10 صفر 99 هـ
26 أيلول 717 م
سنة تسع وتسعين (ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

وفاه سليمان بن عبد الملك، فمن ذلك وفاة سُلَيْمَان بن عبد الملك، توفي- فيما حدثت عن هشام، عن أبي مخنف- بدابق من أرض قنسرين …

يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر، فكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام.
وقد قيل: توفي لعشر ليال مضين من صفر وقيل: كانت خلافته سنتين وسبعة أشهر وقيل: سنتين وثمانية أشهر وخمسة أيام.
وقد حدث الحسن بن حماد، عن طلحة أبي مُحَمَّد، عن أشياخه، أنهم قالوا: استخلف سُلَيْمَان بن عبد الملك بعد الوليد ثلاث سنين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر، قال: توفي سُلَيْمَان بن عبد الملك يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين، فكانت خلافته ثلاث سنين إلا أربعة أشهر

ذكر الخبر عن بعض سيره:
حدثت عن علي بن مُحَمَّد، قال: كان الناس يقولون: سُلَيْمَان مفتاح الخير، ذهب عنهم الحجاج، فولي سُلَيْمَان، فأطلق الأسارى، وخلى أهل السجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز، فقال ابن بيض:

حاز الخلافة والداك كلاهما *** من بين سخطة ساخط أو طائع
أبواك ثم أخوك أصبح ثالثا *** وعلى جبينك نور ملك الرابع

وقال علي: قال المفضل بن المهلب: دخلت على سُلَيْمَان بدابق يوم جمعة، فدعا بثياب فلبسها، فلم تعجبه، فدعا بغيرها بثياب خضر سوسية بعث بها يزيد بن المهلب، فلبسها واعتم وقال: يا بن المهلب، أعجبتك؟ قلت: نعم، فحسر عن ذراعيه ثم قال: أنا الملك الفتى، فصلى الجمعة، ثم لم يجمع بعدها، وكتب وصيته ودعا ابن أبي نعيم صاحب الخاتم فختمه.
قال علي: قال بعض أهل العلم: إن سُلَيْمَان لبس يوما حلة خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتى، فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا.
قال علي: وحدثنا سحيم بن حفص، قال: نظرت إلى سُلَيْمَان جارية له يوما، فقال: ما تنظرين؟ فقالت:

أنت خير المتاع لو كنت تبقى *** غير أن لا بقاء للإنسان
ليس فيما علمته فيك عيب *** كان في الناس غير أنك فان

فنفض عمامته.
قال علي: كان قاضى سليمان سُلَيْمَان بن حبيب المحاربي، وكان ابن أبي عيينة يقص عنده.
وحدثت عن أبي عبيدة، عن رؤبة بن العجاج، قال: حج سُلَيْمَان بن عبد الملك، وحج الشعراء معه، وحججت معهم، فلما كان بالمدينة راجعا تلقوه بنحو من أربعمائة أسير من الروم، فقعد سُلَيْمَان، وأقربهم منه مجلسا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم، فقدم بطريقهم فقال: يا عبد الله، اضرب عنقه، فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسي سيفه فضربه فأبان الرأس، وأطن الساعد وبعض الغل، فقال سُلَيْمَان: أما والله ما من جودة السيف جادت الضربة، ولكن لحسبه، وجعل يدفع البقية إلى الوجوه وإلى الناس يقتلونهم حتى دفع إلى جرير رجلا منهم، فدست إليه بنو عبس سيفا في قراب أبيض، فضربه فأبان راسه، ودفع الى الفرزدق اسير فلم يجد سيفا، فدسوا له سيفا ددانا مثنيا لا يقطع، فضرب به الأسير ضربات، فلم يصنع شيئا، فضحك سُلَيْمَان والقوم، وشمت بالفرزدق بنو عبس أخوال سُلَيْمَان، فألقى السيف وأنشأ يقول، ويعتذر الى سليمان، وياتسى بن بو سيف ورقاء عن راس خالد:

ان يك سيف خان أو قدر أتى *** بتأخير نفس حتفها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به *** نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها *** وتقطع أحيانا مناط القلائد

وورقاء هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، ضرب خالد بن جعفر بن كلاب، وخالد مكب على أبيه زهير قد ضربه بالسيف وصرعه، فأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا، فلم يصنع شيئا، فقال ورقاء ابن زهير:

رأيت زهيرا تحت كلكل خالد *** فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
فشلت يميني يوم أضرب خالدا *** ويحصنه مني الحديد المظاهر

وقال الفرزدق في مقامه ذلك:

أيعجب الناس أن أضحكت خيرهم *** خليفة الله يستسقي به المطر
فما نبا السيف عن جبن ودهش *** عند الإمام ولكن أخر القدر
ولو ضربت على عمرو مقلده *** لخر جثمانه ما فوقه شعر
وما يعجل نفسا قبل ميتتها *** جمع اليدين ولا الصمصامه الذكر

وقال جرير في ذلك:

بسيف أبي رغوان سيف مجاشع *** ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت *** يداك، وقالوا محدث غير صارم

حدثني عبد الله بن أحمد، قَالَ: حَدَّثَنِي، أبي قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَان قَالَ: حدثني عبد الله بْن مُحَمَّد بْن عيينة، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد العزيز بن الضحاك بن قيس، قال: شهد سُلَيْمَان بن عبد الملك جنازة بدابق، فدفنت في حقل، فجعل سُلَيْمَان يأخذ من تلك التربة فيقول:
ما أحسن هذه التربة! ما أطيبها! فما أتى عليه جمعة- أو كما قال- حتى دفن إلى جنب ذلك القبر خلافة عمر بن عبد العزيز
وفي هذه السنة استخلف عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم.

ذكر الخبر عن سبب استخلاف سُلَيْمَان إياه:
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني الهيثم بن واقد، قال: استخلف عمر بن عبد العزيز بدابق يوم الجمعة لعشر مضين من صفر سنة تسع وتسعين.
قال مُحَمَّد بن عمر: حدثني داود بن خالد بن دينار، عن سهيل بن أبي سهيل قال: سمعت رجاء بن حيوة، يقول: لما كان يوم الجمعة لبس سُلَيْمَان بن عبد الملك ثيابا خضرا من خز، ونظر في المرآة، فقال: أنا والله الملك الشاب، فخرج إلى الصلاة فصلى بالناس الجمعة، فلم يرجع حتى وعك، فلما ثقل عهد في كتاب كتبه لبعض بنيه وهو غلام ولم يبلغ فقلت: ما تصنع يا أمير المؤمنين! إنه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح فقال سُلَيْمَان: أنا أستخير الله وأنظر فيه ولم أعزم عليه، قال: فمكث يوما أو يومين، ثم خرقه، فدعاني، فقال: ما ترى في داود بن سُلَيْمَان؟ فقلت: هو غائب عنك بقسطنطينية وأنت لا تدري أحي هو أم ميت! فقال لي: فمن ترى؟ قلت: رأيك يا امير المؤمنين، وانا اريد أنظر من يذكر، قال: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقلت:
أعلمه والله خيرا فاضلا مسلما، فقال: هو والله على ذلك، ثم قال: والله لئن وليته ولم أول أحدا سواه لتكونن فتنة، ولا يتركونه أبدا يلي عليهم إلا أن يجعل أحدهم بعده، ويزيد بن عبد الملك غائب على الموسم، قال: فيزيد ابن عبد الملك أجعله بعده، فإن ذلك مما يسكنهم ويرضون به، قلت:
رأيك قال: فكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ عبد الله سُلَيْمَان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني قد وليتك الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم.
وختم الكتاب، وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب شرطه فقال: مر أهل بيتي فليجتمعوا، فأرسل كعب إليهم أن يجتمعوا فاجتمعوا، ثم قال سُلَيْمَان لرجاء بعد اجتماعهم: اذهب بكتابي هذا إليهم فأخبرهم أن هذا كتابي، وأمرهم فليبايعوا من وليت فيه، ففعل رجاء، فلما قال رجاء ذلك لهم قالوا: ندخل فنسلم على أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فدخلوا فقال لهم سُلَيْمَان في هذا الكتاب- وهو يشير لهم إليه وهم ينظرون إليه في يد رجاء ابن حيوة- عهدي، فاسمعوا وأطيعوا وبايعوا لمن سميت في هذا الكتاب.
فبايعوه رجلا رجلا، ثم خرج بالكتاب مختوما في يد رجاء بن حيوة.
قال رجاء: فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال: أخشى أن يكون هذا أسند إلي شيئا من هذا الأمر، فأنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا أعلمتني إن كان ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن تأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة! قال رجاء: لا والله ما أنا بمخبرك حرفا، قال:
فذهب عمر غضبان.
قال رجاء: لقيني هشام بن عبد الملك، فقال: يا رجاء، إن لي بك حرمة ومودة قديمة، وعندي شكر، فأعلمني هذا الأمر، فإن كان إلي علمت، وإن كان إلى غيري تكلمت، فليس مثلي قصر به، فأعلمني فلك الله على الا أذكر من ذلك شيئا أبدا قال رجاء: فأبيت فقلت: والله لا أخبرك حرفا واحدا مما أسر إلي.
قال: فانصرف هشام وهو قد يئس، ويضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو يقول: فإلى من إذا نحيت عني؟ أتخرج من بني عبد الملك؟ قال رجاء: ودخلت على سُلَيْمَان فإذا هو يموت، فجعلت إذا أخذته السكرة من سكرات الموت حرفته إلى القبلة، فجعل يقول حين يفيق: لم يأن لذلك بعد يا رجاء، ففعلت ذلك مرتين، فلما كانت الثالثة قال: من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئا، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أن مُحَمَّدا عبده ورسوله.
قال: فحرفته ومات، فلما غمضته سجيته بقطيفة خضراء، وأغلقت الباب.
وأرسلت إلي زوجته تقول: كيف أصبح؟ فقلت: نائم، وقد تغطى، فنظر الرسول إليه مغطى بالقطيفة، فرجع فأخبرها فقبلت ذلك، وظنت أنه نائم، قال رجاء: وأجلست على الباب من أثق به، واوصيته الا يبرح حتى آتيه، ولا يدخل على الخليفة أحد قال: فخرجت فأرسلت إلى كعب بن حامد العبسي، فجمع أهل بيت أمير المؤمنين، فاجتمعوا في مسجد دابق، فقلت: بايعوا، فقالوا: قد بايعنا مرة ونبايع أخرى! قلت: هذا عهد أمير المؤمنين، فبايعوا على ما أمر به ومن سمى في هذا الكتاب المختوم، فبايعوا الثانية، رجلا رجلا قال رجاء:
فلما بايعوا بعد موت سُلَيْمَان رأيت أني قد أحكمت الأمر، قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، قالوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! وقرأت الكتاب عليهم، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز نادى هشام بن عبد الملك: لا نبايعه أبدا، قلت: أضرب والله عنقك، قم فبايع، فقام يجر رجليه.
قال رجاء: وأخذت بضبعي عمر بن عبد العزيز فاجلسته لما وقع فيه وهشام يسترجع على المنبر وهو يسترجع لما أخطأه، فلما انتهى هشام إلى عمر قال عمر: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! حين صارت الى لكراهته إياها، والآخر يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، حيث نحيت عني.
قال: وغسل سُلَيْمَان وكفن وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، قال رجاء: فلما فرغ من دفنه أتي بمراكب الخلافة: البراذين والخيل والبغال ولكل دابة سائس، فقال: ما هذا! قالوا: مركب الخلافة، قال: دابتي أوفق لي، وركب دابته قال: فصرفت تلك الدواب، ثم أقبل سائرا، فقيل: منزل الخلافة، فقال: فيه عيال أبي أيوب وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا، فأقام في منزله حتى فرغوه بعد، قال رجاء: فلما كان المساء من ذلك اليوم قال: يا رجاء، ادع لي كاتبا، فدعوته وقد رأيت منه كل ما سرني، صنع في المراكب ما صنع، وفي منزل سُلَيْمَان، فقلت:
كيف يصنع الآن في الكتاب؟ أيصنع نسخا، أم ماذا؟ فلما جلس الكاتب أملى عليه كتابا واحدا من فيه إلى يد الكاتب بغير نسخة، فأملى أحسن إملاء وأبلغه وأوجزه، ثم أمر بذلك الكتاب أن ينسخ إلى كل بلد.
وبلغ عبد العزيز بن الوليد- وكان غائبا- موت سُلَيْمَان بن عبد الملك، ولم يعلم ببيعة الناس عمر بن عبد العزيز، وعهد سُلَيْمَان إلى عمر، فعقد لواء، ودعا إلى نفسه، فبلغته بيعة الناس عمر بعهد سُلَيْمَان، فأقبل حتى دخل على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: قد بلغني أنك كنت بايعت من قبلك، وأردت دخول دمشق، فقال: قد كان ذاك، وذلك أنه بلغني أن الخليفة سُلَيْمَان لم يكن عقد لأحد، فخفت على الأموال أن تنتهب، فقال عمر: لو بويعت وقمت بالأمر ما نازعتك ذلك، ولقعدت في بيتي، فقال عبد العزيز:
ما أحب أنه ولي هذا الأمر غيرك وبايع عمر بن عبد العزيز قال: فكان يرجى لسُلَيْمَان بتوليته عمر بن عبد العزيز وترك ولده.
وفي هذه السنة وجه عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة وهو بأرض الروم وأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين، ووجه إليه خيلا عتاقا وطعاما كثيرا، وحث الناس على معونتهم، وكان الذى وجه اليه الخيل العتاق- فيما قيل- خمسمائة فرس.
وفي هذه السنة أغارت الترك على أذربيجان، فقتلوا من المسلمين جماعة، ونالوا منهم، فوجه اليهم عمر بن عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي، فقتل أولئك الترك، فلم يفلت منهم إلا اليسير، فقدم منهم على عمر بخناصرة بخمسين أسيرا.
وفيها عزل عمر يزيد بن المهلب عن العراق، ووجه على البصرة وأرضها عدي بن أرطاة الفزاري، وبعث على الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب الأعرج القرشي، من بني عدي بن كعب، وضم إليه أبا الزناد، فكان أبو الزناد كاتب عبد الحميد بن عبد الرحمن، وبعث عدي في أثر يزيد بن المهلب موسى بن الوجيه الحميري.
وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، وكان عامل عمر على المدينة.
وكان عامل عمر على مكة في هذه السنة عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد بن أسيد، وعلى الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعلى البصرة وأرضها عدي بن أرطاة، وعلى خراسان الجراح بن عبد الله.
وعلى قضاء البصرة إياس بن معاوية بن قرة المزني، وقد ولى فيما ذكر قبله الحسن بن أبي الحسن، فشكا، فاستقصى إياس بن معاوية.
وكان على قضاء الكوفة في هذه- السنة فيما قيل- عامر الشعبي وكان الواقدي يقول: كان الشعبي على قضاء الكوفة أيام عمر بن عبد العزيز من قبل عبد الحميد بن عبد الرحمن، والحسن بن أبي الحسن البصري على قضاء البصرة من قبل عدي بن أرطاة، ثم إن الحسن استعفى من القضاء عديا، فأعفاه وولى اياسا.