262 هـ
875 م
سنة اثنتين وستين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

ذكر خبر دخول يعقوب بن الليث رامهرمز، فمما كان فيها من ذلك موافاة يعقوب بن الليث رامهرمز في المحرم وتوجيه السلطان إليه إسماعيل …

بن إسحاق وبغراج، وإخراج السلطان من كان محبوسا من أسباب يعقوب بن الليث من السجن، لأنه لما كان من أمره ما كان في أمر محمد بن طاهر، حبس السلطان غلامه وصيفا ومن كان قبله من أسبابه، فاطلق عنهم بعد ما وافى يعقوب رامهرمز، وذلك لخمس خلون من شهر ربيع الأول ثم قدم إسماعيل بن إسحاق من عند يعقوب، وخرج إلى سامرا برسالة من عنده، فجلس أبو أحمد ببغداد، ودعا بجماعة من التجار، وأعلمهم أن أمير المؤمنين أمر بتولية يعقوب بن الليث خراسان وطبرستان وجرجان والري وفارس والشرطة بمدينة السلام، وذلك بمحضر من درهم بن نصر صاحب يعقوب وكان المعتمد قد صرف درهما هذا من سامرا إلى يعقوب بجواب ما كان يعقوب أرسله، يسأله لنفسه، فأرسل معه إليه عمر بن سيما ومحمد بن تركشة، ووافى فيها رسل ابن زيدويه بغداد في شهر ربيع الأول منها برسالة من عنده، فخلع عليه أبو أحمد، ثم انصرف في هذه السنة الذين توجهوا إلى يعقوب بن الليث إلى السلطان، فأعلموه أنه يقول: أنه لا يرضيه ما كتب إليه دون أن يصير إلى باب السلطان، وارتحل يعقوب من عسكر مكرم، فصار أبو الساج إليه، فقبله وأكرمه ووصله.
ولما رجعت الرسل بما كان من جواب يعقوب عسكر المعتمد يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة بالقائم بسامرا، واستخلف على سامرا ابنه جعفرا، وضم إليه محمدا المولد، ثم سار منها يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الآخرة، ووافى بغداد يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة، فاشتقها حتى جازها، وصار إلى الزعفرانية فنزلها، وقدم أخاه أبا أحمد من الزعفرانية فسار يعقوب بجيشه من عسكر مكرم، حتى صار من واسط على فرسخ، فصادف هنالك بثقا قد بثقه مسرور البلخي من دجلة لئلا يقدر على جوازه، فأقام عليه حتى سده وعبره، وذلك لست بقين من جمادى الآخرة، وصار إلى باذبين، ثم وافى محمد بن كثير من قبل يعقوب عسكر مسرور البلخي، فصار بإزائه، فصار مسرور بعسكره إلى النعمانية، ووافى يعقوب واسطا، فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة.
وارتحل المعتمد من الزعفرانية يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الآخرة، حتى صار إلى سيب بني كوما، فوافاه هنالك مسرور البلخي، وكان مسير مسرور البلخي إليه في الجانب الغربي من دجلة، فعبر إلى الجانب الذي فيه العسكر، فأقام المعتمد بسيب بني كوما أياما، حتى اجتمعت إليه عساكره، وزحف يعقوب من واسط إلى دير العاقول، ثم زحف من دير العاقول نحو عسكر السلطان، فأقام المعتمد بالسيب، ومعه عبيد الله بن يحيى، وأنهض أخاه أبا أحمد لحرب يعقوب، فجعل أبو أحمد موسى بن بغا على ميمنته، ومسرورا البلخي على ميسرته، وصار هو في خاصته، ونخبة رجاله في القلب.
والتقى العسكران يوم الأحد لليال خلون من رجب بموضع يقال له اضطربد بين سيب بني كوما ودير العاقول فشدت ميسرة يعقوب على ميمنة أبي احمد فهزمتها، وقتلت منها جماعه كثيره منهم من قوادهم ابراهيم بن سيما التركى وطباغوا التركي ومحمد طغتا التركي والمعرف بالمبرقع المغربي وغيرهم ثم ثاب المنهزمون وسائر عسكر أبي أحمد ثابت، فحملوا على يعقوب وأصحابه، فثبتوا وحاربوا حربا شديدا، وقتل من أصحاب يعقوب جماعة من أهل البأس، منهم الحسن الدرهمي ومحمد بن كثير وكان على مقدمة يعقوب- والمعروف بلبادة- فأصابت يعقوب ثلاثة أسهم في حلقه ويديه، ولم تزل الحرب بين الفريقين- فيما قيل- إلى آخر وقت صلاة العصر ثم وافى أبا أحمد الديراني ومحمد بن أوس، واجتمع جميع من في عسكر أبي أحمد، وقد ظهر من كثير ممن مع يعقوب كراهة القتال معه إذ رأوا السلطان قد حضر لقتاله، فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال، فانهزم أصحاب يعقوب، وثبت يعقوب في خاصة أصحابه، حتى مضوا وفارقوا موضع الحرب.
فذكر أنه أخذ من عسكره من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف رأس، ومن الدنانير والدراهم ما يكل عن حمله، ومن جرب المسك أمر عظيم، وتخلص محمد بن طاهر بن عبد الله، وكان مثقلا بالحديد، خلصه الذي كان موكلا به.
ثم أحضر محمد بن طاهر، فخلع عليه على مرتبته، وقرئ على الناس كتاب فيه:
ولم يزل الملعون المارق المسمى يعقوب بن الليث الصفار ينتحل الطاعة، حتى أحدث الأحداث المنكرة، من مصيره إلى صاحب خراسان، وغلبته إياه عليها، وتقلده الصلاة والإحداث بها، ومصيره إلى فارس مرة بعد مرة، واستيلائه على أموالها، وإقباله إلى باب أمير المؤمنين مظهر المسألة في امور اجابه امير المؤمنين منها ما لم يكن يستحقه، استصلاحا له، ودفعا بالتي هي أحسن، فولاه خراسان والري وفارس وقزوين وزنجان والشرطة بمدينة السلام، وأمر بتكنيته في كتبه، وأقطعه الضياع النفيسة، فما زاده ذلك إلا طغيانا وبغيا، فأمره بالرجوع فأبى، فنهض أمير المؤمنين لدفع الملعون حين توسط الطريق بين مدينة السلام وواسط، وأظهر يعقوب أعلاما على بعضها الصلبان، فقدم أمير المؤمنين أخاه أبا أحمد الموفق بالله ولي عهد المسلمين في القلب، ومعه أبو عمران موسى بن بغا في الميمنة وفي جناح الميمنة ابراهيم ابن سيما، وفي الميسرة أبو هاشم مسرور البلخي، وفي جناح الميسرة الديراني، فتسرع وأشياعه في المحاربة، فحاربه حتى أثخن بالجراح، وحتى انتزع أبو عبد الله محمد بن طاهر سالما من أيديهم، وولوا منهزمين مجروحين مسلوبين، وسلم الملعون كل ما حواه ملكه.
كتابا مؤرخا بيوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من رجب.
ثم رجع المعتمد إلى معسكره وكتب إلى ابن واصل بتولية فارس، وقد كان صار إليها وجمع جماعة.
ثم رجع المعتمد إلى المدائن، ومضى أبو أحمد ومعه مسرور وساتكين وجماعه من القواد، وقبض على ما لأبي الساج من الضياع والمنازل، وأقطعها مسرورا البلخي وقدم محمد بن طاهر بن عبد الله بغداد يوم الاثنين لأربع عشرة بقيت من رجب، وقد رد إليه العمل، فخلع عليه في الرصافة، فنزل دار عبد الله بن طاهر، فلم يعزل أحدا، ولم يول وامر له بخمسمائة ألف درهم.
وكانت الوقعة التي كانت بين السلطان والصفار يوم الشعانين.
وقال محمد بن علي بن فيد الطائي يمدح أبا أحمد ويذكر أمر الصفار:

نعب الغراب عدمته من ناعب *** وصبا فؤادى لادكار حبائبى
نادى ببينهم فجادت مقلتي *** لزيال أرحلهم بدمع ساكب
بانوا بأتراب أوانس كالدمى *** مثل المهاقب البطون كواعب
فأولئكن غرائر تيمننى *** بسوالف وقوائم وحواجب
لولي عهد المسلمين مناسب *** شرفت وأشرق نورها بمناصب
ومراتب في ذروة لا ترتقي *** أكرم بها من ذروة ومراتب
ولقد أتى الصفار في عدد لها *** حسن فوافتهن نكبة ناكب
جلب القضاء إليه حتفا عاجلا *** سقيا ورعيا للقضاء الجالب
أغواه إبليس اللعين بكيده *** واغتره منه بوعد كاذب
حتى إذا اختلفوا وظن بأنه *** قد عز بين عساكر وكتائب
دلفت إليه عساكر ميمونة *** يلقون زحفا باللواء الغالب
في جحفل لجب ترى أبطاله *** من دارع أو رامح أو ناشب
وبدا الإمام براية منصورة *** لمحمد سيف الإله القاضب
وولي عهد المسلمين موفق *** بالله أمضى من شهاب ثاقب
وكأنه في الناس بدر طالع *** متهلل بالنور بين كواكب
لما التقوا بالمشرفية والقنا *** ضربا وطعن محارب لمحارب
ثار العجاج وفوق ذاك غمامة *** غراء تسكب وبل صوب صائب
فل الجموع بحزم رأي ثاقب *** منه وأفرد صاحبا عن صاحب
لله در موفق ذي بهجة *** ثبت المقام لدى الهياج مواثب
يا فارس العرب الذي ما مثله *** في الناس يعرف آخر لنوائب
من فادح الزمن العضوض ومن لقا *** جيش لذى غدر خئون غاصب.

ذكر خبر توجه رجال الزنج الى البطيحة ودست ميسان
وفيها وجه قائد الزنج جيوشه إلى ناحية البطيحة ودست ميسان.

ذكر الخبر عن سبب توجيهه إياهم إليها:
ذكر أن سبب ذلك كان أن المعتمد لما صرف موسى بن بغا عن أعمال المشرق وما كان متصلا بها، وضمها إلى أخيه أبي أحمد، وضم أبو أحمد عمل كور دجلة إلى مسرور البلخي، وأقبل يعقوب بن الليث مريدا أبا أحمد، وصار إلى واسط، خلت كور دجلة من أسباب السلطان، خلا المدائن وما فوق ذلك وكان مسرور قد وجه قبل ذلك إلى الباذاورد مكان موسى بن أتامش جعلان التركي، وكان بإزاء موسى بن أتامش، من قبل قائد الزنج سليمان ابن جامع، وقد كان سليمان قبل أن يصرف ابن أتامش عن الباذاورد، قد نال من عسكره، فلما صرف ابن أتامش وجعل موضعه جعلان، وجه سليمان من قبله رجلا من البحرانيين يقال له ثعلب بن حفص، فأوقع به، وأخذ منه خيلا ورجلا، ووجه قائد الزنج من قبله رجلا من أهل جبى يقال له احمد ابن مهدي في سميريات، فيها رماة من أصحابه، فأنفذه إلى نهر المرأة، فجعل الجبائي يوقع بالقرى التي بنواحي المذار- فيما ذكر- فيعيث فيها، ويعود إلى نهر المرأة فيقيم به.
فكتب هذا الجبائي إلى قائد الزنج يخبر بأن البطيحة خالية من رجال السلطان، لانصراف مسرور وعساكره عند ورود يعقوب بن الليث واسطا فأمر قائد الزنج سليمان بن جامع وجماعة من قواده بالمصير إلى الحوانيت، وأمر رجلا من الباهليين يقال له عمير بن عمار، كان عالما بطرق البطيحة ومسالكها، أن يسير مع الجبائي حتى يستقر بالحوانيت.
فذكر محمد بن الحسن أن محمد بن عثمان العباداني قال: لما عزم صاحب الزنج على توجيه الجيوش إلى ناحية البطيحة ودستميسان أمر سليمان بن جامع أن يعسكر بالمطوعة وسليمان بن موسى أن يعسكر على فوهة النهر المعروف باليهودي، ففعلا ذلك، وأقاما إلى أن أتاهما إذنه، فنهضا، فكان مسير سليمان بن موسى إلى القرية المعروفة بالقادسية، ومسير سليمان بن جامع إلى الحوانيت والجبائي في السميريات أمام جيش سليمان بن جامع، ووافى أبا التركي دجلة في ثلاثين شذاة، فانحدر يريد عسكر قائد الزنج، فمر بالقرية التي كانت داخلة في سلم الخبيث فنال منها، وأحرق، فكتب الخبيث إلى سليمان بن موسى في منعه الرجوع، وأخذ عليه سليمان الطريق، فأقام شهرا يقاتل حتى تخلص فصار إلى البطيحة.
وذكر محمد بن عثمان أن جباشا الخادم زعم أن أبا التركي لم يكن صار إلى دجلة في هذا الوقت، وأن المقيم كان هناك نصير المعروف بأبي حمزة.
وذكر أن سليمان بن جامع لما فصل متوجها إلى الحوانيت، انتهى إلى موضع يعرف بنهر العتيق وقد كان الجبائي سار في طريق الماديان، فتلقاه رميس، فواقعه الجبائي، فهزمه، وأخذ منه أربعا وعشرين سميرية ونيفا وثلاثين صلغة، وأفلت رميس، فاعتصم بأجمة لجأ إليها، فأتاه قوم من الجوخانيين، فأخرجوه منها فنجا ووافق المنهزمين من أصحاب رميس خروج سليمان من النهر العتيق، فتلقاهم فأوقع بهم، ونال منهم نيلا، ومضى رميس حتى لحق بالموضع المعروف ببر مساور، وانحاز إلى سليمان جماعة من مذكوري البلاليين وأنجادهم في خمسين ومائة سميرية، فاستخبرهم عما أمامه، فقالوا: ليس بينك وبين واسط أحد من عمال السلطان وولاته فاغتر سليمان بذلك، وركن إليه، فسار حتى انتهى إلى الموضع الذي يعرف بالجازرة، فتلقاه رجل يقال له أبو معاذ القرشي، فواقعه، فانهزم سليمان عنه، وقتل أبو معاذ جماعة من أصحابه، وأسر قائدا من قواد الزنج، يقال له رياح القندلي فانصرف سليمان إلى الموضع الذي كان معسكرا به، فأتاه رجلان من البلالية، فقالا له: ليس بواسط أحد يدفع عنها غير أبي معاذ في الشذوات الخمس التي لقيك بها فاستعد سليمان وجمع أصحابه وكتب إلى الخبيث كتابا مع البلالية الذين كانوا استأمنوا إليه وأنقذهم إلا جميعة يسيرة في عشر سميريات، انتخبهم للمقام معه، واحتبس الاثنين معه اللذين أخبراه عن واسط بما أخبراه به، وصار قاصدا لنهر أبان، فاعترض له أبو معاذ في طريقه، وشبت الحرب بينهما، وعصفت الريح، فاضطربت شذا أبي معاذ، وقوي عليه سليمان وأصحابه، فأدبر عنهم معردا، ومضى سليمان حتى انتهى إلى نهر أبان، فاقتحمه، وأحرق وأنهب، وسبى النساء والصبيان، فانتهى الخبر بذلك إلى وكلاء كانوا لأبي أحمد في ضياع من ضياعه مقيمين بنهر سنداد، فساروا إلى سليمان في جماعة، فأوقعوا به وقعة، قتلوا فيها جمعا كثيرا من الزنج، وانهزم سليمان وأحمد بن مهدي ومن معهما إلى معسكرهما قال محمد بن الحسن: قال محمد بن عثمان: لما استقر سليمان بن جامع بالحوانيت، ونزل بنهر يعرف بيعقوب بن النضر، وجه رجلا ليعرف خبر واسط ومن فيها من أصحاب السلطان، وذلك بعد خروج مسرور البلخي وأصحابه عنها، لورود يعقوب إياها فرجع إليه، فأخبره بمسير يعقوب نحو السلطان، وقد كان مسرور قبل شخوصه عن واسط إلى السيب وجه إلى سليمان رجلا يقال له وصيف الرحال في شذوات، فواقعه سليمان فقتله، وأخذ منه سبع شذوات، وقتل من ظفر به، وألقى القتلى بالحوانيت ليدخل الرهبة في قلوب المجتازين بهم من أصحاب السلطان.
فلما ورد على سليمان خبر مسير مسرور عن واسط، دعا سليمان عمير ابن عمار خليفته ورجلا من رؤساء الباهليين يقال له أحمد بن شريك، فشاورهما في التنحي عن الموضع الذي تصل إليه الخيل والشذوات، وأن يلتمس موضعا يتصل بطريق متى أراد الهرب منه إلى عسكر الخبيث سلكه، فأشارا عليه بالمصير إلى عقر ماور، والتحصن بطهيثا والأدغال التي فيها وكره الباهليون خروج سليمان بن جامع من بين أظهرهم لغمسهم أيديهم معه، وما خافوا من تعقب السلطان إياهم، فحمل سليمان بأصحابه ماضيا في نهر البرور الى طهيثا، وأنفذ الجبائي إلى النهر المعروف بالعتيق في السميريات، وأمره بالبدار إليه بما يعرف من خبر الشذا، ومن ياتى فيها ومن أصحاب السلطان، وخلف جماعة من السودان لإشخاص من تخلف من أصحابه، وسار حتى وافى عقر ماور، فنزل القرية المعروفة بقرية مروان بالجانب الشرقي من نهر طهيثا في جزيرة هناك.
وجمع إليه رؤساء الباهليين وأهل الطفوف، وكتب إلى الخبيث يعلمه ما صنع، فكتب إليه يصوب رأيه، ويأمره بإنفاذ ما قبله من ميرة ونعم وغنم، فأنفذ ذلك إليه، وسار مسرور إلى موضع معسكر سليمان الأول، فلم يجد هناك كثير شيء، ووجد القوم قد سبقوه إلى نقل ما كان في معسكرهم، وانحدر أبا التركي إلى البطائح في طلب سليمان، وهو يظن أنه قد ترك الناحية، وتوجه نحو مدينة الخبيث فمضى فلم يقف لسليمان على أثر، وكر راجعا، فوجد سليمان قد أنفذ جيشا إلى الحوانيت ليطرق من شذ من عسكر مسرور، فخالف الطريق الذي خاف أن يؤديه اليهم، ومضى في طريق آخر انتهى إلى مسرور، فأخبره أنه لم يعرف لسليمان خبرا.
وانصرف جيش سليمان إليه بما امتاروا، واقام سليمان، فوجه الجبائي في الشميريات للوقوف على مواضع الطعام والمير والاحتيال في حملها.
فكان الجبائي لا ينتهي إلى ناحية فيجد فيها شيئا من الميرة إلا أحرقه، فساء ذلك سليمان، فنهاه عنه فلم ينته، وكان يقول: إن هذه الميرة مادة لعدونا، فليس الرأي ترك شيء منها.
فكتب سليمان إلى الخبيث يشكو ما كان من الجبائي في ذلك، فورد كتاب الخبيث على الجبائي يأمره بالسمع والطاعة لسليمان، والائتمار له فيما يأمره به.
وورد على سليمان أن أغرتمش وخشيشا قد أقبلا قاصدين إليه في الخيل والرجال والشذا والسميريات، يريدان مواقعته فجزع جزعا شديدا، وأنفذ الجبائي ليعرف أخبارهما، وأخذ في الاستعداد للقائهما، فلم يلبث أن عاد إليه الجبائي مهزوما، فأخبره أنهما قد وافيا باب طنج، وذلك على نصف فرسخ من عسكر سليمان حينئذ، فأمره بالرجوع والوقوف في وجه الجيش، وشغله عن المصير إلى العسكر إلى أن يلحق به، فلما أنفذ الجبائي لما وجه له صعد سليمان سطحا، فأشرف منه، فرأى الجيش مقبلا، فنزل مسرعا، فعبر نهر طهيثا، ومضى راجلا، وتبعه جمع من قواد السودان حتى وافوا باب طنج، فاستدبر أغرتمش، وتركهم حتى وجدوا في المسير إلى عسكره وقد كان أمر الذى استخلفه على جيشه الا يدع أحدا من السودان يظهر لأحد من أهل جيش أغرتمش، وأن يخفوا أشخاصهم ما قدروا، ويدعوا القوم حتى يتوغلوا النهر إلى أن يسمعوا أصوات طبوله، فإذا سمعوها خرجوا عليهم، وقصدوا أغرتمش.
فجاء أغرتمش بجيشه حتى لم يكن بينه وبين العسكر إلا نهر يأخذ من طهيثا يقال له جارورة بني مروان فانهزم الجبائي في السميريات حتى وافى طهيثا، فخلف سميرياته بها، وعاد راجلا إلى جيش سليمان، واشتد جزع أهل عسكر سليمان منه، فتفرقوا أيادي سبا، ونهضت منهم شرذمة فيها قائد من قواد السودان يقال له أبو النداء، فتلقوهم فواقعوهم، وشغلوهم عن دخول العسكر، وشد سليمان من وراء القوم، وضرب الزنج بطبولهم، وألقوا أنفسهم في الماء للعبور إليهم، فانهزم أصحاب أغرتمش وشد عليهم من كان بطهيثا من السودان، ووضعوا السيوف فيهم، وأقبل خشيش على أشهب كان تحته يريد الرجوع إلى عسكره، فتلقاه السودان، فصرعوه وأخذته سيوفهم، فقتل وحمل رأسه إلى سليمان، وقد كان خشيش حين انتزعوا إليه، قال لهم: أنا خشيش، فلا تقتلوني، وأمضوا بي إلى صاحبكم فلم يسمعوا لقوله وانهزم أغرتمش، وكان في آخر أصحابه، ومضى حتى ألقى نفسه إلى الأرض، فركب دابة ومضى، وتبعهم الزنج حتى وصلوا إلى عسكرهم، فنالوا حاجتهم منه، وظفروا بشذوات كانت مع خشيش، وظفر الذين اتبعوا الجيش المولي بشذوات كانت مع أغرتمش فيها مال فلما انتهى الخبر إلى أغرتمش، كر راجعا حتى انتزعها من أيديهم، ورجع سليمان إلى عسكره، وقد ظفر بأسلاب ودواب، وكتب بخبر الوقعة إلى قائد الزنج، وما كان منه فيها وحمل إليه رأس خشيش وخاتمه، وأقر الشذوات التي أخذها في عسكره.
فلما وافى كتاب سليمان وراس خشيش، امر فطيف به في عسكره، ونصب يوما، ثم حمله إلى علي بن أبان، وهو يومئذ مقيم بنواحي الأهواز، وأمر بنصبه هناك، وخرج سليمان والجبائي معه وجماعة من قواد السودان الى ناحيه الحوانيت متطرفين، فتوافقوا هناك ثلاث عشرة شذاة مع المعروف بأبي تميم أخي المعروف بأبي عون صاحب وصيف التركي، فأوقعوا به، فقتل وغرق، وظفروا من شذواته بإحدى عشرة شذاة.
قال محمد بن الحسن: هذا خبر محمد بن عثمان العباداني، فأما جباش، فزعم أن الشذا التي كانت مع أبي تميم كانت ثمانية، فافلت منها شذاتان كانتا متأخرتين، فمضتا بمن فيهما وأصاب سلاحا ونهبا، وأتى على أكثر من كان في تلك الشذوات من الجيش، ورجع سليمان إلى عسكره، وكتب إلى الخبيث بما كان منه من قتل المعروف بأبي تميم، ومن كان معه، واحتبس الشذوات في عسكره.
وفيها كبس ابن زيدويه الطيب، فأنهبها.
وفيها ولي القضاء علي بن محمد بن أبي الشوارب.
وفيها خرج الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر من بغداد لليال بقين منه، فصار إلى الجبل.
وفيها مات الصلابي، وولي الري كيغلغ.
ومات صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور في ربيع الآخر منها.
وولي إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد، فجمع له قضاء الجانبين.
وفيها قتل محمد بن عتاب بن عتاب، وكان ولي السيبين فصار إليها، فقتلته الأعراب.
وللنصف من شهر رمضان صار موسى بن بغا إلى الأنبار متوجها إلى الرقة.
وفيها قتل أيضا القطان صاحب مفلح، وكان عاملا بالموصل على الخراج، فانصرف منها، فقتل في الطريق.
وعقد فيها لكفتمر علي بن الحسين بن داود كاتب أحمد بن سهل اللطفي على طريق مكة في شهر رمضان.
وفيها وقع بين الحناطين والجزارين بمكة قتال قبل يوم التروية بيوم، حتى خاف الناس أن يبطل الحج، ثم تحاجزوا إلى أن يحج الناس، وقد قتل منهم سبعة عشر رجلا.
وفيها غلب يعقوب بن الليث على فارس وهرب ابن واصل.

ذكر خبر الوقعه بين الزنج واحمد بن ليثويه
وفيها كانت وقعة بين الزنج وأحمد بن ليثويه، فقتل منهم خلقا كثيرا، وأسر أبا داود الصعلوك وقد كان صار معهم.

ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسبب أسر الصعلوك:
ذكر ان مسروا البلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى ناحية كور الأهواز، فلما وصل إليها نزل السوس، وكان الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن ازاذ مرد الكردي كور الأهواز، فكتب محمد بن عبيد الله إلى قائد الزنج يطمعه في الميل إليه، وقد كانت العادة جرت بمكاتبة محمد إياه من أول مخرجه، وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز ويداري الصفار حتى يستوي له الأمر فيها، فأجابه الخبيث إلى ذلك على أن يكون علي بن أبان المتولي لها، ويكون محمد بن عبيد الله يخلفه عليها، فقبل محمد بن عبيد الله ذلك، فوجه علي بن أبان أخاه الخليل بن أبان، في جمع كثير من السودان وغيرهم، وأيدهم محمد بن عبيد الله بأبي داود الصعلوك، فمضوا نحو السوس، فلم يصلوا إليها، ودفعهم ابن ليثويه ومن كان معه من أصحاب السلطان عنها، فانصرفوا مفلولين، وقد قتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر منهم جماعة، وسار أحمد بن ليثويه حتى نزل جندي سابور.
وسار علي بن أبان من الأهواز منجدا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فتلقاه محمد بن عبيد الله في جمع من الأكراد والصعاليك، فلما قرب منه محمد بن عبيد الله سارا جميعا، وجعلا بينهما المسرقان، فكانا يسيران عن جانبيه، ووجه محمد بن عبيد الله رجلا من اصحابه في ثلاثمائة فارس، فانضم إلى علي بن أبان، فسار علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله إلى أن وافيا عسكر مكرم، فصار محمد بن عبيد الله إلى علي بن أبان وحده، فالتقيا وتحادثا، وانصرف محمد إلى عسكره، ووجه إلى علي بن أبان القاسم بن علي ورجلا من رؤساء الأكراد، يقال له حازم، وشيخا من أصحاب الصفار يعرف بالطالقاني، وأتوا عليا، فسلموا عليه، ولم يزل محمد وعلي على ألفة، إلى أن وافى علي قنطرة فارس، ودخل محمد بن عبيد الله تستر، وانتهى إلى أحمد بن ليثويه تضافر علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله على قتاله، فخرج عن جندي سابور، وصار إلى السوس وكانت موافاة علي قنطرة فارس في يوم الجمعة، وقد وعده محمد بن عبيد الله أن يخطب الخاطب يومئذ، فيدعو لقائد الزنج، وله على منبر تستر، فأقام علي منتظرا ذلك، ووجه بهبوذ بن عبد الوهاب لحضور الجمعة وإتيانه بالخبر، فلما حضرت الصلاة قام الخطيب، فدعا للمعتمد والصفار ومحمد بن عبيد الله، فرجع بهبوذ إلى علي بالخبر، فنهض علي من ساعته، فركب دوابه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى الأهواز، وقدمهم أمامه، وقدم معهم ابن أخيه محمد بن صالح ومحمد بن يحيى الكرماني خليفته، وكاتبه وأقام حتى إذا جاوزوا كسر قنطرة كانت هناك لئلا يتبعه الخيل.
قال محمد بن الحسن: وكنت فيمن انصرف مع المتقدمين من أصحاب علي، ومر الجيش في ليلتهم تلك مسرعين، فانتهوا إلى عسكر مكرم في وقت طلوع الفجر، وكانت داخلة في سلم الخبيث، فنكث أصحابه، وأوقعوا بعسكر مكرم، ونالوا نهبا ووافى علي بن أبان في أثر أصحابه، فوقف على ما أحدثوا فلم يقدر على تغييره، فمضى حتى صار إلى الأهواز ولما انتهى إلى أحمد بن ليثويه انصراف علي، كر راجعا حتى وافى تستر، فأوقع بمحمد بن عبيد الله ومن معه، فأفلت محمد، ووقع في يده المعروف بأبي داود الصعلوك، فحمله إلى باب السلطان المعتمد، وأقام أحمد بن ليثويه بتستر قال محمد بن الحسن: فحدثني الفضل بن عدي الدارمي- وهو أحد من كان من أصحاب قائد الزنج انضم إلى محمد بن أبان أخي علي بن أبان قال: لما استقر أحمد بن ليثويه بتستر، خرج إليه علي بن أبان بجيشه، فنزل قرية يقال لها برنجان، ووجه طلائع يأتونه بأخباره، فرجعوا إليه، فأخبروه أن ابن ليثويه قد أقبل نحوه، وأن أوائل خيله قد وافت قرية تعرف بالباهليين، فزحف علي بن أبان إليه، وهو يبشر أصحابه، ويعدهم الظفر، ويحكى لهم ذلك عن الخبيث فلما وافى الباهليين تلقاه ابن ليثويه في خيله، وهي زهاء أربعمائة فارس، فلم يلبثوا أن أتاهم مدد خيل، فكثرت خيل أصحاب السلطان واستأمن جماعة من الأعراب الذين كانوا مع علي بن أبان إلى ابن ليثويه، وانهزم باقي خيل علي بن أبان، وثبت جميّعة من الرجالة، وتفرق عنه أكثرهم، واشتد القتال بين الفريقين، وترجل علي بن أبان، وباشر القتال بنفسه راجلا، وبين يديه غلام من أصحابه يقال له فتح، يعرف بغلام أبي الحديد، فجعل يقاتل معه وبصر بعلي أبو نصر سلهب وبدر الرومي المعروف بالشعراني فعرفاه، فانذر الناس به، فانصرف هاربا حتى لجأ إلى المسرقان، فألقى بنفسه فيه، وتلاه فتح، فألقى نفسه معه، فغرق فتح، ولحق علي بن أبان نصر المعروف بالرومي، فتخلصه من الماء، فألقاه في سميرية ورمي علي بسهم، وأصيب به في ساقه، وانصرف مفلولا، وقتل من أنجاد السودان وأبطالهم جماعة كثيرة.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن العباس بن محمد.