234 هـ
848 م
سنة أربع وثلاثين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

ذكر الخبر عن هرب محمد بن البعيث، فمن ذلك ما كان من هرب محمد بن البعيث بن حلبس، جيء به أسيرا من قبل أذربيجان فحبس. …

ذكر الخبر عن سبب هربه وما كان آل إليه أمره:
ذكر أن السبب في ذلك كان أن المتوكل كان اعتل في هذه السنة، وكان مع ابن البعيث رجل يخدمه يسمى خليفة، فأخبره بأن المتوكل قد توفي، واعد له دواب، فهرب هو وخليفة الذي أخبره الخبر إلى موضعه من أذربيجان، وموضعه منها مرند- وقيل: كانت له قلعتان تدعى إحداهما شاهي والأخرى يكدر- ويكدر خارج البحيرة، وشاهي في وسط البحيرة، والبحيرة قدر خمسين فرسخا من حد أرمية، إلى رستاق داخرقان بلاد محمد بن الرواد، وشاهي قلعة ابن البعيث حصينة يحيط بها ماء قائم ثم، يركب الناس من أطراف المراغة إلى أرمية وهي بحيرة لا سمك فيها ولا خير.
وذكر أن ابن البعيث كان في حبس إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فتكلم فيه بغا الشرابي، وأخذ منه الكفلاء نحوا من ثلاثين كفيلا، منهم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني، فكان يتردد بسامرا، فهرب إلى مرند، فجمع بمرند الطعام، وفيها عيون ماء، فرم ما كان وهي من سورها، وأتاه من أراد الفتنة من كل ناحية، من ربيعة وغيرهم، فصار في نحو من ألفين ومائتي رجل.
وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة، فقصر في طلبه، فولى المتوكل حمدويه بن علي بن الفضل السعدي أذربيجان، ووجهه من سامرا على البريد، فلما صار إليهما جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له، فصار في عشرة آلاف، فزحف إلى ابن البعيث، فألجأه إلى مدينة مرند- وهي مدينة استدارتها فرسخان وفي داخلها بساتين كثيرة، ومن خارجها كما تدور شجر إلا في موضع أبوابها- وقد جمع فيها ابن البعيث آلة الحصار، وفيها عيون ماء، فلما طالت مدته، وجه المتوكل زيرك التركي في مائتي ألف فارس من الأتراك، فلم يصنع شيئا، فوجه إليه المتوكل عمرو بن سيسل بن كال في تسعمائة من الشاكرية، فلم يغن شيئا، فوجه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف ما بين تركي وشاكري ومغربي، وكان حمدويه بن علي وعمر بن سيسل وزيرك زحفوا إلى مدينة مرند، وقطعوا ما حولها من الشجر، فقطعوا نحوا من مائة ألف شجرة وغير ذلك من شجر الغياض، ونصبوا عليها عشرين منجنيقا، وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنون فيه، ونصب عليهم ابن البعيث من المجانيق مثل ذلك، وكان من معه من علوج رساتيقه يرمون بالمقاليع، فكان الرجل لا يقدر على الدنو من سور المدينة، فقتل من أولياء السلطان في حربه في ثمانية أشهر نحو من مائه رجل، وجرح نحو من أربعمائة، وقتل وجرح من أصحابه مثل ذلك.
وكان حمدويه وعمرو وزيرك يغادونه القتال ويراوحونه، وكان السور من قبل المدينة ذليلا، ومن القرار نحوا من عشرين ذراعا، وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلون بالحبال معهم الرماح فيقاتلون، فإذا حمل عليهم من أصحاب السلطان لجئوا إلى الحائط، وكانوا ربما فتحوا بابا يقال له باب الماء، فيخرج منه العدة يقاتلون ثم يرجعون.
ولما قرب بغا الشرابي من مرند بعث- فيما ذكر- عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني، ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث، ولابن البعيث أن ينزلوا وينزل على حكم أمير المؤمنين، وإلا قاتلهم، فإن ظفر بهم لم يستبق منهم أحدا، ومن نزل فله الامان، وكان عامة من مع ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ، فنزل منهم قوم كثير بالحبال، ونزل ختن ابن البعيث على أخته أبو الأغر.
وذكر عن أبي الأغر هذا أنه قال: ثم فتحوا باب المدينة، فدخل أصحاب حمدويه وزيرك، وخرج ابن البعيث من منزله هاربا يريد أن يخرج من وجه آخر، فلحقه قوم من الجند، معهم منصور قهرمانه، وهو راكب دابة، يريد أن يصير إلى نهر عليه رحا ليستخفي في الرحا، وفي عنقه السيف، فأخذوه أسيرا وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة، ثم نودي بعد ما انتهب الناس: برئت الذمة ممن انتهب وأخذوا له أختين وثلاث بنات وخالته والبواقي سراري، فحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة، وأخذ من وجوه أصحابه المذكورين نحو من مائتي رجل، وهرب الباقون، فوافاهم بغا الشرابي من غد، فنادى مناديه بالمنع من النهب، فكتب بغا الشرابي بالفتح لنفسه.
وخرج المتوكل فيها إلى المدائن في جمادى الأولى

ذكر الخبر عن حج ايتاخ وسببه
وحج في هذه السنة إيتاخ، وكان والي مكة والمدينة والموسم، ودعي له على المنابر.

ذكر الخبر عن سبب حجه في هذه السنة:
ذكر أن إيتاخ كان غلاما خزريا لسلام الأبرش طباخا، فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة، وكان لإيتاخ رجلة وبأس، فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق، حتى ضم إليه من أعمال السلطان أعمالا كثيرة، وولاه المعتصم معونة سامرا مع إسحاق بن إبراهيم، وكان من قبله رجل، ومن قبل إسحاق رجل، وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله فعند إيتاخ يقتل، وبيده يحبس، منهم محمد بن عبد الملك الزيات، وأولاد المأمون من سندس، وصالح بن عجيف وغيرهم، فلما ولي المتوكل كان إيتاخ في مرتبته، إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة، فخرج المتوكل بعد ما استوت له الخلافة متنزها إلى ناحية القاطول، فشرب ليلة، فعربد على إيتاخ، فهم إيتاخ بقتله، فلما أصبح المتوكل قيل له، فاعتذر إليه والتزمه، وقال له: أنت أبي وربيتني، فلما صار المتوكل إلى سامرا دس إليه من يشير عليه بالاستئذان للحج، ففعل وأذن له، وصيره أمير كل بلدة يدخلها، وخلع عليه، وركب جميع القواد معه، وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه وحشمه بشر كثير، فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف، وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة وقد قيل إن هذه القصة من أمر إيتاخ كانت في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وأن المتوكل إنما صير إلى وصيف الحجابة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن داود بن عيسى بن موسى.