144 هـ
761 م
سنة أربع وأربعين ومائة (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث)

فمما كان فيها من ذلك غزو محمد بْن أبي العباس بْن عبد الله بْن محمد ابن على الديلم في أهل الكوفة والبصرة وواسط والموصل والجزيرة …

وفيها انصرف محمد بْن أبي جعفر المهدي عن خراسان إلى العراق، وشخص أبو جعفر إلى قرماسين، فلقيه بها ابنه محمد منصرفا من خراسان، فانصرفا جميعا إلى الجزيرة.
وفيها بنى محمد بْن أبي جعفر عند مقدمه من خراسان بابنة عمه ريطة بنت أبي العباس.
وفيها حج بالناس أبو جعفر المنصور، وخلف على عسكره والميرة خازم ابن خزيمة.

ولايه رياح بن عثمان على المدينة وامر ابنى عبد الله بن حسن
وفي هذه السنة ولى أبو جعفر رياح بن عثمان المري المدينة، وعزل محمد ابن خالد بْن عبد الله القسري عنها.

ذكر الخبر عن سبب عزله محمد بْن خالد واستعماله رياح بْن عثمان وعزله زياد بْن عبيد الله الحارثي من قبل محمد بْن خالد:
وكان سبب عزل زياد عن المدينة، أن أبا جعفر همه أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بْن حسن بْن حسن بْن علي بْن أبي طالب وتخلفهما عن حضوره، مع من شهده من سائر بني هاشم عام حج في حياة أخيه أبي العباس، ومعه أبو مسلم وقد ذكر أن محمدا كان يذكر أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر بني مروان مع سائر المعتزلة الذين كانوا معهم هنا لك فسأل عنهما، فقال له زياد بْن عبيد الله: ما يهمك من أمرهما! أنا آتيك بهما، وكان زياد يومئذ مع أبي جعفر عند مقدمه مكة سنة ست وثلاثين ومائه، فرد ابو جعفر زيادا الى عمله، وضمنه محمدا وإبراهيم.
فذكر أبو زيد عمر بْن شبة أن محمد بْن إسماعيل حدثه، قَالَ: حدثني عبد العزيز بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بْن أبي عبيدة بْن محمد ابن عمار بْن ياسر، قَالَ: لما استخلف أبو جعفر لم تكن له همة إلا طلب محمد والمسألة عنه وما يريد، فدعا بني هاشم رجلا رجلا، كلهم يخليه فيسألهم عنه، فيقولون: يا أمير المؤمنين، قد علم أنك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل اليوم، فهو يخافك على نفسه، وهو لا يريد لك خلافا، ولا يحب لك معصية، وما أشبه هذه المقالة إلا حسن بْن زيد، فانه اخبره خبره، فقال: والله ما آمن وثوبه عليك، فإنه للذي لا ينام عنك، فر رأيك قَالَ ابن أبي عبيدة: فأيقظ من لا ينام.
وقال محمد: سمعت جدي موسى بْن عبد الله، يقول: اللهم اطلب حسن ابن زيد بدمائنا قَالَ موسى: وسمعت والله أبي يقول: أشهد لعرفني أبو جعفر حديثا ما سمعه منى الا حسن بن زيد.
وحدثنى محمد بْن إسماعيل، قَالَ: سمعت القاسم بْن محمد بن عبد الله ابن عمرو بْن عثمان بْن عفان، قَالَ: أخبرني محمد بْن وهب السلمي، عن أبي، قَالَ: عرفني أبو جعفر حديثا ما سمعه مني إلا أخي عبد الله بْن حسن وحسن بْن زيد، فاشهد ما أخبره به عبد الله، ولا كان يعلم الغيب.
قَالَ محمد: وسأل عنه عبد الله بْن حسن عام حج، فقال له مقالة الهاشميين، فأخبره أنه غير راض أو يأتيه به.
قَالَ محمد: وحدثتني أمي عن أبيها، قَالَ: قَالَ أبي: قلت لسليمان بْن علي: يا أخي صهري بك صهري، ورحمي بك رحمي، فما ترى؟ قَالَ:
والله لكأني أنظر إلى عبد الله بْن علي حين حال الستر بيننا وبينه، وهو يشير إلينا أن هذا الذي فعلتم بي، فلو كان عافيا عفا عن عمه قَالَ: فقبل رأيه، قَالَ: فكان آل عبد الله يرونها صلة من سليمان لهم.
قَالَ أبو زيد: وحدثني سعيد بْن هريم، قَالَ: أخبرني كلثوم المرائي، قَالَ: سمعت يحيى بْن خالد بْن برمك يقول: اشترى أبو جعفر رقيقا من رقيق الأعراب، ثم أعطى الرجل منهم البعير، والرجل البعيرين، والرجل الذود، وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال، فيفرون عنه ويتجسسون.
قَالَ: وحدثني محمد بْن عباد بْن حبيب المهلبي، قَالَ: قَالَ لي السندي مولى أمير المؤمنين: أتدري ما رفع عقبة بْن سلم عند أمير المؤمنين؟ قلت: لا، قَالَ: أوفد عمي عمر بْن حفص وفدا من السند فيهم عقبة، فدخلوا على أبي جعفر، فلما قضوا حوائجهم نهضوا، فاسترد عقبة، فأجلسه، ثم قَالَ له: من أنت؟ قَالَ: رجل من جند امير المؤمنين وخدمه، صحبت عمر ابن حفص، قَالَ: وما اسمك؟ قَالَ: عقبة بْن سلم بْن نافع، قَالَ: ممن أنت؟ قَالَ: من الأزد ثم من بني هناءة، قَالَ: انى لأرى لك هيئة وموضعا، وإني لأريدك لأمر أنا به معني، لم أزل أرتاد له رجلا، عسى أن تكونه إن كفيتنيه رفعتك، فقال: أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين في، قَالَ: فأخف شخصك، واستر أمرك، وأتني في يوم كذا وكذا في وقت كذا وكذا، فأتاه في ذلك الوقت، فقال له: إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا لملكنا واغتيالا له، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا، يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من الطاف بلادهم، فاخرج بكسا وألطاف وعين حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن اهل هذه القرية، ثم تسبر ناحيتهم، فإن كانوا قد نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك، وكنت على حذر واحتراس منهم، فاشخص حتى تلقى عبد الله ابن حسن متقشفا متخشعا، فإن جبهك- وهو فاعل- فاصبر وعاوده، فإن عاد فاصبر حتى يأنس بك وتلين لك ناحيته، فإذا ظهر لك ما في قلبه فاعجل علي قَالَ: فشخص حتى قدم على عبد الله، فلقيه بالكتاب، فأنكره ونهره، وقال: ما أعرف هؤلاء القوم، فلم يزل ينصرف ويعود إليه حتى قبل كتابه وألطافه، وأنس به، فسأله عقبة الجواب، فقال: أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابي إليهم، فأقرئهم السلام وأخبرهم أن ابني خارجان لوقت كذا وكذا قَالَ: فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر، فأخبره الخبر.
قَالَ أبو زيد: حدثني أيوب بْن عمر، قَالَ: حدثني موسى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرحمن بْن عوف، قَالَ: ولى أبو جعفر الفضل ابن صالح بْن علي الموسم في سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقال له: إن وقعت عيناك على محمد وإبراهيم، ابني عبد الله بْن حسن، فلا يفارقانك، وإن لم ترهما فلا تسأل عنهما فقدم المدينة، فتلقاه أهلها جميعا، فيهم عبد الله بْن حسن وسائر بني حسن إلا محمد وإبراهيم ابني عبد الله بْن حسن فسكت حتى صدر عن الحج، وصار إلى السيالة، فقال لعبد الله بْن حسن: ما منع ابنيك أن يلقياني مع أهلهما! قَالَ: والله ما منعهما من ذلك ريبة ولا سوء، ولكنهما منهومان بالصيد واتباعه، لا يشهدان مع أهليهما خيرا ولا شرا فسكت الفضل عنه، وجلس على دكان قد بني له بالسيالة فأمر عبد الله رعاته فسرحوا عليه ظهره، فأمر أحدهم فحلب لبنا على عسل في عس عظيم، ثم رقي به الدكان، فأومأ إليه عبد الله أن اسق الفضل بْن صالح، فقصد قصده، فلما دنا منه صاح به الفضل صيحة مغضبا: إليك يا ماص بظر أمه! فأدبر الراعي، فوثب عبد الله- وكان من أرفق الناس- فتناول القعب، ثم أقبل يمشي به إلى الفضل، فلما رآه يمشي إليه استحيا منه، فتناوله فشرب قَالَ أبو زيد: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني أبي، عن أبيه، قَالَ: كان لزياد بْن عبيد الله كاتب يقال له حفص بْن عمر من أهل الكوفة يتشيع، وكان يثبط زيادا عن طلب محمد، فكتب فيه عبد العزيز بْن سعد إلى أبي جعفر فحدره إليه، فكتب فيه زياد إلى عيسى بْن علي وعبد الله بْن الربيع الحارثي فخلصاه حتى رجع إلى زياد.
قَالَ علي بْن محمد: قدم محمد البصرة مختفيا في أربعين، فاتوا عبد الرحمن ابن عثمان بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فقال له عبد الرحمن: ليس لك عندي منزل، فانزل في بني راسب، فنزل في بني راسب.
وقال عمر: حدثني سليمان بْن محمد الساري، قَالَ: سمعت أبا هبار المزني يقول: أقمنا مع محمد بْن عبد الله بالبصرة يدعو الناس إلى نفسه.
قال: وحدثني عيسى بن عبد الله، قال: قَالَ أبو جعفر: ما طمعت في بغية لي قط إذا ذكرت مكان بني راسب بالبصرة.
قَالَ: وحدثني أبو عاصم النبيل، قَالَ: حدثني ابن جشيب اللهبي، قَالَ: نزلت في بني راسب في أيام ابن معاوية، فسألني فتى منهم يوما عن اسمي، فلطمه شيخ منهم، فقال: وما أنت وذاك! ثم نظر إلى شيخ جالس بين يديه، فقال: أترى هذا الشيخ نزل فينا أبوه أيام الحجاج، فأقام حتى ولد له هذا الولد، وبلغ هذا المبلغ، وهذا السن! لا والله ما ندري ما اسمه ولا اسم أبيه، ولا ممن هو! قَالَ: وحدثني محمد بْن الهذيل، قَالَ: سمعت الزعفراني يقول: قدم محمد، فنزل على عبد الله بْن شيبان أحد بني مرة بْن عبيد، فأقام ستة أيام، ثم خرج فبلغ أبا جعفر مقدمه البصرة، فأقبل مغذا حتى نزل الجسر الأكبر، فأردنا عمرا على لقائه، فأبى حتى غلبناه، فلقيه فقال: يا أبا عثمان، هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا؟ قَالَ: لا قَالَ: فأقتصر على قولك وأنصرف؟ قَالَ: نعم، فانصرف، وكان محمد قد خرج قبل مقدم أبي جعفر.
قَالَ علي بْن محمد: حدثني عامر بْن أبي محمد، قَالَ: قَالَ أبو جعفر لعمرو بْن عبيد: أبايعت محمدا؟ قَالَ: أنا والله لو قلدتني الأمة أمورها ما عرفت لهما موضعا.
قال علي: وحدثني أيوب القزاز، قَالَ: قلت لعمرو: ما تقول في رجل رضي بالصبر على ذهاب دينه؟ قَالَ: أنا ذاك، قلت: وكيف، ولو دعوت أجابك ثلاثون ألفا! قَالَ: والله ما أعرف موضع ثلاثة إذا قالوا وفوا، ولو عرفتهم لكنت لهم رابعا.
قَالَ أبو زيد: حدثني عبيد الله بْن محمد بْن حفص، قَالَ: حدثني ابى، قال: وجل محمد وإبراهيم من أبي جعفر، فأتيا عدن، ثم سارا إلى السند ثم إلى الكوفة، ثم إلى المدينة.
قَالَ عمر: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، قَالَ: تكفل زياد لأمير المؤمنين بابني عبد الله أن يخرجهما له، فأقره على المدينة، فكان حسن بْن زيد إذا علم من أمرهما علما كف حتى يفارقا مكانهما ذلك، ثم يخبر أبا جعفر، فيجد الرسم الذي ذكر، فيصدقه بما رفع إليه، حتى كانت سنة أربعين ومائة، فحج فقسم قسوما خص فيها آل أبي طالب فلم يظهر له ابنا عبد الله، فبعث إلى عبد الله فسأله عنهما، فقال: لا علم لي بهما، حتى تغالظا، فأمصه أبو جعفر، فقال: يا أبا جعفر، بأي أمهاتي تمصنى! ابفاطمه بنت رسول الله ص، أم بفاطمة بنت أسد، أم بفاطمة بنت حسين، أَمْ أُمّ إسحاق بنت طلحة، أم خديجة بنت خويلد؟ قَالَ: لا بواحدة منهن، ولكن بالجرباء بنت قسامه بن زهير- وهي امراه من طيّئ- قَالَ: فوثب المسيب بْن زهير، فقال: دعني يا أمير المؤمنين أضرب عنق ابن الفاعلة قَالَ: فقام زياد بْن عبيد الله، فألقى عليه رداءه، وقال: هبه لي يا أمير المؤمنين، فأنا أستخرج لك ابنيه فتخلصه منه قال عمر: وحدثنى الوليد بْن هشام بْن قحذم، قَالَ: قَالَ الحزين الديلي لعبد الله بْن الحسن ينعي عليه ولادة الجرباء:

لعلك بالجرباء أو بحكاكة *** تفاخر أم الفضل وابنة مشرح
وما منهما إلا حصان نجيبة *** لها حسب في قومها مترجح

قال عمر: وحدثني محمد بْن عباد، قَالَ: قَالَ لي السندي مولى أمير المؤمنين: لما أخبر عقبة بْن سلم أبا جعفر، أنشأ الحج وقال لعقبة: إذا صرت بمكان كذا وكذا لقيني بنو حسن، فيهم عبد الله، فأنا مبجله ورافع مجلسه وداع بالغداء، فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائما، فإنه سيصرف بصره عنك، فدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك ثم حسبك، وإياك أن يراك ما دام يأكل فخرج حتى إذا تدفع في البلاد لقيه بنو حسن، فأجلس عبد الله إلى جانبه، ثم دعا بالطعام فأصابوا منه، ثم أمر به فرفع، فأقبل على عبد الله، فقال: يا أبا محمد، قد علمت ما أعطيتني من العهود والمواثيق ألا تبغيني سوءا، ولا تكيد لي سلطانا، قَالَ: فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين، قَالَ: فلحظ أبو جعفر عقبة، فاستدار حتى قام بين يديه، فأعرض عنه، فرفع رأسه حتى قام من وراء ظهره، فغمزه بأصبعه، فرفع رأسه فملأ عينه منه، فوثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله! قَالَ: لا أقالني الله إن أقلتك، ثم امر بحبسه قال عمر: وحدثنى بكر بْن عبد الله بْن عاصم مولى قريبه بنت عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، قَالَ: حدثني علي بْن رباح بْن شبيب، أخو إبراهيم، عن صالح صاحب المصلى، قَالَ: إني لواقف على رأس أبي جعفر وهو يتغدى بأوطاس، وهو متوجه إلى مكة، ومعه على مائدته عبد الله بن حسن وابو الكرام الجعفري وجماعة من بني العباس، فأقبل على عبد الله، فقال: يا أبا محمد، محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي، وإني لأحب ان يأنسا بي، وأن يأتياني فأصلهما وأخلطهما بنفسي- قَالَ وعبد الله مطرق طويلا ثم رفع رأسه- فقال: وحقك يا أمير المؤمنين، فما لي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم، ولقد خرجا من يدي، فيقول أبو جعفر: لا تفعل يا أبا محمد، اكتب إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما قَالَ: فامتنع أبو جعفر ذلك اليوم من عامة غدائه إقبالا على عبد الله، وعبد الله يحلف ما يعرف موضعهما، وأبو جعفر يكرر عليه: لا تفعل يا أبا محمد، لا تفعل يا أبا محمد، لا تفعل يا أبا محمد قَالَ: فكان شدة هرب محمد من أبي جعفر أن أبا جعفر كان عقد له بمكة في أناس من المعتزلة.
قَالَ عمر: حدثني أيوب بْن عمر- يعني ابن أبي عمرو- قَالَ: حدثني محمد بْن خالد بْن إسماعيل بْن أيوب بْن سلمة المخزومي، قَالَ: أخبرني أبي، قَالَ: أخبرني العباس بْن محمد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، قَالَ:
لما حج أبو جعفر في سنة أربعين ومائة أتاه عبد الله وحسن ابنا حسن، فإنهما وإياي لعنده، وهو مشغول بكتاب ينظر فيه، إذ تكلم المهدي فلحن، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، ألا تأمر بهذا من يعدل لسانه، فإنه يغفل غفل الأمة! فلم يفهم، وغمزت عبد الله فلم ينتبه لها، وعاد لأبي جعفر فاحتفظ من ذلك، وقال: أين ابنك؟ فقال: لا أدري، قَالَ: لتأتيني به، قَالَ:
لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، قَالَ: يا ربيع قم به الى الحبس قَالَ عمر: حدثني موسى بْن سعيد بْن عبد الرحمن الجمحي، قَالَ:
لما تمثل عبد الله بْن حسن لأبي العباس:

ألم تر حوشبا أمسى يبنى *** بيوتا نفعها لبني بقيلة

لم تزل في نفس أبي جعفر عليه، فلما أمر بحبسه، قَالَ: ألست القائل لأبي العباس:

ألم تر حوشبا أمسى يبنى *** بيوتا نفعها لبني بقيلة

وهو آمن الناس عليك، وأحسنهم إليك صنيعا! قَالَ عمر: حدثنا محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق عن أبي حنين، قَالَ: دخلت على عبد الله بْن حسن وهو محبوس، فقال:
هل حدث اليوم من خبر؟ قلت: نعم، قد أمر ببيع متاعك ورقيقك، ولا أرى أحدا يقدم على شرائه، فقال: ويحك يا أبا حنين! والله لو خرج بي وببناتي مسترقين لاشترينا! قَالَ عمر: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثنا الحارث بْن إسحاق قَالَ: شخص أبو جعفر، وعبد الله بْن حسن محبوس، فأقام في الحبس ثلاث سنين.
قال عمر: وحدثني عبد الله بْن إسحاق بْن القاسم بن إسحاق بن عبد الله ابن جعفر بْن أبي طالب، قَالَ: حدثني أبو حرملة محمد بْن عثمان، مولى آل عمرو بْن عثمان، قَالَ: حدثني أبو هبار المزني، قَالَ: لما حج أبو جعفر سنة أربعين ومائة، حج تلك السنة محمد وإبراهيم ابنا عبد الله، وهما متغيبان، فاجتمعوا بمكة، فأرادوا اغتيال أبي جعفر، فقال لهم الأشتر: عبد الله بن محمد ابن عبد الله، أنا أكفيكموه، فقال محمد: لا والله لا أقتله أبدا غيلة حتى أدعوه، قَالَ: فنقض أمرهم ذلك وما كانوا أجمعوا عليه، وقد كان دخل معهم في أمرهم قائد من قواد أبي جعفر من أهل خراسان قَالَ: فاعترض لأبي جعفر إسماعيل بْن جعفر بْن محمد الأعرج، فنمى إليه أمرهم، فأرسل في طلب القائد فلم يظفر به، وظفر بجماعة من أصحابه، وأفلت الرجل وغلام له بمال زهاء ألفي دينار كانت مع الغلام، فأتاه بها وهو مع محمد، فقسمها بين أصحابه قَالَ أبو هبار: فأمرني محمد، فاشتريت للرجل أباعر وجهزته وحملته في قبة وقطرته، وخرجت أريد به المدينة حتى أوردته إياها.
وقدم محمد فضمه إلى أبيه عبد الله، ووجههما إلى ناحية من خراسان قَالَ: وجعل أبو جعفر يقتل أصحاب ذلك القائد الذي كان من أمره ما ذكرت.
قَالَ عمر: وحدثني محمد بْن يحيى بْن محمد، قَالَ: حدثني أبي عن أبيه، قَالَ: غدوت على زياد بْن عبيد الله وأبو جعفر بالمدينة، قَالَ: فقال:
أخبركم عجبا مما لقيته الليلة، طرقني رسل أمير المؤمنين نصف الليل- وكان زياد قد تحول لقدوم أمير المؤمنين إلى داره بالبلاط- قَالَ: فدقت علي رسله، فخرجت ملتحفا بإزاري، ليس علي ثوب غيره، فنبهت غلمانا لي وخصيانا في سقيفة الدار، فقلت لهم: إن هدموا الدار فلا يكلمهم منكم أحد، قَالَ: فدقوا طويلا ثم انصرفوا، فأقاموا ساعة، ثم طلعوا بجرز شبيه أن يكون معهم مثلهم، مرة أو مرتين، فدقوا الباب بجرزة الحديد، وصيحوا فلم يكلمهم أحد، فرجعوا فأقاموا ساعة، ثم جاءوا بأمر ليس عليه صبر، فظننت والله أن قد هدموا الدار علي، فأمرت بفتحها، وخرجت إليهم فاستحثوني وهموا أن يحملوني، وجعلت أسمع العزاء من بعضهم حتى أسلموني إلى دار مروان، فأخذ رجلان بعضدي، فخرجانى على حال الدفيف على الأرض أو نحوه، حتى أتيا بي حجرة القبة العظمى، فإذا الربيع واقف، فقال: ويحك يا زياد! ماذا فعلت بنا وبنفسك منذ الليلة! ومضى بي حتى كشف ستر باب القبة، فأدخلني ووقف خلفي بين البابين، فإذا الشمع في نواحي القبة، فهي تزهر، ووصيف قائم في ناحيتها، وأبو جعفر محتب بحمائل سيفه على بساط ليس تحته وسادة ولا مصلى، وإذا هو منكس رأسه ينقر بجرز في يده.
قَالَ: فأخبرني الربيع أنها حاله من حين صلى العتمة إلى تلك الساعة قَالَ:
فما زلت واقفا حتى أني لأنتظر نداء الصبح، وأجد لذلك فرجا، فما يكلمني بكلمة، ثم رفع راسه الى، فقال: يا بن الفاعلة، أين محمد وإبراهيم؟ قَالَ:
ثم نكس رأسه، ونكت أطول مما مضى له، ثم رفع راسه الثانيه، فقال: يا بن الفاعلة، أين محمد وإبراهيم؟ قتلني الله إن لم أقتلك! قَالَ: قلت له: اسمع مني ودعني اكلمك، قال: قل له: أنت نفرتهما عنك، بعثت رسولا بالمال الذي أمرت بقسمه على بني هاشم، فنزل القادسية، ثم أخرج سكينا يحده، وقال: بعثني أمير المؤمنين لأذبح محمدا وإبراهيم، فجاءتهما بذلك الاخبار، فهربا قال: فصرفني فانصرفت.
قال عمر: وحدثني عبد الله بْن راشد بْن يزيد- وكان يلقب الأكار، من أهل فيد- قَالَ: سمعت نصر بْن قادم مولى بني محول الحناطين: قَالَ:
كان عبدويه وأصحاب له بمكة في سنة حجها أبو جعفر قَالَ: فقال لأصحابه: إني أريد أن أوجر أبا جعفر هذه الحربة بين الصفا والمروة قَالَ: فبلغ ذلك عبد الله بْن حسن فنهاه، وقال: أنت في موضع عظيم، فما أرى أن تفعل.
وكان قائد لأبي جعفر يدعى خالد بْن حسان، كان يدعى أبا العساكر على ألف رجل، وكان قد مالأ عبدويه وأصحابه، فقال له أبو جعفر: أخبرني عنك وعن عبدويه والعطاردي، ما أردتم أن تصنعوا بمكة؟ قَالَ: أردنا كذا وكذا، قَالَ: فما منعكم؟ قَالَ: عبد الله بْن حسن، قَالَ: فطمره فلم ير حتى الساعة.
قَالَ عمر: حدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثنا الحارث بْن إسحاق، قَالَ: جد أبو جعفر حين حبس عبد الله في طلب ابنيه، فبعث عينا له، وكتب معه كتابا على ألسن الشيعة إلى محمد، يذكرون طاعتهم ومسارعتهم، وبعث معه بمال وألطاف، فقدم الرجل المدينة، فدخل على عبد الله بْن حسن، فسأله عن محمد، فذكر له أنه في جبل جهينة، وقال: أمرر بعلي بْن حسن، الرجل الصالح الذي يدعى الأغر، وهو بذي الأبر، فهو يرشدك فأتاه فأرشده وكان لأبي جعفر كاتب على سره، كان متشيعا، فكتب الى عبد الله ابن حسن بأمر ذلك العين، وما بعث له، فقدم الكتاب على عبد الله فارتاعوا، وبعثوا أبا هبار إلى علي بْن الحسن وإلى محمد، فيحذرهم الرجل، فخرج أبو هبار حتى نزل بعلي بْن حسن، فسأله فأخبره أن قد أرشده إليه قَالَ أبو هبار: فجئت محمدا في موضعه الذي هو به، فإذا هو جالس في كهف، معه عبد الله بْن عامر الأسلمي وابنا شجاع وغيرهم، والرجل معهم أعلاهم صوتا، وأشدهم انبساطا، فلما رآني ظهر عليه بعض النكرة، وجلست مع القوم، فتحدثت مليا، ثم أصغيت إلى محمد، فقلت: إن لي حاجة، فنهض ونهضت معه، فأخبرته بخبر الرجل، فاسترجع، وقال: فما الرأي؟
فقلت: إحدى ثلاث أيها شئت فافعل، قَالَ: وما هي؟ قلت: تدعني فأقتل الرجل، قَالَ: ما أنا بمقارف دما إلا مكرها، أو ماذا؟ قلت: توقره حديدا وتنقله معك حيث انتقلت، قَالَ: وهل بنا فراغ له مع الخوف والإعجال! أو ماذا؟ قلت: تشده وتوثقه وتودعه بعض أهل ثقتك من جهينة، قَالَ:
هذه إذا، فرجعنا وقد نذر الرجل فهرب، فقلت: أين الرجل؟ قالوا: قام بركوة فاصطب ماء، ثم توارى بهذا الظرب يتوضأ، قَالَ: فجلنا في الجبل وما حوله، فكأن الأرض التأمت عليه قَالَ: وسعى على قدميه حتى شرع على الطريق، فمر به أعراب معهم حمولة إلى المدينة، فقال لبعضهم: فرغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلا لصاحبتها ولك كذا وكذا، قَالَ: نعم، ففرغها وحمله حتى اقدمه بالمدينة ثم قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر كله، وعمي عن اسم أبي هبار وكنيته، وعلق وبرا، فكتب أبو جعفر في طلب وبر المزني، فحمل إليه رجل منهم يدعى وبرا، فسأله عن قصة محمد وما حكى له العين، فحلف أنه ما يعرف من ذلك شيئا، فامر به فضرب سبعمائة سوط، وحبس حتى مات أبو جعفر.
قَالَ عمر: حدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، قَالَ: ألح أبو جعفر في طلب محمد، وكتب إلى زياد بْن عبيد الله الحارثي يتنجزه ما كان ضمن له، فقدم محمد المدينة قدمة، فبلغ ذلك زيادا، فتلطف له وأعطاه الأمان على أن يظهر وجهه للناس معه، فوعده ذلك محمد، فركب زياد مغلسا، ووعد محمدا سوق الظهر، فالتقيا بها، ومحمد معلن غير مختف، ووقف زياد إلى جنبه، وقال: يأيها الناس، هذا محمد بْن عبد الله ابن حسن، ثم أقبل عليه، فقال: الحق بأي بلاد الله شئت، وتوارى محمد، وتواترت الأخبار بذلك على أبي جعفر.
قَالَ عمر: حدثني عيسى بْن عبد الله، قَالَ: حدثني من أصدق، قَالَ: دخل إبراهيم بْن عبد الله على زياد، وعليه درع حديد تحت ثوية، فلمسها زياد ثم قَالَ: يا أبا إسحاق، كأنك اتهمتني! ذلك والله ما ينالك مني أبدا.
قَالَ عمر: حدثني عيسى، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: ركب زياد بمحمد، فأتى به السوق فتصايح أهل المدينة: المهدي المهدي! فتوارى فلم يظهر، حتى خرج.
قَالَ عمر: حدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، قَالَ: لما أن تتابعت الأخبار على أبي جعفر بما فعل زياد بْن عبيد الله، وجه أبا الأزهر رجلا من أهل خراسان إلى المدينة، وكتب معه كتابا، ودفع إليه كتبا، وأمره ألا يقرأ كتابه إليه حتى ينزل الأعوص، على بريد من المدينة، فلما أن نزله قرأه، فإذا فيه تولية عبد العزيز بْن المطلب بْن عبد الله المدينة- وكان قاضيا لزياد بْن عبيد الله- وشد زياد في الحديد، واصطفاء ماله، وقبض جميع ما وجد له، وأخذ عماله وإشخاصه وإياهم إلى أبي جعفر.
فقدم أبو الأزهر المدينة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين ومائة، فوجد زيادا في موكب له، فقال: أين الأمير؟ فقيل: ركب، وخرجت الرسل إلى زياد بقدومه، فأقبل مسرعا حتى دخل دار مروان، فدخل عليه أبو الأزهر، فدفع إليه كتابا من أبي جعفر في ثلث يأمره أن يسمع ويطيع، فلما قرأه قَالَ: سمعا وطاعة، فمر يا أبا الأزهر بما أحببت، قَالَ: ابعث إلى عبد العزيز بْن المطلب فبعث إليه، فدفع إليه كتابا أن يسمع لأبي الأزهر، فلما قرأه قَالَ: سمعا وطاعة، ثم دفع إلى زياد كتابا يأمره بتسليم العمل إلى ابن المطلب، ودفع إلى ابن المطلب كتابا بتوليته، ثم قَالَ لابن المطلب: ابعث إلي أربعة كبول وحدادا، فأتى بهما فقال: اشدد أبا يحيى، فشد فيها وقبض ماله- ووجد في بيت المال خمسة وثمانين ألف دينار- وأخذ عماله، فلم يغادر منهم أحدا، فشخص بهم وبزياد، فلما كانوا في طرف المدينة وقف له عماله يسلمون عليه، فقال: بأبي أنتم! والله ما أبالي إذا رآكم أبو جعفر ما صنع بي! أي من هيئتهم ومروتهم.
قَالَ عمر: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، عن خاله علي بْن عبد الحميد، قَالَ: شيعنا زيادا، فسرت تحت محمله ليلة، فأقبل علي فقال: والله ما أعرف لي عند أمير المؤمنين ذنبا، غير انى احسبه وجد علي في ابني عبد الله ووجد دماء بني فاطمة علي عزيزة ثم مضوا حتى كانوا بالشقراء، فأفلت منهم محمد بْن عبد العزيز، فرجع إلى المدينة، وحبس أبو جعفر الآخرين، ثم خلى عنهم.
قَالَ: وحدثني عيسى بْن عبد الله، قَالَ: حدثني من أصدق، قَالَ:
لما أن وجه أبو جعفر مبهوتا وابن أبي عاصية في طلب محمد، كان مبهوت الذي أخذ زيادا، فقال زياد:

أكلف ذنب قوم لست منهم *** وما جنت الشمال على اليمين

قال: وحدثني عيسى بْن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمران بن ابى فروه، قال: كنت أنا والشعباني- قائد كان لأبي جعفر- مع زياد بْن عبيد الله نختلف إلى أبي الأزهر أيام بعثه أبو جعفر في طلب بنى حسن، فإني لأسير مع أبي الأزهر يوما إذ أتاه آت فلصق به، فقال: إن عندي نصيحة في محمد وإبراهيم، قَالَ: اذهب عنا، قَالَ: إنها نصيحة لأمير المؤمنين، قَالَ:
اذهب عنا، ويلك قد قتل الخلق! قَالَ: فأبى أن ينصرف، فتركه أبو الأزهر حتى خلا الطريق، ثم بعج بسيفه بطنه بعجة القاه ناحيه ثم استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بْن خالد بعد زياد، فذكر عمر أن محمد بْن يحيى حدثه، قَالَ: حدثنا الحارث بْن إسحاق، قَالَ: استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بْن خالد بعد زياد، وأمره بالجد في طلب محمد، وبسط يده في النفقة في طلبه فاغذ السير حتى قدم المدينة هلال رجب سنة إحدى وأربعين ومائة، ولم يعلم به أهل المدينة حتى جاء رسوله من الشقرة- وهي بين الأعوص والطرف على ليلتين من المدينة- فوجد في بيت المال سبعين ألف دينار وألف ألف درهم، فاستغرق ذلك المال، ورفع في محاسبته أموالا كثيرة أنفقها في طلب محمد، فاستبطأه أبو جعفر واتهمه، فكتب إليه أبو جعفر يأمره بكشف المدينة وأعراضها، فأمر محمد بْن خالد أهل الديوان أن يتجاعلوا لمن يخرج، فتجاعلوا رباع الغاضري المضحك- وكان يداين الناس بألف دينار- فهلكت وتويت، وخرجوا إلى الأعراض لكشفها عن محمد، وأمر القسري أهل المدينة، فلزموا بيوتهم سبعة أيام، وطافت رسله والجند ببيوت الناس يكشفونها، لا يحسون شيئا، وكتب القسري لأعوانه صكاكا يتعززون بها، لئلا يعرض لهم أحد، فلما استبطأه أبو جعفر ورأى ما استغرق من الأموال عزله قال: وحدثني عيسى بن عبد الله، قال: أخبرني حسين بْن يزيد، عن ابن ضبة، قَالَ: اشتد أمر محمد وإبراهيم على أبي جعفر، فبعث فدعا أبا السعلاء من قيس بْن عيلان، فقال: ويلك! أشر علي في امر هذين الرجلين، فقد غمتنى امرهما، قال: أرى لك أن تستعمل رجلا من ولد الزبير أو طلحة، فإنهم يطلبونهما بذحل، فاشهد لا يلبثونهما او يخرجوهما إليك.
قَالَ: قاتلك الله، ما أجود رأيا جئت به! والله ما غبي هذا علي، ولكنى اعاهد الله الا أثئر من أهل بيتي بعدوي وعدوهم، ولكني ابعث عليهم صعيليكا من العرب، فيفعل ما قلت، فبعث رياح بْن عثمان بْن حيان.
قَالَ: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني عبد الله بْن يحيى، عن موسى بْن عبد العزيز، قَالَ: لما أراد أبو جعفر عزل محمد بْن خالد عن المدينة ركب ذات يوم، فلما خرج من بيته استقبله يزيد بْن أسيد السلمي، فدعاه فسايره ثم قَالَ: أما تدلني على فتى من قيس مقل، أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد اليمن يلعب به؟ يعني ابن القسري، قَالَ: بلى، قد وجدته يا أمير المؤمنين، قَالَ: من هو؟ قَالَ: رياح بْن عثمان بْن حيان المري، قَالَ: فلا تذكرن هذا لأحد، ثم انصرف فأمر بنجائب وكسوة ورحال، فهيئت للمسير، فلما انصرف من صلاة العتمة دعا برياح، فذكر له ما بلا من غش زياد وابن القسري في ابني عبد الله، وولاه المدينة، وامر بالمسير من ساعته قبل أن يصل إلى منزله، وأمره بالجد في طلبهما، فخرج مسرعا، حتى قدمها يوم الجمعة لسبع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين ومائة.
قَالَ: وحدثني محمد بْن معروف، قَالَ: أخبرني الفضل بْن الربيع، عن أبيه، قَالَ: لما بلغ أمر محمد وإبراهيم من أبي جعفر ما بلغ خرجت يوما من عنده- أو من بيتي- أريده، فإذا أنا برجل قد دنا مني، فقال: أنا رسول رياح بْن عثمان إليك، يقول لك: قد بلغني أمر محمد وإبراهيم وإدهان الولاة في أمرهما، وإن ولانى امير المؤمنين المدينة ضمنت له أحدهما، والا أظهرهما.
قَالَ: فأبلغت ذلك أمير المؤمنين فكتب إليه بولايته، وليس بشاهد.
ذكر عمر بْن شبة، عن محمد بْن يحيى، عن عبد الله بن يحيى، عن موسى ابن عبد العزيز، قَالَ: لما دخل رياح دار مروان، فصار في سقيفتها، أقبل على بعض من معه، فقال: هذه دار مروان؟ قالوا: نعم، قَالَ: هذه المحلال المظعان، ونحن أول من يظعن منها.
قَالَ عمر: حدثني أيوب بْن عمر، قَالَ: حدثني الزبير بْن المنذر مولى عبد الرحمن بْن العوام، قَالَ: قدم رياح بْن عثمان، فقدم معه حاجب له يكنى أبا البختري- وكان لأبي صديقا زمان الوليد بْن يزيد قَالَ: فكنت آتيه لصداقته لأبي- فقال لي يوما: يا زبير، إن رياحا لما دخل دار مروان قَالَ لي: هذه دار مروان؟ أما والله إنها لمحلال مظعان، فلما تكشف الناس عنه- وعبد الله محبوس في قبة الدار التي على الطريق إلى المقصورة، حبسه فيها زياد بْن عبيد الله- قَالَ لي: يا أبا البختري، خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ، فأقبل متكئا علي حتى وقف على عبد الله بْن حسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة، ولا يد سلفت إليه، والله لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم! قَالَ: فرفع رأسه إليه وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة قَالَ أبو البختري: فانصرف رياح والله آخذا بيدي، أجد برد يده، وإن رجليه لتخطان مما كلمه، قَالَ:
قلت: والله إن هذا ما اطلع على الغيب قَالَ: إيها ويلك! فو الله ما قَالَ إلا ما سمع، قَالَ: فذبح والله فيها ذبح الشاة.
قَالَ: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثنا الحارث بْن إسحاق، قَالَ: قدم رياح المدينة، فدعا بالقسري، فسأله عن الأموال، فقال: هذا كاتبي هو أعلم بذلك مني، قَالَ: أسألك وتحيلني على كاتبك! فأمر به فوجئت عنقه، وقنع أسواطا، ثم أخذ رزاما كاتب محمد بْن خالد القسري ومولاه فبسط عليه العذاب، وكان يضربه في كل غب خمسة عشر سوطا، مغلولة يده إلى عنقه من بكرة إلى الليل، يتبع به أفناء المسجد والرحبة، ودس إليه في الرفع على ابن خالد فلم يجد عنده في ذلك مساغا، فأخرجه عمر بْن عبد الله الجذامي- وكان خليفة صاحب الشرط يوما من الأيام- وهو يريد ضربه، وما بين قدميه إلى قرنه قرحة، فقال له: هذا يوم غبك، فأين تحب أن نجلدك؟ قَالَ: والله ما في بدني موضع لضرب، فإن شئت فبطون كفي، فأخرج كفيه فضرب في بطونهما خمسة عشر سوطا قَالَ: فجعلت رسل رياح تختلف إليه، تأمره أن يرفع على ابن خالد ويخلى سبيله، فأرسل إليه: مر بالكف عني حتى أكتب كتابا، فأمر بالكف عنه، ثم ألح عليه وبعث إليه: أن رح بالكتاب العشية على رءوس الناس، فادفعه إلي فلما كان العشي أرسل إليه فأتاه وعنده جماعة فقال: أيها الناس، إن الأمير أمرني أن أكتب كتابا، وأرفع على ابن خالد، وقد كتبت كتابا أتنجى به، وأنا أشهدكم أن كل ما فيه باطل فأمر به رياح فضرب مائة سوط، ورد إلى السجن.
قَالَ عمر: حدثني عيسى بْن عبد الله، قَالَ: حدثني عمي عبيد الله بْن محمد بْن عمر بْن علي، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة رفعه على أبي قبيس، فرفع له الأرض جميعا حتى رآها وقال: هذه كلها لك، قَالَ: أي رب، كيف أعلم ما فيها؟ فجعل له النجوم، فقال: إذا رأيت نجم كذا وكذا كان كذا وكذا، وإذا رأيت نجم كذا وكذا كان كذا وكذا، فكان يعلم ذلك بالنجوم ثم إن ذلك اشتد عليه، فأنزل الله عز وجل مرآة من السماء يرى بها ما في الأرض حتى إذا ما مات آدم عمد إليها شيطان يقال له فقطس فكسرها، وبنى عليها مدينة بالمشرق يقال لها جابرت، فلما كان سليمان بْن داود سأل عنها، فقيل له: أخذها فقطس فدعاه فسأله عنها، فقال: هي تحت أواسي جابرت، قَالَ: فأتني بها، قَالَ ومن يهدمها؟ فقالوا لسليمان: قل له: أنت، فقال سليمان: أنت، فأتى بها سليمان، فكان يجبر بعضها إلى بعض ثم يشدها في أقطارها بسير، ثم ينظر فيها، حتى هلك سليمان، فوثبت عليها الشياطين، فذهبت بها وبقيت منها بقية، فتوارثتها بنو إسرائيل حتى صارت إلى رأس الجالوت، فأتى بها مروان بْن محمد، فكان يحكها ويجعلها على مرآة أخرى فيرى فيها ما يكره، فرمى بها وضرب عنق رأس الجالوت، ودفعها إلى جارية له، فجعلتها في كرسفة، ثم جعلتها في حجر، فلما استخلف أبو جعفر سأل عنها فقيل له: هي عند فلانة، فطلبها حتى وجدها، فكانت عنده، فكان يحكها ويجعلها على مرآة أخرى فيرى فيها، وكان يرى محمد ابن عبد الله، فكتب إلى رياح بْن عثمان: إن محمدا ببلاد فيها الأترج والأعناب فاطلبه بها وقد كتب إلى محمد بعض أصحاب أبي جعفر: لا تقيمن في موضع إلا بقدر مسير البريد من العراق إلى المدينة، فكان يتنقل فيراه بالبيضاء، وهي من وراء الغابة على نحو من عشرين ميلا، وهي لأشجع فكتب إليه: إنه ببلاد بها الجبال والقلات، فيطلبه فلا يجده قَالَ: فكتب إليه إنه بجبل به الحب الأخضر والقطران، قَالَ: هذه رضوى، فطلبه فلم يجده قال أبو زيد: حدثني أبو صفوان نصر بْن قديد بْن نصر بْن سيار، أنه بلغه أنه كان عند أبي جعفر مرآة يرى فيها عدوه من صديقه.
قَالَ: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، قَالَ: جد رياح في طلب محمد، فأخبر أنه في شعب من شعاب رضوى- جبل جهينة، وهي من عمل ينبع- فاستعمل عليها عمرو بْن عثمان بْن مالك الجهني أحد بني جشم، وأمره بطلب محمد، فطلبه فذكر له أنه بشعب من رضوى، فخرج إليه بالخيل والرجال، ففزع منه محمد، فأحضر شدا، فأفلت وله ابن صغير، ولد في خوفه ذلك، وكان مع جارية له، فهوى من الجبل فتقطع، وانصرف عمرو بْن عثمان.
قَالَ: وحدثني عبد الله بْن محمد بْن حكيم الطائي، قَالَ: لما سقط ابن محمد فمات ولقي محمد ما لقي، قال:

سنخرق السربال يشكو الوجى *** تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف فأزرى به *** كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة *** والموت حتم في رقاب العباد

قال: وحدثني عيسى بْن عبد الله، قَالَ: حدثني عمي عبيد الله بْن محمد، قَالَ: قَالَ محمد بْن عبد الله: بينا أنا في رضوى مع أمة لي أم ولد، معها بني لي ترضعه، إذا ابن سنوطي مولى لأهل المدينة، قد هجم علي في الجبل يطلبني، فخرجت هاربا، وهربت الجارية فسقط الصبي منها فتقطع، فقال عبيد الله: فأتي بابن سنوطي الى محمد بعد حين ظهر، فقال:
يا بن سنوطي، أتعرف حديث الصبي؟ قَالَ: أي والله، إني لأعرفه، فأمر به فحبس، فلم يزل محبوسا حتى قتل محمد قَالَ: وحدثني عبد العزيز بْن زياد، قَالَ: حدثني أبي قَالَ: قَالَ محمد: إني بالحرة مصعد ومنحدر، إذا أنا برياح والخيل، فعدلت إلى بئر فوقفت بين قرنيها، فجعلت أستقي، فلقيني رياح صفحا، فقال: قاتله الله أعرابيا ما أحسن ذراعه! قَالَ: وحدثني ابن زبالة، قَالَ: حدثني عثمان بْن عبد الرحمن الجهني عن عثمان بْن مالك، قَالَ: أذلق رياح محمدا بالطلب، فقال لي: أغد بنا إلى مسجد الفتح ندع الله فيه قَالَ: فصليت الصبح، ثم انصرف إليه، فغدونا وعلى محمد قميص غليظ ورداء قرقبي مفتول، فخرجنا من موضع كان فيه، حتى إذا كان قريبا التفت، فإذا رياح في جماعة من أصحابه ركبان، فقلت له: هذا رياح، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! فقال غير مكترث به: امض، فمضيت وما تنقلني رجلاي، وتنحى هو عن الطريق، فجلس وجعل ظهره مما يلي الطريق، وسدل هدب ردائه على وجهه- وكان جسيما- فلما حاذاه رياح التفت إلى أصحابه، فقال: امرأة رأتنا فاستحيت قَالَ: ومضيت حتى طلعت الشمس، وجاء رياح فصعد وصلى ركعتين، ثم انصرف من ناحية بطحان، فأقبل محمد حتى دخل المسجد، فصلى ودعا، ولم يزل محمد بْن عبد الله ينتقل من موضع إلى موضع إلى حين ظهوره.
ولما طال على المنصور أمره، ولم يقدر عليه وعبد الله بْن حسن محبوس، قَالَ عبد العزيز بْن سعيد- فيما ذكر عن عيسى بْن عبد الله، عن عبد الله بْن عمران بْن أبي فروة- قَالَ لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين، أتطمع أن يخرج لك محمد وإبراهيم وبنو حسن مخلون! والله للواحد منهم أهيب في صدور الناس من الأسد قَالَ: فكان ذلك الذي هاجه على حبسهم قَالَ، ثم دعاه فقال: من أشار عليك بهذا الرأي؟ قَالَ: فليح بْن سليمان، فلما مات عبد العزيز ابن سعيد- وكان عينا لأبي جعفر وواليا على الصدقات- وضع فليح بْن سليمان في موضعه، وأمر أبو جعفر بأخذ بني حسن.
قَالَ عيسى: حدثني عبد الله بْن عمران بْن أبي فروة، قَالَ: أمر أبو جعفر رياحا بأخذ بني حسن، ووجه في ذلك أبا الأزهر المهري- قَالَ: وقد كان حبس عبد الله بْن حسن فلم يزل محبوسا ثلاث سنين، فكان حسن بْن حسن قد نصل خضابه تسليا على عبد الله، فكان أبو جعفر يقول: ما فعلت الحادة؟
قَالَ: فأخذ رياح حسنا وإبراهيم ابني حسن بْن حسن، وحسن بْن جعفر بْن حسن بْن حسن، وسليمان وعبد الله ابني داود بْن حسن بن حسن، ومحمدا واسماعيل وإسحاق ابنى إبراهيم بْن حسن بْن حسن، وعباس بْن حسن بْن حسن بْن حسن بْن علي بْن أبي طالب، أخذوه على بابه، فقالت أمه عائشة ابنة طلحة بْن عمر بْن عبيد الله بْن معمر: دعوني أشمه، قالوا: لا والله، ما كنت حية في الدنيا، وعلي بْن حسن بْن حسن بْن حسن العابد.
قَالَ: وحدثني إسماعيل بْن جعفر بْن إبراهيم، قَالَ: حبس معهم أبو جعفر عبد الله بْن حسن بْن حسن أخا علي.
قَالَ: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثنا الحارث بْن إسحاق، قَالَ: جهر رياح بشتم محمد وإبراهيم ابني عبد الله، وشتم أهل المدينة قَالَ:
ثم قَالَ يوما وهو على المنبر يذكرهما: الفاسقين الخالعين الحاربين قَالَ: ثم ذكر ابنة أبي عبيدة أمهما، فأفحش لها، فسبح الناس وأعظموا ما قَالَ، فأقبل عليهم، فقال: إنكم لا كلنا عن شتمهما، ألصق الله بوجوهكم الذل والهوان! أما والله لأكتبن الى خليفتكم فلا علمنه غشكم وقلة نصحكم فقال الناس:
لا نسمع منك يا بن المحدود، وبادروه بالحصى، فبادر واقتحم دار مروان وأغلق عليه الباب، وخرج الناس حتى صفوا وجاهه، فرموه وشتموه ثم تناهوا وكفوا.
قَالَ: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الثقة عندي، قَالَ:
حبس معهم موسى بْن عبد الله بْن حسن بْن حسن بْن علي وعلى بن محمد ابن عبد الله بْن حسن بْن حسن عند مقدمه من مصر.
قَالَ: وحدثني عبد الله بْن عمر بْن حبيب، قَالَ: وجه محمد بْن عبد الله ابنه عليا إلى مصر، فدل عليه عاملها، وقد هم بالوثوب، فشده وارسل به إلى أبي جعفر، فاعترف له، وسمى أصحاب ابيه، فكان فيمن سمى عبد الرحمن ابن أبي الموالي وأبو حنين، فأمر بهما أبو جعفر فحبسا، وضرب أبو حنين مائة سوط.
قَالَ: وحدثني عيسى، قَالَ: مر حسن بْن حسن بن حسن على ابراهيم ابن حسن وهو يعلف إبلا له، فقال: أتعلف إبلك وعبد الله محبوس! أطلق عقلها يا غلام، فأطلقها، ثم صاح في أدبارها فلم يوجد منها واحدة.
قَالَ: وحدثني عيسى، قَالَ: حدثني علي بْن عبد الله بْن محمد بْن عمر بن علي، قَالَ: حضرنا باب رياح في المقصورة، فقال الآذن: من كان هاهنا من بني حسين فليدخل، فقال لي عمي عمر بْن محمد: انظر ما يصنع القوم، قَالَ: فدخلوا من باب المقصورة وخرجوا من باب مروان قَالَ: ثم قَالَ: من هاهنا من بني حسن فليدخل، فدخلوا من باب المقصورة ودخل الحدادون من باب مروان، فدعي بالقيود.
قَالَ: وحدثني عيسى، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: كان رياح إذا صلى الصبح أرسل إلي وإلى قدامة بْن موسى فيحدثنا ساعة، فإنا لعنده يوما، فلما أسفرنا إذا برجل متلفف في ساج له، فقال له رياح: مرحبا بك وأهلا، ما حاجتك؟ قَالَ: جئت لتحبسني مع قومي، فإذا هو علي بْن حسن بْن حسن بْن حسن، فقال: أما والله ليعرفنها لك أمير المؤمنين، ثم حبسه معهم.
قَالَ: وحدثني يعقوب بْن القاسم، قَالَ: حدثني سعيد بْن ناشرة مولى جعفر بْن سليمان، قَالَ: بعث محمد ابنه عليا، فأخذ بمصر، فمات في سجن أبي جعفر.
قَالَ: وحدثني موسى بْن عبد الله بْن موسى بْن عبد الله بْن حسن، قَالَ:
حدثني أبي، عن أبيه موسى بْن عبد الله، قَالَ: لما حبسنا ضاق الحبس بنا، فسأل أبي رياحا أن يأذن له فيشتري دارا، فيجعل حبسنا فيها، ففعل، فاشترى أبي دارا فنقلنا إليها، فلما امتد بنا الحبس أتى محمد أمه هندا فقال: إني قد حملت أبي وعمومتي ما لا طاقة لهم به، ولقد هممت أن أضع يدي في أيديهم، فعسى أن يخلى عنهم قَالَ: فتنكرت ولبست أطمارا، ثم جاءت السجن كهيئة الرسول، فأذن لها، فلما رآها أبي أثبتها، فنهض إليها فأخبرته عن محمد، فقال: كلا بل نصبر، فو الله إني لأرجو أن يفتح الله به خيرا، قولي له: فليدع إلى أمره، وليجد فيه، فإن فرجنا بيد الله قَالَ: فانصرفت وتم محمد على بغيته

ذكر حمل ولد حسن بن حسن الى العراق
وفي هذه السنة حمل ولد حسن بْن حسن بْن علي من المدينة إلى العراق.

ذكر الخبر عن سبب حملهم إلى العراق وما كان من أمرهم إذ حملوا:
ذكر عمر، قَالَ: حدثني موسى بْن عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لما حج أبو جعفر أرسل محمد بْن عمران بْن إبراهيم بْن محمد بْن طلحة ومالك بْن أنس إلى أصحابنا، فسألهم أن يدفعوا محمدا وإبراهيم ابني عبد الله، قَالَ: فدخل علينا الرجلان وأبي قائم يصلي، فأبلغاهم رسالته، فقال حسن بْن حسن: هذا عمل ابني المشئومة، أما والله ما هذا برأينا، ولا عن ملأ منا، ولا لنا فيه حيلة قَالَ: فاقبل عليه ابراهيم، فقال: علام تؤذي أخاك في ابنيه وتؤذي ابن أخيك في أمه؟ قَالَ: وانصرف أبي من صلاته، فأبلغاه، فقال: لا والله لا أرد عليكما حرفا، إن أحب أن يأذن لي فألقاه فليفعل، فانصرف الرجلان فابلغاه، فقال: اراد ان يسخرني، لا والله لا ترى عينه عيني حتى يأتيني بابنيه.
قَالَ: وحدثني ابن زبالة، قَالَ: سمعت بعض علمائنا يقول: ما سار عبد الله بْن حسن أحدا قط إلا فتله عن رأيه.
قَالَ: وحدثني موسى بْن عبد الله، عن أبيه عن جده، قَالَ: ثم سار أمير المؤمنين أبو جعفر لوجهه حاجا، ثم رجع فلم يدخل المدينة، ومضى إلى الربذة حتى أتى ثني رهوتها قَالَ عمر: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، قَالَ: لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة، فتلقاه رياح بالربذة، فرده إلى المدينة، وأمره بإشخاص بني حسن إليه، وبإشخاص محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ- وهو أخو بني حسن لأمهم أمهم جميعا فاطمة بنت حسين بْن علي بْن أبي طالب- فأرسل اليه رياح- وكان بماله ببدر- فحدرهم إلى المدينة، ثم خرج رياح ببني حسن ومحمد بْن عبد الله بْن عمرو إلى الربذة، فلما صار بقصر نفيس على ثلاثة أميال من المدينة، دعا بالحدادين والقيود والأغلال، فألقى كل رجل منهم في كبل وغل، فضاقت حلقتا قيد عبد الله بْن حسن بْن حسن، فعضتاه فتأوه، فأقسم عليه أخوه علي بْن حسن ليحولن حلقتيه عليه إن كانتا أوسع، فحولتا عليه، فمضى بهم رياح إلى الربذة.
قَالَ: وحدثني إبراهيم بْن خالد، ابن أخت سعيد بْن عامر، عن جويرية بْن أسماء- وهو خال أمه- قَالَ: لما حمل بنو حسن إلى أبي جعفر أتي بأقياد يقيدون بها، وعلي بْن حسن بْن حسن قائم يصلي قَالَ: وكان في الأقياد قيد ثقيل، فكلما قرب إلى رجل منهم تفادى منه واستعفى قَالَ: فانفتل علي من صلاته، فقال: لشد ما جزعتم، شرعه هذا، ثم مد رجليه فقيد به.
قَالَ: وحدثني عيسى، قَالَ: حدثني عبد الله بْن عمران، قَالَ: الذي حدرهم إلى الربذة أبو الأزهر.
قَالَ عمر: حدثني ابن زبالة، قَالَ: حدثني حسين بن زيد بن على ابن حسين، قَالَ: غدوت إلى المسجد، فرأيت بني حسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة، فانصرفت، فأرسل الى جعفر ابن محمد فجئته، فقال: ما وراءك؟ فقلت: رأيت بني حسن يخرج بهم في محامل، قَالَ: اجلس، فجلست، فدعا غلاما له، ثم دعا ربه دعاء كثيرا، ثم قَالَ لغلامه: اذهب، فإذا حملوا فأت فأخبرني، فأتاه الرسول، فقال: قد أقبل بهم قَالَ: فقام جعفر بْن محمد، فوقف من وراء ستر شعر يبصر من وراءه ولا يبصره أحد، فطلع بعبد الله بْن حسن في محل معادله مسود، وجميع أهل بيته كذلك قَالَ: فلما نظر إليهم جعفر هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته، ثم أقبل علي فقال: يا أبا عبد الله، والله لا يحفظ لله حرمة بعد هؤلاء قَالَ: وحدثني محمد بْن الحسن بْن زبالة، قَالَ: حدثني مصعب بْن عثمان، قَالَ: لما ذهب ببني حسن لقيهم الحارث بْن عامر بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ بالربذة، فقال: الحمد لله الذي أخرجكم من بلادنا، قَالَ: فاشرأب له حسن بْن حسن، فقال له عبد الله: عزمت عليك إلا سكت! قَالَ: وحدثني عيسى، قَالَ: حدثني ابن أبرود حاجب محمد بْن عبد الله قَالَ: لما حمل بنو حسن، كان محمد وإبراهيم يأتيان معتمين كهيئة الأعراب، فيسايران أباهما ويسائلانه ويستأذنانه في الخروج، فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك، ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين.
فلا يمنعكما أن تموتا كريمين قَالَ عمر: وحدثني محمد بْن يحيى، قَالَ: حدثني الحارث بْن إسحاق، قَالَ: لما صار بنو حسن إلى الربذة دخل محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ على أبي جعفر، وعليه قميص وساج وإزار رقيق تحت قميصه، فلما وقف بين يديه، قَالَ: إيها يا ديوث! قَالَ محمد: سبحان الله! والله لقد عرفتني بغير ذلك صغيرا وكبيرا، قَالَ: فمم حملت ابنتك؟ وكانت تحت إبراهيم بْن عبد الله بْن حسن بْن الحسن- وقد أعطيتني الأيمان بالطلاق والعتاق ألا تغشني ولا تمالى علي عدوا، ثم أنت تدخل على ابنتك متخضبة متعطرة، ثم تراها حاملا فلا يروعك حملها! فأنت بين أن تكون حانثا أو ديوثا، وايم الله انى لاهم برجمها فقال محمد: أما أيماني فهي علي إن كنت دخلت لك في أمر غش علمته، وأما ما رميت به هذه الجارية، فإن الله قد أكرمها عن ذلك بولادة رسول الله ص إياها، ولكني قد ظننت حين ظهر حملها أن زوجها ألم بها على حين غفلة منا فاحتفظ أبو جعفر من كلامه، وأمر بشق ثيابه، فشق قميصه عن إزاره، فأشف عن عورته، ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط، فبلغت منه كل مبلغ، وابو جعفر يفترى عليه ولا يكنى، فأصاب سوط منها وجهه، فقال له: ويحك! اكفف عن وجهي فإن له حرمة من رسول الله ص، قَالَ: فأغرى أبو جعفر، فقال للجلاد: الرأس الرأس، قَالَ: فضرب على رأسه نحوا من ثلاثين سوطا، ثم دعا بساجور من خشب شبيه به في طوله- وكان طويلا- فشد في عنقه، وشدت به يده، ثم أخرج به ملببا، فلما طلع به من حجرة أبي جعفر، وثب إليه مولى له، فقال: بأبي أنت وأمي ألا ألوثك بردائي! قَالَ: بلى جزيت خيرا، فو الله لشفوف إزاري أشد علي من الضرب الذي نالني، فألقى عليه المولى الثوب، ومضى به إلى أصحابه المحبسين.
قَالَ: وحدثني الوليد بْن هشام، قَالَ: حدثني عبد الله بْن عثمان، عن محمد بْن هاشم بْن البريد، مولى معاوية، قَالَ: كنت بالربذة، فأتي ببني حسن مغلولين، معهم العثماني كأنه خلق من فضة، فأقعدوا، فلم يلبثوا حتى خرج رجل من عند أبي جعفر، فقال: أين محمد بْن عبد الله العثماني؟ فقام فدخل، فلم يلبث أن سمعنا وقع السياط، فقال أيوب بْن سلمة المخزومي لبنيه: يا بني، إني لأرى رجلا ليس لأحد عنده هوادة، فانظروا لأنفسكم، لا تسقطوا بشيء قَالَ: فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه، وأسالت دمه، وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت، فأقعد إلى جنب أخيه عبد الله بْن حسن بْن حسن، فعطش فاستسقى ماء، فقال عبد الله بْن حسن: يا معشر الناس، من يسقي ابن رسول الله شربة ماء؟ فتحاماه الناس فما سقوه حتى جاء خراساني بماء، فسله إليه فشرب، ثم لبثنا هنيهة، فخرج أبو جعفر في شق محمل، معادله الربيع في شقه الأيمن، على بغلة شقراء، فناداه عبد الله أبا جعفر، والله ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر! قال: فاخساه ابو جعفر، وتفل عليه، ومضى ولم يعرج.
وذكر أن أبا جعفر لما دخل عليه محمد بْن عبد الله العثماني سأله عن إبراهيم، فقال: ما لي به علم، فدق أبو جعفر وجهه بالجرز.
وذكر عمر عن محمد بْن أبي حرب، قَالَ: لم يزل أبو جعفر جميل الرأي في محمد حتى قَالَ له رياح: يا أمير المؤمنين، أما أهل خراسان فشيعتك وأنصارك، وأما أهل العراق فشيعة آل أبي طالب، واما اهل الشام فو الله ما علي عندهم إلا كافر، وما يعتدون بأحد من ولده، ولكن أخاهم محمد بْن عبد الله ابن عمرو، ولو دعا أهل الشام ما تخلف عنه منهم رجل قَالَ: فوقعت في نفس أبي جعفر، فلما حج دخل عليه محمد، فقال: يا محمد، أليس ابنتك تحت إبراهيم بْن عبد الله بْن حسن؟ قَالَ: بلى، ولا عهد لي به إلا بمنى في سنة كذا وكذا، قَالَ: فهل رأيت ابنتك تختضب وتمتشط؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهي إذا زانية، قَالَ: مه يا أمير المؤمنين! أتقول هذا لابنة عمك! قال: يا بن اللخناء، قال: اى أمهاتي تلخن! قال: يا بن الفاعله، ثم ضرب وجهه بالجرز وحدده، وكانت رقية ابنة محمد تحت إبراهيم بْن عبد الله بْن حسن بْن حسن، ولها يقول:

خليلي من قيس دعا اللوم واقعدا *** يسركما ألا أنام وترقدا
أبيت كأني مسعر من تذكري *** رقية جمرا من غضا متوقدا

قَالَ: وحدثني عيسى بْن عبد الله بْن محمد، قَالَ: حدثني سليمان بْن داود بْن حسن، قَالَ: ما رأيت عبد الله بْن حسن جزع من شيء مما ناله إلا يوما واحدا، فإن بعير محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ انبعث وهو غافل، لم يتأهب له، وفي رجليه سلسلة، وفي عنقه زمارة، فهوى، وعلقت الزمارة بالمحمل، فرأيته منوطا بعنقه يضطرب، فرأيت عبد الله بْن حسن قد بكى بكاء شديدا.
قَالَ: وحدثني موسى بْن عبد الله بْن موسى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لما صرنا بالربذة، أرسل أبو جعفر إلى أبي أن أرسل إلي أحدكم، واعلم أنه غير عائد إليك أبدا، فابتدره بنو إخوته يعرضون أنفسهم عليه، فجزاهم خيرا، وقال: أنا أكره أن أفجعهم بكم، ولكن اذهب أنت يا موسى، قَالَ: فذهبت وأنا يومئذ حديث السن، فلما نظر إلي قَالَ:
لا أنعم الله بك عينا، السياط يا غلام قَالَ: فضربت والله حتى غشي علي، فما أدري بالضرب، فرفعت السياط عني، ودعاني فقربت منه واستقربني.
فقال: أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني، فأفرغت منه سجلا لم أستطع رده، ومن ورائه الموت أو تفتدي منه قَالَ: فقلت: يا أمير المؤمنين، والله إن ما لي ذنب، وإني لبمعزل عن هذا الأمر قَالَ: فانطلق فأتني بأخويك، قَالَ: فقلت: يا أمير المؤمنين، تبعثني إلى رياح بْن عثمان فيضع علي العيون والرصد، فلا أسلك طريقا إلا تبعني له رسول، ويعلم ذلك أخواي فيهربان مني! قَالَ: فكتب إلى رياح: لا سلطان لك على موسى، قَالَ: وأرسل معي حرسا أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري، قَالَ: فقدمت المدينة، فنزلت دار ابن هشام بالبلاط، فأقمت بها أشهرا، فكتب إليه رياح: إن موسى مقيم بمنزله يتربص بأمير المؤمنين الدوائر، فكتب إليه: إذا قرأت كتابي هذا فاحدره إلي، فحدرني.
قَالَ: وحدثني محمد بْن إسماعيل، قَالَ: حدثني موسى، قَالَ: أرسل أبي إلى أبي جعفر: إني كاتب إلى محمد وإبراهيم، فأرسل موسى عسى أن يلقاهما، وكتب إليهما أن يأتياه، وقال لي: أبلغهما عني فلا يأتياه أبدا قَالَ: وإنما أراد أن يفلتني من يده- وكان أرق الناس على، وكنت اصغر ولد هند- وارسل إليهما:

يا بنى أمية إني عنكما غان *** وما الغني غير انى مرعش فان
يا بنى أمية إلا ترحما كبري *** فإنما أنتما والثكل مثلان

قَالَ: فأقمت بالمدينة مع رسل أبي جعفر إلى أن استبطأني رياح، فكتب إلى ابى جعفر بذلك، فحدرنى اليه قال: وحدثنى يعقوب بْن القاسم بْن محمد، قَالَ: أخبرني عمران بْن محرز من بني البكاء، قَالَ: خرج ببني حسن إلى الربذة، فيهم علي وعبد الله ابنا حسن بْن حسن بْن حسن، وأمهما حبابة ابنة عامر بْن عبد الله بن عامر ابن بشر بْن عامر ملاعب الأسنة، فمات في السجن حسن بن حسن وعباس ابن حسن، وأمه عائشة بنت طلحة بْن عمر بْن عبيد الله وعبد الله بْن حسن وإبراهيم بْن حسن.
قَالَ عمر: حدثني المدائني، قَالَ: لما خرج ببني حسن، قَالَ إبراهيم ابن عبد الله بن حسن، قال عمر: وقد أنشدني غير أبي الحسن هذا الشعر لغالب الهمداني:

ما ذكرك الدمنة القفار وأهل *** الدار اما ناوك أو قربوا
إلا سفاها وقد تفرعك الشيب *** بلون كأنه العطب
ومر خمسون من سنيك كما *** عد لك الحاسبون إذ حسبوا
فعد ذكر الشباب لست له *** ولا إليك الشباب منقلب
إني عرتني الهموم فاحتضر *** الهم وسادي فالقلب منشعب
واستخرج الناس للشقاء و *** خلفت لدهر بظهره حدب
اعوج يستعذب اللئام به *** ويحتويه الكرام إن سربوا
نفسي فدت شيبه هناك و *** ظنبوبا به من قيوده ندب
والسادة الغر من بنيه فما *** روقب فيه الإله والنسب
يا حلق القيد ما تضمن من *** حلم وبر يشوبه حسب
وأمهات من العواتك *** أخلصنك بيض عقائل عرب
كيف اعتذاري إلى الإله ولم *** يشهرن فيك المأثورة القضب!
ولم أقد غارة ململمة *** فيها بنات الصريح تنتحب

والسابقات الجياد والأسل *** الذبل فيها أسنة ذرب
حتى نوفي بني نتيلة بالقسط *** بكيل الصاع الذي احتلبوا
بالقتل قتلا وبالأسير الذي *** في القد أسرى مصفودة سلب
أصبح آل الرسول أحمد في *** الناس كذي عرة به جرب
بؤسا لهم ما جنت أكفهم *** وأي حبل من أمة قضبوا!
وأي حبل خانوا المليك به *** شد بميثاق عقده الكذب

وذكر عبد الله بْن راشد بْن يزيد، قَالَ: سمعت الجراح بن عمر وخاقان ابن زيد وغيرهما من أصحابنا يقولون: لما قدم بعبد الله بْن حسن وأهله مقيدين فأشرف بهم على النجف، قَالَ لأهله: أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية؟ قَالَ: فلقيه ابنا أخي الحسن وعلي مشتملين على سيفين، فقالا له: قد جئناك يا بن رسول الله، فمرنا بالذي تريد، قَالَ:
قد قضيتما، ولن تغنيا في هؤلاء شيئا فانصرفا.
قَالَ: وحدثني عيسى، قَالَ: حدثني عبد الله بْن عمران بْن أبي فروة، قَالَ: أمر أبو جعفر أبا الأزهر فحبس بني حسن بالهاشمية.
قال: وحدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني محمد بْن إبراهيم، قَالَ: أتي بهم أبو جعفر، فنظر إلى محمد بْن إبراهيم بْن حسن، فقال:
أنت الديباج الأصفر؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك، ثم امر بأسطوانة مبنية ففرقت، ثم أدخل فيها فبنى عليه وهو حي قال محمد بن الحسن: وحدثني الزبير بْن بلال، قَالَ: كان الناس يختلفون إلى محمد ينظرون إلى حسنه.
قَالَ عمر: وحدثني عيسى، قَالَ: حدثني عبد الله بْن عمران، قال:أخبرني أبو الأزهر، قَالَ: قَالَ لي عبد الله بْن حسن: أبغني حجاما، فقد احتجت إليه، فاستأذنت أمير المؤمنين، فقال: آتيه بحجام مجيد.
قَالَ: وحدثني الفضل بْن دكين أبو نعيم، قَالَ: حبس من بني حسن ثلاثة عشر رجلا، وحبس معهم العثماني وابنان له في قصر ابن هبيرة، وكان في شرقي الكوفة مما يلي بغداد، فكان أول من مات منهم ابراهيم ابن حسن، ثم عبد الله بْن حسن، فدفن قريبا من حيث مات، وإلا يكن بالقبر الذي يزعم الناس أنه قبره، فهو قريب منه.
وحدثني محمد بْن أبي حرب، قَالَ: كان محمد بْن عبد الله بْن عمرو محبوسا عند أبي جعفر، وهو يعلم براءته، حتى كتب إليه أبو عون من خراسان: أخبر أمير المؤمنين أن أهل خراسان قد تقاعسوا عني، وطال عليهم أمر محمد بْن عبد الله، فأمر أبو جعفر عند ذلك بمحمد بْن عبد الله بْن عمرو، فضربت عنقه، وأرسل برأسه إلى خراسان، وأقسم لهم أنه رأس محمد بْن عبد الله، وأن أمه فاطمه بنت رسول الله ص.
قال عمر: فحدثني الوليد بْن هشام، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: لما صار أبو جعفر بالكوفة، قَالَ: ما أشتفي من هذا الفاسق من أهل بيت فسق، فدعا به، فقال: أزوجت ابنتك ابن عبد الله؟ قَالَ: لا، قَالَ: أفليست بامرأته؟ قَالَ: بلى زوجها إياه عمها وأبوه عبد الله بْن حسن فأجزت نكاحه، قَالَ: فأين عهودك التي أعطيتني؟ قَالَ: هي علي، قَالَ: أفلم تعلم بخضاب! ألم تجد ريح طيب! قَالَ: لا علم لي، قد علم القوم ما لك علي من المواثيق فكتموني ذلك كله، قَالَ: هل لك أن تستقيلني فأقيلك، وتحدث لي إيمانا مستقبلة؟ قَالَ: ما حنثت بأيماني فتجددها علي، ولا أحدثت ما استقيلك منه فتقيلني، فأمر به فضرب حتى مات، ثم احتز رأسه، فبعث به إلى خراسان، فلما بلغ ذلك عبد الله بْن حسن، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! والله ان كنا لنا من به في سلطانهم، ثم قد قتل بنا في سلطاننا.
قَالَ: وحدثني عيسى بْن عبد الله، قَالَ: حدثني مسكين بْن عمرو، قَالَ: لما ظهر محمد بْن عبد الله بْن حسن، أمر أبو جعفر بضرب عنق محمد ابن عبد الله بْن عمرو، ثم بعث به إلى خراسان، وبعث معه الرجال يحلفون بالله إنه لمحمد بْن عبد الله بْن فاطمة بنت رسول الله ص قَالَ عمر: فسألت محمد بْن جعفر بْن إبراهيم، في أي سبب قتل محمد بْن عمرو؟
قال: احتيج الى راسه.
قال عمر: وحدثني محمد بْن أبي حرب، قَالَ: كان عون بْن أبي عون خليفة أبيه بباب أمير المؤمنين، فلما قتل محمد بْن عبد الله بْن حسن وجه أبو جعفر برأسه إلى خراسان، إلى أبي عون مع محمد بْن عبد الله بْن أبي الكرام وعون بْن أبي عون، فلما قدم به ارتاب أهل خراسان، وقالوا: أليس قد قتل مرة وأتينا برأسه! قَالَ: ثم تكشف لهم الخبر حتى علموا حقيقته، فكانوا يقولون: لم يطلع من أبي جعفر على كذبة غيرها.
قَالَ: وحدثني عيسى بْن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمران بْن أبي فروة، قَالَ: كنا نأتي أبا الأزهر ونحن بالهاشمية أنا والشعباني، فكان أبو جعفر يكتب إليه: من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين إلى أبي الأزهر مولاه، ويكتب أبو الأزهر إلى أبي جعفر: من أبي الأزهر مولاه وعبده، فلما كان ذات يوم ونحن عنده- وكان أبو جعفر قد ترك له ثلاثة أيام لا ينوبها، فكنا نخلو معه في تلك الأيام- فأتاه كتاب من أبي جعفر، فقرأه ثم رمى به، ودخل إلى بني حسن وهم محبوسون قَالَ: فتناولت الكتاب وقرأته، فإذا فيه:
انظر يا أبا الأزهر ما أمرتك به في مدله فعجله وأنفذه قَالَ: وقرأ الشعباني الكتاب فقال: تدري من مدله؟ قلت: لا، قَالَ: هو والله عبد الله بْن حسن، فانظر ما هو صانع قَالَ: فلم نلبث أن جاء أبو الأزهر، فجلس فقال: قد والله هلك عبد الله بْن حسن، ثم لبث قليلا ثم دخل وخرج مكتئبا، فقال: أخبرني عن علي بْن حسن، أي رجل هو؟ قلت: أمصدق أنا عندك؟ قَالَ: نعم، وفوق ذلك، قَالَ: قلت: هو والله خير من تقله هذه وتظله هذه! قَالَ: فقد والله ذهب.
قَالَ: وحدثني محمد بْن إسماعيل، قَالَ: سمعت جدي موسى بْن عبد الله يقول: ما كنا نعرف اوقات الصلاة في الحبس إلا بأحزاب كان يقرؤها علي بْن حسن قَالَ عمر: وحدثني ابن عائشة، قَالَ: سمعت مولى لبني دارم، قَالَ: قلت لبشير الرحال ما يسرعك إلى الخروج على هذا الرجل؟ قَالَ: إنه أرسل إلي بعد أخذه عبد الله بْن حسن فأتيته، فأمرني يوما بدخول بيت فدخلته، فإذا بعبد الله بْن حسن مقتولا، فسقطت مغشيا علي، فلما أفقت أعطيت الله عهدا ألا يختلف في أمره سيفان إلا كنت مع الذي عليه منهما.
وقلت للرسول الذي معي من قبله: لا تخبره بما لقيت، فإنه إن علم قتلني.
قَالَ عمر: فحدثت به هشام بْن إبراهيم بْن هشام بْن راشد من أهل همذان، وهو العباسي أن أبا جعفر أمر بقتله، فحلف بالله ما فعل ذلك، ولكنه دس إليه من أخبره أن محمدا قد ظهر فقتل، فانصدع قلبه، فمات.
قَالَ: وحدثني عيسى بْن عبد الله، قَالَ: قَالَ من بقي منهم: إنهم كانوا يسقون، فماتوا جميعا إلا سليمان وعبد الله ابني داود بْن حسن بْن حسن وإسحاق وإسماعيل ابني إبراهيم بْن حسن بْن حسن، وجعفر بْن حسن، فكان من قتل منهم إنما قتل بعد خروج محمد.
قَالَ عيسى: فنظرت مولاة لآل حسن إلى جعفر بْن حسن، فقالت:
بنفسي أبو جعفر! ما أبصره بالرجال حيث يطلقك وقتل عبد الله بْن حسن!

ذكر الخبر عن سبب حمله إياهم إلى العراق:
حدثني الحارث بْن محمد، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: لما ولي أبو جعفر رياح بْن عثمان بْن حيان المري المدينة، أمره بالجد في طلب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بْن الحسن وقلة الغفلة عنهما.
قَالَ محمد بْن عمر: فأخبرني عبد الرحمن بْن أبي الموالي، قَالَ: فجد رياح في طلبهما ولم يداهن، واشتد في ذلك كل الشدة حتى خافا، وجعلا ينتقلان من موضع إلى موضع، واغتم أبو جعفر من تبغيهما، وكتب الى رياح ابن عثمان: أن يأخذ أباهما عبد الله بْن حسن واخوته: حسن بن حسن وداود ابن حسن وإبراهيم بْن حسن، ومحمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بن عفان- وهو أخوهم لأمهم فاطمة بنت حسين- في عدة منهم، ويشدهم وثاقا، ويبعث بهم إليه حتى يوافوه بالربذة وكان أبو جعفر قد حج تلك السنة وكتب إليه أن يأخذني معهم فيبعث بي إليه أيضا قَالَ: فأدركت وقد أهللت بالحج، فأخذت فطرحت في الحديد، وعورض بي الطريق حتى وافيتهم بالربذة قَالَ محمد بْن عمر: أنا رأيت عبد الله بْن حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان بعد العصر وهم في الحديد، فيحملون في المحامل، ليس تحتهم وطاء، وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام، أحفظ ما أرى.
قَالَ محمد بْن عمر: قَالَ عبد الرحمن بْن ابى الموالي وأخذ معهم نحو من أربعمائة، من جهينة ومزينة وغيرهم من القبائل، فأراهم بالربذة مكتفين في الشمس قَالَ: وسجنت مع عبد الله بْن حسن وأهل بيته ووافى أبو جعفر الربذة منصرفا من الحج، فسأل عبد الله بْن حسن أبا جعفر أن يأذن له في الدخول عليه، فأبى أبو جعفر، فلم يره حتى فارق الدنيا قَالَ: ثم دعاني أبو جعفر من بينهم، فأقعدت حتى أدخلت- وعنده عيسى بْن علي- فلما رآني عيسى، قَالَ: نعم، هو هو يا أمير المؤمنين، وإن أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم فسلمت، فقال أبو جعفر: لا سلم الله عليك! أين الفاسقان ابنا الفاسق، الكذابان ابنا الكذاب؟ قَالَ: قلت: هل ينفعني الصدق يا أمير المؤمنين عندك؟ قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: امرأته طالق، وعلي وعلي، إن كنت أعرف مكانهما! قَالَ: فلم يقبل ذلك مني، وقال: السياط! وأقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط، فما عقلت بها حتى رفع عني، ثم حملت إلى أصحابي على تلك الحال، ثم بعث إلى الديباج محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ابن عفان، وكانت ابنته تحت إبراهيم بْن عبد الله بْن حسن، فلما أدخل عليه قَالَ: أخبرني عن الكذابين ما فعلا؟ وأين هما؟ قَالَ: والله يا أمير المؤمنين ما لي بهما علم، قَالَ: لتخبرني، قَالَ: قد قلت لك وإني والله لصادق، ولقد كنت أعلم علمهما قبل اليوم، واما اليوم فما لي والله بهما علم قَالَ:
جردوه، فجرد فضربه مائة سوط، وعليه جامعة حديد في يده إلى عنقه، فلما فرغ من ضربه أخرج فألبس قميصا له قوهيا على الضرب، وأتي به إلينا، فو الله ما قدروا على نزع القميص من لصوقه بالدم، حتى حلبوا عليه شاة، ثم انتزع القميص ثم داووه فقال أبو جعفر: أحدروا بهم إلى العراق، فقدم بنا إلى الهاشمية، فحبسنا بها، فكان أول من مات في الحبس عبد الله ابن حسن، فجاء السجان فقال: ليخرج أقربكم به فليصل عليه، فخرج أخوه حسن بْن حسن بن حسن بن على ع، فصلى عليه ثم مات محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، فأخذ رأسه، فبعث به مع جماعة من الشيعة إلى خراسان، فطافوا في كور خراسان، وجعلوا يحلفون بالله أن هذا رأس محمد بْن عبد الله بن فاطمه بنت رسول الله ص، يوهمون الناس أنه رأس محمد بْن عبد الله بْن حسن، الذي كانوا يجدون خروجه على أبي جعفر في الرواية.
وكان والي مكة في هذه السنة السري بْن عبد الله، ووالى المدينة رياح ابن عثمان المري، ووالي الكوفة عيسى بْن موسى، ووالي البصرة سفيان بْن معاوية.