112 هـ
730 م
سنة اثنتي عشرة ومائة (ذكر ما فيها من الأحداث)

فمما كان فيها من ذلك غزوة معاوية بْن هشام الصائفة فافتتح خرشنة، وحرق فرندية من ناحية ملطيه …

ذكر خبر قتل الجراح الحكمي
وفيها سار الترك من اللان، فلقيهم الجراح بْن عبد الله الحكمي فيمن معه من اهل الشام واذربيجان، فلم يتنام إليه جيشه، فاستشهد الجراح ومن كان معه بمرج أردبيل، وافتتحت الترك أردبيل، وقد كان استخلف أخاه الحجاج بْن عبد الله على أرمينية.
ذكر محمد بْن عمر أن الترك قتلت الجراح بْن عبد الله ببلنجر، وأن هشاما لما بلغه خبره دعا سعيد بْن عمرو الحرشي، فقال له: إنه بلغني أن الجراح قد انحاز عن المشركين، قَالَ: كلا يا أمير المؤمنين، الجراح أعرف بالله من أن ينحاز عن العدو، ولكنه قتل، قَالَ: فما الرأي؟ قَالَ:
تبعثني على أربعين دابة من دواب البريد، ثم تبعث إلي كل يوم أربعين دابة عليها أربعون رجلا، ثم اكتب الى أمراء الأجناد يوافوننى ففعل ذلك هشام.
فذكر أن سعيد بْن عمرو أصاب للترك ثلاثة جموع وفودا إلى خاقان بمن أسروا من المسلمين وأهل الذمة، فاستنقذ الحرشي ما أصابوا وأكثروا القتل فيهم.
وذكر علي بْن محمد أن الجنيد بْن عبد الرحمن قَالَ في بعض ليالي حربه الترك بالشعب: ليلة كليلة الجراح ويوم كيومه، فقيل له: أصلحك الله!
إن الجراح سير إليه فقتل أهل الحجي والحفاظ، فجن عليه الليل، فانسل الناس من تحت الليل إلى مدائن لهم بأذربيجان، وأصبح الجراح في قلة فقتل.
وفي هذه السنة وجه هشام أخاه مسلمة بْن عبد الملك في أثر الترك فسار في شتاء شديد البرد والمطر والثلوج فطلبهم- فيما ذكر- حتى جاز الباب في آثارهم، وخلف الحارث بْن عمرو الطائي بالباب.

ذكر وقعه الجنيد مع الترك
وفي هذه السنة كانت وقعة الجنيد مع الترك ورئيسهم خاقان بالشعب.
وفيها قتل سورة بْن الحر، وقد قيل إن هذه الوقعة كانت في سنة ثلاث عشرة ومائة.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وما كان سببها وكيف كانت:
ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن الجنيد بْن عبد الرحمن خرج غازيا في سنة اثنتي عشرة ومائة يريد طخارستان، فنزل على نهر بلخ، ووجه عمارة ابن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفا وإبراهيم بْن بسام الليثي في عشرة آلاف في وجه آخر، وجاشت الترك فأتوا سمرقند، وعليها سورة بْن الحر، أحد بني أبان بْن دارم، فكتب سورة إلى الجنيد: إن خاقان جاش بالترك، فخرجت إليهم فما قدرت أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث! فأمر الجنيد الناس بالعبور، فقام إليه المجشر بْن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي وابن صبح الخرقي، فقالوا: إن الترك ليسوا كغيرهم، لا يلقونك صفا ولا زحفا، وقد فرقت جندك، فمسلم بْن عبد الرحمن بالنيروذ، والبختري بهراة، ولم يحضرك أهل الطالقان، وعمارة بْن حريم غائب وقال له المجشر: إن صاحب خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين ألفا، فاكتب الى عماره فليأتك، وامهل ولا تعجل، قَالَ: فكيف بسورة ومن معه من المسلمين! لو لم أكن الا في بني مرة، أو من طلع معي من أهل الشام لعبرت وقال:

أليس أحق الناس ان يشهد الوغى *** وان يقتل الابطال ضخم. على ضخم

وقال:

ما علتي ما علتي ما علتي! *** إن لم أقاتلهم فجزوا لمتي

قَالَ: وعبر فنزل كس، وقد بعث الأشهب بْن عبيد الحنظلي ليعلم علم القوم، فرجع إليه وقال: قد أتوك فتأهب للمسير.
وبلغ الترك فعوروا الآبار التي في طريق كس وما فيه من الركايا، فقال الجنيد: أي الطريقين إلى سمرقند أمثل؟ قالوا: طريق المحترقة.
قَالَ المجشر بْن مزاحم السلمي: القتل بالسيف أمثل من القتل بالنار، إن طريق المحترقة فيه الشجر والحشيش ولم يزرع منذ سنين، فقد تراكم بعضه على بعض، فإن لقيت خاقان أحرق ذلك كله، فقتلنا بالنار والدخان، ولكن خذ طريق العقبة، فهو بيننا وبينهم سواء.
فأخذ الجنيد طريق العقبة، فارتقى في الجبل، فأخذ المجشر بعنان دابته، وقال: إنه كان يقال: إن رجلا من قيس مترفا يهلك علي يديه جند من جنود خراسان، وقد خفنا أن تكونه قَالَ: أفرخ روعك، فقال المجشر: أما إذا كان بيننا مثلك فلا يفرخ فبات في أصل العقبة، ثم ارتحل حين أصبح، فصار الجنيد بين مرتحل ومقيم، فتلقى فارسا، فقال:
ما اسمك؟ فقال: حرب، قَالَ: ابن من؟ قَالَ: ابن محربة، قَالَ: من بني من؟ قَالَ: من بني حنظلة، قَالَ: سلط الله عليك الحرب والحرب والكلب ومضى بالناس حتى دخل الشعب وبينه وبين مدينة سمرقند أربعة فراسخ، فصبحه خاقان في جمع عظيم، وزحف إليه أهل السغد والشاش وفرغانة وطائفة من الترك قَالَ: فحمل خاقان على المقدمه وعليها عثمان ابن عبد الله بْن الشخير، فرجعوا إلى العسكر والترك تتبعهم، وجاءوهم من كل وجه، وقد كان الإخريد قَالَ للجنيد: رد الناس إلى العسكر، فقد جاءك جمع كثير، فطلع أوائل العدو والناس يتغدون، فرآهم عبيد الله بْن زهير بْن حيان، فكره أن يعلم الناس حتى يفرغوا من غدائهم، والتفت أبو الذيال، فرآهم، فقال: العدو! فركب الناس إلى الجنيد، فصير تميما والأزد في الميمنة وربيعة في الميسرة مما يلي الجبل، وعلى مجففة خيل بني تميم عبيد الله بن زهير بن حيان، وعلى المجردة عمر- أو عمرو- بْن جرفاس بْن عبد الرحمن بْن شقران المنقري، وعلى جماعه بنى تميم عامر ابن مالك الحماني، وعلى الأزد عبد الله بْن بسطام بْن مسعود بْن عمرو المعني، وعلى خيلهم: المجففة والمجردة فضيل بْن هناد وعبد الله بْن حوذان، أحدهما على المجففة، والآخر على المجردة – ويقال: بل كان بشر بْن حوذان أخو عبد الله بْن حوذان الجهضمي – فالتقوا وربيعة مما يلي الجبل في مكان ضيق، فلم يقدم عليهم أحد، وقصد العدو للميمنة وفيها تميم والأزد في موضع واسع فيه مجال للخيل فترجل حيان بْن عبيد الله بْن زهير بين يدي أبيه، ودفع برذونه إلى أخيه عبد الملك، فقال له أبوه: يا حيان، انطلق إلى أخيك فإنه حدث وأخاف عليه فأبى، فقال: يا بني، إنك إن قتلت على حالك هذه قتلت عاصيا فرجع إلى الموضع الذي خلف فيه أخاه والبرذون، فإذا أخوه قد لحق بالعسكر، وقد شد البرذون، فقطع حيان مقوده وركبه، فأتى العدو، فإذا العدو قد أحاط بالموضع الذي خلف فيه أباه وأصحابه، فأمدهم الجنيد بنصر بْن سيار في سبعة معه، فيهم جميل بْن غزوان العدوي، فدخل عبيد الله بْن زهير معهم، وشدوا على العدو فكشفوهم ثم كروا عليهم، فقتلوا جميعا، فلم يفلت منهم أحد ممن كان في ذلك الموضع، وقتل عبيد الله بْن زهير وابن حوذان وابن جرفاس والفضيل بْن هناد.
وجالت الميمنة والجنيد واقف في القلب، فأقبل إلى الميمنة، فوقف تحت راية الأزد- وقد كان جفاهم- فقال له صاحب راية الأزد: ما جئتنا لتحبونا ولا لتكرمنا، ولكنك قد علمت أنه لا يوصل إليك ومنا رجل حي، فإن ظفرنا كان لك، وإن هلكنا لم تبك علينا ولعمري لئن ظفرنا وبقيت لا أكلمك كلمة أبدا وتقدم فقتل وأخذ الراية ابن مجاعة فقتل، فتداول الراية ثمانية عشر رجلا منهم فقتلوا، فقتل يومئذ ثمانون رجلا من الأزد.
قَالَ: وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا، فكانت السيوف لا تحيك ولا تقطع شيئا، فقطع عبيدهم الخشب يقاتلون به، حتى مل الفريقان فكانت المعانقة، فتحاجزوا، فقتل من الأزد حمزة بْن مجاعة العتكي ومحمد بْن عبد الله بْن حوذان الجهضمي، وعبد الله بْن بسطام المعني واخوه زنيم والحسن ابن شيخ والفضيل الحارثي- وهو صاحب الخيل- ويزيد بْن المفضل الحداني، وكان حج فأنفق في حجة ثمانين ومائة ألف، فقال لأمه وحشية: ادعي الله أن يرزقني الشهادة، فدعت له، وغشي عليه، فاستشهد بعد مقدمه من الحج بثلاثة عشر يوما، وقاتل معه عبدان له، وقد كان أمرهما بالانصراف فقتلا، فاستشهدا.
قَالَ: وكان يزيد بْن المفضل حمل يوم الشعب على مائة بعير سويقا للمسلمين، فجعل يسأل عن الناس، ولا يسأل عن أحد إلا قيل له: قد قتل،.
فاستقدم وهو يقول: لا إله إلا الله، فقاتل حتى قتل وقاتل يومئذ محمد بْن عبد الله بْن حوذان وهو على فرس أشقر، عليه تجفاف مذهب، فحمل سبع مرات يقتل في كل حملة رجلا، ثم رجع إلى موقفه، فهابه من كان في ناحيته، فناداه ترجمان للعدو: يقول لك الملك: لا تقبل وتحول إلينا، فنرفض صنمنا الذي نعبده ونعبدك، فقال محمد: أنا أقاتلكم لتتركوا عبادة الأصنام وتعبدوا الله وحده فقاتل واستشهد.
وقتل جشم بْن قرط الهلالي من بني الحارث، وقتل النضر بْن راشد العبدي، وكان دخل على امرأته والناس يقتتلون، فقال لها: كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة في لبد مضرجا بالدماء؟ فشقت جيبها ودعت بالويل، فقال: حسبك، لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقا إلى الحور العين، ورجع فقاتل حتى استشهد رحمه الله قَالَ: فبينا الناس كذلك إذ أقبل رهج، فطلعت فرسان، فنادى منادي الجنيد: الأرض، الأرض! فترجل وترجل الناس، ثم نادى منادي الجنيد: ليخندق كل قائد على حياله، فخندق الناس قَالَ: ونظر الجنيد إلى عبد الرحمن بْن مكية يحمل على العدو، فقال: ما هذا الخرطوم السائل؟ قيل له: هذا ابن مكية، قَالَ: ألسان البقرة! لله دره أي رجل هو! وتحاجزوا، وأصيب من الأزد مائة وتسعون.
وكانوا لقوا خاقان يوم الجمعة، فأرسل الجنيد إلى عبد الله بْن معمر بْن سمير اليشكري أن يقف في الناحية التي تلي كس ويحبس من مر به، ويحوز الأثقال والرجالة، وجاءت الموالي رجالة، ليس فيهم غير فارس واحد والعدو يتبعونهم، فثبت عبد الله بْن معمر للعدو، فاستشهد في رجال من بكر، وأصبحوا يوم السبت، فأقبل خاقان نصف النهار، فلم ير موضعا للقتال فيه أيسر من موضع بكر بْن وائل، وعليهم زياد بْن الحارث، فقصد لهم، فقالت بكر لزياد: القوم قد كثرونا، فخل عنا نحمل عليهم قبل أن يحملوا علينا، فقال لهم: قد مارست سبعين سنة، إنكم إن حملتم عليهم فصعدتم انهزمتم، ولكن دعوهم حتى يقربوا ففعلوا، فلما قربوا منهم حملوا عليهم فأفرجوا لهم، فسجد الجنيد، وقال خاقان يومئذ: إن العرب إذا أحرجوا استقتلوا، فخلوهم حتى يخرجوا، ولا تعرضوا لهم، فإنكم لا تقومون لهم وخرج جوار للجنيد يولولن، فانتدب رجال من أهل الشام، فقالوا: الله الله يا اهل خراسان! إلى أين؟ وقال الجنيد: ليلة كليلة الجراح، ويوم كيومه.

ذكر الخبر عن مقتل سوره بن الحر
وفي هذه السنة قتل سورة بْن الحر التميمى ذكر الخبر عن مقتله:
ذكر علي عن شيوخه، أن عبيد الله بْن حبيب قَالَ للجنيد: اختر بين أن تهلك أنت أو سورة، فقال: هلاك سورة أهون علي، قَالَ:
فاكتب إليه فليأتك في أهل سمرقند، فإن الترك إن بلغهم أن سورة قد توجه إليك انصرفوا إليه فقاتلوه فكتب إلى سورة يأمره بالقدوم – وقيل: كتب أغثني – فقال عبادة بْن السليل المحاربي أبو الحكم بْن عبادة لسورة: انظر أبرد بيت بسمرقند فنم فيه، فإنك إن خرجت لا تبالي أسخط عليك الأمير أم رضي وقال له حليس بْن غالب الشيباني: إن الترك بينك وبين الجنيد، فإن خرجت كروا عليك فاختطفوك فكتب إلى الجنيد: إني لا أقدر على الخروج، فكتب اليه الجنيد:
يا بن اللخناء، تخرج وإلا وجهت إليك شداد بْن خالد الباهلي- وكان له عدوا- فأقدم وضع فلانا بفرخشاذ في خمسمائة ناشب، والزم الماء فلا تفارقه فأجمع على المسير، فقال الوجف بْن خالد العبدي: إنك لمهلك نفسك والعرب بمسيرك، ومهلك من معك، قَالَ: لا يخرج حملي من التنور حتى اسير، فقال له عباده وحليس: اما إذ أبيت إلا المسير فخذ على النهر، فقال: أنا لا أصل إليه على النهر في يومين، وبيني وبينه من هذا الوجه ليلة فاصبحه، فإذا سكنت الزجل سرت فأعبره فجاءت عيون الأتراك فأخبروهم، وأمر سورة بالرحيل، واستخلف على سمرقند موسى بْن أسود، أحد بني ربيعة بْن حنظلة، وخرج في اثني عشر ألفا، فأصبح على رأس جبل، وإنما دله على ذلك الطريق علج يسمى كارتقبد، فتلقاه خاقان حين أصبح وقد سار ثلاثة فراسخ، وبينه وبين الجنيد فرسخ: فقال أبو الذيال: قاتلهم.
في ارض خواره، فصبر وصبروا حتى اشتد الحر وقَالَ بعضهم: قَالَ له غوزك: يومك يوم حار فلا تقاتلهم حتى تحمى عليهم الشمس وعليهم السلاح تثقلهم فلم يقاتلهم خاقان، وأخذ برأي غوزك، وأشعل النار في الحشيش، وواقفهم وحال بينهم وبين الماء، فقال سورة لعبادة: ما ترى يا أبا السليل؟ قَالَ: أرى والله أنه ليس من الترك أحد إلا وهو يريد الغنيمة، فاعقر هذه الدواب وأحرق هذا المتاع، وجرد السيف، فإنهم يخلون لنا الطريق قَالَ أبو الذيال: فقال سورة لعبادة: ما الرأي؟
قَالَ: تركت الرأي، قَالَ: فما ترى الآن؟ قَالَ: أن ننزل فنشرع الرماح، ونزحف زحفا، فإنما هو فرسخ حتى نصل إلى العسكر، قَالَ: لا أقوى على هذا، ولا يقوى فلان وفلان وعدد رجالا، ولكن أرى أن أجمع الخيل ومن أرى أنه يقاتل فأصكهم، سلمت أم عطبت، فجمع الناس وحملوا فانكشفت الترك، وثار الغبار فلم يبصروا، ومن وراء الترك اللهب، فسقطوا فيه، وسقط فيه العدو والمسلمون، وسقط سورة فاندقت فخذه، وتفرق الناس، وانكشفت الغمة والناس متفرقون، فقطعتهم الترك، فقتلوهم فلم ينج منهم غير ألفين – ويقال: ألف – وكان ممن نجا عاصم بْن عمير السمرقندي، عرفه رجل من الترك فأجاره، واستشهد حليس بْن غالب الشيباني، فقال رجل من العرب: الحمد لله، استشهد حليس، ولقد رأيته يرمي البيت أيام الحجاج ويقول: دري عقاب، بلبن وأخشاب، وامراه قائمة، فكلما رمي بحجر قالت المرأة: يا رب بي ولا ببيتك! ثم رزق الشهادة.
وانحاز المهلب بن زياد العجلى في سبعمائة ومعه قريش بْن عبد الله العبدي إلى رستاق يسمى المرغاب، فقاتلوا أهل قصر من قصورهم، فأصيب المهلب بْن زياد، وولوا أمرهم الوجف بْن خالد، ثم أتاهم الإشكند صاحب نسف في خيل ومعه غوزك، فقال غوزك: يا وجف، لكم الأمان، فقال قريش: لا تثقوا بهم، ولكن إذا جننا الليل خرجنا عليهم حتى نأتي سمرقند، فإنا إن أصبحنا معهم قتلونا.
قَالَ: فعصوه وأقاموا، فساقوهم إلى خاقان، فقال: لا أجيز أمان غوزك، فقال غوزك للوجف: أنا عبد لخاقان من شاكريته، قالوا: فلم غرزتنا؟ فقاتلهم الوجف وأصحابه، فقتلوا غير سبعة عشر رجلا دخلوا الحائط وأمسوا، فقطع المشركون شجرة فألقوها على ثلمة الحائط، فجاء قريش بْن عبد الله العبدي إلى الشجرة فرمى بها، وخرج في ثلاثة فباتوا في ناوس فكمنوا فيه وجبن الآخرون فلم يخرجوا، فقتلوا حين أصبحوا.
وقتل سورة، فلما قتل خرج الجنيد من الشعب يريد سمرقند مبادرا، فقال له خالد بْن عبيد الله بْن حبيب: سر سر، ومجشر بْن مزاحم السلمي يقول: أذكرك الله أقم، والجنيد يتقدم، فلما رأى المجشر ذلك نزل فأخذ بلجام الجنيد، فقال: والله لا تسير ولتنزلن طائعا أو كارها، ولا ندعك تهلكنا بقول هذا الهجري، انزل فنزل ونزل الناس فلم يتتام نزولهم حتى طلع الترك، فقال المجشر: لو لقونا ونحن نسير، ألم يستأصلونا! فلما أصبحوا تناهضوا، فانكشفت طائفة، وجال الناس، فقال الجنيد: أيها الناس، إنها النار، فتراجعوا وأمر الجنيد رجلا فنادى: أي عبد قاتل فهو حر، فقاتل العبيد قتالا شديدا عجب الناس منه، جعل أحدهم يأخذ اللبد فيجوبه ويجعله في عنقه، يتوقى به فسر الناس بما رأوا من صبرهم، فكر العدو، وصبر الناس حتى انهزم العدو فمضوا، فقال موسى بْن النعر للناس: أتفرحون بما رأيتم من العبيد! والله إن لكم منهم ليوما أرونان ومضى الجنيد فأخذ العدو رجلا من عبد القيس فكتفوه، وعلقوا في عنقه رأس بلعاء العنبري بْن مجاهد بْن بلعاء، فلقيه الناس فأخذ بنو تميم الرأس فدفنوه، ومضى الجنيد إلى سمرقند، فحمل عيال من كان مع سورة إلى مرو، وأقام بالسغد أربعة أشهر، وكان صاحب رأي خراسان في الحرب المجشر بْن مزاحم السلمي وعبد الرحمن بْن صبح الخرقي وعبيد الله بْن حبيب الهجري، وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم، ويضع المسالح ليس لأحد مثل رايه في ذلك، وكان عبد الرحمن ابن صبح إذا نزل الأمر العظيم في الحرب لم يكن لأحد مثل رأيه، وكان عبيد الله بن حبيب على تعبئه القتال، وكان رجال من الموالي مثل هؤلاء في الرأي والمشورة والعلم بالحرب، فمنهم الفضل بْن بسام مولى بني ليث وعبد الله ابن أبي عبد الله مولى بني سليم والبختري بْن مجاهد مولى بني شيبان قَالَ: فلما انصرف الترك إلى بلادهم بعث الجنيد سيف بْن وصاف العجلي من سمرقند إلى هشام، فجبن عن السير وخاف الطريق، فاستعفاه فأعفاه، وبعث نهار بْن توسعة أحد بني تميم اللات وزميل بْن سويد المري، مرة غطفان، وكتب إلى هشام: أن سورة عصاني، أمرته بلزوم الماء فلم يفعل، فتفرق عنه أصحابه، فأتتني طائفة إلى كس، وطائفة إلى نسف، وطائفة إلى سمرقند، وأصيب سورة في بقية أصحابه.
قَالَ: فدعا هشام نهار بْن توسعة، فسأله عن الخبر فأخبره بما شهد، فقال نهار بْن توسعة:

لعمرك ما حابيتني إذ بعثتني *** ولكنما عرضتني للمتالف
دعوت لها قوما فهابوا ركوبها *** وكنت امرأ ركابة للمخاوف
فأيقنت إن لم يدفع الله أنني *** طعام سباع أو لطير عوائف
قرين عراك وهو أيسر هالك *** عليك وقد زملته بصحائف
فإني وإن آثرت منه قرابة *** لأعظم حظا في حباء الخلائف
على عهد عثمان وفدنا وقبله *** وكنا أولي مجد تليد وطارف

قَالَ: وكان عراك معهم في الوفد، وهو ابن عم الجنيد، فكتب إلى الجنيد: قد وجهت إليك عشرين ألفا مددا، عشرة آلاف من أهل البصرة عليهم عمرو بْن مسلم، ومن أهل الكوفة عشرة آلاف عليهم عبد الرحمن ابن نعيم، ومن السلاح ثلاثين ألف رمح ومثلها ترسة، فافرض فلا غاية لك في الفريضة لخمسة عشر ألفا.
قَالَ: ويقال أن الجنيد أوفد الوفد إلى خالد بْن عبد الله، فأوفد خالد إلى هشام: أن سورة بْن الحر خرج يتصيد مع أصحاب له فهجم عليهم الترك، فأصيبوا فقال هشام حين أتاه مصاب سورة: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! مصاب سوره بن الحر بخراسان والجراح بالباب! وأبلى نصر بْن سيار يومئذ بلاء حسنا، فانقطع سيفه، وانقطع سيور ركابه، فأخذ سيور ركابه، فضرب به رجلا حتى أثخنه، وسقط في اللهب مع سورة يومئذ عبد الكريم ابن عبد الرحمن الحنفي وأحد عشر رجلا معه وكان ممن سلم من أصحاب سورة ألف رجل، فقال عبد الله بْن حاتم بْن النعمان: رأيت فساطيط مبنية بين السماء والأرض، فقلت: لمن هذه؟ فقالوا: لعبد الله بْن بسطام وأصحابه، فقتلوا من غد، فقال رجل: مررت في ذلك الموضع بعد ذلك بحين فوجدت رائحة المسك ساطعة قَالَ: ولم يشكر الجنيد لنصر ما كان من بلائه، فقال نصر:


إن تحسدوني على حسن البلاء لكم *** يوما، فمثل بلائي جر لي الحسدا

يأبى الإله الذي أعلى بقدرته *** كعبي عليكم وأعطى فوقكم عضدا
وضربي الترك عنكم يوم فرقكم *** بالسيف في الشعب حتى جاوز السندا

قَالَ: وكان الجنيد يوم الشعب أخذ في الشعب، وهو لا يرى أن أحدا يأتيه من الجبال، وبعث ابن الشخير في مقدمته، واتخذ ساقة، ولم يتخذ مجنبتين.
وأقبل خاقان فهزم المقدمة، وقتل من قتل منهم، وجاءه خاقان من قبل ميسرته وجبغويه من قبل الميمنة، فأصيب رجال من الأزد وتميم، وأصابوا له سرادقات وأبنية، فأمر الجنيد حين أمسى رجلا من أهل بيته، فقال له:
امش في الصفوف والدراجة، وتسمع ما يقول الناس، وكيف حالهم، ففعل ثم رجع إليه، فقال: رأيتهم طيبة أنفسهم، يتناشدون الأشعار، ويقرءون القرآن، فسره ذلك، وحمد الله.
قَالَ: ويقال نهضت العبيد يوم الشعب من جانب العسكر وقد أقبلت الترك والسغد ينحدرون، فاستقبلهم العبيد وشدوا عليهم بالعمد، فقتلوا منهم تسعة، فأعطاهم الجنيد أسلابهم.
وقال ابن السجف في يوم الشعب، ويعني هشاما:

اذكر يتامى بأرض الترك ضائعة *** هزلى كأنهم في الحائط الحجل
وارحم، وإلا فهبها أمة دمرت *** لا أنفس بقيت فيها ولا ثقل
لا تأملن بقاء الدهر بعدهم *** والمرء ما عاش ممدود له الأمل
لاقوا كتائب من خاقان معلمة *** عنهم يضيق فضاء السهل والجبل
لما رأوهم قليلا لا صريخ لهم *** مدوا بأيديهم لله وابتهلوا
وبايعوا رب موسى بيعة صدقت *** ما في قلوبهم شك ولا دغل

قَالَ: فأقام الجنيد بسمرقند ذلك العام، وانصرف خاقان إلى بخارى وعليها قطن بْن قتيبة، فخاف الناس الترك على قطن، فشاورهم الجنيد، فقال قوم: الزم سمرقند، واكتب إلى أمير المؤمنين يمدك بالجنود وقال قوم:
تسير فتأتي ربنجن، ثم تسير منها إلى كس، ثم تسير منها إلى نسف، فتتصل منها إلى أرض زم، وتقطع النهر وتنزل آمل، فتأخذ عليه بالطريق.
فبعث إلى عبد الله بْن أبي عبد الله، فقال: قد اختلف الناس علي- وأخبره بما قالوا- فما الرأي؟ فاشترط عليه ألا يخالفه فيما يشير به عليه من ارتحال أو نزول أو قتال، قَالَ: نعم، قَالَ: فإني أطلب إليك خصالا، قَالَ: وما هي؟ قَالَ: تخندق حيثما نزلت، ولا يفوتنك حمل الماء ولو كنت على شاطئ نهر، وأن تطيعني في نزولك وارتحالك فأعطاه ما اراد.
قال: اما ما اشار به عليك في مقامك بسمرقند حتى يأتيك الغياث، فالغياث يبطئ عنك، وإن سرت فأخذت بالناس غير الطريق فتت في أعضادهم، فانكسروا عن عدوهم، فاجترأ عليك خاقان، وهو اليوم قد استفتح بخارى فلم يفتحوا له، فإن أخذت بهم غير الطريق تفرق الناس عنك مبادرين إلى منازلهم، ويبلغ أهل بخارى فيستسلموا لعدوهم، وإن أخذت الطريق الأعظم هابك العدو، والرأي لك أن تعمد إلى عيالات من شهد الشعب من أصحاب سورة فتقسمهم على عشائرهم وتحملهم معك، فإني أرجو بذلك أن ينصرك الله على عدوك، وتعطي كل رجل تخلف بسمرقند ألف درهم وفرسا.
قَالَ: فأخذ برأيه، فخلف في سمرقند عثمان بْن عبد الله بن الشخير في ثمانمائه: أربعمائة فارس وأربعمائة راجل، وأعطاهم سلاحا فشتم الناس عبد الله بْن أبي عبد الله مولى بني سليم، وقالوا: عرضنا لخاقان والترك، ما أراد إلا هلاكنا! فقال عبيد الله بْن حبيب لحرب بْن صبح: كم كانت لكم الساقه اليوم؟ قال: الف وستمائه، قَالَ: لقد عرضنا للهلاك قَالَ: فأمر الجنيد بحمل العيال.
قَالَ: وخرج والناس معه، وعلى طلائعه الوليد بن القعقاع العبسى وزياد ابن خيران الطائي، فسرح الجنيد الأشهب بْن عبيد الحنظلي، ومعه عشرة من طلائع الجند، وقال له: كلما مضيت مرحلة فسرح إلي رجلا يعلمني الخبر.
قَالَ: وسار الجنيد، فلما صار بقصر الريح أخذ عطاء الدبوسي بلجام الجنيد وكبحه، فقرع رأسه هارون الشاشي مولى بني حازم بالرمح حتى كسره على رأسه، فقال الجنيد لهارون: خل عن الدبوسي، وقال له: ما لك يا دبوسي؟ فقال: انظر أضعف شيخ في عسكرك فسلحه سلاحا تاما، وقلده سيفا وجعبة وترسا، وأعطه رمحا، ثم سر بنا على قدر مشيه، فإنا لا نقدر على السوق والقتال وسرعة السير ونحن رجالة ففعل ذلك الجنيد، فلم يعرض للناس عارض حتى خرجوا من الأماكن المخوفة، ودنا من الطواويس، فجاءتنا الطلائع بإقبال خاقان، فعرضوا له بكرمينية، أول يوم من رمضان.
فلما ارتحل الجنيد من كرمينية قدم محمد بْن الرندي في الأساورة آخر الليل، فلما كان في طرف مفازة كرمينية رأى ضعف العدو، فرجع إلى الجنيد فأخبره، فنادى منادي الجنيد: ألا يخرج المكتبون إلى عدوهم؟ فخرج الناس، ونشبت الحرب، فنادى رجل: أيها الناس، صرتم حرورية فاستقتلتم وجاء عبد الله بْن أبي عبد الله إلى الجنيد يضحك، فقال له الجنيد: ما هذا بيوم ضحك! فقيل له: إنه ضحك تعجبا، فالحمد لله الذي لم يلقك هؤلاء إلا في جبال معطشة، فهم على ظهر وأنت مخندق آخر النهار، كالين وأنت معك الزاد، فقاتلوا قليلا ثم رجعوا وكان عبد الله بْن أبي عبد الله قَالَ للجنيد وهم يقاتلون: ارتحل، فقال الجنيد: وهل من حيلة؟
قَالَ: نعم، تمضي برايتك قدر ثلاث غلاء، فإن خاقان ود أنك أقمت فينطوي عليك إذا شاء فأمر بالرحيل وعبد الله بْن أبي عبد الله على الساقة.
فأرسل إليه: انزل، قَالَ: أنزل على غير ماء! فأرسل إليه: إن لم تنزل ذهبت خراسان من يدك، فنزل وأمر الناس أن يسقوا، فذهب الناس الرجالة والناشبة، وهم صفان، فاستقوا وباتوا، فلما أصبحوا ارتحلوا، فقال عبد الله ابن أبي عبد الله: إنكم معشر العرب أربعة جوانب، فليس يعيب بعضهم بعضا، كل ربع لا يقدر أن يزول عن مكانه: مقدمة- وهم القلب- ومجنبتان وساقة، فإن جمع خاقان خيله ورجاله ثم صدم جانبا منكم- وهم الساقة- كان بواركم، وبالحري أن يفعل، وأنا أتوقع ذلك في يومي، فشدوا الساقة بخيل فوجه الجنيد خيل بني تميم والمجففة، وجاءت الترك فمالت على الساقة، وقد دنا المسلمون من الطواويس فاقتتلوا، فاشتد الأمر بينهم، فحمل سلم بْن أحوز على رجل من عظماء الترك فقتله قَالَ: فتطير الترك، وانصرفوا من الطواويس، ومضى المسلمون، فأتوا بخارى يوم المهرجان قَالَ: فتلقونا بدراهم بخارية، فأعطاهم عشرة عشرة، فقال عبد المؤمن بْن خالد: رأيت عبد الله بْن أبي عبد الله بعد وفاته في المنام، فقال: حدث الناس عني برأيي يوم الشعب.
قَالَ: وكان الجنيد يذكر خالد بْن عبد الله، ويقول: ربذة من الربذ، صنبور ابن صنبور، قل ابْن قل، هيفة من الهيف – وزعم أن الهيفة الضبع، والعجرة الخنزيرة، والقل: الفرد – قَالَ: وقدمت الجنود مع عمرو بْن مسلم الباهلي في أهل البصره وعبد الرحمن بْن نعيم الغامدي في أهل الكوفة وهو بالصغانيان، فسرح معهم الحوثرة بْن يزيد العنبري فيمن انتدب معه من التجار وغيرهم، وأمرهم أن يحملوا ذراري أهل سمرقند، ويدعوا فيها المقاتلة ففعلوا قَالَ أبو جعفر: وقد قيل: إن وقعة الشعب بين الجنيد وخاقان كانت في سنة ثلاث عشرة ومائة.وقال نصر بْن سيار يذكر يوم الشعب وقتال العبيد:

إني نشأت وحسادي ذوو عدد *** يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن تحسدوني على مثل البلاء لكم *** يوما فمثل بلائي جر لي الحسدا
يأبى الإله الذي أعلى بقدرته *** كعبي عليكم وأعطى فوقكم عددا
أرمي العدو بأفراس مكلمة *** حتى اتخذن على حسادهن يدا
من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا *** لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا!
فما حفظتم من الله الوصاة ولا *** أنتم بصبر طلبتم حسن ما وعدا
ولا نهاكم عن التوثاب في عتب *** إلا العبيد بضرب يكسر العمدا
هلا شكرتم دفاعى عن جنيد كم *** وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا!

وقال ابن عرس العبدي، يمدح نصرا يوم الشعب ويذم الجنيد، لأن نصرا أبلى يومئذ:

يا نصر أنت فتى نزار كلها *** فلك المآثر والفعال الأرفع
فرجت عن كل القبائل كربة *** بالشعب حين تخاضعوا وتضعضعوا
يوم الجنيد إذ القنا متشاجر *** والنحر دام والخوافق تلمع
ما زلت ترميهم بنفس حرة *** حتى تفرج جمعهم وتصدعوا
فالناس كل بعدها عتقاؤكم *** ولك المكارم والمعالي أجمع

وقال الشرعبي الطائي:

تذكرت هندا في بلاد غريبة *** فيا لك شوقا، هل لشملك مجمع!
تذكرتها والشاش بيني وبينها *** وشعب عصام والمنايا تطلع
بلاد بها خاقان جم زحوفه *** ونيلان في سبعين ألفا مقنع
إذا دب خاقان وسارت جنوده *** أتتنا المنايا عند ذلك شرع
هنالك- هند- ما لنا النصف منهم *** وما إن لنا يا هند في القوم مطمع
ألا رب خود خدلة قد رايتها *** يسوق جهم من السغد أصمع
أحامي عليها حين ولى خليلها *** تنادي إليها المسلمين فتسمع
تنادي بأعلى صوتها صف قومها *** ألا رجل منكم يغار فيرجع!
ألا رجل منكم كريم يردني *** يرى الموت في بعض المواطن ينفع!
فما جاوبوها غير أن نصيفها *** بكف الفتى بين البرازيق أشنع
إلى الله أشكو نبوة في قلوبها *** ورعبا ملا أجوافها يتوسع
فمن مبلغ عني ألوكا صحيفة *** إلى خالد من قبل أن نتوزع
بأن بقايانا وأن أميرنا *** إذا ما عددناه الذليل الموقع
هم أطمعوا خاقان فينا وجنده *** ألا ليتنا كنا هشيما يزعزع

وقال ابن عرس – واسمه خالد بْن المعارك من بني غنم بْن وديعة بْن لكيز بْن أفصى وذكر علي بْن محمد عن شيخ من عبد القيس أن أمه كانت أمة، فباعه أخوه تميم بْن معارك من عمرو بْن لقيط أحد بنى عامر بن الحارث، فاعتقه عمرو لما حضرته الوفاة، فقال: يا أبا يعقوب، كم لي عندك من المال؟ قَالَ: ثمانون ألفا، قَالَ: أنت حر وما في يديك لك قال: فكان عمرو ينزل مرو الروذ، وقد اقتتلت عبد القيس في ابن عرس، فردوه إلى قومه، فقال ابن عرس للجنيد:

أين حماة الحرب من معشر *** كانوا جمال المنسر الحارد!
بادوا بآجال توافوا لها *** والعائر الممهل كالبائد
فالعين تجرى دمعها مسبلا *** ما لدموع العين من ذائد
انظر ترى للميت من رجعة *** أم هل ترى في الدهر من خالد!
كنا قديما يتقى بأسنا *** وندرأ الصادر بالوارد
حتى منينا بالذي شامنا *** من بعد عز ناصر آئد
كعاقر الناقة لا ينثني *** مبتدئا ذي حنق جاهد
فتقت ما لم يلتئم صدعه *** بالجحفل المحتشد الزائد
تبكي لها إن كشفت ساقها *** جدعا وعقرا لك من قائد!
تركتنا أجزاء معبوطة *** يقسمها الجازر للناهد
ترقت الأسياف مسلولة *** تزيل بين العضد والساعد
تساقط الهامات من وقعها *** بين جناحي مبرق راعد
إذ أنت كالطفله في خدرها *** لم تدر يوما كيدة الكائد
إنا أناس حربنا صعبة *** تعصف بالقائم والقاعد
أضحت سمرقند وأشياعها *** أحدوثة الغائب والشاهد
وكم ثوى في الشعب من حازم *** جلد القوى ذي مرة ماجد

يستنجد الخطب ويغشى الوغى *** لا هائب غس ولا ناكد
ليتك يوم الشعب في حفرة *** مرموسة بالمدر الجامد
تلعب بك الحرب وأبناؤها *** لعب صقور بقطا وارد
طار لها قلبك من خيفة *** ما قلبك الطائر بالعائد
لا تحسبن الحرب يوم الضحى *** كشربك المزاء بالبارد
أبغضت من عينك تبريجها *** وصورة في جسد فاسد
جنيد ما عيصك منسوبه *** نبعا ولا جدك بالصاعد
خمسون ألفا قتلوا ضيعة *** وأنت منهم دعوة الناشد
لا تمرين الحرب من قابل *** ما أنت في العدوة بالحامد
قلدته طوقا على نحره *** طوق الحمام الغرد الفارد
قصيدة حبرها شاعر *** تسعى بها البرد الى خالد

[أخبار متفرقة]
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام المخزومي، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
وقد قيل: إن الذي حج بالناس في هذه السنة سليمان بْن هشام.
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها الذين كانوا في سنة إحدى عشرة ومائة، وقد ذكرناهم قبل.