التاريخ غير متوفر لهذا الحدث [زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا]

وأما زهده عليه السلام في الدنيا …
فقد قدمنا لك فيه ما فيه الكفاية، وحسبك شاهدا على تقلّله منها، وإعراضه عن زهرتها، وقد سيقت إليه بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحها إلى أن توفّي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله. وهو يدعو ويقول: “اللهم اجعل رزق ال محمد قوتا“.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ما شبع عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله.
. وقالت: ما ترك عليه الصلاة والسلام دينارا. ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا ولقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلّا شطر شعير في رف لي. وقال لي: “إني عرض عليّ أن تجعل لي بطحاء مكّة ذهبا فقلت: لا يا رب أجوع يوما، وأشبع يوما. فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك“. وقالت عائشة: إن كنّا ال محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا إن هو إلّا التمر والماء.
وعن أنس: ما أكل عليه الصلاة والسلام على خوان ولا في سكرّجة ولا خبز له مرقّق، ولا رأى شاة سميطا قطّ. وفي حديث حفصة: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيته مسحا نثنيه ثنيتين. فينام عليه، فثنيناه ليلة بأربع، فلمّا أصبح قال: “ما فرشتم لي؟” فذكرنا له ذلك، فقال: “ردّوه بحاله فإن وطأته منعتني الليلة صلاتي” وقالت عائشة: لم يمتلىء جوف النبي عليه الصلاة والسلام شبعا، ولم يبثّ شكوى إلى أحد، وكانت الفاقة أحبّ إليه من الغنى. وإن كان ليظلّ جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع فلا يمنعه صيام يومه، ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها، ولقد كنت أبكي رحمة له مما أرى به، وأمسح بيدي على بطنه مما أرى به من الجوع، وأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلّغت من الدنيا بما يقوتك؟ فيقول: “يا عائشة مالي وللدنيا، إخواني من أولي العزم من الرسل صبروا على ما هو أشدّ من هذا، فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم، فأكرم مابهم، وأجزل ثوابهم، فأجدني أستحي إن ترفّهت في معيشتي أن يقصّر بي غدا دونهم، وما من شيء أحبّ إليّ من اللحوق بإخواني وأخلّائي“. قالت: فما أقام بعد إلّا أشهر حتى توفّى صلوات الله عليه وسلامه.