعمل على شرطته عميرة أبا أمية اليشكري ثم عزله وولى السمط، واستقضى على مرو أبا المبارك الكندي، فلم يكن له علم بالقضاء، فاستشار مقاتل بْن حيان، فأشار عليه مقاتل بمحمد بْن زيد فاستقضاه، فلم يزل قاضيا حتى عزل اشرس.
وكان أول من اتخذ الرابطة بخراسان واستعمل على الرابطة عبد الملك بْن دثار الباهلي، وتولى أشرس صغير الأمور وكبيرها بنفسه.
قَالَ: وكان أشرس لما قدم خراسان كبر الناس فرحا به، فقال رجل:

لقد سمع الرحمن تكبير أمة *** غداة أتاها من سليم إمامها
إمام هدى قوى لهم أمرهم به *** وكانت عجافا ما تمخ عظامها

وركب حين قدم حمارا، فقال له حيان النبطي: أيها الأمير، إن كنت تريد أن تكون والي خراسان فاركب الخيل، وشد حزام فرسك، والزم السوط خاصرته حتى تقدم النار، وإلا فارجع قَالَ: ارجع إذن، ولا أقتحم النار يا حيان ثم أقام وركب الخيل.
قَالَ علي: وقال يحيى بْن حضين: رأيت في المنام قبل قدوم أشرس قائلا يقول: أتاكم الوعر الصدر، الضعيف الناهضة، المشئوم الطائر، فانتبهت فزعا ورأيت في الليلة الثانية: أتاكم الوعر الصدر، الضعيف الناهضة، المشئوم الطائر، الخائن قومه، جغر، ثم قَالَ:

لقد ضاع جيش كان جغر أميرهم *** فهل من تلاف قبل دوس القبائل
فإن صرفت عنهم به فلعله *** وإلا يكونوا من أحاديث قائل

وكان أشرس يلقب جغرا بخراسان

[أخبار متفرقة]
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر وكذلك قَالَ الواقدي وغيره.
وقال الواقدي: خطب الناس إبراهيم بْن هشام بمنى في هذه السنة الغد من يوم النحر بعد الظهر فقال سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألون أحدا أعلم مني فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية، أواجبة هي أم لا؟ فما درى أي شيء يقول له! فنزل.
وَكَانَ العامل فِي هَذِهِ السنة عَلَى الْمَدِينَة ومكة والطائف إبراهيم بْن هشام، وعلى البصرة والكوفة خالد بْن عبد الله، وعلى الصلاة بالبصرة أبان بْن ضبارة اليزني، وعلى شرطتها بلال بْن أبي بردة، وعلى قضائها ثمامة بْن عبد الله الأنصاري، من قبل خالد بْن عبد الله، وعلى خراسان أشرس بْن عبد الله.