14 ربيع الأول 2 هـ
15 أيلول 623 م
سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف

روينا عن ابن سعد: أنها كانت لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، …

على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجره عليه السلام.

سبب السرية

قال ابن إسحاق: وكان من حديث كعب بن الأشرف، أنه لما أصيب أصحاب القليب يوم بدر، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، و عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بالفتح، قال كعب: وكان رجلاً من طيء، ثم أحد بني نبهان، وكانت أمه من بني النضير أحق هذا؟ أترون أن محمدًا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان، فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرضخير من ظهرها.
فلما أيقن عدو الله الخبر، خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار، ويبكي على أصحاب القليب، ثم رجع إلى المدينة فتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم.
وهناك سبب آخر ذكره الحافظ ابن حجر، قال: “ووجدت في فوائد عبد الله بن إسحاق الخرساني من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببا آخر وهو أنه صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فستره جبر يل بجناحه فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال حينئذ من ينتدب لقتل كعب ويمكن الجمع بتعدد الأسباب”

حث المسلمين على قتل كعب بن الأشرف

عن عروة، قال: ثم انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويمتدح عدوهم ويحرضهم عليهم، فلم يرضَ بذلك حتى ركب إلى قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو سفيان والمشركون: أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه، وأي دينينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق؟ فقال: أنتم أهدى منهم سبيلاً وأفضل، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لنا من ابن الأشرف، فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا، وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، وقد أخبرني الله عز وجل بذلك، ثم قدم أخبث ما كان ينتظر قريشًا تقدم عليه فيقاتلنا»،ثم قرأ على المسلمين ما أنزل ، الله تعالى عليه فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ} [آل عمران: 23] الآية ، وخمس آيات فيه وفي قريش

تعهد محمد بن مسلمة بقتل كعب

رجع إلى خبر ابن إسحاق: فقال، كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة: «من لي من ابن الأشرف»؟ فقال
له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل: أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله، قال: «فافعل إن قدرت على ذلك».
فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعَْلقَ به نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه، فقال: «لم تركت الطعام والشراب»؟ قال: يا رسول الله، قلت لك قولًا لا أدري هل أفينَّ
لك به أم لا؟ قال: «إنما عليك الجهد»، قال: يا رسول الله، إنه لا بد لنا من أن نقول، قال: «قولوا ما بدا لكم»، فأنتم في حل من ذلك.

اجتماع خمسة من الأوس على قتل كعب

فاجتمع في قتله: محمد بن مسلمة و سِلكْان بن سلامة بن وقش، وكان أخًا لكعب من الرضاعة، و عباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الأشهل و الحارث بن أوس بن معاذ و أبو عبس بن جبر . قلت: وهؤلاء الخمسة من الأوس.

حيلتهم في تنفيذ مقصودهم

ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه، سلكان بن سلامة، فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعراً، وكان أبو نائلة سِلكْان يقول الشعر، ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك
فاكتم عني، قال: أفعل، قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحد، وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا.
فقال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول، فقال له سلكان: إن أردت أن تبيعنا طعامًا ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك، قال: أترهنوني أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحاباً على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء، وأراد سلكان أن
لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها، قال: إن في الحلقة لوفاء، قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام: و يقال: قال: أترهنوني نساءكم؟ قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم! قال: أترهنوني أبناءكم.

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم

عن ابن عباس، قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم وقال: «انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم».
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة.

ليلة قتل كعب

وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرُسْ، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت: إنك امرؤ محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة، قال: إنه أبو نائلة، فلو وجدني نائماً ما أيقظني، فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، قال: يقول لها كعب: لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب، فنزل فتحدث معهم ساعة
وتحدثوا معه، وقالوا: هل لك يا ابن الأشرف أن تمشي معنا إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا، فقال: إن شئتم، فخرجوا يتماشون، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فوَْد رأسه ثم شم يده، فقال: ما رأيت كالليلة طِيباً أعطر، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة لمثلها فأخذ بفود رأسه، ثم قال: اضربوا عدو الله، فضربوه، فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغنِ شيئاً.
قال محمد بن مسلمة: فذكرت مِغْولًَا في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نارًا، قال: فوضعته في ثنته، ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته، فوقع عدو الله.

إصابة أحد الخمسة

وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه وفي رجله، أصابهَ بعضُ أسيافنا.

طريقهم في الرجوع

قال: فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، ثم على موضع بعاث، حتى أسندنا في حرة العريض.

انتظار جريحهم

وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس، ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارنا.

إخبار الرسول بمقتل كعب

فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه، فخرج إلينا، فأخبرناه بمقتل عدو الله، وتفَلَ على جُرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا.

خوف اليهود على أنفسهم

فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه. انتهى خبر ابن إسحاق.

نظم لعباد بن بشر لقصة الحدث

وقال عباد بن بشر في ذلك شعراً:

صرخت به فلم يعرض لصوتي *** وأوفى طالعاً من رأس خِدْر
فعدتُ له فقال مَن المنادي *** فقلت أخوك عبادُ بن بشر
وهذي دُرعنا رهناً فخذها *** لشهر إن وَفى أو نصفَ شهر
فقال معاشر سَغبِوُا وجاعوا *** وما عدموا الغنى من غير فقر
فأقبلَ نحونا يهوى سريعاً *** وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيِضحِدَاد *** مجرَبّةٌ بها الكفارَ نفري
فعانقه ابنُ مسلمة المرُدَّي *** به الكفار كالليث الهزِبَر
وشد بسيفه صَلتْاً عليه *** فقطَّرهَ أبو عبس بن جبَْر
وكان الله سادسنا فأُبنا *** بأنعم نعمة وأعز نصر
وجاء برأسه نفر كرام *** هم ناهيك من صِدقٍ وبرِِّ