201 هـ
816 م
سنة إحدى ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

ولايه منصور بن المهدى ببغداد، فمما كان فيها من ذلك مراودة أهل بغداد منصور بْن المهدي على الخلافة وامتناعه عليهم،  فلما امتنع من ذلك …

راوده على الإمرة عليهم، على أن يدعو للمأمون بالخلافة، فأجابهم إلى ذلك.
ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان الأمر فيه:
قد ذكرنا قبل ذلك سبب إخراج أهل بغداد علي بْن هشام من بغداد.
ويذكر عن الحسن بن سهل ان الخبر عن إخراج أهل بغداد علي بْن هشام من بغداد لما اتصل به وهو بالمدائن، انهزم حتى صار إلى واسط، وذلك في أول سنة إحدى ومائتين.
وقد قيل إن سبب إخراج أهل بغداد علي بْن هشام من بغداد، كان أن الحسن بْن سهل وجه محمد بْن خالد المروروذي بعد ما قتل أبو السرايا، أفسده وولي علي بْن هشام الجانب الغربي من بغداد وزهير بْن المسيب يلي الجانب الشرقي، وأقام هو بالخيزرانية، وضرب الحسن عبد الله بْن علي بْن عيسى ابن ماهان حدا بالسياط، فغضب الأبناء، فشغب الناس، فهرب الى بربخا ثم إلى باسلاما، وأمر بالأرزاق لأهل عسكر المهدي، ومنع أهل الغربي، واقتتل أهل الجانبين، ففرق محمد بْن أبي خالد على الحربية مالا، فهزم على ابن هشام، فانهزم الحسن بْن سهل بانهزام علي بْن هشام، فلحق بواسط، فتبعه محمد بْن أبي خالد بْن الهندوان مخالفا له، وقد تولى القيام بأمر الناس، وولي سعيد بْن الحسن بْن قحطبة الجانب الغربي ونصر بْن حمزة بْن مالك الشرقي، وكنفه ببغداد منصور بْن المهدي وخزيمة بْن خازم والفضل بْن الربيع وقد قيل إن عيسى بْن محمد بْن أبي خالد قدم في هذه السنة من الرقة، وكان عند طاهر بْن الحسين، فاجتمع هو وأبوه على قتال الحسن، فمضيا حتى انتهيا ومن معهما من الحربية وأهل بغداد إلى قرية أبي قريش قرب واسط، وكان كلما أتيا موضعا فيه عسكر من عساكر الحسن فيكون بينهما فيه وقعة، تكون الهزيمة فيه على أصحاب الحسن.
ولما انتهى محمد بن خالد إلى دير العاقول، أقام به ثلاثا، وزهير بْن المسيب حينئذ مقيم بإسكاف بني الجنيد، وهو عامل الحسن على جوخى مقيم في عمله، فكان يكاتب قواد أهل بغداد فبعث ابنه الأزهر، فمضى حتى انتهى إلى نهر النهروان، فلقي محمد بْن أبي خالد، فركب إليه، فأتاه بإسكاف، فأحاط به فأعطاه الأمان، وأخذه أسيرا، فجاء به إلى عسكره بدير العاقول، وأخذ أمواله ومتاعه وكل قليل وكثير وجد له ثم تقدم محمد بْن أبي خالد، فلما صار إلى واسط بعث به إلى بغداد، فحبسه عند ابن له مكفوف، يقال له جعفر، فكان الحسن مقيما بجرجرايا، فلما بلغه خبر زهير، وأنه قد صار في يد محمد بْن أبي خالد ارتحل حتى دخل واسط، فنزل بفم الصلح، ووجه محمد من دير العاقول ابنه هارون إلى النيل وبها سعيد بْن الساجور الكوفي، فهزمه هارون، ثم تبعه حتى دخل الكوفة، فأخذها هارون، وولى عليها وقدم عيسى ابن يزيد الجلودي من مكة، ومعه محمد بْن جعفر، فخرجوا جميعا حتى أتوا واسط في طريق البر، ثم رجع هارون إلى أبيه، فاجتمعوا جميعا في قرية أبي قريش ليدخلوا واسط، وبها الحسن بْن سهل، فتقدم الحسن بْن سهل، فنزل خلف واسط في أطرافها.
وكان الفضل بْن الربيع مختفيا من حين قتل المخلوع، فلما راى ان محمد ابن أبي خالد قد بلغ واسط بعث إليه يطلب الأمان منه، فأعطاه إياه وظهر.
ثم تعبأ محمد بْن أبي خالد للقتال، فتقدم هو وابنه عيسى وأصحابهما، حتى صاروا على ميلين من واسط، فوجه إليهم الحسن أصحابه وقواده، فاقتتلوا قتالا شديدا عند أبيات واسط فلما كان بعد العصر هبت ريح شديدة وغبرة حتى اختلط القوم بعضهم ببعض، وكانت الهزيمة على أصحاب محمد بْن أبي خالد، فثبت للقوم فأصابته جراحات شديدة في جسده، فانهزم هو وأصحابه هزيمة شديدة قبيحة، فهزم أصحابه الحسن، وذلك يوم الأحد لسبع بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى ومائتين.
فلما بلغ محمد فم الصلح خرج عليهم أصحاب الحسن فصافهم للقتال، فلما جنهم الليل، ارتحل هو وأصحابه حتى نزلوا المبارك، فأقاموا به، فلما أصبحوا غدا عليهم أصحاب الحسن فصافوهم، واقتتلوا.
فلما جنهم الليل ارتحلوا حتى أتوا جبل، فأقاموا بها، ووجه ابنه هارون إلى النيل، فأقام بها، وأقام محمد بجرجرايا، فلما اشتدت به الجراحات خلف قواده في عسكره، وحمله ابنه أبو زنبيل حتى أدخله بغداد ليلة الاثنين لست خلون من شهر ربيع الآخر، فدخل أبو زنبيل ليلة الاثنين، ومات محمد بْن أبي خالد من ليلته من تلك الجراحات، ودفن من ليلته في داره سرا.
وكان زهير بْن المسيب محبوسا عند جعفر بْن محمد بْن أبي خالد، فلما قدم أبو زنبيل أتى خزيمة بْن خازم يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الآخر، فأعلمه أمر أبيه، فبعث خزيمة إلى بني هاشم والقواد وأعلمهم ذلك، وقرأ عليهم كتاب عيسى بْن محمد بْن أبي خالد، وأنه يكفيهم الحرب فرضوا بذلك، فصار عيسى مكان أبيه على الحرب، وانصرف أبو زنبيل من عند خزيمة حتى أتى زهير بْن المسيب، فأخرجه من حبسه، فضرب عنقه.
ويقال: إنه ذبحه ذبحا وأخذ رأسه، فبعث به إلى عيسى في عسكره، فنصبه على رمح وأخذوا جسده، فشدوا في رجليه حبلا، ثم طافوا به في بغداد، ومروا به على دوره ودور أهل بيته عند باب الكوفة، ثم طافوا به في الكرخ، ثم ردوه إلى باب الشام بالعشي، فلما جنهم الليل طرحوه في دجلة، وذلك يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الآخر.
ثم رجع أبو زنبيل حتى انتهى إلى عيسى فوجهه عيسى إلى فم الصراة.
وبلغ الحسن بْن سهل موت محمد بْن أبي خالد، فخرج من واسط حتى انتهى إلى المبارك، فأقام بها فلما كان جمادى الآخرة وجه حميد بْن عبد الحميد الطوسى ومعه عركو الأعرابي وسعيد بن الساجور وأبو البط ومحمد بْن إبراهيم الإفريقي، وعدة سواهم من القواد، فلقوا أبا زنبيل بفم الصراة فهزموه، وانحاز إلى أخيه هارون بالنيل، فالتقوا عند بيوت النيل، فاقتتلوا ساعة، فوقعت الهزيمة على أصحاب هارون، وأبي زنبيل، فخرجوا هاربين حتى أتوا المدائن، وذلك يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة ودخل حميد وأصحابه النيل فانتهبوها ثلاثة أيام، فانتهبوا أموالهم وأمتعتهم، وانتهبوا ما كان حولهم من القرى، وقد كان بنو هاشم والقواد حين مات محمد بْن أبي خالد تكلموا في ذلك، وقالوا: نصير بعضنا خليفة ونخلع المأمون، فكانوا يتراضون في ذلك، إذ بلغهم خبر هارون وأبي زنبيل وهزيمتهم، فجدوا فيما كانوا فيه، وأرادوا منصور بْن المهدي على الخلافة، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى صيروه أميرا خليفة للمأمون ببغداد والعراق، وقالوا: لا نرضى بالمجوسي ابن المجوسي الحسن بْن سهل، ونطرده حتى يرجع إلى خراسان.
وقد قيل: إن عيسى بْن محمد بْن أبي خالد لما اجتمع إليه أهل بغداد، وساعدوه على حرب الحسن بْن سهل، رأى الحسن أنه لا طاقة له بعيسى، فبعث إليه وهب بْن سعيد الكاتب، وبذل له المصاهرة ومائة ألف دينار والأمان له ولأهل بيته ولأهل بغداد وولاية أي النواحي أحب، فطلب كتاب المأمون بذلك بخطه، فرد الحسن بْن سهل وهبا بإجابته، فغرق وهب بين المبارك وجبل، فكتب عيسى إلى أهل بغداد: إني مشغول بالحرب عن جباية الخراج، فولوا رجلا من بني هاشم، فولوا منصور بْن المهدي، وعسكر منصور بْن المهدي بكلواذى، وأرادوه على الخلافة فأبى، وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين حتى يقدم أو يولي من أحب، فرضي بذلك بنو هاشم والقواد والجند، وكان القيم بهذا الأمر خزيمة بْن خازم، فوجه القواد في كل ناحية، وجاء حميد الطوسي من فوره في طلب بني محمد حتى انتهى إلى المدائن، فأقام بها يومه، ثم انصرف إلى النيل فلما بلغ منصورا خبره خرج حتى عسكر بكلواذى، وتقدم يحيى بْن علي بْن عيسى بْن ماهان إلى المدائن.
ثم أن منصورا وجه إسحاق بْن العباس بْن محمد الهاشمي من الجانب الآخر، فعسكر بنهر صرصر، ووجه غسان بْن عباد بْن أبي الفرج أبا إبراهيم بْن غسان صاحب حرس صاحب خراسان ناحية الكوفة، فتقدم حتى أتى قصر ابن هبيرة، فأقام به فلما بلغ حميدا الخبر لم يعلم غسان إلا وحميد قد أحاط بالقصر، فأخذ غسان أسيرا، وسلب أصحابه، وقتل منهم، وذلك يوم الاثنين لأربع خلون من رجب.
ثم لم يزل كل قوم مقيمين في عساكرهم، إلا أن محمد بْن يقطين بْن موسى كان مع الحسن بْن سهل، فهرب منه إلى عيسى، فوجهه عيسى إلى منصور، فوجهه منصور إلى ناحية حميد، وكان حميد مقيما بالنيل إلا أن له خيلا بالقصر.
وخرج ابن يقطين من بغداد يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان حتى أتى كوثى وبلغ حميدا الخبر، فلم يعلم ابن يقطين حتى أتاه حميد وأصحابه إلى كوثى، فقاتلوه فهزموه، وقتلوا من أصحابه، وأسروا، وغرق منهم بشر كثير، وانتهب حميد وأصحابه ما كان حول كوثي من القرى وأخذوا البقر والغنم والحمير وما قدروا عليه من حلى ومتاع وغير ذلك، ثم انصرف حتى النيل، وراجع ابن يقطين، فأقام بنهر صرصر.
وفي محمد بْن أبي خالد قَالَ أبو الشداخ:

هوى خيل الأبناء بعد محمد *** وأصبح منها كاهل العز أخضعا
فلا تشمتوا يا آل سهل بموته *** فإن لكم يوما من الدهر مصرعا

وأحصى عيسى بْن محمد بْن أبي خالد ما كان في عسكره، فكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفا بين فارس وراجل، فأعطى الفارس اربعين درهما، والراجل عشرين درهما.

ذكر خبر خروج المطوعة للنكير على الفساق
وفي هذه السنة تجردت المطوعة للنكير على الفساق ببغداد، ورئيسهم خالد الدريوش وسهل بْن سلامة الأنصاري أبو حاتم من أهل خراسان.
ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ فعلت المطوعة ما ذكرت:
كان السبب في ذلك أن فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد والكرخ آذوا الناس أذى شديدا، وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق، فكانوا يجتمعون فيأتون الرجل، فيأخذون ابنه، فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع، وكانوا يسألون الرجل أن يقرضهم أو يصلهم فلا يقدر أن يمتنع عليهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى، فيكاثرون أهلها، ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك، لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لأن السلطان كان يعتز بهم، وكانوا بطانته، فلا يقدر أن يمنعهم من فسق يركبونه، وكانوا يجبون المارة في الطرق وفي السفن وعلى الظهر ويخفرون البساتين، ويقطعون الطرق علانية، ولا أحد يعدو عليهم، وكان الناس منهم في بلاء عظيم، ثم كان آخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل، فانتهبوها علانية، وأخذوا المتاع والذهب والفضة والغنم والبقر والحمير وغير ذلك، وأدخلوها بغداد، وجعلوا يبيعونها علانية، وجاء أهلها فاستعدوا السلطان عليهم، فلم يمكنه اعداؤهم عليهم، ولم يرد عليهم شيئا مما كان أخذ منهم، وذلك آخر شعبان.
فلما رأى الناس ذلك وما قد أخذ منهم، وما بيع من متاع الناس في أسواقهم، وما قد أظهروا من الفساد في الأرض والظلم والبغي وقطع الطريق، وأن السلطان لا يغير عليهم، قام صلحاء كل ربض وكل درب، فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة، وقد غلبوكم وأنتم أكثر منهم، فلو اجتمعتم حتى يكون أمركم واحدا، لقمعتم هؤلاء الفساق، وصاروا لا يفعلون ما يفعلون من إظهار الفسق بين أظهركم.
فقام رجل من ناحية طريق الأنبار يقال له خالد الدريوش، فدعا جيرانه وأهل بيته وأهل محلته على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك، وشد على من يليه من الفساق والشطار، فمنعهم مما كانوا يصنعون، فامتنعوا عليه، وأرادوا قتاله، فقاتلهم فهزمهم وأخذ بعضهم، فضربهم وحبسهم ورفعهم إلى السلطان، إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا، ثم قام من بعده رجل من أهل الحربية، يقال له سهل بْن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، يكنى أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل بكتاب الله جل وعز وسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بجيرانه وأهل محلته، فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذلك، الشريف منهم والوضيع، بني هاشم ومن دونهم، وجعل له ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه منهم، فبايعه على ذلك، وقتال من خالفه وخالف ما دعا إليه كائنا من كان، فأتاه خلق كثير، فبايعوا.
ثم إنه طاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها، ومنع كل من يخفر ويجبي المارة والمختلفة، وقال: لا خفارة في الإسلام- والخفارة أنه كان يأتي الرجل بعض أصحاب البساتين فيقول: بستانك في خفري، أدفع عنه من أراده بسوء، ولي في عنقك كل شهر كذا وكذا درهما، فيعطيه ذلك شائيا وآبيا- فقوي على ذلك إلا أن الدريوش خالفه، وقال: أنا لا أعيب على السلطان شيئا ولا أغيره، ولا أقاتله، ولا آمره بشيء ولا أنهاه وقال سهل بْن سلامة:
لكني أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة كائنا من كان، سلطانا أو غيره، والحق قائم في الناس أجمعين، فمن بايعني على هذا قبلته، ومن خالفني قاتلته فقام في ذلك سهل يوم الخميس لأربع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين في مسجد طاهر بْن الحسين، الذي كان بناه في الحربية وكان خالد الدريوش قام قبله بيومين أو ثلاثة، وكان منصور بْن المهدي مقيما بعسكره بجبل، فلما كان من ظهور سهل بْن سلامة وأصحابه ما كان، وبلغ ذلك منصورا وعيسى- وإنما كان عظم أصحابهما الشطار، ومن لا خير فيه- كسرهما ذلك، ودخل منصور بغداد.
وقد كان عيسى يكاتب الحسن بْن سهل، فلما بلغه خبر بغداد، سأل الحسن بْن سهل أن يعطيه الأمان له ولأهل بيته ولأصحابه، على أن يعطي الحسن أصحابه وجنده وسائر أهل بغداد رزق ستة أشهر إذا أدركت له الغلة، فأجابه الحسن، وارتحل عيسى من معسكره، فدخل بغداد يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من شوال، وتقوضت جميع عساكرهم، فدخلوا بغداد، فأعلمهم عيسى ما دخل لهم فيه من الصلح، فرضوا بذلك.
ثم رجع عيسى الى المدائن، وجاء يحيى بْن عبد الله، ابن عم الحسن بْن سهل، حتى نزل دير العاقول، فولوه السواد، وأشركوا بينه وبين عيسى في الولاية، وجعلوا لكل عدة من الطساسيج وأعمال بغداد فلما دخل عيسى فيما دخل فيه- وكان أهل عسكر المهدي مخالفين له- وثب المطلب بْن عبد الله بْن مالك الخزاعي يدعو إلى المأمون وإلى الفضل والحسن ابني سهل، فامتنع عليه سهل بْن سلامة، وقال: ليس على هذا بايعتني.
وتحول منصور بْن المهدي وخزيمة بْن خازم والفضل بْن الربيع- وكانوا يوم تحولوا بايعوا سهل بْن سلامة على ما يدعو إليه من العمل بالكتاب والسنة- فنزلوا بالحربيه فرارا من الطلب، وجاء سهل بْن سلامة إلى الحسن، وبعث إلى المطلب أن يأتيه، وقال: ليس على هذا بايعتني، فأبى المطلب أن يجيئه، فقاتله سهل يومين أو ثلاثة قتالا شديدا، حتى اصطلح عيسى والمطلب، فدس عيسى إلى سهل من اغتاله فضربه ضربة بالسيف، إلا أنها لم تعمل فيه، فلما اغتيل سهل رجع إلى منزله، وقام عيسى بأمر الناس، فكفوا عن القتال.
وقد كان حميد بْن عبد الحميد مقيما بالنيل، فلما بلغه هذا الخبر دخل الكوفة، فأقام بها أياما ثم أنه خرج منها حتى أتى قصر ابن هبيرة، فأقام به، واتخذ منزلا وعمل عليه سورا وخندقا، وذلك في آخر ذي القعدة.
وأقام عيسى ببغداد يعرض الجند ويصححهم، إلى أن تدرك الغلة، وبعث إلى سهل بْن سلامة فاعتذر إليه مما كان صنع به، وبايعه وأمره أن يعود إلى ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه عونه على ذلك، فقام سهل بما كان قام به أولا من الدعاء إلى العمل بالكتاب والسنه

ذكر خبر البيعه لعلى بن موسى بولاية العهد
وفي هذه السنة جعل المأمون علي بْن موسى بْن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ بْن عَلِيّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضى من آل محمد ص، وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق.
ذكر الخبر عن ذلك وعما كان سبب ذلك وما آل الأمر فيه إليه:
ذكر أن عيسى بْن محمد بْن أبي خالد، بينما هو فيما هو فيه من عرض أصحابه بعد منصرفه من عسكره إلى بغداد، إذ ورد عليه كتاب من الحسن بْن سهل يعلمه أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بْن موسى بْن جعفر بْن محمد ولي عهده من بعده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي، فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضى من آل محمد، وأمره بطرح لبس الثياب السود ولبس ثياب الخضرة، وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له، وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك.
فلما أتى عيسى الخبر دعا أهل بغداد إلى ذلك على أن يعجل لهم رزق شهر، والباقي إذا أدركت الغلة، فقال بعضهم: نبايع ونلبس الخضرة، وقال بعضهم: لا نبايع ولا نلبس الخضرة، ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من الفضل بْن سهل، فمكثوا بذلك أياما وغضب ولد العباس من ذلك، واجتمع بعضهم إلى بعض، وتكلموا فيه، وقالوا: نولي بعضنا، ونخلع المأمون، وكان المتكلم في هذا والمختلف والمتقلد له إبراهيم ومنصور ابنا المهدى.

ذكر الدعوة لمبايعه ابراهيم بن المهدى وخلع المأمون
وفي هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بْن المهدي بالخلافة وخلعوا المأمون.

ذكر السبب في ذلك:
قد ذكرنا سبب إنكار العباسيين ببغداد على المأمون ما أنكروا عليه، واجتماع من اجتمع على محاربة الحسن بْن سهل منهم، حتى خرج عن بغداد ولما كان من بيعة المأمون لعلي بْن موسى بْن جعفر- وأمره الناس بلبس الخضرة ما كان، وورود كتاب الحسن على عيسى بْن محمد بْن أبي خالد يأمره بذلك، وأخذ الناس به ببغداد، وذلك يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة- أظهر العباسيون ببغداد أنهم قد بايعوا إبراهيم بْن المهدي بالخلافة، ومن بعده ابن أخيه إسحاق بْن موسى بْن المهدي، وأنهم قد خلعوا المأمون، وأنهم يعطون عشرة دنانير كل إنسان، أول يوم من المحرم أول يوم من السنة المستقبلة.
فقبل بعض ولم يقبل بعض حتى يعطى، فلما كان يوم الجمعة وأرادوا الصلاة أرادوا أن يجعلوا إبراهيم خليفة للمأمون مكان منصور، فأمروا رجلا يقول حين أذن المؤذن: إنا نريد أن ندعو للمأمون ومن بعده لإبراهيم يكون خليفة، وكانوا قد دسوا قوما، فقالوا لهم: إذا قام يقول: ندعو للمأمون، فقوموا أنتم فقولوا:
لا نرضى إلا أن تبايعوا لإبراهيم ومن بعده لإسحاق، وتخلعوا المأمون أصلا، ليس نريد ان تأخذوا أموالنا كما صنع منصور، ثم تجلسوا في بيوتكم فلما قام من يتكلم أجابه هؤلاء، فلم يصل بهم تلك الجمعة صلاة الجمعة، ولا خطب أحد، إنما صلى الناس أربع ركعات ثم انصرفوا، وذلك يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة إحدى ومائتين وفي هَذِهِ السنة افتتح عَبْد اللَّهِ بْن خرداذ به وهو والي طبرستان اللارز والشيرز، من بلاد الديلم، وزادهما في بلاد الإسلام، وافتتح جبال طبرستان، وأنزل شهريار بْن شروين عنها، فقال سلام الخاسر:

إنا لنأمل فتح الروم والصين*** بمن ادال لنا من ملك شروين
فاشدد يديك بعبد الله إن له *** مع الأمانة رأي غير موهون

وأشخص مازيار بْن قارن إلى المأمون، وأسر أبا ليلى ملك الديلم بغير عهد في هذه السنة.
وفيها مات محمد بْن محمد صاحب أبي السرايا.
وفيها تحرك بابك الخرمي في الجاويذانية أصحاب جاويذان بْن سهل، صاحب البذ، وادعى أن روح جاويذان دخلت فيه، وأخذ في العيث والفساد.
وفيها أصاب أهل خراسان والري وأصبهان مجاعة، وعز الطعام، ووقع الموت.
وحج بالناس فيها إسحاق بْن موسى بْن عيسى بْن موسى بْن محمد بن على.