40 هـ
660 م
سنة أربعين (ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث)

فمما كَانَ فِيهَا من ذَلِكَ توجيه مُعَاوِيَة بسر بن أبي أرطاة فِي ثلاثة آلاف من المقاتلة إِلَى الحجاز فذكر عن زياد بن عَبْدِ اللَّهِ البكائي، …

عن عوانة، قال: ارسل معاويه ابن أَبِي سُفْيَانَ بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة -وَهُوَ رجل من بني عَامِر بن لؤي فِي جيش- فساروا من الشام حَتَّى قدموا الْمَدِينَة، وعامل علي عَلَى الْمَدِينَة يَوْمَئِذٍ أَبُو أيوب الأَنْصَارِيّ، ففر مِنْهُمْ أَبُو أيوب، فأتى عَلِيًّا بالكوفة، ودخل بسر الْمَدِينَة، قَالَ: فصعد منبرها ولم يقاتله بِهَا أحد، فنادى عَلَى الْمِنْبَر: يَا دينار، ويا نجار، ويا زريق، شيخي شيخي! عهدي بِهِ بالأمس، فأين هُوَ! يعني عُثْمَان، ثُمَّ قَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة، وَاللَّهِ لولا مَا عهد إلي مُعَاوِيَة مَا تركت بِهَا محتلما إلا قتلته ثُمَّ بايع أهل الْمَدِينَة، وأرسل إِلَى بني سلمة، فَقَالَ: وَاللَّهِ ما لكم عندي من أمان وَلا مبايعة حَتَّى تأتوني بجابر بن عَبْدِ اللَّهِ، فانطلق جابر إِلَى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لها: ماذا ترين؟ إني قَدْ خشيت ان اقتل، وهذه بيعه ضلاله، قالت: أَرَى أن تبايع، فإني قَدْ أمرت ابني عُمَر بن أبي سلمة أن يبايع، وأمرت ختني عَبْد اللَّهِ بن زمعة -وكانت ابنتها زينب ابنة أبي سلمة عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بن زمعة- فأتاه جابر فبايعه، وهدم بسر دورا بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ مضى حَتَّى أتى مكة، فخافه أَبُو مُوسَى أن يقتله، فَقَالَ لَهُ بسر: مَا كنت لأفعل بصاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، فخلى عنه، وكتب أَبُو مُوسَى قبل ذَلِكَ إِلَى اليمن: أن خيلا مبعوثة من عِنْدَ مُعَاوِيَة تقتل الناس، تقتل من أبى أن يقر بالحكومة ثُمَّ مضى بسر إِلَى اليمن، وَكَانَ عَلَيْهَا عُبَيْد اللَّهِ بن عباس عاملا لعلي، فلما بلغه مسيره فر إِلَى الْكُوفَةِ حَتَّى أتى عَلِيًّا، واستخلف عَبْد اللَّهِ بن عبد المدان الحارثي عَلَى اليمن، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عُبَيْد اللَّهِ بن عباس وفيه ابنان لَهُ صغيران، فذبحهما وَقَدْ قَالَ بعض الناس: إنه وجد ابني عُبَيْد اللَّهِ بن عباس عِنْدَ رجل من بني كنانة من أهل البادية، فلما اراد قتلهما قال الكنانى: علام تقتل هَذَيْنِ وَلا ذنب لهما! فإن كنت قاتلهما فاقتلني، قَالَ: أفعل، فبدأ بالكناني فقتله، ثُمَّ قتلهما ثُمَّ رجع بسر إِلَى الشام وَقَدْ قيل: إن الكناني قاتل عن الطفلين حَتَّى قتل، وَكَانَ اسم أحد الطفلين اللذين قتلهما بسر:
عبد الرَّحْمَن، والآخر قثم وقتل بسر فِي مسيره ذَلِكَ جماعة كثيرة من شيعة علي باليمن.
وبلغ عَلِيًّا خبر بسر، فوجه جارية بن قدامة فِي ألفين، ووهب بن مسعود فِي ألفين، فسار جارية حَتَّى أتى نجران فحرق بِهَا، وأخذ ناسا من شيعة عُثْمَان فقتلهم، وهرب بسر وأَصْحَابه مِنْهُ، واتبعهم حَتَّى بلغ مكة، فَقَالَ لَهُمْ جارية: بايعونا، فَقَالُوا: قَدْ هلك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فلمن نبايع؟ قَالَ: لمن بايع لَهُ أَصْحَاب علي، فتثاقلوا، ثُمَّ بايعوا ثُمَّ سار حَتَّى أتى الْمَدِينَة وأبو هُرَيْرَةَ يصلي بهم، فهرب مِنْهُ، فَقَالَ جارية: وَاللَّهِ لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثُمَّ قَالَ لأهل الْمَدِينَة: بايعوا الْحَسَن بن علي، فبايعوه وأقام يومه، ثُمَّ خرج منصرفا إِلَى الْكُوفَةِ، وعاد أَبُو هُرَيْرَةَ فصلى بهم.
وفي هَذِهِ السنة -فِيمَا ذكر- جرت بين علي وبين مُعَاوِيَة المهادنة -بعد مكاتبات جرت بينهما يطول بذكرها الكتاب- عَلَى وضع الحرب بينهما، ويكون لعلي العراق ولمعاوية الشام، فلا يدخل أحدهما عَلَى صاحبه فِي عمله بجيش وَلا غارة وَلا غزو.
قَالَ زياد بن عَبْدِ اللَّهِ، عن أبي إِسْحَاق: لما لم يعط أحد الفريقين صاحبه الطاعة كتب مُعَاوِيَة إِلَى علي: أما إذا شئت فلك العراق ولي الشام، وتكف السيف عن هَذِهِ الأمة، وَلا تهريق دماء الْمُسْلِمِينَ، ففعل ذَلِكَ، وتراضيا عَلَى ذَلِكَ، فأقام مُعَاوِيَة بِالشَّامِ بجنوده يجبيها وما حولها، وعلى بالعراق يجبيها ويقسمها بين جنوده.

خروج ابن عباس من البصره الى مكة
وفيها خرج عَبْد اللَّهِ بن العباس مِنَ الْبَصْرَةِ ولحق مكة فِي قول عامة أهل السير، وَقَدْ أنكر ذَلِكَ بعضهم، وزعم أنه لم يزل بِالْبَصْرَةِ عاملا عَلَيْهَا من قبل امير المؤمنين على عليه السلام حَتَّى قتل، وبعد مقتل علي حَتَّى صالح الْحَسَن مُعَاوِيَة، ثُمَّ خرج حينئذ إِلَى مكة.

ذكر الخبر عن مقتل عَلِيّ بن أبي طالب
وفي هَذِهِ السنة قتل على بن ابى طالب عليه السلام، واختلف فِي وقت قتله، فَقَالَ أَبُو معشر مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن ثَابِت، قَالَ: حدثت عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر، قَالَ: قتل علي فِي شهر رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة خلت مِنْهُ سنة أربعين، وكذلك قَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِث، عن ابن سعد عنه، وَأَمَّا أَبُو زَيْدٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أنه قَالَ: قتل عَلِيّ بن أبي طالب بالكوفة يوم الجمعة لإحدى عشرة قَالَ: ويقال: لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين قَالَ: وَقَدْ قيل فِي شهر ربيع الآخر سنة أربعين.

ذكر الخبر عن قدر مدة خلافته
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ، قال: حدثت عن إسحاق بْن عيسى، عن أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: كَانَتْ خِلافَةُ عَلِيٍّ خَمْسَ سِنِينَ إِلا ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ.
وَحَدَّثَنِي الْحَارِث، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن سعد قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْن عُمَرَ: كَانَتْ خلافة علي خمس سنين إلا ثلاثة اشهر.
حدثنى أَبُو زَيْد، قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: كَانَتْ ولاية علي أربع سنين وتسعة أشهر، ويوما أو غير يوم.

ذكر الخبر عن صفته
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله ابن أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، قُلْتُ: مَا كَانَتْ صِفَةُ عَلِيٍّ عليه السلام؟ قَالَ: رَجُلٌ آدَمُ شَدِيدُ الأَدَمَةِ ثَقِيلُ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمُهُمَا، ذُو بَطْنٍ، أَصْلَعُ، هُوَ إِلَى الْقِصَرِ اقرب.

ذكر نسبه عليه السلام
هُوَ عَلِيّ بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، وأمه فاطمه بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

ذكر الخبر عن أزواجه وأولاده
فأول زوجة تزوجها فاطمه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عَلَيْهَا حَتَّى توفيت عنده، وَكَانَ لها مِنْهُ من الولد: الْحَسَن والحسين، ويذكر أنه كَانَ لها مِنْهُ ابن آخر يسمى محسنا توفي صغيرا، وزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى.
ثُمَّ تزوج بعد أم البنين بنت حزام -وَهُوَ أَبُو المجل بن خَالِد بن ربيعه ابن الوحيد بن كعب بن عَامِر بن كلاب- فولد لها مِنْهُ العباس، وجعفر، وعبد اللَّه، وعثمان، قتلوا مع الحسين عليه السلام بكربلاء، وَلا بقية لَهُمْ غير العباس.
وتزوج لَيْلَى ابنة مسعود بن خَالِد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل ابن نهشل بن دارم بْن مالك بْن حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة بن تميم، فولدت لَهُ عُبَيْد اللَّهِ وأبا بكر فزعم هِشَام بن مُحَمَّد أنهما قتلا مع الْحُسَيْن بالطف وأما مُحَمَّد بن عُمَرَ فإنه زعم أن عُبَيْد اللَّهِ بن علي قتله المختار بن أبي عبيد بالمذار، وزعم أنه لا بقية لعبيد اللَّه وَلا لأبي بكر ابني علي عليه السلام.
وتزوج أسماء ابنة عميس الخثعمية، فولدت لَهُ -فِيمَا حدثت عن هِشَام بن مُحَمَّد- يَحْيَى ومُحَمَّدا الأصغر، وَقَالَ: لا عقب لهما.
وأما الْوَاقِدِيّ فإنه قَالَ فِيمَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيّ أن أسماء ولدت لعلي يَحْيَى وعونا ابني علي ويقول بعضهم: محمد الاصغر لام ولد، وكذلك قَالَ الْوَاقِدِيّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: قتل مُحَمَّد الأصغر مع الْحُسَيْن.
وله من الصهباء -وَهِيَ أم حبيب بنت رَبِيعَة بن بجير بن العبد بن علقمه ابن الْحَارِث بن عتبة بن سَعْدِ بْنِ زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل، وَهِيَ أم ولد من السبى الذين أصابهم خالد ابن الْوَلِيد حين أغار عَلَى عين التمر عَلَى بني تغلب بِهَا- عُمَر بن علي، ورقية ابنة علي، فعمر عُمَر بن علي حَتَّى بلغ خمسا وثمانين سنة، فحاز نصف ميراث علي عليه السلام، ومات بينبع.
وتزوج أمامة بنت أبي العاصي بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شمس ابن عبد مناف وأمها زينب بنت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فولدت لَهُ مُحَمَّدا الأوسط.
وله مُحَمَّد بن على الاكبر، الذى يقال له: محمد بن الحنفية، أمه خولة ابنة جَعْفَر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبه بن الدول ابن حنيفة بن لجيم بن صعب بن عَلِيّ بن بكر بن وائل، توفي بالطائف فصلى عَلَيْهِ ابن عَبَّاس.
وتزوج أم سَعِيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، فولدت لَهُ أم الْحَسَن ورملة الكبرى.
وَكَانَ لَهُ بنات من أمهات شتى لم يسم لنا أسماء أمهاتهن، منهن أم هاني، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جَعْفَر، وجمانة، ونفيسة بنات علي عليه السلام، أمهاتهن أمهات أولاد شتى وتزوج محياة ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب ابن عليم من كلب، فولدت لَهُ جارية، هلكت وَهِيَ صغيرة.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ تخرج إِلَى الْمَسْجِدِ وَهِيَ جارية فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول وه، وه- تعني كلبا.
فجميع ولد علي لصلبه أربعة عشر ذكرا، وسبع عشرة امرأة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ عن الْوَاقِدِيّ، قَالَ: كَانَ النسل من ولد علي لخمسة: الْحَسَن، والحسين، ومحمد بن الحنفيه، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية.

ذكر ولاته
وَكَانَ واليه عَلَى الْبَصْرَة فِي هَذِهِ السنة عَبْد اللَّهِ بن العباس، وَقَدْ ذكرنا اختلاف المختلفين فِي ذَلِكَ، وإليه كَانَتِ الصدقات والجند والمعاون أيام ولايته كلها، وَكَانَ يستخلف بِهَا إذا شخص عنها على ما قد بينت قبل.
وَكَانَ عَلَى قضائها من قبل علي أَبُو الأسود الدؤلي، وَقَدْ ذكرت مَا كَانَ من توليته زيادا عَلَيْهَا، ثُمَّ إشخاصه إِيَّاهُ إِلَى فارس لحربها وخراجها، فقتل وَهُوَ بفارس، وعلى مَا كَانَ وجهه عَلَيْهِ.
وَكَانَ عامله عَلَى البحرين وما يليها واليمن ومخاليفها عُبَيْد اللَّهِ بن العباس، حَتَّى كَانَ من أمره وأمر بسر بن أبي أرطاة مَا قَدْ مضى ذكره.
وَكَانَ عامله عَلَى الطائف ومكة وما اتصل بِذَلِكَ قثم بن العباس.
وَكَانَ عامله عَلَى الْمَدِينَة أَبُو أيوب الأَنْصَارِيّ، وقيل: سَهْل بن حنيف، حَتَّى كَانَ من أمره عِنْدَ قدوم بسر مَا قَدْ ذكر قبل.

ذكر بيعة الْحَسَن بن علي
وفي هَذِهِ السنة -أعني سنة أربعين- بويع للحسن بن علي عليه السلام بالخلافة.
وقيل: إن أول من بايعه قيس بن سَعْدٍ، قَالَ لَهُ: ابسط يدك أبايعك عَلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وسنة نبيه، وقتال المحلين، فَقَالَ لَهُ الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فإن ذَلِكَ يأتي من وراء كل شرط، فبايعه وسكت، وبايعه الناس.
وَحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى قِبَلِ أَذْرَبِيجَانَ، وَعَلَى أَرْضِهَا وَشُرْطَةِ الخميس الذى ابتدعه من العرب، وكانوا اربعين ألفا، بايعوا عليا عليه السلام على الموت، ولم يزل قيس يدارى ذلك البعث حتى قتل على عليه السلام، واستخلف اهل العراق الحسن بن علي عليه السلام عَلَى الْخِلافَةِ، وَكَانَ الْحَسَنُ لا يَرَى الْقِتَالَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَعَرَفَ الْحَسَنُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لا يُوَافِقُهُ على رايه، فنزعه وامر عبيد اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا عَلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بن عباس بالذي يريد الحسن عليه السلام أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ الأَمَانَ، وَيَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي أَصَابَهَا، فَشَرَطَ ذَلِكَ لَهُ مُعَاوِيَةُ.
وَحدثني مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَوِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ الْخُزَاعِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: بَايَعَ الناس الحسن بن على عليه السلام بِالْخِلافَةِ، ثُمَّ خَرَجَ بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ الْمَدَائِنَ، وَبَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشام حتى نزل مسكين، فَبَيْنَا الْحَسَنُ فِي الْمَدَائِنِ إِذْ نَادَى مُنَادٍ فِي الْعَسْكَرِ: أَلا إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَدْ قُتِلَ، فَانْفِرُوا، فَنَفَرُوا وَنَهَبُوا سُرَادِقَ الْحَسَنِ عليه السلام حَتَّى نَازَعُوهُ بِسَاطًا كَانَ تَحْتَهُ، وَخَرَجَ الْحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ الْمَقْصُورَةَ الْبَيْضَاءَ بِالْمَدَائِنِ، وَكَانَ عَمُّ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَامِلا عَلَى الْمَدَائِنِ، وَكَانَ اسْمُهُ سَعْدَ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ: هَلْ لَكَ فِي الْغِنَى وَالشَّرَفِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: تُوثِقُ الْحَسَنَ، وَتَسْتَأْمِنُ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ، أَثِبُ عَلَى ابْنِ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأُوثِقُهُ! بِئْسَ الرَّجُلُ أَنْتَ! فَلَمَّا رَأَى الْحَسَنُ عليه السلام تَفَرُّقَ الأَمْرِ عَنْهُ بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَطْلُبُ الصُّلْحَ، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عامر وعبد الرحمن ابن سمره بن حبيب بن عبد شمس، فقد ما عَلَى الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ، فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ، وَصَالَحَاهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ خَمْسَةَ آلافِ أَلْفٍ فِي أَشْيَاءَ اشْتَرَطَهَا.
ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: يَا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قَتْلُكُمْ أَبِي، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي.
وَدَخَلَ النَّاسُ فِي طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ، وَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ قَالَ زياد بن عَبْدِ اللَّهِ، عن عوانة، وذكر نحو حديث المسروقي، عن عُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، وزاد فِيهِ: وكتب الْحَسَن إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصلح، وطلب الأمان، وَقَالَ الْحَسَن للحسين ولعبد اللَّه بن جَعْفَر: إني قَدْ كتبت إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصلح وطلب الأمان، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: نشدتك اللَّه أن تصدق أحدوثة مُعَاوِيَة، وتكذب أحدوثة علي! فَقَالَ لَهُ الْحَسَن: اسكت، فأنا أعلم بالأمر مِنْكَ فلما انتهى كتاب الْحَسَن بن على عليه السلام  إِلَى مُعَاوِيَةَ، أرسل مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن عامر وعبد الرحمن بن سمره، فقد ما المدائن، وأعطيا الْحَسَن مَا أراد، فكتب الْحَسَن إِلَى قيس بن سَعْد وَهُوَ عَلَى مقدمته فِي اثني عشر ألفا يأمره بالدخول فِي طاعة مُعَاوِيَة، فقام قيس بن سَعْد فِي الناس فَقَالَ: يا أيها الناس، اختاروا الدخول فِي طاعة إمام ضلالة، أو القتال مع غير إمام، قَالُوا: لا، بل نختار أن ندخل فِي طاعة إمام ضلالة؛ فبايعوا لمعاوية، وانصرف عَنْهُمْ قيس بن سَعْد.
وَقَدْ كَانَ صالح الْحَسَن مُعَاوِيَة عَلَى أن جعل لَهُ ما في بيت ماله وخراج دارا بجرد على الا يشتم علي وَهُوَ يسمع فأخذ مَا فِي بيت ماله بالكوفة، وَكَانَ فِيهِ خمسة آلاف ألف.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخزاعي أَبُو عبد الرَّحْمَن، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بن راشد قَالَ: لما حضر الموسم -يعني فِي العام الذى قتل فيه علي عليه السلام- كتب الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ كتابا افتعله عَلَى لسان مُعَاوِيَة، فأقام لِلنَّاسِ الحج سنة أربعين، ويقال: إنه عرف يوم التروية، ونحر يوم عرفة، خوفا أن يفطن بمكانه وَقَدْ قيل: إنه إنما فعل ذَلِكَ الْمُغِيرَة لأنه بلغه أن عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ مصبحه واليا على الموسم، فعجل الحج من أجل ذَلِكَ.
وفي هَذِهِ السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل ابن راشد -وَكَانَ قبلُ يدعى بِالشَّامِ أميرا- وحدثت عن أبي مسهر، عن سَعِيد بن عَبْدِ العزيز، قال: كان علي عليه السلام يدعى بِالْعِرَاقِ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ مُعَاوِيَة يدعى بالشام: الأمير، فلما قتل علي عليه السلام دعى معاويه: امير المؤمنين.