202 هـ
817 م
سنة اثنتين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

ذكر الخبر بيعه ابراهيم بن المهدى، فمما كان فيها من ذلك بيعة أهل بغداد لإبراهيم بْن المهدي بالخلافة، وتسميتهم إياه المبارك وقيل إنهم بايعوه …

في أول يوم من المحرم بالخلافة، وخلعوا المأمون، فلما كان يوم الجمعة صعد إبراهيم المنبر، فكان أول من بايعه عبيد الله بْن العباس بْن محمد الهاشمي، ثم منصور بْن المهدي، ثم سائر بني هاشم، ثم القواد وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بْن عبد الله بْن مالك، وكان الذي سعى في ذلك وقام به السندي وصالح صاحب المصلى ومنجاب ونصير الوصيف وسائر الموالي، إلا أن هؤلاء كانوا الرؤساء والقادة غضبا منهم على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد علي، ولتركه لباس آبائه من السواد ولبسه الخضرة.
ولما فرغ من البيعة وعد الجند ان يعطيهم ارزاق سته الأشهر، فدافعهم بها، فلما رأوا ذلك شغبوا عليه، فأعطاهم مائتي درهم لكل رجل، وكتب لبعضهم الى السواد بقيمة بقية مالهم حنطة وشعيرا فخرجوا في قبضها فلم يمروا بشيء إلا انتهبوه، فأخذوا النصيبين جميعا، نصيب أهل البلاد ونصيب السلطان وغلب إبراهيم مع أهل بغداد على أهل الكوفة والسواد كله، وعسكر بالمدائن وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس بْن موسى الهادي والجانب الغربي إسحاق بْن موسى الهادي وقال إبراهيم بْن المهدي:

ألم تعلموا يا آل فهر بأنني *** شريت بنفسي دونكم في المهالك

خبر تحكيم مهدى بن علوان الحروري
وفي هذه السنة حكم مهدي بْن علوان الحروري، وكان خروجه ببزرجسابور، وغلب على طساسيج هنالك وعلى نهر بوق والراذانين وقد قيل: إن خروج مهدي كان في سنة ثلاث ومائتين في شوال منها، فوجه إليه إبراهيم بْن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد في جماعة من القواد، منهم أبو البط وسعيد بْن الساجور، ومع أبي إسحاق غلمان له أتراك، فذكر عن شبيل صاحب السلبة، أنه كان معه وهو غلام، فلقوا الشراة، فطعن رجل من الأعراب أبا إسحاق، فحامى عنه غلام له تركي، وقال له: أشناس مرا، أي اعرفني، فسماه يومئذ أشناس، وهو أبو جعفر أشناس، وهزم مهدي إلى حولايا.
وقال بعضهم: إنما وجه إبراهيم إلى مهدى بن علوان الدهقاني الحروري المطلب، فسار إليه، فلما قرب منه أخذ رجلا من قعد الحرورية يقال له أقذى، فقتله، واجتمعت الأعراب فقاتلوه فهزموه حتى أدخلوه بغداد.
وفي هذه السنة وثب أخو أبي السرايا بالكوفة، فبيض، واجتمعت إليه جماعة، فلقيه غسان بْن أبي الفرج في رجب فقتله، وبعث برأسه الى ابراهيم ابن المهدي

ذكر الخبر عن تبييض أخي أبي السرايا وظهوره بالكوفة
ذكر أن الحسن بْن سهل أتاه وهو مقيم بالمبارك في معسكره كتاب المأمون يأمره بلبس الخضرة، وأن يبايع لعلي بْن موسى بْن جعفر بْن محمد بولاية العهد من بعده، ويأمره أن يتقدم إلى بغداد حتى يحاصر أهلها، فارتحل حتى نزل سمر، وكتب إلى حميد بْن عبد الحميد أن يتقدم إلى بغداد حتى يحاصر أهلها من ناحية أخرى، ويأمره بلباس الخضرة، ففعل ذلك حميد وكان سعيد بْن الساجور وأبو البط وغسان بْن أبي الفرج ومحمد بْن إبراهيم الإفريقي وعدة من قواد حميد كاتبوا إبراهيم بْن المهدي، على أن يأخذوا له قصر ابن هبيرة.
وكان قد تباعد ما بينهم وبين حميد، فكانوا يكتبون إلى الحسن بْن سهل يخبرونه أن حميدا يكاتب ابراهيم، وكان يكتب فيهم بمثل ذلك، وكان الحسن يكتب إلى حميد يسأله أن يأتيه فلم يفعل، وخاف إن هو خرج إلى الحسن أن يثب الآخرون بعسكره، فكانوا يكتبون إلى الحسن أنه ليس يمنعه من إتيانك إلا أنه مخالف لك، وأنه قد اشترى الضياع بين الصراة وسورا والسواد فلما ألح عليه الحسن بالكتب، خرج إليه يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الآخر فكتب سعيد وأصحابه إلى إبراهيم يعلمونه، ويسألون أن يبعث إليهم عيسى بْن محمد بْن أبي خالد، حتى يدفعوا إليه القصر وعسكر حميد، وكان إبراهيم قد خرج من بغداد يوم الثلاثاء حتى عسكر بكلواذى يريد المدائن، فلما أتاه الكتاب وجه عيسى إليهم.
فلما بلغ أهل عسكر حميد خروج عيسى ونزوله قرية الأعراب على فرسخ من القصر تهيئوا للهرب، وذلك ليلة الثلاثاء، وشد أصحاب سعيد وأبي البط والفضل بْن محمد بْن الصباح الكندي الكوفي على عسكر حميد، فانتهبوا ما فيه، وأخذوا لحميد – فيما ذكر – مائة بدرة أموالا ومتاعا، وهرب ابن لحميد ومعاذ بْن عبد الله، فأخذ بعضهم نحو الكوفة وبعض نحو النيل، فأما ابن حميد، فإنه انحدر بجواري أبيه إلى الكوفة، فلما أتى الكوفة اكترى بغالا ثم أخذ الطريق، ثم لحق بأبيه بعسكر الحسن، ودخل عيسى القصر وسلمه له سعيد وأصحابه، وصار عيسى وأخذه منهم، وذلك يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الآخر وبلغ الحسن بْن سهل وحميد عنده، فقال له حميد: ألم أعلمك بذلك! ولكن خدعت، وخرج من عنده حتى أتى الكوفة، فأخذ أموالا له كانت هنالك ومتاعا وولى على الكوفة العباس بْن موسى بْن جعفر العلوي، وامره بلباس الحضره، وأن يدعو للمأمون ومن بعده لأخيه علي بْن موسى، وأعانه بمائة ألف درهم، وقال له: قاتل عن أخيك، فإن أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك، وأنا معك فلما كان الليل خرج حميد من الكوفة وتركه، وقد كان الحسن وجه حكيما الحارثي حين بلغه الخبر إلى النيل، فلما بلغ ذلك عيسى وهو بالقصر تهيأ هو وأصحابه، حتى خرجوا إلى النيل، فلما كان ليلة السبت لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر طلعت حمرة في السماء، ثم ذهبت الحمرة، وبقي عمودان أحمران في السماء إلى آخر الليل، وخرج غداة السبت عيسى وأصحابه من القصر إلى النيل، فواقعهم حكيم، وأتاهم عيسى وسعيد وهم في الوقعة، فانهزم حكيم، ودخلوا النيل.
فلما صاروا بالنيل، بلغهم خبر العباس بْن موسى بْن جعفر العلوي، وما يدعو إليه أهل الكوفة، وأنه قد أجابه قوم كثير منهم، وقال له قوم آخرون:
إن كنت تدعو للمأمون ثم من بعده لأخيك فلا حاجة لنا في دعوتك، وإن كنت تدعو إلى أخيك أو بعض أهل بيتك أو إلى نفسك أجبناك فقال:
أنا أدعو إلى المأمون ثم من بعده لأخي، فقعد عنه الغالية من الرافضة وأكثر الشيعة وكان يظهر أن حميدا يأتيه فيعينه ويقويه، وأن الحسن يوجه إليه قوما من قبله مددا، فلم يأته منهم أحد، وتوجه إليه سعيد وأبو البط من النيل إلى الكوفة، فلما صاروا بدير الأعور، أخذوا طريقا يخرج بهم إلى عسكر هرثمة عند قرية شاهي.
فلما التأم إليه أصحابه، خرجوا يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى.
فلما صاروا قرب القنطرة خرج عليهم علي بْن محمد بن جعفر العلوي، ابن المبايع له بمكة، وأبو عبد الله أخو أبي السرايا ومعهم جماعة كثيرة، وجههم مع علي بْن محمد ابن عمه صاحب الكوفة العباس بْن موسى بْن جعفر، فقاتلوهم ساعة، فانهزم علي وأصحابه حتى دخلوا الكوفة، وجاء سعيد وأصحابه حتى نزلوا الحيرة، فلما كان يوم الثلاثاء غدوا فقاتلوهم مما يلي دار عيسى بْن موسى، وأجابهم العباسيون ومواليهم، فخرجوا إليهم من الكوفة، فاقتتلوا يومهم إلى الليل، وشعارهم: يا إبراهيم يا منصور، لا طاعة للمأمون، وعليهم السواد، وعلى العباس وأصحابه من أهل الكوفة الخضرة.
فلما كان يوم الأربعاء اقتتلوا في ذلك الموضع، فكان كل فريق منهم إذا ظهروا على شيء أحرقوه فلما رأى ذلك رؤساء أهل الكوفة، أتوا سعيدا وأصحابه، فسألوه الأمان للعباس بْن موسى بْن جعفر وأصحابه، على أن يخرج من الكوفة، فأجابوهم إلى ذلك، ثم أتوا العباس فأعلموه، وقالوا: إن عامة من معك غوغاء، وقد ترى ما يلقى الناس من الحرق والنهب والقتل، فأخرج من بين أظهرنا، فلا حاجة لنا فيك فقبل منهم، وخاف أن يسلموه، وتحول من منزله الذي كان فيه بالكناسة، ولم يعلم أصحابه بذلك، وانصرف سعيد وأصحابه إلى الحيرة، وشد أصحاب العباس بْن موسى على من بقي من أصحاب سعيد وموالي عيسى بْن موسى العباسي، فهزموهم حتى بلغوا بهم الخندق، ونهبوا ربض عيسى بْن موسى، فأحرقوا الدور، وقتلوا من ظهروا به فبعث العباسيون ومواليهم إلى سعيد يعلمونه بذلك، وأن العباس قد رجع عما كان طلب من الأمان فركب سعيد وأبو البط وأصحابهما حتى أتوا الكوفة عتمة، فلم يظفروا بأحد منهم ينتهب إلا قتلوه، ولم يظهروا على شيء مما كان في أيدي أصحاب العباس إلا أحرقوه، حتى بلغوا الكناسة، فمكثوا بذلك عامة الليل حتى خرج إليهم رؤساء أهل الكوفة، فأعلموهم أن هذا من عمل الغوغاء، وأن العباس لم يرجع عن شيء فانصرفوا عنهم.
فلما كان غداة الخميس لخمس خلون من جمادى الأولى، جاء سعيد وأبو البط حتى دخلوا الكوفة، ونادى مناديهم: أمن الأبيض والأسود، ولم يعرضوا لأحد من الخلق إلا بسبيل خير، وولوا على الكوفة الفضل بْن محمد بْن الصباح الكندي، من أهلها فكتب إليهم إبراهيم بْن المهدي يأمرهم بالخروج إلى ناحية واسط، وكتب إلى سعيد أن يستعمل على الكوفة غير الكندي، لميله إلى أهل بلده، فولاها غسان بن ابى الفرج، ثم عزله بعد ما قتل أبا عبد الله أخا أبي السرايا، فولاها سعيد ابن أخيه الهول، فلم يزل واليا عليها حتى قدمها حميد ابن عبد الحميد، وهرب الهول منها، وأمر إبراهيم بن المهدى عيسى بن محمد ابن أبي خالد أن يسير إلى ناحية واسط على طريق النيل، وأمر ابن عائشة الهاشمي ونعيم بن خازم ان يسيرا جميعا، فخرجا مما يلي جوخى، وبذلك أمرهما، وذلك في جمادى الأولى ولحق بهما سعيد وأبو البط والإفريقي حتى عسكروا بالصيادة قرب واسط، فاجتمعوا جميعا في مكان واحد، وعليهم عيسى بْن محمد بْن أبي خالد، فكانوا يركبون حتى يأتوا عسكر الحسن وأصحابه بواسط في كل يوم، فلا يخرج إليهم من أصحاب الحسن أحد، وهم متحصنون بمدينة واسط.
ثم أن الحسن أمر أصحابه بالتهيؤ للخروج للقتال، فخرجوا إليهم يوم السبت لأربع بقين من رجب، فاقتتلوا قتالا شديدا إلى قريب الظهر ثم وقعت الهزيمة على عيسى وأصحابه، فانهزموا حتى بلغوا طرنايا والنيل، وأخذ أصحاب الحسن جميع ما كان في عسكرهم من سلاح ودواب وغير ذلك
. ظفر إبراهيم بْن المهدي بسهل بْن سلامة المطوعى
وفي هذه السنة ظفر إبراهيم بْن المهدي بسهل بْن سلامة المطوعي فحبسه وعاقبه.

ذكر الخبر عن سبب ظفره به وحبسه إياه:
ذكر أن سهل بْن سلامة كان مقيما ببغداد، يدعو إلى العمل بكتاب الله وسنه نبيه ص، فلم يزل كذلك حتى اجتمع إليه عامة أهل بغداد ونزلوا عنده، سوى من هو مقيم في منزله، وهواه ورأيه معه، وكان إبراهيم قد هم بقتاله قبل الوقعة، ثم أمسك عن ذلك، فلما كانت هذه الوقعة وصارت الهزيمة على أصحاب عيسى ومن معه أقبل على سهل بْن سلامة، فدس إليه وإلى أصحابه الذين بايعوه على العمل بالكتاب والسنة، وألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكان كل من أجابه إلى ذلك قد عمل على باب داره برجا بجص وآجر، ونصب عليه السلاح والمصاحف، حتى بلغوا قرب باب الشام، سوى من أجابه من أهل الكرخ وسائر الناس، فلما رجع عيسى من الهزيمة إلى بغداد، أقبل هو وإخوته وجماعة اصحابه نحو سهل ابن سلامة، لأنه كان يذكرهم بأسوأ أعمالهم وفعالهم، ويقول: الفساق، لم يكن لهم عنده اسم غيره، فقاتلوه أياما، وكان الذي تولى قتاله عيسى ابن محمد بْن أبي خالد، فلما صار إلى الدروب التي قرب سهل أعطى أهل الدروب الالف الدرهم والألفين درهما، على ان يتنحوا له عن الدروب، فأجابوه إلى ذلك، فكان نصيب الرجل الدرهم والدرهمين ونحو ذلك، فلما كان يوم السبت لخمس بقين من شعبان تهيئوا له من كل وجه، وخذله أهل الدروب حتى وصلوا إلى مسجد طاهر بْن الحسين وإلى منزله، وهو بالقرب من المسجد، فلما وصلوا إليه اختفى منهم، وألقى سلاحه، واختلط بالنظارة، ودخل بين النساء فدخلوا منزله.
فلما لم يظفروا به جعلوا عليه العيون، فلما كان الليل أخذوه في بعض الدروب التي قرب منزله، فأتوا به إسحاق بْن موسى الهادي- وهو ولي العهد بعد عمه إبراهيم بْن المهدي وهو بمدينة السلام- فكلمه وحاجه، وجمع بينه وبين أصحابه، وقَالَ له: حرضت علينا الناس، وعبت أمرنا! فقال له: إنما كانت دعوتي عباسية، وإنما كنت أدعو إلى العمل بالكتاب والسنة، وأنا على ما كنت عليه أدعوكم إليه الساعة فلم يقبلوا ذلك منه ثم قالوا له: اخرج إلى الناس، فقل لهم: إن ما كنت أدعوكم إليه باطل فأخرج إلى الناس وقال: قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة، وأنا أدعوكم إليه الساعة فلما قَالَ لهم هذا وجئوا عنقه، وضربوا وجهه، فلما صنعوا ذلك به قَالَ: المغرور من غررتموه يا أصحاب الحربية، فأخذ فأدخل إلى إسحاق، فقيده، وذلك يوم الأحد فلما كان ليلة الاثنين خرجوا به إلى إبراهيم بالمدائن، فلما دخل عليه كلمه بما كلم به إسحاق، فرد عليه مثل ما رد على إسحاق وقد كانوا أخذوا رجلا من أصحابه يقال له محمد الرواعى، فضربه إبراهيم، ونتف لحيته، وقيده وحبسه، فلما أخذ سهل ابن سلامه حبسوه أيضا، وادعوا أنه كان دفع إلى عيسى، وأن عيسى قتله، وإنما أشاعوا ذلك تخوفا من الناس أن يعلموا بمكانه فيخرجوه، فكان بين خروجه وبين اخذه وحبسه اثنا عشر شهرا.

ذكر خبر شخوص المأمون الى العراق
وفي هذه السنة شخص المأمون من مرو يريد العراق.

ذكر الخبر عن شخوصه منها:
ذكر أن علي بْن موسى بْن جعفر بْن محمد العلوي أخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه، وبما كان الفضل بْن سهل يستر عنه من الأخبار، وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء، وأنهم يقولون إنه مسحور مجنون، وأنهم لما رأوا ذلك بايعوا لعمه إبراهيم بْن المهدي بالخلافة.
فقال المأمون: إنهم لم يبايعوا له بالخلافة، وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم، على ما أخبره به الفضل، فأعلمه أن الفضل قد كذبه وغشه، وأن الحرب قائمة بين إبراهيم والحسن بْن سهل، وأن الناس ينقمون عليك مكانه ومكان أخيه ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك، فقال: ومن يعلم هذا من أهل عسكري؟ فقال له: يحيى بْن معاذ وعبد العزيز بْن عمران وعدة من وجوه أهل العسكر، فقال له: أدخلهم علي حتى أسائلهم عما ذكرت، فأدخلهم عليه، وهم يحيى بْن معاذ وعبد العزيز بْن عمران وموسى وعلي بْن أبي سعيد- وهو ابن أخت الفضل- وخلف المصري، فسألهم عما أخبره، فأبوا أن يخبروه حتى يجعل لهم الأمان من الفضل بْن سهل، ألا يعرض لهم، فضمن ذلك لهم، وكتب لكل رجل منهم كتابا بخطه، ودفعه إليهم، فاخبروه بما فيه الناس من الفتن، وبينوا ذلك له، وأخبروه بغضب أهل بيته ومواليه وقواده عليه في أشياء كثيرة، وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة، وأن هرثمة إنما جاءه لينصحه وليبين له ما يعمل عليه، وأنه إن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة منه ومن أهل بيته، وأن الفضل دس إلى هرثمة من قتله، وأنه أراد نصحه، وأن طاهر بْن الحسين قد أبلى في طاعته ما أبلى، وافتتح ما افتتح، وقاد إليه الخلافة مزمومة، حتى إذا وطأ الأمر أخرج من ذلك كله، وصير في زاوية من الأرض بالرقة، قد حظرت عليه الأموال حتى ضعف أمره فشغب عليه جنده، وأنه لو كان على خلافتك ببغداد لضبط الملك، ولم يجترأ عليه بمثل ما اجترئ به على الحسن بْن سهل، وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها، وأن طاهر بْن الحسين قد تنوسي في هذه السنين منذ قتل محمد في الرقة، لا يستعان به في شيء من هذه الحروب، وقد استعين بمن هو دونه أضعافا، وسألوا المأمون الخروج الى بغداد في بني هاشم والموالي والقواد، والجند لو رأوا عزتك سكنوا الى ذلك، وبخعوا بالطاعة.
فلما تحقق ذلك عند المأمون أمر بالرحيل إلى بغداد، فلما أمر بذلك علم الفضل بْن سهل ببعض ذلك من أمرهم، فتعنتهم حتى ضرب بعضهم بالسياط وحبس بعضا، ونتف لحى بعض، فعاوده علي بْن موسى في أمرهم، وأعلمه ما كان من ضمانه لهم، فأعلمه أنه يداري ما هو فيه ثم ارتحل من مرو فلما أتى سرخس شد قوم على الفضل بْن سهل وهو في الحمام، فضربوه بالسيوف حتى مات، وذلك يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان سنة اثنتين ومائتين فأخذوا وكان الذين قتلوا الفضل من حشم المأمون وهم أربعة نفر:
أحدهم غالب المسعودي الأسود، وقسطنطين الرومي، وفرج الديلمي، وموفق الصقلبي، وقتلوه وله ستون سنة، وهربوا فبعث المأمون في طلبهم، وجعل لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار، فجاء بهم العباس بْن الهيثم بْن بزرجمهر الدينوري، فقالوا للمأمون: أنت أمرتنا بقتله، فأمر بهم فضربت أعناقهم.
وقد قيل: إن الذين قتلوا الفضل لما أخذوا ساءلهم المأمون، فمنهم من قَالَ: إن علي بْن أبي سعيد، ابن أخت الفضل دسهم، ومنهم من أنكر ذلك.
وأمر بهم فقتلوا ثم بعث إلى عبد العزيز بْن عمران وعلي وموسى وخلف فساء لهم فأنكروا ان يكونوا علموا بشيء من ذلك، فلم يقبل ذلك منهم وأمر بهم فقتلوا، وبعث برءوسهم إلى الحسن بْن سهل إلى واسط، وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل، وأنه قد صيره مكانه ووصل الكتاب بذلك إلى الحسن في شهر رمضان، فلم يزل الحسن وأصحابه حتى أدركت الغلة وجبي بعض الخراج، ورحل المأمون من سرخس نحو العراق يوم الفطر، وكان ابراهيم ابن المهدي بالمدائن وعيسى وأبو البط وسعيد بالنيل وطرنايا يراوحون القتال ويغادونه، وقد كان المطلب بْن عبد الله بْن مالك بْن عبد الله قدم من المدائن، فاعتل بأنه مريض، وجعل يدعو في السر إلى المأمون، على أن المنصور بْن المهدي خليفة المأمون، ويخلعون إبراهيم، فأجابه إلى ذلك منصور وخزيمة بْن خازم وقواد كثير من أهل الجانب الشرقي، وكتب المطلب الى حميد وعلى ابن هشام أن يتقدما فينزل حميد نهر صرصر وعلي النهروان، فلما تحقق عند إبراهيم الخبر خرج من المدائن إلى بغداد، فنزل زندورد يوم السبت لأربع عشرة خلت من صفر، وبعث إلى المطلب ومنصور وخزيمة، فلما أتاهم رسوله اعتلوا عليه، فلما رأى ذلك بعث إليهم عيسى بْن محمد بْن أبي خالد وإخوته، فأما منصور وخزيمة فأعطوا بأيديهما، وأما المطلب فإن مواليه وأصحابه قاتلوا عن منزله حتى كثر الناس عليهم، وامر ابراهيم مناديا فنادى: من أراد النهب فليأت دار المطلب، فلما كان وقت الظهر وصلوا إلى داره، فانتهبوا ما وجدوا فيها، وانتهبوا دور أهل بيته، وطلبوه فلم يظفروا به، وذلك يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من صفر.
فلما بلغ حميدا وعلي بْن هشام الخبر بعث حميد قائدا فأخذ المدائن، وقطع الجسر، ونزل بها، وبعث علي بْن هشام قائدا فنزل المدائن، وأتى نهر ديالي فقطعه، وأقاموا بالمدائن، وندم إبراهيم حيث صنع بالمطلب ما صنع، ثم لم يظفر به.
وفي هذه السنة تزوج المأمون بوران بنت الحسن بْن سهل وفيها زوج المأمون علي بْن موسى الرضى ابنته أم حبيب، وزوج محمد ابن علي بْن موسى ابنته أم الفضل وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن موسى بْن جعفر بْن محمد، فدعا لأخيه بعد المأمون بولاية العهد.
وكان الحسن بْن سهل كتب إلى عيسى بْن يزيد الجلودي، وكان بالبصرة فوافى مكة في أصحابه، فشهد الموسم، ثم انصرف ومضى إبراهيم بْن موسى إلى اليمن، وكان قد غلب عليها حمدويه بْن علي بْن عيسى بْن ماهان.