249 هـ
863 م
سنة تسع وأربعين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

فمما كان فيها من ذلك غزو جعفر بن دينار الصائفة، فافتتح حصنا ومطامير واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المصير إلى ناحية من بلاد …

الروم، فأذن له، فسار ومعه خلق كثير من أهل ملطية، فلقيه الملك في جمع من الروم عظيم بموضع، يقال له أرز من مرج الأسقف، فحاربه بمن معه محاربة شديدة، قتل فيها خلق كثير من الفريقين، ثم أحاطت به الروم وهم خمسون ألفا، فقتل عمر وألفا رجل من المسلمين، وذلك في يوم الجمعة للنصف من رجب.

خبر قتل على بن يحيى الأرمني
وفيها قتل علي بن يحيى الأرمني.

ذكر الخبر عن سبب قتله:
ذكر أن الروم لما قتلت عمر بن عبيد الله، خرجوا إلى الثغور الجزرية، وكلبوا عليها وعلى حرم المسلمين بها، فبلغ ذلك علي بن يحيى وهو قافل من أرمينية إلى ميافارقين، فنفر إليهم في جماعة من أهل ميافارقين والسلسلة، فقتل في نحو من أربعمائة رجل، وذلك في شهر رمضان.

شغب الجند والشاكريه ببغداد
وشغب الجند والشاكرية ببغداد في هذه السنة في أول يوم من صفر

 ذكر الخبر عن السبب في ذلك:
وكان السبب في ذلك أن الخبر لما اتصل بأهل مدينة السلام وسامرا وسائر ما قرب منهما من مدن الإسلام بمقتل عمر بن عبيد الله الأقطع وعلي بن يحيى الأرمني- وكانا نابين من أنياب المسلمين، شديدا بأسهما، عظيما غناؤهما عنهم في الثغور التي هما بها- شق ذلك عليهم، وعظم مقتلهما في صدورهم، مع قرب مقتل أحدهما من مقتل الآخر، ومع ما لحقهم من استفظاعهم من الأتراك قتل المتوكل واستيلائهم على أمور المسلمين، وقتلهم من أرادوا قتله من الخلفاء، واستخلافهم من أحبوا استخلافه من غير رجوع منهم إلى ديانة، ولا نظر للمسلمين، فاجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنداء بالنفير، وانضمت إليها الأبناء والشاكرية تظهر أنها تطلب الأرزاق، وذلك أول يوم من صفر، ففتحوا سجن نصر بن مالك، وأخرجوا من فيه وفي القنطرة بباب الجسر، وكان فيها جماعة- فيما ذكر- من رفوغ خراسان والصعاليك من أهل الجبال والمحمرة وغيرهم، وقطعوا أحد الجسرين وضربوا الآخر بالنار، وانحدرت سفنه، وانتهب ديوان قصص المحبسين، وقطعت الدفاتر، وألقيت في الماء، وانتهبوا دار بشر وإبراهيم ابني هارون النصرانيين كاتبي محمد بن عبد الله، وذلك كله بالجانب الشرقي من بغداد وكان والي الجانب الشرقي حينئذ أحمد بن محمد بن خالد بن هرثمة ثم أخرج أهل اليسار من أهل بغداد وسامرا أموالا كثيرة من أموالهم، فقووا من خف للنهوض إلى الثغور لحرب الروم بذلك، وأقبلت العامة من نواحي الجبل وفارس والأهواز وغيرها لغزو الروم، فلم يبلغنا أنه كان للسلطان فيما كان من الروم إلى المسلمين من ذلك تغيير، ولا توجيه جيش إليهم لحربهم في تلك الأيام.
ولتسع بقين من شهر ربيع الأول، وثب نفر من الناس لا يدرى من هم يوم الجمعة بسامرا، ففتحوا السجن بها، وأخرجوا من فيه، فوجه في طلب النفر الذين فعلوا ذلك زرافة في جماعة من الموالي، فوثبت بهم العامة فهزموهم، ثم ركب في ذلك اوتامش ووصيف وبغا وعامة الأتراك، فقتلوا من العامة جماعة، وألقي على وصيف- فيما ذكر لي- قدر مطبوخ، ويقال: بل رماه قوم من العامه عند السريجه بحجر، فأمر وصيف النفاطين، فقذفوا ما هنالك من حوانيت التجار ومنازل الناس بالنار، فأنا رأيت ذلك الموضع محترقا، وذلك بسامرا عند دار إسحاق.
وذكر أن المغاربة انتهبت منازل جماعة من العامة في ذلك اليوم، ثم سكن الأمر في آخر ذلك اليوم، وعزل بسبب ما كان من العامه والنفر الذين ذكرت في ذلك اليوم من الحركة، أحمد بن جميل عما كان إليه من المعونة بسامرا، وولى مكانه ابراهيم بن سهل الدارج

ذكر خبر قتل اوتامش وكاتبه
وفي هذه السنه قتل اوتامش وكاتبه شجاع بن القاسم، وذلك يوم السبت لأربع عشرة خلون من شهر ربيع الآخر منها.

ذكر الخبر عن سبب مقتله:
ذكر أن المستعين لما أفضت اليه الخلافه، اطلق يد اوتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال، وأباحهما فعل ما أرادا فعله فيها، وفعل ذلك أيضا بأم نفسه، فلم يمنعها من شيء تريده، وكان كاتبها سلمه بن سعيد النصراني، وكانت الأموال التي ترد على السلطان من الآفاق إنما يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة الأنفس، فعمد اوتامش إلى ما في بيوت الأموال من الأموال فاكتسحه، وكان المستعين قد جعل ابنه العباس في حجر اوتامش، فكان ما فضل من الأموال عن هؤلاء الثلاثة الأنفس يؤخذ للعباس، فيصرف في نفقاته وأسبابه- وصاحب ديوان ضياعه يومئذ دليل- فاقتطع من ذلك أموالا جليلة لنفسه، وجعلت الموالي تنظر إلى الأموال تستهلك، وهم في ضيقة، وجعل اوتامش وهو صاحب المستعين وصاحب أمره، والمستولي عليه ينفذ أمور الخلافة، ووصيف وبغا من ذلك كله بمعزل، فأغريا الموالي به، ولم يزالا يدبران الأمر عليه حتى احكما التدبير، فتذمرت الاتراك والفراغنه على اوتامش، وخرج إليه منهم يوم الخميس لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخر من هذه السنة أهل الدور والكرخ، فعسكروا وزحفوا إليه وهو في الجوسق مع المستعين.
وبلغه الخبر، فأراد الهرب، فلم يمكنه، واستجار بالمستعين فلم يجره فأقاموا على ذلك من أمرهم يوم الخميس ويوم الجمعة، فلما كان يوم السبت دخلوا الجوسق، فاستخرجوا اوتامش من موضعه الذي توارى فيه، فقتل وقتل كاتبه شجاع بن القاسم، وانتهبت دار اوتامش، فأخذ منها- فيما بلغني- أموال جليلة ومتاع وفرش وآله.
ولما قتل اوتامش استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج، ووليه عيسى بن فرخان شاه، وولي وصيف الأهواز، وبغا الصغير فلسطين في شهر ربيع الآخر ثم غضب بغا الصغير وحزبه على أبي صالح بن يزداد، فهرب أبو صالح إلى بغداد في شعبان، وصير المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجرائي، فصير ديوان الرسائل إلى سعيد بن حميد رياسة، فقال في ذلك الحمدوني:

ليس السيف سعيد بعد ما *** عاش ذا طمرين لا نوبة له
إن لله لآيات وذا *** آية لله فينا منزله

مقتل على بن الجهم
وفيها قتل علي بن الجهم بن بدر، وكان سبب ذلك أنه توجه من بغداد إلى الثغر، فلما كان بقرب حلب بموضع يقال له خساف، لقيته خيل لكلب، فقتلته، وأخذ الأعراب ما كان معه، فقال وهو في السياق:

أزيد في الليل ليل *** أم سال بالصبح سيل
ذكرت أهل دجيل *** وأين مني دجيل!

وكان منزله في شارع الدجيل.
وفيها عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء، ووليه جعفر بن محمد بن عمار البرجمي من أهل الكوفة، وقد قيل إن ذلك في سنة خمسين ومائتين.
وفيها أصاب أهل الري في ذي الحجة زلزلة شديدة ورجفة تهدمت منها الدور، ومات خلق من أهلها وهرب الباقون من أهلها من المدينة، فنزلوا خارجها ومطر أهل سامرا يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى، وذلك يوم السادس عشر من تموز مطر جود برعد وبرق، فأطبق الغيم ذلك اليوم، ولم يزل المطر جودا سائلا يومئذ إلى اصفرار الشمس ثم سكن.
وتحركت المغاربة في هذه السنة يوم الخميس لثلاث خلون من جمادى الأولى، وكانوا يجتمعون قرب الجسر بسامرا، ثم تفرقوا يوم الجمعة.
وحج بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام وهو والى مكة.