محرم 7 هـ
أيار 628 م
ذِكْرُ الْمَسِيرِ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرّمِ سنة سبع

الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر:
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق …


ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، ذَا الْحِجّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرّمِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ خَرَجَ فِي بَقِيّةِ الْمُحَرّمِ إِلَى خَيْبَر
اسْتِعْمَال نميلَة على الْمَدِينَة:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ اللّيْثِيّ، وَدَفَعَ الرّايَةَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَت بَيْضَاء.
ارتجاز ابْن الْأَكْوَع وَدُعَاء الرَّسُول لَهُ واستشهاده:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيّ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ:
أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ وَهُوَ عَمّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، وَكَانَ اسْمُ الْأَكْوَعِ سِنَانٌ انْزِلْ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ فَخُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِك، قَالَ فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

وَاَللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا
إنّا إذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا *** وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا *** وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُك اللهُ ; فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: وَجَبَتْ وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَمْتَعْتنَا بِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ فِيمَا بَلَغَنِي، أَنّ سَيْفَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا، فَمَاتَ مِنْهُ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَكّوا فِيهِ.
وَقَالُوا: إنّمَا قَتَلَهُ سِلَاحُهُ حَتّى سَأَلَ ابْنُ أَخِيهِ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّهُ لَشَهِيدٌ وَصَلّى عَلَيْهِ فَصَلّى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ.
دُعَاء الرَّسُول لما أشرف على خَيْبَر:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُعَتّبِ بْنِ عَمْرٍو: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ «قِفُوا»، ثُمّ
قَالَ «اللهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّهَا وَشَرّ أَهْلِهَا وَشَرّ مَا فِيهَا، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللهِ». قَالَ وَكَانَ يَقُولُهَا عَلَيْهِ السّلَامُ لِكُلّ قَرْيَة دَخلهَا.
فرار أهل خَيْبَر لما رأو الرَّسُول:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ. فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا، فَبَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى إذَا أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ فَرَكِبْت خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنّ قَدَمِي لَتَمَسّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَنَا عُمّالُ خَيْبَرَ غَادِينَ قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَيْشَ قَالُوا: مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ مَعَهُ فَأَدْبَرُوا هِرَابًا،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنَا هَارُونُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أنس بِمثلِهِ.
منَازِل الرَّسُول فِي طَرِيقه إِلَى خَيْبَر:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عِصْرٍ فَبُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّبْهَاءِ ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَيْشِهِ حَتّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَمُدّوا أَهْلَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
غطفان ومحاولتهم مَعُونَة خَيْبَر ثمَّ انخذالهم:
فَبَلَغَنِي أَنّ غَطَفَانَ لَمّا سَمِعَتْ بِمَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ جَمَعُوا لَهُ ثُمّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا يَهُودَ عَلَيْهِ حَتّى إذَا سَارُوا مَنْقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسّا ظَنّوا أَنّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إلَيْهِمْ فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَأَقَامُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَخَلّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين خَيْبَر.
افْتِتَاح رَسُول الله الْحُصُون:
وَتَدَنّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، فَكَانَ أَوّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنَ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ رَحًا فَقَتَلَتْهُ ثُمّ الْقَمُوصِ، حِصْنِ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ سَبَايَا، مِنْهُنّ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَبِنْتَيْ عَمّ لَهَا، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّة لنَفسِهِ.
نهى الرَّسُول يَوْم خَيْبَر على أَشْيَاء:
وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيّةَ فَلَمّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمّهَا، وَفَشَتْ السّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ.
وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ مِنْ حُمُرِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى النّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمّاهَا لَهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضَمْرَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلِيطٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
أَتَانَا نَهْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا، فَكَفَأْنَاهَا عَلَى وُجُوهِهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ وَعَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنْ السّبَاعِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتّى تُقَسّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَلَامُ بْنُ كِرْكِرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيّ وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَهَى النّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ أَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ، عَنْ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ الْمَغْرِبَ فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا: جَرْبَةُ فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إلّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُهُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «لَا يَحِلّ لِامْرِئِ
يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ السّبْيِ حَتّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتّى يُقْسَمَ وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدّهَا فِيهِ وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ فِيهِ»
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ:
نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذّهَبِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ وَتِبْرَ الْفِضّةِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ وَقَالَ ابْتَاعُوا تِبْرَ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفِضّةِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَدَنّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ.
شَأْنُ بني سهم الأسلميين:
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَهُ بَعْضُ أَسْلَمَ:
أَنّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ جُهِدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيّاهُ فَقَالَ اللهُمّ إنّك قَدْ عَرَفْت حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوّةٌ وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيّاهُ فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غِنَاءً وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا فَغَدَا النّاسُ فَفَتَحَ اللهُ عَزّ وَجَلّ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ.
مَقْتَلُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَجَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا جَازَ انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا، فَحَاصَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيّ مِنْ حِصْنِهِمْ قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبُ *** شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ
أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ *** إذَا اللّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَخَرّبُ
إنّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقْرَبُ

وَهُوَ يَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ؟ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ *** مُفَرّجُ الْغُمّى جَرِيءٌ صُلْبُ
إذْ شَبّتْ الْحَرْبُ تَلَتْهَا الْحَرْبُ *** مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
نَطَؤُكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ *** نُعْطِي الْجَزَاءَ أَوْ يَفِيءَ النّهْبُ
بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ *** وَأَنّنِي مَتَى تَشِبّ الْحَرْبُ
مَاضٍ عَلَى الْهَوْلِ جَرِيءُ صُلْبُ *** مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ *** نَدُكّكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَرْحَبٌ مِنْ حِمْيَرَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيّ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لِهَذَا»؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا وَاَللهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ فَقَالَ «فَقُمْ إلَيْهِ اللهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ». قَالَ فَلَمّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيّةٌ مِنْ شَجَرِ الْعُشْرِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ كُلّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا، حَتّى بَرَزَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ ثُمّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ فَاتّقَاهُ بِالدّرَقَةِ فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا، فَعَضّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ وَضَرَبَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتّى قَتَلَهُ
مَقْتَلُ يَاسِرٍ أَخِي مَرْحَبٍ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ؟ فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ خَرَجَ إلَى يَاسِرٍ فَقَالَتْ أُمّهُ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ «بَلْ ابْنُك يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللهُ» فَخَرَجَ الزّبَيْرُ فَالْتَقَيَا، فَقَتَلَهُ الزّبَيْرُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ:
أَنّ الزّبَيْرَ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ وَاَللهِ إنْ كَانَ سَيْفُك يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا عَضْبًا، قَالَ وَاَللهِ مَا كَانَ صَارِمًا، وَلَكِنّي أَكْرَهْته.
شَأْنُ عَلِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِرَايَتِهِ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، إلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَ فَرَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ وَقَدْ جُهِدَ ثُمّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، فَقَاتَلَ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ وَقَدْ جُهِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارِ.قَالَ يَقُولُ سَلَمَةُ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ ثُمّ قَالَ «خُذْ هَذِهِ الرّايَةَ فَامْضِ بِهَا حَتّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْك».
قَالَ يَقُولُ سَلَمَةُ فَخَرَجَ وَاَللهِ بِهَا يَأْنِحُ يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً وَإِنّا لَخَلْفَهُ نَتْبَعُ
أَثَرَهُ حَتّى رَكّزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ فَاطّلَعَ إلَيْهِ يَهُودِيّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ يَقُولُ الْيَهُودِيّ. عَلَوْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ فَمَا رَجَعَ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ فَلَمّا دَنَا مِنْ الْحِصْنِ خَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَطَاحَ تُرْسُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَنَاوَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ فَلَقَدْ رَأَيْتنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مَعِي، أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ.
أَمْرُ أبي الْيُسْر كَعْب بن عَمْرو:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ
وَاَللهِ إنّا لَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرِ ذَات عَشِيّةً إذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟» قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ الله قَالَ «فافعل» قَالَ فَخَرَجْت أَشْتَدّ مِثْلَ الظّلِيمِ فَلَمّا نَظَرَ إلَيّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلّيًا قَالَ «اللهُمّ أَمْتِعْنَا بِهِ» قَالَ فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ
وَقَدْ دَخَلَتْ أُولَاهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا، فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدِي، ثُمّ أَقْبَلْت بِهِمَا أَشْتَدّ كَأَنّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ حَتّى أَلْقَيْتهمَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا، فَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ آخِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَاكًا، فَكَانَ إذَا حَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكَى، ثُمّ قَالَ ” أُمْتِعُوا بِي، لَعَمْرِي، حَتّى كُنْت مِنْ آخِرِهِمْ هَلَكًا
صَفِيّةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمُوصَ، حِصْنَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرّ بِهِمَا بِلَالٌ وَهُوَ الّذِي جَاءَ بِهِمَا
عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ فَلَمّا رَأَتْهُمْ الّتِي مَعَ صَفِيّةَ صَاحَتْ وَصَكّتْ وَجْهَهَا وَحَثَتْ التّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا ; فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَعْزِبُوا عَنّي هَذِهِ الشّيْطَانَةَ» وَأَمَرَ بِصَفِيّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالِ فِيمَا بَلَغَنِي حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيّةِ مَا رَأَى: «أَنُزِعَتْ مِنْك الرّحْمَةُ يَا بِلَالُ، حِينَ تَمُرّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا؟» وَكَانَتْ صَفِيّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ أَنّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ مَا هَذَا إلّا أَنّك تُمَنّينَ مَلِكَ الْحِجَازِ مُحَمّدًا، فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا. فَأَتَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ فَسَأَلَهَا مَا هُوَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ.
بَقِيّةُ أَمر خَيْبَر
عُقُوبَة كنَانَة بن الرّبيع:
وَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النّضِيرِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّي رَأَيْت كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلّ غَدَاةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِكِنَانَةَ «أَرَأَيْت إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَك أَأَقْتُلُك؟» قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ ثُمّ سَأَلَهُ عَمّا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ يُؤْذِيَهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ فَقَالَ عَذّبْهُ حَتّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ فَكَانَ الزّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدِ فِي صَدْرِهِ حَتّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ
وَحَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ حَتّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلّهَا: الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إلّا مَا كَانَ
مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ. فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَك قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلّوا لَهُ الْأَمْوَالَ فَفَعَلَ.
وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ فَلَمّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النّصْفِ وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا ; فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النّصْفِ عَلَى أَنّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخَرَجْنَاكُمْ فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَك عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا ركاب.
أَمر الشّاةُ الْمَسْمُومَةُ:
فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ امْرَأَةُ سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ شَاةً مَصْلِيّةً وَقَدْ سَأَلَتْ أَيّ عُضْوٍ مِنْ الشّاةِ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقِيلَ لَهَا: الذّرَاعُ فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السّمّ ثُمّ سَمّتْ سَائِرَ الشّاةِ ثُمّ جَاءَتْ بِهَا ; فَلَمّا وَضَعَتْهَا
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَاوَلَ الذّرَاعَ فَلَاكَ مِنْهَا مُضْغَةً فَلَمْ يُسِغْهَا وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا ; وَأَمّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَفَظَهَا ثُمّ قَالَ إنّ هَذَا الْعَظْمَ لَيُخْبِرنِي أَنّهُ مَسْمُومٌ ثُمّ دَعَا بِهَا فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ «مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟» قَالَتْ بَلَغْت مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْك. فَقُلْت: إنْ كَانَ مَلَكًا اسْتَرَحْت مِنْهُ وَإِنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيُخْبَرُ قَالَ فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ بِشْرٌ مِنْ أَكْلَتِهِ الّتِي أَكَلَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى قَالَ
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الّذِي تُوُفّيَ فِيهِ وَدَخَلَتْ أُمّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ تَعُودُهُ يَا أُمّ بِشْرٍ إنّ هَذَا الْأَوَانَ وَجَدْت فِيهِ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ الْأَكْلَةِ الّتِي أَكَلْت مَعَ أَخِيك بِخَيْبَرِ. قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ شَهِيدًا مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ.
رُجُوعُ الرّسُولِ إلَى الْمَدِينَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ انْصَرَفَ إلَى وَادِي الْقُرَى فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ.
مقتل غُلَام رِفَاعَة الَّذِي أهداه لِلرّسُولِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
فَلَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى نَزَلْنَا بِهَا أَصِيلًا مَعَ مَغْرِبِ الشّمْسِ وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ لَهُ أَهْدَاهُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ثُمّ الضّبِينِيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جُذَامٌ أَخُو لَخْمٍ.
قَالَ: فَوَاَللهِ إنّهُ لَيَضَعُ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَلّا وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ إنّ شَمْلَتَهُ الْآنَ لَتَحْتَرِقُ عَلَيْهِ فِي النّارِ كَانَ غَلّهَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ» قَالَ
فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَصَبْت شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي قَالَ فَقَالَ «يُقَدّ لَك مِثْلُهُمَا مِنْ النّارِ».
ابْن مُغفل وجراب شَحم أَصَابَهُ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ قَالَ:
أَصَبْت مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ شَحْمٍ فَاحْتَمَلْته عَلَى عَاتِقِي إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي. قَالَ فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ هَلُمّ هَذَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ قُلْت: لَا وَاَللهِ لَا أُعْطِيكَهُ قَالَ فَجَعَلَ يُجَابِذُنِي الْجِرَابَ. قَالَ فَرَآنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ «لَا أَبَا لَك خَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ» قَالَ فَأَرْسَلَهُ فَانْطَلَقْت بِهِ إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي فَأَكَلْنَاهُ.
بِنَاء الرَّسُول بصفية وحراسة أبي ايوب للقبة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَلَمّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيّةَ بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطّرِيقِ وَكَانَتْ الّتِي جَمّلَتْهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَطَتْهَا وَأَصْلَحَتْ مِنْ أَمْرِهَا أُمّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَبَاتَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبّةٍ لَهُ وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي النّجّارِ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ يَحْرُسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُطِيفُ بِالْقُبّةِ حَتّى أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمّا رَأَى مَكَانَهُ قَالَ «مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ؟» قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ خِفْت عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلَتْ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرِ فَخِفْتهَا عَلَيْك فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «اللهُمّ احْفَظْ أَبَا أَيّوبَ كَمَا بَات يحفظني»
تطوع بِلَال للحراسة وَغَلَبَة النّوم عَلَيْهِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ:
لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ فَكَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ لَعَلّنَا نَنَامُ؟ قَالَ بِلَالٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَحْفَظُهُ عَلَيْك. فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ النّاسُ فَنَامُوا وَقَامَ بِلَالٌ يُصَلّي فَصَلّى مَا شَاءَ اللهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ يُصَلّيَ ثُمّ اسْتَنَدَ إلَى بَعِيرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ يَرْمُقُهُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إلّا مَسّ الشّمْسِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوّلَ أَصْحَابِهِ هَبّ فَقَالَ «مَاذَا صَنَعْت بِنَا يَا بِلَالُ؟» قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك قَالَ «صَدَقْت» ثُمّ اقْتَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرَهُ غَيْرَ كَثِيرٍ ثُمّ أَنَاخَ فَتَوَضّأَ وَتَوَضّأَ النّاسُ ثُمّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصّلَاةَ فَصَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ فَلَمّا سَلّمَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ «إذَا نَسِيتُمْ الصّلَاةَ فَصَلّوهَا إذَا ذَكَرْتُمُوهَا ” فَإِنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ}» [طه: 14]
شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي قَدْ أَعْطَى ابْنَ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ مَا بِهَا مِنْ دَجَاجَةٍ أَوْ دَاجِنٍ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ فَقَالَ ابْنُ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ فِي خَيْبَرَ:

رُمِيَتْ نَطَاةُ مِنْ الرّسُولِ بِفَيْلَقِ *** شَهْبَاءَ ذَاتِ مَنَاكِبٍ وَفِقَارِ
وَاسْتَيْقَنَتْ بِالذّلّ لَمّا شُيّعَتْ *** وَرِجَالُ أَسْلَمَ وَسْطَهَا وَغِفَارِ
صَبَحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غَدْوَةً *** وَالشّقّ أَظْلَمَ أَهْلُهُ بِنَهَارِ
جَرّتْ بِأَبْطَحِهَا الذّيُولَ فَلَمْ تَدَعْ *** إلّا الدّجَاجَ تَصِيحُ فِي الْأَسْحَارِ
وَلِكُلّ حِصْنٍ شَاغِلٍ مِنْ خَيْلِهِمْ *** مِنْ عَبْدِ أَشْهَل أَوْ بَنِي النّجّارِ
وَمُهَاجِرِينَ قَدْ اعْلِمُوا سَمّاهُمْ *** فَوْقَ الْمَغَافِرِ لَمْ يَنُوا لِفِرَارِ
وَلَقَدْ عَلِمْت لَيَغْلِبَنّ مُحَمّدٌ *** وَلَيَثْوِيَنّ بِهَا إلَى أَصْفَارِ
فَرّتْ يَهُودٌ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى *** تَحْتَ الْعَجَاجِ غمائم الْأَبْصَار

تَفْسِير ابْن هِشَام لبَعض الْغَرِيب:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
فَرّتْ كَشَفَتْ كَمَا تُفَرّ الدّابّةُ بِالْكَشَفِ عَنْ أَسْنَانِهَا يُرِيدُ كَشَفَتْ عَنْ جُفُونِ الْعُيُونِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ يُرِيد الْأَنْصَار.
شُهُود النِّسَاء خَيْبَر وَحَدِيث الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَرَضَخَ لَهُنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَيْءِ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ بِسَهْمِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَدْ سَمّاهَا لِي قَالَتْ:
أَتَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَك إلَى وَجْهِك هَذَا وَهُوَ يَسِيرُ إلَى خَيْبَرَ فَنُدَاوِيَ الْجَرْحَى وَنُعِينَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا فَقَالَ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. قَالَتْ فَخَرَجْنَا مَعَهُ وَكُنْت جَارِيَةً حَدَثَةً فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ. قَالَتْ فَوَاَللهِ لَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصّبْحِ وَأَنَاخَ وَنَزَلْت عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنّي وَكَانَتْ أَوّلَ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا قَالَتْ
فَتَقَبّضْت إلَى النّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْت فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِي وَرَأَى الدّمَ قَالَ «مَا لَك؟ لَعَلّك نُفِسْت» قَالَتْ قُلْت: نَعَمْ قَالَ «فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك ثُمّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا ثُمّ اغْسِلِي بِهِ مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدّمِ ثُمّ عُودِي لِمَرْكَبِك».
قَالَتْ: فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا وَعَلّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي فَوَاَللهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا.
قَالَتْ فَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتّى مَاتَتْ ثُمّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا. قَالَتْ وَكَانَتْ لَا تَطْهُرُ مِنْ حَيْضَةٍ إلّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ
شُهَدَاءُ خَيْبَرَ مَنْ بني أُميَّة:
قَالَ ابْن إِسْحَاق:
وَهَذِه تَسْمِيَة من اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمّ مِنْ حَلْفَائِهِمْ رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَثَقِيفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِفَاعَةُ بن مسروح.
من بني أَسد:
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْهُبَيْبِ، وَيُقَالُ ابْنُ الْهَبِيبِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، بْنِ أُهَيْبِ بْنِ سُحَيْمِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ حَلِيفٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَابْنُ أختهم.
من الْأَنْصَار:
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، مَاتَ مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُضَيْلُ بْنُ النُّعْمَان. رجلَانِ.
من زُرَيْق:
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْق.
من الْأَوْس:
وَمِنْ الْأَوْسِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بني حَارِثَة.
من بني عَمْرو:
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ ; وَعُرْوَةُ بْنُ مُرّةَ بْنِ سُرَاقَةَ، وَأَوْسُ بْنُ الْقَائِدِ وَأُنَيْفُ بْنُ حَبِيبٍ وَثَابِتُ بْنُ أثلة، وَطَلْحَة.
من غفار:
وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ: عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ، رمي بِسَهْم.
من أسلم:
وَمِنْ أَسْلَمَ: عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْأَسْوَدُ الرّاعِي، وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَسْوَدُ الرّاعِي مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ.
من بني زهرَة:
وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، مِنْ بَنِي زُهْرَةَ مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ من القارة.
من الْأَنْصَار:
وَمِنْ الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَوْسُ بْنُ قَتَادَةَ.
أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرّاعِي فِي حَدِيث خَيْبَر
إِسْلَامه واستشهاده:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَكَانَ مِنْ حَدِيث الْأَسْوَدِ الرّاعِي، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ اعْرِضْ عَلَيّ الْإِسْلَامَ فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ – وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَقّرُ أَحَدًا أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ – فَلَمّا أَسْلَمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنّي كُنْت أَجِيرًا لِصَاحِبِ هَذِهِ الْغَنَمِ وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ «اضْرِبْ فِي وُجُوهِهَا فَإِنّهَا سَتَرْجِعُ إلَى رَبّهَا» – أَوْ كَمَا قَالَ – فَقَالَ الْأَسْوَدُ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصَى فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهَا، وَقَالَ ارْجِعِي إلَى صَاحِبِك، فَوَاَللهِ لَا أَصْحَبُك أَبَدًا، فَخَرَجَتْ مُجْتَمِعَةً كَأَنّ سَائِقًا يَسُوقُهَا، حَتّى دَخَلَتْ الْحِصْنَ ثُمّ تَقَدّمَ إلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ وَمَا صَلّى لِلّهِ صَلَاةً قَطّ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَ خَلْفَهُ وَسُجّيَ بِشَمْلَةِ كَانَتْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمّ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ أَعْرَضْت عَنْهُ؟ قَالَ «إنّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ»
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ ذَكَرَ لَهُ:
أَنّ الشّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلّتْ [لَهُ] زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَتَقُولَانِ تَرّبَ اللهُ وَجْهَ مَنْ تَرّبَك، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَك
أَمْرُ الْحَجّاجِ بْنِ علاط السّلمِيّ
حيلته فِي جمع مَاله من مَكَّة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، كَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجّاجَ بْنَ عِلَاطٍ السّلَمِيّ، ثُمّ الْبَهْزِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنّ لِي بِمَكّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ – وَكَانَتْ عِنْدَهُ لَهُ مِنْهَا مُعَرّضُ بْنُ الْحَجّاجِ وَمَالٌ مُتَفَرّقٌ فِي تُجّارِ أَهْلِ مَكّةَ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأَذِنَ لَهُ قَالَ إنّهُ لَا بُدّ لِي يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ أَنْ أَقُولَ قَالَ:
قُلْ قَالَ الْحَجّاجُ فَخَرَجْت حَتّى إذَا قَدِمْت مَكّةَ وَجَدْت بِثَنِيّةِ الْبَيْضَاءِ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمّعُونَ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنّهُ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ، رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا، فَهُمْ يَتَحَسّسُونَ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُونَ الرّكْبَانَ فَلَمّا رَأَوْنِي قَالُوا: الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ – قَالَ وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي، عِنْدَهُ وَاَللهِ الْخَبَرُ – أَخْبِرْنَا يَا أَبَا مُحَمّدٍ فَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، وَهِيَ بَلَدُ يَهُودَ وَرِيفُ الْحِجَازِ، قَالَ قُلْت: قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَعِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرّكُمْ قَالَ فَالْتَبَطُوا بِجَنْبَيْ نَاقَتِي يَقُولُونَ إيه يَا حَجّاجُ قَالَ قُلْت: هُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطّ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطّ، وَأُسِرَ مُحَمّدٌ أَسْرًا، وَقَالُوا: لَا نَقْتُلُهُ حَتّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى أَهْلِ مَكّةَ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ. قَالَ فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكّةَ وَقَالُوا: قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ، وَهَذَا مُحَمّدٌ إنّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَيُقْتَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. قَالَ قُلْت: أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكّةَ وَعَلَى غُرَمَائِي، فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ خَيْبَرَ، فَأُصِيبَ مِنْ فَلّ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ إلَى مَا هُنَالِكَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مِنْ فَيْء مُحَمَّد.
الْعَبَّاس يستوثق من خبر الجاج ويفاجيء قُريْشًا:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
قَالَ: فَقَامُوا فَجَمَعُوا لِي مَالِي كَأَحَثّ جَمْعٍ سَمِعْت بِهِ. قَالَ وَجِئْت صَاحِبَتِي فَقُلْت، مَالِي، وَقَدْ كَانَ لِي عِنْدَهَا مَالٌ مَوْضُوعٌ لِعَلِيّ أَلْحَقُ بِخَيْبَرِ فَأُصِيبُ مِنْ فُرَصِ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ قَالَ فَلَمّا سَمِعَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْخَبَرَ، وَجَاءَهُ عَنّي، أَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ إلَى جَنْبِي وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ التّجّارِ فَقَالَ يَا حَجّاجُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الّذِي جِئْت بِهِ؟ قَالَ فَقُلْت: وَهَلْ عِنْدَك حِفْظٌ لِمَا وَضَعْت عِنْدَك؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ قُلْت: فَاسْتَأْخِرْ عَنّي حَتّى أَلْقَاك عَلَى خَلَاءٍ فَإِنّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى، فَانْصَرَفَ عَنّي حَتّى أَفْرَغَ. قَالَ حَتّى إذَا فَرَغْت مِنْ جَمْعِ كُلّ شَيْءٍ كَانَ لِي بِمَكّةَ وَأَجْمَعْت الْخُرُوجَ لَقِيت الْعَبّاسَ فَقُلْت: احْفَظْ عَلَيّ حَدِيثِي يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَإِنّي أَخْشَى الطّلَبَ ثَلَاثًا، ثُمّ قُلْ مَا شِئْت، قَالَ أَفْعَلُ. قُلْت: فَإِنّي وَاَللهِ لَقَدْ تَرَكْت ابْنَ أَخِيك عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ يَعْنِي صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ وَلَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَانْتَثَلَ مَا فِيهَا، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا حَجّاجُ؟ قَالَ قُلْت: إِي وَاَللهِ فَاكْتُمْ عَنّي، وَلَقَدْ أَسْلَمْت وَمَا جِئْت إلّا لِآخُذَ مَالِي، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَك، فَهُوَ وَاَللهِ عَلَى مَا تُحِبّ، قَالَ حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ لَبِسَ الْعَبّاسُ حُلّةً لَهُ وَتَحَلّقَ وَأَخَذَ عَصَاهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْكَعْبَةَ، فَطَافَ بِهَا، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ هَذَا وَاَللهِ التّجَلّدُ لِحَرّ الْمُصِيبَةِ، قَالَ كَلّا، وَاَللهِ الّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا
فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ قَالُوا: مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ الّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا، فَأَخَذَ مَالَهُ فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ فَيَكُونَ مَعَهُ. قَالُوا: يَا لَعِبَادِ اللهِ انْفَلَتَ عَدُوّ اللهِ أَمَا وَاَللهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ قَالَ وَلَمْ يَنْشَبُوا أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ بِذَلِكَ.
شِعْرُ حَسّانَ عَنْ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمّا *** جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ
كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ *** وَأَقَرّوا فِعْلَ اللّئِيمِ الذّلِيلِ
أَمِنْ الْمَوْتِ يهربون فَإِن الْمَوْت *** مَوْتَ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ

حَسّانُ يَعْتَذِرُ عَنْ أَيْمَنَ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، وَهُوَ يَعْذُرُ أَيْمَنَ ابْنَ أُمّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ لِأُمّهِ

عَلَى حِينِ أَنْ قَالَتْ لِأَيْمَن أُمّهُ *** جَبُنْت وَلَمْ تَشْهَدْ فَوَارِسَ خَيْبَرِ
أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ
وَلَوْلَا الّذِي قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ مُهْرِهِ *** لَقَاتَلَ فِيهِمْ فَارِسًا غَيْرَ أَعْسَرِ
وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ فِعْلُ مُهْرِهِ *** وَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَهُ غَيْرَ أَيْسَرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَنْشَدَنِي:

وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ شَأْنُ مُهْرِهِ *** وَمَا كَانَ لَوْلَا ذَاكُمْ بِمُقَصّرِ

شِعْرُ نَاجِيَةَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ

يَا لَعِبَادِ اللهِ فِيمَ يُرْغَبُ *** مَا هُوَ إلّا مَأْكَلٌ وَمَشْرَبُ
وَجَنّةٌ فِيهِ نَعِيمٌ مُعْجِبُ

وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ أَيْضًا:

أَنَا لِمَنْ أَنْكَرَنِي ابْنُ جُنْدُبِ *** يَا رُبّ قَرْنٍ فِي مَكَرّي أَنْكَبِ
طَاحَ بِمَغْدَى أَنْسُرٍ وَثَعْلَبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ قَوْلُهُ “فِي مَكَرّي”، و”طَاحَ بِمَغْدَى”.
شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ،
فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ:

وَنَحْنُ وَرَدْنَا خَيْبَرًا وَفُرُوضَهُ *** بِكُلّ فَتًى عَارِي الْأَشَاجِعِ
مِذْوَدِ جَوَادٍ لِذِي الْغَايَاتِ لَا وَاهِنِ الْقُوَى *** جَرِيءٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي كُلّ مَشْهَدِ
عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ *** ضُرُوبٍ بِنَصْلِ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ
يَرَى الْقَتْلَ مَدْحًا إنْ أَصَابَ شَهَادَةً *** مِنْ اللهِ يَرْجُوهَا وَفَوْزًا بِأَحْمَدِ
يَذُودُ وَيَحْمِي عَنْ ذِمَارِ مُحَمّدٍ *** وَيَدْفَعُ عَنْهُ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ
وَيَنْصُرُهُ مِنْ كُلّ أَمْرٍ يَرِيبُهُ *** يَجُودُ بِنَفْسِ دُونَ نَفْسِ مُحَمّدِ
يُصَدّقُ بِالْأَنْبِيَاءِ بِالْغَيْبِ مُخْلِصًا *** يُرِيدُ بِذَاكَ الْفَوْزَ وَالْعِزّ فِي غَدٍ

ذِكْرُ مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَأَمْوَالِهَا
الشق ونطاة والكتيبة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَكَانَتْ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ عَلَى الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةِ، فَكَانَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ اللهِ وَسَهْمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَطُعْمَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُعْمَ رِجَالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ فَدَك بِالصّلْحِ مِنْهُمْ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَقُسّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إلّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَرَامٍ فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا، وَكَانَ وَادِيَاهَا، وَادِي السّرِيرَةِ، وَوَادِي خَاصٍ، وَهُمَا اللّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمَا خَيْبَرُ، وَكَانَتْ نَطَاةُ وَالشّقّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، نَطَاةُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَالشّقّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَقُسّمَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ عَلَى أَلْفِ سَهْمٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ
مَنْ قُسّمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ:
وَكَانَتْ عِدّةُ الّذِينَ قُسّمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ سَهْمٍ وَثَمَانَمِائَةِ سَهْمٍ بِرِجَالِهِمْ وَخَيْلِهِمْ الرّجَالُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْخَيْلُ مِائَتَا فَارِسٍ، فَكَانَ لِكُلّ فَرَسٍ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَكَانَ لِكُلّ رَاجِلٍ سَهْمٌ فَكَانَ لِكُلّ سَهْمٍ رَأْسٌ جُمِعَ إلَيْهِ مِائَةُ رَجُلٍ فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جُمَعٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَفِي يَوْمِ خَيْبَرَ عَرّبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَبِيّ مِنْ الْخَيْلِ وهجن الهجين.
قسْمَة الأسهم على أَرْبَابهَا:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَأْسًا، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيّ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَهْمُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسَهْمُ نَاعِمٍ وَسَهْمُ بَنِي بَيَاضَةَ، وَسَهْمُ بَنِي عُبَيْدٍ، وَسَهْمُ بَنِي حِزَامٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَعُبَيْدٌ السّهّامُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ عُبَيْدٌ السّهّامُ لِمَا اشْتَرَى مِنْ السّهَامِ يَوْمَ خَيْبَرَ،
وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَسَهْمُ سَاعِدَةَ وَسَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ، وَسَهْمُ النّجّارِ وَسَهْمُ حَارِثَةَ، وَسَهْمُ أَوْسٍ.
فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ بِنَطَاةَ سَهْمَ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، وَهُوَ الْخَوْعُ وَتَابَعَهُ السّرَيْرُ، ثُمّ كَانَ الثّانِي سَهْمَ بَيَاضَةَ، ثُمّ كَانَ الثّالِثُ سَهْمَ أُسَيْدٍ ثُمّ كَانَ الرّابِعُ سَهْمَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ كَانَ الْخَامِسُ سَهْمَ نَاعِمٍ لِبَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُزَيْنَةَ وَشُرَكَائِهِمْ وَفِيهِ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَهَذِهِ نَطَاةُ
ثُمّ هَبَطُوا إلَى الشّقّ، فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْهُ سَهْمَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ، أَخِي بَنِي الْعَجْلَانِ وَمَعَهُ كَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمّ سَهْمُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ سَهْمُ
سَاعِدَةَ، ثُمّ سَهْمُ النّجّارِ، ثُمّ سَهْمُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِ ثُمّ سَهْمُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثُمّ سَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ، ثُمّ سَهْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، ثُمّ سَهْمَا سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَبَنِيّ حَرَامٍ ثُمّ سَهْمُ حَارِثَةَ ثُمّ سَهْمُ عُبَيْدٍ السّهّامِ، ثُمّ سَهْمُ أَوْسٍ وَهُوَ سَهْمُ اللّفِيفِ جُمِعَتْ إلَيْهِ جُهَيْنَةُ وَمَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَكَانَ حَذْوَهُ سَهْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّذِي كَانَ أَصَابَهُ فِي سَهْمِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ.
ثُمّ قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَتِيبَةَ، وَهِيَ وَادِي خَاصٍ، بَيْنَ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ وَبَيْنَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءٍ أَعْطَاهُمْ مَعَهَا، فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَة ابْنَتِهِ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَلِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَخَمْسِينَ وَسْقًا مِنْ نَوَى، وَلِعَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَلِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِائَةَ وَسْقٍ وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِلصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَابْنَيْهِ مِائَةَ وَسْقٍ لِلصّلْتِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَسْقًا، وَلِأَبِي نَبِقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبَنَاتِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِهِ الْحُصَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِبَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ سِتّينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ أَوْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَابْنِ إلْيَاسَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِنُعَيْمِ بْنِ هِنْدٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِعُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ الْحَكَمِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِجُمَانَةِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ الْأَرْقَمِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا،
وَلِابْنِ أَبِي خُنَيْسٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِأَبِي بَصْرَةَ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِيّ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَتَيْهِ تِسْعِينَ وَسْقًا، لَابْنَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ حَبِيبٍ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِمَلْكُو بْنِ عَبْدَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِنِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَمِائَةِ وَسْقٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَمْحٌ وَشَعِيرٌ وَتَمْرٌ وَنَوًى وَغَيْرُ ذَلِكَ قَسَمَهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَكَانَتْ الْحَاجَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَكْثَرَ وَلِهَذَا أَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
عهد الرَّسُول إِلَى نِسَائِهِ بنصيبهن فِي الْمَغَانِم:
ذِكْرُ مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ قَمْحِ خَيْبَرَ
قَسَمَ لَهُنّ مِائَةَ وَسْقٍ وَثَمَانِينَ وَسْقًا، وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةً
وَثَمَانِينَ وَسْقًا، وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ.
شَهِدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وعباس وَكتب.
مَا أوصى بِهِ الرّسُولِ عِنْدَ مَوْتِهِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلّا بِثَلَاثِ أَوْصَى لِلرّهَاوِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَلِلدّارِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَلِلسّبَائِيّين، وللأشعريين بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ،
وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَلّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ.
أَمْرُ فَدَك فِي خَبَرِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَذَفَ اللهُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَك حِينَ بَلَغَهُمْ مَا أَوْقَعَ اللهُ تَعَالَى بِأَهْلِ خَيْبَرَ، فَبَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَالِحُونَهُ عَلَى النّصْفِ
مِنْ فَدَك، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرِ أَوْ بِالطّائِفِ، أَوْ بَعْدَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً لِأَنّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ.
تَسْمِيَةُ النّفَرِ الدّارِيّينَ الّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خَيْبَر
نسبهم:
وَهُمْ بَنُو الدّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ، الّذِينَ سَارُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشّامِ: تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَرَفَةُ بْنُ مَالِكٍ، سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَزّةُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَخُوهُ مُرّانُ بْنُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَرْوَانُ بْنُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَفَاكِهُ بْنُ نُعْمَانَ، وَجَبَلَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هِنْدِ بْنُ بَرّ، وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله.
خرص ابْن رَوَاحَة ثمَّ جَبَّار على أهل خَيْبَر:
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، يَبْعَثُ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ
عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَهُودَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَالُوا: تَعَدّيْت عَلَيْنَا; قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا، فَتَقُولُ يَهُودُ بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
وَإِنّمَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَامًا وَاحِدًا، ثُمّ أُصِيبَ بِمُؤْتَةِ يَرْحَمُهُ اللهُ فَكَانَ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ خَنْسَاءَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، هُوَ الّذِي يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَبْدِ اللهِ بن رَوَاحَة.
مقتل بن سهل ودية الرَّسُول إِلَى أَهله:
فَأَقَامَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَرَى بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ بَأْسًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ حَتّى عَدَوْا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، فَقَتَلُوهُ فَاتّهَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحَدّثَنِي أَيْضًا
بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:
أُصِيبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرِ وَكَانَ خَرَجَ إلَيْهَا فِي أَصْحَابٍ لَهُ يَمْتَارُ مِنْهَا تَمْرًا، فَوُجِدَ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقُهُ ثُمّ طُرِحَ فِيهَا; قَالَ فَأَخَذُوهُ فَغَيّبُوهُ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُ فَتَقَدّمَ إلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمَعَهُ ابْنَا عَمّهِ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا، وَكَانَ صَاحِبَ الدّمِ وَكَانَ ذَا قَدَمٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَلَمّا تَكَلّمَ قَبْلَ ابْنَيْ عَمّهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُبْرُ الْكُبْرُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ كَبّرْ كَبّرْ – فِيمَا ذَكَرَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ – فَسَكَتَ فَتَكَلّمَ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ، ثُمّ تَكَلّمَ هُوَ بَعْدُ فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَنُسَلّمَهُ إلَيْكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كُنّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ قَالَ «أَفَيَحْلِفُونَ بِاَللهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ثُمّ يَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كُنّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ يَهُودَ مَا فِيهِمْ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إثْمٍ قَالَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ
قَالَ سَهْلٌ:
فَوَاَللهِ مَا أَنْسَى بَكْرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيّ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ:
وَأَيْمُ اللهِ مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ وَلَكِنّهُ كَانَ أَسَنّ مِنْهُ وَإِنّهُ قَالَ لَهُ وَاَللهِ مَا هَكَذَا كَانَ الشّأْنُ وَلَكِنّ سَهْلًا أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْلِفُوا عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ» وَلَكِنّهُ كَتَبَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ كَلّمَتْهُ الْأَنْصَارُ: إنّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَين أبياتكم فدو هـ فَكَتَبُوا إلَيْهِ يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ إلّا أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ دُوهُ أَوْ ائْذَنُوا بِحَرْبِ. فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عِنْده
إجلاء الْيَهُود عَن خَيْبَر أَيَّام عُمَر:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ:
كَيْفَ كَانَ إعْطَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ نَخْلَهُمْ حِينَ أَعْطَاهُمْ النّخْلَ عَلَى خَرْجِهَا، أَبَتّ ذَلِك لَهُمْ حَتّى قُبِضَ أَمْ أَعْطَاهُمْ إيّاهَا لِلضّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟.
فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عِنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أَفَاءَ اللهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمّسَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلُوهَا، وَتَكُونُ ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَأُقِرّكُمْ مَا أَقَرّكُمْ اللهُ» فَقَبِلُوا، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْمَلُونَهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ فَلَمّا تَوَفّى اللهُ نَبِيّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرّهَا أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى الْمُعَامَلَةِ الّتِي عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى تُوُفّيَ ثُمّ أَقَرّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ ثُمّ بَلَغَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ «لَا يَجْتَمِعَن بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» فَفَحَصَ عُمَرُ ذَلِكَ حَتّى بَلَغَهُ الثّبْتُ فَأَرْسَلَ إلَى يَهُودَ فَقَالَ «إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَذِنَ فِي جَلَائِكُمْ»، قَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْتَمِعَن بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُودِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذْهُ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُودِ، فَلْيَتَجَهّزْ لِلْجَلَاءِ فَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:
خَرَجْت أَنَا وَالزّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إلَى أَمْوَالِنَا بِخَيْبَرِ نَتَعَاهَدُهَا، فَلَمّا قَدِمْنَا تَفَرّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ فَعُدِيَ عَلَيّ تَحْتَ اللّيْلِ وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِي، فَفُدِعَتْ يَدَايَ مِنْ مِرْفَقِي، فَلَمّا أَصْبَحْت أَسْتَصْرِخُ عَلَيّ صَاحِبَايَ فَأَتَيَانِي فَسَأَلَانِي: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِك؟ فَقُلْت: لَا أَدْرِي; قَالَ فَأَصْلَحَا مِنْ يَدَيّ ثُمّ قَدِمَا بِي عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
فَقَالَ هَذَا عَمَلُ يَهُودَ ثُمّ قَامَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنّا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا، وَقَدْ عَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَفَدِعُوا يَدَيْهِ كَمَا قَدْ بَلَغَكُمْ مَعَ عَدْوِهِمْ عَلَى الْأَنْصَارِيّ قَبْلَهُ لَا نَشُكّ أَنّهُمْ أَصْحَابُهُ لَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوّ غَيْرُهُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِخَيْبَرِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإِنّي مُخْرِجٌ يَهُودَ فَأَخْرَجَهُمْ
قِسْمَةُ عُمَرَ لِوَادِي الْقُرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَكْنَفٍ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ:
لَمّا أَخْرَجَ عُمَرُ يَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ رَكِبَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَخَرَجَ مَعَهُ جُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ خَنْسَاءَ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَكَانَ خَارَصَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَحَاسَبَهُمْ – وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُمَا قَسَمَا خَيْبَرَ بَيْنَ أَهْلِهَا، عَلَى أَصْلِ جَمَاعَةِ السّهْمَانِ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا.
وَكَانَ مَا قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مِنْ وَادِي الْقُرَى، لِعُثْمَانِ بْنِ عَفّانَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ وَلِعُمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ خَطَرٌ وَلِعَامِرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ خَطَرٌ وَلِعَمْرِو بْنِ سُرَاقَةَ خَطَرٌ وَلِأَشْيَمَ خَطَرٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ وَلِأَسْلَمَ وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَطَرٌ وَلِمُعَيْقِيبٍ خَطَرٌ
وَلِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَرْقَم خَطَرٌ وَلِعَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدِ اللهِ خَطَرَانِ وَلِابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ خَطَرٌ وَلِابْنِ الْبُكَيْرِ خَطَرٌ وَلِمُعْتَمِرِ خَطَرٌ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ خَطَرٌ وَلِأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ خَطَرٌ وَلِمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ خَطَرٌ وَلِأَبِي طَلْحَةَ وَحَسَنٍ خَطَرٌ وَلِجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ خَطَرٌ وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رِئَاب خَطَرٌ وَلِمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو خَطَرٌ وَلِابْنِ حُضَيْرٍ خَطَرٌ وَلِابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَرٌ وَلِسَلَامَةِ بْنِ سَلَامَةَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي شَرِيكٍ خَطَرٌ وَلِأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ خَطَرٌ وَلِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ خَطَرٌ وَلِعُبَادَةَ بْنِ طَارِقٍ خَطَرٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ لِقَتَادَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَلِجَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ نِصْفُ خَطَرٍ وَلِابْنَيْ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ نِصْفُ خَطَرٍ وَلِابْنِ حَزَمَةَ وَالضّحّاكِ خَطَرٌ فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ خَيْبَرَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَقَاسِمِهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْخَطَرُ النّصِيبُ. يُقَالُ أَخْطَرَ لِي فُلَانٌ خَطَرًا.


غَزْوَةُ خَيْبَرَ
ذَكَرَ الْبَكْرِيّ أَنّ أَرْضَ خَيْبَرَ سُمّيَتْ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِيقِ. نَزَلَهَا وَهُوَ خَيْبَرُ بْنُ قَانِيَةَ بْنِ مَهْلَايِلَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْوَطِيحِ، وَهُوَ مِنْ حُصُونِهَا أَنّهُ سُمّيَ بِالْوَطِيحِ بْنِ مَازِنٍ رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَطْحِ وَهُوَ مَا تَعَلّقَ بِالْأَظَافِرِ وَمَخَالِبِ الطّيْرِ مِنْ الطّينِ.
شَرْحُ هَنَةٍ وَالْحُدَاءِ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ خُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِك. الْهَنَةُ كِنَايَةٌ عَنْ كُلّ شَيْءٍ لَا تَعْرِفُ اسْمَهُ أَوْ تَعْرِفُهُ فَتُكَنّي عَنْهُ وَأَصْلُ الْهَنَةِ هَنْهَةٌ وَهَنْوَةٌ. قَالَ الشّاعِرُ

[أَرَى ابْنَ نَزَارٍ قَدْ جَفَانِي وَقَلّنِي] *** عَلَى هَنَوَاتٍ شَأْنُهَا مُتَتَابِعُ

وَفِي الْبُخَارِيّ: أَنّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تَنْزِلُ فَتُسْمِعَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ صَغّرَهُ بِالْهَاءِ وَلَوْ صَغّرَهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ هَنَوَاتٍ لَقَالَ هُنَيّاتِك، وَإِنّمَا أَرَادَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يَحْدُوَ بِهِمْ وَالْإِبِلُ تُسْتَحَثّ بِالْحِدَاءِ وَلَا يَكُونُ الْحِدَاءُ إلّا بِشِعْرِ أَوْ رَجَزٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوّلَ مَنْ سَنّ حُدَاءَ الْإِبِلِ وَهُوَ مُضَرُ بْنُ نَزَارٍ، وَالرّجَزُ شِعْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيضًا، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ بِشِعْرِ وَإِنّمَا هِيَ أَشْطَارُ أَبْيَاتٍ وَإِنّمَا الرّجَزُ الّذِي هُوَ شِعْرٌ سُدَاسِيّ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ مَقْصُورَةِ ابْنِ دُرَيْدٍ أَوْ رُبَاعِيّ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ قَوْلِ الشّاعِرِ

يَا مُرّ يَا خَيْرَ أَخ *** نَازَعْت دَرّ الْحَلْمَةِ

وَاحْتَجّ مَنْ قَالَ فِي مَشْطُورِ الرّجَزِ أَنّهُ لَيْسَ بِشِعْرِ أَنّهُ قَدْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَكَانَ لَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ الشّعْرُ وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ أَنْشَدَ هَذَا الرّجَزَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ الْأَكْوَعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَيْضًا إمّا مُتَمَثّلًا وَإِمّا مُنْشِئًا:

هَلْ أَنْتَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ *** وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيت

وَفِي هَذَا الرّجَزِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مِمّا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْرِهِ
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَك مَا أَبْقَيْنَا
وَيُرْوَى مَا اقْتَفَيْنَا أَيْ مَا تَتَبّعْنَا مِنْ الْخَطَايَا، مِنْ قَفَوْت الْأَثَرَ وَاقْتَفَيْته. وَفِي التّنْزِيلِ {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاءُ 36] وَأَمّا قَوْلُهُ مَا أَبْقَيْنَا،
أَيْ مَا خَلّفْنَا مِمّا اكْتَسَبْنَا، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَا أَبْقَيْنَا مِنْ الذّنُوبِ فَلَمْ نُحَقّقْ التّوْبَةَ مِنْهُ كَمَا يَنْبَغِي.
وَقَوْلُهُ فِدَاءً لَك قَدْ قِيلَ إنّ الْخِطَابَ لِلنّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَيْ اغْفِرْ لَنَا تَقْصِيرَنَا فِي حَقّك وَطَاعَتِك، إذْ لَا يُتَصَوّرُ أَنْ يُقَالَ لِلّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِدَاءً لَك أَيْ فِدَاءً لَك أَنْفُسُنَا وَأَهْلُونَا، وَحُذِفَ الِاسْمُ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ فِي الْكَلَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَإِنّمَا يَفْدِي الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ.
اسْتِعْمَالُ الْكَلِمَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَى الصّوَابِ أَنّهَا كَلِمَةٌ يُتَرْجَمُ بِهَا عَنْ مَحَبّةٍ وَتَعْظِيمٍ فَجَازَ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا مَنْ لَا يَجُوزُ فِي حَقّهِ الْفِدَاءُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ قَصْدًا لِإِظْهَارِ الْمَحَبّةِ وَالتّعْظِيمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْكَلِمَةِ مَا ذَكَرْنَا، فَرُبّ كَلِمَةٍ تُرِكَ أَصْلُهَا، وَاسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوّلَ كَمَا جَاءُوا بِلَفْظِ الْقَسَمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَسَمِ إذَا أَرَادُوا تَعَجّبًا وَاسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيّ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ وَمُحَالٌ أَنْ يَقْصِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَسَمَ بِغَيْرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لَا سِيّمَا بِرَجُلِ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَإِنّمَا هُوَ تَعَجّبٌ مِنْ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ وَالْمُتَعَجّبُ مِنْهُ هُوَ مُسْتَعْظَمٌ وَلَفْظُ الْقَسَمِ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ لِمَا يُعَظّمُ فَاتّسَعَ فِي اللّفْظِ حَتّى قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ. وَقَالَ الشّاعِرُ

فَإِنْ تَكُ لَيْلَى اسْتَوْدَعَتْنِي أَمَانَةً *** فَلَا وَأَبِي أَعْدَائِهَا لَا أَخُونُهَا

لَمْ يُرِدْ أَنْ يُقْسِمَ بِأَبِي أَعْدَائِهَا، وَلَكِنّهُ ضَرْبٌ مِنْ التّعَجّبِ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ شُرّاحِ الْحَدِيثِ إلَى النّسْخِ فِي قَوْله: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ قَالُوا: نَسَخَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَصِحّ، لِأَنّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يَحْلِفُ قَبْلَ النّسْخِ بِغَيْرِ اللهِ وَيُقْسِمُ بِقَوْمِ كُفّارٍ وَمَا أَبْعَدَ هَذَا مِنْ شِيمَتِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَاللهِ مَا فَعَلَ هَذَا قَطّ، وَلَا كَانَ لَهُ بِخُلُقِ.
وَقَالَ قَوْمٌ رِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ مُصَحّفَةٌ وَإِنّمَا هُوَ أَفْلَحَ وَاَللهِ إنْ صَدَقَ. وَهَذَا أَيْضًا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الْأَثْبَاتِ الْعُدُولِ فِيمَا حَفِظُوا، وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الزّكَاةِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِرَجُلِ سَأَلَهُ أَيّ الصّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ «وَأَبِيك لَأُنْبِئك» أَوْ قَالَ لَأُخْبِرَنّكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَخَرّجَ فِي كِتَابِ الْبِرّ وَالصّلَةِ قَوْلَهُ لِرَجُلِ سَأَلَهُ مَنْ أَحَقّ النّاسِ بِأَنْ أَبَرّهُ أَوْ قَالَ أَصْلُهُ؟ فَقَالَ «وَأَبِيك لَأُنْبِئكَ صِلْ أُمّك، ثُمّ أَبَاك ثُمّ أَدْنَاك فَأَدْنَاك» فَقَالَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَمَا تَرَى وَأَبِيك، فَلَمْ يَأْتِ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ إِذا فِي رِوَايَتِهِ بِشَيْءِ إمْرٍ وَلَا بِقَوْلِ بِدْعٍ وَقَدْ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بِلَادِنَا وَعُظَمَاءِ مُحَدّثِيهَا، وَغَفَلَ – عَفَا اللهُ عَنْهُ – عَنْ الْحَدِيثَيْنِ اللّذَيْنِ تَقَدّمَ ذِكْرُهُمَا، وَقَدْ خَرّجَهُمَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجّاجِ.
وَفِي تَرَاجِمِ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي مُصَنّفِهِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالنّسْخِ وَأَنّ الْقَسَمَ بِالْآبَاءِ كَانَ جَائِزًا، وَاَلّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ كَمَا قَدّمْنَا، وَلَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ وَأَبِي، وَإِنّمَا قَالَ وَأَبِيهِ أَوْ وَأَبِيك بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ أَوْ الْغَائِبِ وَبِهَذَا الشّرْطِ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى الْحَلِفِ إلَى مَعْنَى التّعَجّبِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ.
الْإِسْنَادُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ، وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ [أَبِي] مَرْوَانَ وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ لِأَنّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ مَعْرُوفٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُكَنّى أَبَا مُصْعَبٍ قَالَهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ وَبَعْضُ مَنْ يَرْوِي السّيرَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ وَالصّحِيحُ مَا قَدّمْنَاهُ
الْمَكَاتِلُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ حِينَ اسْتَقْبَلَتْهُمْ عُمّالُ خَيْبَرَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ الْمَكَاتِلُ جَمْعُ مِكْتَلٍ وَهِيَ الْقُفّةُ الْعَظِيمَةُ سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَتّلِ الشّيْءِ فِيهَا، وَهُوَ تَلَاصُقُ بَعْضِهِ بِبَعْضِ وَالْكُتْلَةُ وَمِنْ التّمْرِ وَنَحْوِهِ فَصِيحَةٌ وَإِنْ ابْتَذَلَتْهَا الْعَامّةُ.
خَرِبَتْ خَيْبَرُ:
وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ «اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ». فِيهِ إبَاحَةُ التّفَاؤُلِ وَقُوّةٌ لِمَنْ اسْتَجَازَ الرّجَزَ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلًا مُقْنِعًا، وَذَلِكَ أَنّهُ رَأَى الْمَسَاحِيّ وَالْمَكَاتِلَ وَهِيَ مِنْ آلَةِ الْهَدْمِ، وَالْحَفْرِ مَعَ أَنّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ سَحَوْت الْأَرْضَ إذَا قَشّرْتهَا، فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى خَرَابِ الْبَلْدَةِ الّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الْمَسَاحِيّ كَانُوا يُؤْتُونَ الْمَاءَ إلَى زَرْعِهِمْ مَعْنَاهُ يَسُوقُونَ. وَالْأَتِيّ هِيَ الصّافِيَةُ.
الْخَمِيسُ:
وَقَوْلُ الْيَهُودِ: مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ سُمّيَ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ خَمِيسًا، لِأَنّ لَهُ سَاقَةً وَمُقَدّمَةً وَجَنَاحَيْنِ وَقَلْبًا، لَا مِنْ أَجْلِ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ فَإِنّ الْخُمُسَ مِنْ سُنّةِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ كَانَ الْجَيْشُ يُسَمّى خَمِيسًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الشّاهِدَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدّمَ.
تَدَنّي الْحُصُونِ
وَقَوْلُهُ يَتَدَنّى الْحُصُونَ أَيْ يَأْخُذُ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى.
حُكْمُ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْخَيْلِ
وَذِكْرُ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنّهُ نَهَى عَلَيْهِ السّلَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَأَرْخَصَ لَهُمْ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ أَمّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيّةُ فَمُجْتَمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ التّابِعِينَ. وَحُجّةُ مَنْ أَبَاحَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ} [الْأَنْعَامُ 145] الْآيَةُ وَهِيَ مَكّيّةٌ وَحَدِيثُ النّهْيِ عَنْ الْحُمُرِ كَانَ بِخَيْبَرِ فَهُوَ الْمُبَيّنُ لِلْآيَةِ وَالنّاسِخُ لِلْإِبَاحَةِ وَمِنْ حُجّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلِ اسْتَفْتَاهُ فِي أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ يُقَالُ فِي اسْمِهِ غَالِبُ بْنُ أَبْحَرَ الْمُزَنِيّ: أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ مَالِك وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ حَدِيثُ النّهْيِ مَعَ أَنّهُ مُحْتَمِلٌ لِتَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرّجُلُ مِمّنْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ فَأُرْخِصَ لَهُ فِيهِ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِالتّحْرِيمِ عَلَى أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ زَادَ فِيهِ بَيَانًا، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلِ إنّمَا نُهِيت عَنْ حَوَالِي الْقَرْيَةِ أَوْ جَوّالِي الْقَرْيَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الرّوَايَةِ وَأَمّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إبَاحَةِ الْخَيْلِ فَصَحِيحٌ وَيُعَضّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ أَنّهَا قَالَتْ ضَحّيْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِفَرَسِ وَقَالَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ الشّافِعِيّ وَاللّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيّ إلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْبِغَالِ وَالْخَيْلِ وَقَدْ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحّ غَيْرَ أَنّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللهُ نَزَعَ بِآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَهِيَ أَنّ اللهَ جَلّ ذِكْرُهُ ذَكَرَ الْأَنْعَامَ فَقَالَ {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النَّحْل:5] ثُمّ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَقَالَ {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النَّحْل: 8] هَذَا انْتِزَاعٌ حَسَنٌ. وَوَجْهُ الدّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنّهُ قَالَ {وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } [النّحْلُ 5] فَذَكَرَ الدّفْءَ وَالْمَنَافِعَ وَالْأَكْلَ ثُمّ أَفْرَدَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ بِالذّكْرِ ثُمّ جَاءَ بِلَامِ الْعِلّةِ وَالنّسَبِ فَقَالَ {لِتَرْكَبُوهَا} [النَّحْل: 8] أَيْ لِهَذَا سَخّرْتهَا لَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدّى مَا سُخّرَتْ لَهُ وَأَمّا نَهْيُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْجَلّالَةِ وَعَنْ رُكُوبِهَا، فَهِيَ الّتِي تَأْكُلُ الْجَلّةَ وَهُوَ الرّوْثُ وَالْبَعْرُ وَفِي السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلّالَةِ حَتّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ الدّجَاجَ الْمُخَلّاةَ حَتّى تُقْصَرَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ. ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ.
الْوَرِقُ:
وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ نَهْيَهُ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْفِضّةِ بِالْفِضّةِ وَإِبَاحَةِ بَيْعِ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْوَرِقَ وَالْفِضّةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَدْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فَقَالَ الرّقَةُ وَالْوَرِقُ مَا كَانَ سِكّةً مَضْرُوبَةً فَإِنْ كَانَ حُلِيّا أَوْ حُلِيّةً، أَوْ نُقَرًا لَمْ يُسَمّ وَرِقًا، يُرِيدُ بِهَذِهِ التّفْرِقَةِ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي حُلِيّ الْفِضّةِ وَالذّهَبِ لِأَنّ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حِينَ ذَكَرَ الزّكَاةَ قَالَ «فِي الرّقَةِ الْخُمْسُ» وَحِينَ ذَكَرَ الرّبَا قَالَ «الْفِضّةُ بِالْفِضّةِ».
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَفِي أَحَادِيثَ سِوَاهُ قَدْ تَتَبّعْتهَا مَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ يَصُبّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ وَفِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ حِينَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ قَالَ فَاِتّخَذْت أَنْفًا مِنْ ورق الحَدِيث فِيهِ شَوَاهِدَ كَثِيرَةٍ تَدُلّ عَلَى أَنّ الْفِضّةَ تُسَمّى وَرِقًا عَلَى أَيّ حَالٍ كَانَتْ.
وَقَوْلُهُ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ الْعَيْنِ يُرِيدُ النّقْدَ لِأَنّ الْغَائِبَ تُسَمّى ضِمَارًا، كَمَا قَالَ وَعَيْنُهُ كَالْكَالِئِ الضّمَارِ وَسُمّيَ الْحَاضِرُ عَيْنًا لِمَوْضِعِ الْمُعَايَنَةِ فَالْعَيْنُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ عِنْته أَعِينُهُ إذَا أَبْصَرْته بِعَيْنِك، وَسُمّيَ الْمَفْعُولُ بِالْمَصْدَرِ وَنَحْوٌ مِنْهُ الصّيْدُ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ صِدْت أَصِيدُ وَقَدْ جَاءَ فِي التّنْزِيلِ {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} {الْمَائِدَةُ 95] فَسَمّاهُ بِالْمَصْدَرِ وَلَعَلّك أَنْ تَلْحَظَ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ مَعْنَى الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ} [طَه: 39] فَقَدْ أَمْلَيْنَا فِيهَا، وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَدِ مَسْأَلَتَيْنِ لَا يُعْدَلُ بِقِيمَتِهِمَا الدّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
مَتَى حُرّمَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ؟
فَصْلٌ وَمِمّا يَتّصِلُ بِحَدِيثِ النّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إشْكَالٍ فِي رِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهَا: نَهَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السّيَرِ وَرُوَاةِ الْأَثَرِ أَنّ الْمُتْعَةَ حُرّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمّدٍ فَقَالَ فِيهِ إنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَعَنْ الْمُتْعَةِ فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا اللّفْظِ وَنَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهُوَ إِذا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَقَعَ فِي لَفْظِ ابْنِ شِهَابٍ، لَا فِي لَفْظِ مَالِكٍ لِأَنّ مَالِكًا قَدْ وَافَقَهُ عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ إنّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَالْمَشْهُورُ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ رِوَايَةُ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ. وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنّ تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَانَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ الرّوَاةِ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ فَتَأَمّلْهُ وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَذَكَرَ قَوْلَهُ – عَلَيْهِ السّلَامُ – «لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ» وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: فَبَاتَ النّاسُ يَدُوكُونَ أَيّهُمْ يُعْطَاهَا وَمَعْنَاهُ مِنْ الدّوكَةِ وَالدّوْكَةِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ.
عَلِيّ وَدُعَاءُ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ أَنّ عَلِيّا – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – انْطَلَقَ بِالرّايَةِ يَأْنِحُ وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ يَؤُجّ، فَمَنْ رَوَاهُ يَأْنِحُ فَهُوَ مِنْ الْأَنِيحِ وَهُوَ عُلُوّ النّفَسِ يُقَالُ فَرَسٌ أَنْوَحُ مِنْ هَذَا، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أَنّهُ رَأَى رَجُلًا يَأْنِجُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَقَالَ بَرَكَةٌ مِنْ اللهِ فَقَالَ بَلْ هُوَ عَذَابٌ عَذّبَك بِهِ. وَمَنْ رَوَاهُ يَؤُجّ، فَمَعْنَاهُ يُسْرِعُ يُقَالُ أَجّتْ النّاقَةُ تَؤُجّ إذَا أَسْرَعَتْ فِي مَشْيِهَا، وَزَادَ الشّيْبَانِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ ذَكَرَ أَنّ عَلِيّا كَانَ أَرْمَدَ وَأَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ قَالَ فَمَا وَجِعَتْ عَيْنُهُ حَتّى مَضَى سَبِيلُه قَالَ وَكَانَ عَلِيّ يَلْبَسُ الْقَبَاءَ الْمَحْشُوّ الثّخِينَ فِي شِدّةِ الْحَرّ فَلَا يُبَالِي بِالْحَرّ وَيَلْبَسُ الثّوْبَ الْخَفِيفَ فِي شِدّةِ الْبَرْدِ فَلَا يُبَالِي بِالْبَرْدِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنّ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَعَا لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ حِينَ رَمِدَتْ عَيْنُهُ أَنْ يَشْفِيَهُ اللهُ وَأَنْ يُجَنّبَهُ الْحَرّ وَالْبَرْدَ فَكَانَ ذَلِكَ.
صَاحِبُ الْمَغَانِمِ وَابْنُ مُغَفّلٍ
فَصْلٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفّلٍ حِينَ احْتَمَلَ جِرَابَ الشّحْمِ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَغَانِمِ أَخْذَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ صَاحِبِ الْمَغَانِمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنّهُ قَالَ كَانَ عَلَى الْمَغَانِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ هَكَذَا وَجَدْته فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ مَرْوِيّا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَلَمْ يَتّصِلْ لِي بِهِ إسْنَادٌ.
الصّفِيّ وَالْمِرْبَاعُ
فَصْلٌ: وَذَكَرَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ وَأُمّهَا بُرْدَةَ بِنْتَ سَمَوْأَلٍ أُخْتَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ الْمَذْكُورِ فِي الْمُوَطّإِ وَأَنّهُ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ صَفِيّةُ مِنْ الصّفِيّ وَالصّفِيّ مَا يَصْطَفِيهِ أَمِيرُ الْجَيْشِ لِنَفْسِهِ قَالَ الشّاعِرُ [عَبْدُ اللهِ بْنُ غَنَمَةَ الضّبّيّ يُخَاطِبُ بِسْطَامَ بْنِ قَيْسٍ] :

لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصّفَايَا *** [وَحُكْمُك وَالنّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ]

فَالْمِرْبَاعُ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ. وَالصّفِيّ مَا يُصْطَفَى لِلرّئِيسِ وَكَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنُسِخَ الْمِرْبَاعُ بِالْخُمْسِ وَبَقِيَ أَمْرُ الصّفِيّ.
مَصْدَرُ أَمْوَالِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَاجُهُ مِنْ صَفِيّةَ
وَكَانَتْ أَمْوَالُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِنْ الصّفِيّ وَالْهَدِيّةِ تُهْدَى إلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْغَزْوِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَمِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَرَوَى يُونُسُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمّعٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ حَدّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَانَ فِي حِجْرِ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ مِنْ رَهْطِهَا يُقَالُ لَهُ رَبِيعٌ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ قَالَتْ مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطّ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْته رَكِبَ بِي مِنْ خَيْبَرَ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَتِهِ لَيْلًا فَجَعَلْت أَنْعَسُ فَيَضْرِبُ رَأْسِي مُؤَخّرَةُ الرّحْلِ فَيَمَسّنِي بِيَدِهِ وَيَقُولُ «يَا هَذِهِ مَهْلًا يَا ابْنَةَ حُيَيّ»، حَتّى إذَا جَاءَ الصّهْبَاءَ، قَالَ ” أَمَا إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْك يَا صَفِيّةُ مِمّا صَنَعْت بِقَوْمِك إنّهُمْ قَالُوا لِي: كَذَا، وَقَالُوا لِي: كَذَا. وَحَدِيثُ اصْطِفَائِهِ صَفِيّةَ يُعَارِضُهُ فِي الظّاهِرِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَنْ أَنَسٍ أَنّهَا صَارَتْ لِدِحْيَةَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَأَعْطَاهُ سَبْعَةَ أَرْأُسٍ وَيُرْوَى أَنّهُ أَعْطَاهُ بِنْتَيْ عَمّهَا عِوَضًا مِنْهَا، وَيُرْوَى أَيْضًا أَنّهُ قَالَ لَهُ «خُذْ رَأْسًا آخَرَ مَكَانهَا» وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنّمَا أَخَذَهَا مِنْ دِحْيَةَ قَبْلَ الْقَسْمِ وَمَا عَوّضَهُ مِنْهَا لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ عَلَى جِهَةِ النّفْلِ وَالْهِبَةِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. غَيْرَ أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ الصّحِيحِ يَقُولُونَ فِيهِ إنّهُ اشْتَرَى صَفِيّةَ مِنْ دِحْيَةَ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِيهِ بَعْدَ الْقَسْمِ فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
وَكَانَ أَمْرُ الصّفِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا غَزَا فِي الْجَيْشِ اخْتَارَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ رَأْسًا وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا قَعَدَ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْجَيْش ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَفِيّ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَمْرُ الصّفِيّ بَعْدَ الرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا: كَانَ خُصُوصًا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ.
صَدَاقُ صَفِيّةَ
وَقَوْلُهُ أَعْتَقَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، هُوَ صَحِيحٌ فِي الْعَقْلِ وَقَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ تَأَوّلَهُ خُصُوصًا بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَنْسُوخًا، وَمِمّنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُ لَا يَرَوْنَ مُجَرّدَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ صَدَاقٍ.
حَنَشٌ الصّنْعَانِيّ
وَذَكَرَ حَدِيثَ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ. هُوَ حَنَشُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السّبَائِيّ جَاءَ إلَى الْأَنْدَلُسِ مَعَ مُوسَى بْنِ نَصِيرٍ وَهُوَ الّذِي ابْتَنَى جَامِعَ سَرَقُسْطَةَ وَأَسّسَ جَامِعَ قُرْطُبَةَ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرُوا وَتَوَهّمَ الْبُخَارِيّ أَنّهُ حَنَشُ بْنُ عَلِيّ وَأَنّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِ أَبِيهِ وَقَدْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ فَقَالَ حَنَشُ بْنُ عَلِيّ السّبَائِيّ مِنْ صَنْعَاءِ الشّامِ وَمِنْهَا أَبُو الْأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ وَحَنَشُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السّبَائِيّ مِنْ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ وَكِلَاهُمَا يَرْوِي عَنْ عَلِيّ فَمِنْ هَهُنَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى الْبُخَارِيّ هَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ أَيْضًا حَنَشُ بْنُ رَبِيعَةَ وَحَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَهُمَا غَيْرُ هَذَيْنِ.
وَطْءٌ مَنْهِيّ عَنْهُ
وَفِيهِ أَنّ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ مِنْ السّبَايَا حَتّى تَضَعَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ نَظَرَ إلَى أَمَةٍ مُجِحّ أَيْ مُقْرِبٍ فَسَأَلَ عَنْ صَاحِبِهَا فَقِيلَ إنّهُ يُلِمّ بِهَا فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَهَذَا وَجْهٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «لَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» مَعْنَى إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَلَدُ مُخْتَلَفٌ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ: لَا يَلْحَقُ بِهِ وَقَالَ اللّيْثُ يَلْحَقُ بِهِ لِقَوْلِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ وَقَدْ غَذّاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
عَلِيّ يَقْتُلُ مَرْحَبًا
فَصْلٌ ” وَمِمّا يَتّصِلُ بِقِصّةِ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ قَوْلُ عَلِيّ

أَنَا الّذِي سَمّتْنِي أُمّي حَيْدَرَهْ
أَضْرِبُ بِالسّيْفِ رُءُوسَ الْكَفَرَهْ
أَكِيلُهُمْ بِالصّاعِ كَيْلَ السّنْدَرَهْ

أَيْ أَجْزِيهِمْ بِالْوَفَاءِ وَالسّنْدَرَةُ شَجَرَةٌ يُصْنَعُ مِنْهَا مَكَايِيلُ عِظَامٌ.
حَيْدَرَةُ
وَفِي قَوْلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَمّتْنِي أُمّي حَيْدَرَهْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَحَدُهَا: أَنّ اسْمَهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدّمَةِ أَسَدٌ وَالْأَسَدُ هُوَ الْحَيْدَرَةُ. الثّانِي: أَنّ أُمّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ حِينَ وَلَدَتْهُ كَانَ أَبُوهُ غَائِبًا فَسَمّتْهُ بِاسْمِ أَبِيهَا أَسَدٍ فَقَدِمَ أَبُوهُ فَسَمّاهُ عَلِيّا. الثّالِثُ أَنّهُ لُقّبَ فِي صِغَرِهِ بِحَيْدَرَةَ لِأَنّ الْحَيْدَرَةَ الْمُعْتَلِي لَحْمًا مَعَ عَظْمِ بَطْنٍ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ اللّصُوصِ حِينَ فَرّ مِنْ سِجْنِهِ الّذِي كَانَ يُسَمّى نَافِعًا وَقِيلَ فِيهِ يَافِعٌ أَيْضًا بِالْيَاءِ

وَلَوْ أَنّي مَكَثْت لَهُمْ قَلِيلًا *** لَجَرّونِي إلَى شَيْخٍ بِطِينِ

مِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ
وَذَكَرَ شَقّا وَالنّطَاةَ وَشَقّ بِالْفَتْحِ أَعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ اللّغَةِ كَذَلِكَ قَيّدَهُ الْبَكْرِيّ.
وَذَكَرَ وَادِيَ خَاصٍ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ إنّمَا هُوَ وَادِي خَلْصٍ بِاللّامِ وَالْأَوّلُ تَصْحِيفٌ. وَقَالَ الْبَكْرِيّ: هُوَ خَلْصٌ بِاللّامِ وَأَنْشَدَ الْبَكْرِيّ لِخَالِدِ بْنِ عَامِرٍ

وَإِنّ بِخَلْصٍ خَلْصِ آرَةَ بُدّنًا *** نَوَاعِمَ كَالْغِزْلَانِ مَرْضَى عُيُونُهَا

الْحَالُ وَالْمَعْرِفَةُ لَفْظًا
فَصْلٌ وَذَكَرَ فِي أَشْعَارِ خَيْبَرَ قَوْلَ الْعَبْسِيّ. وَفِي آخِرِهِ

فَرّتْ يَهُودُ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى *** تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ

وَهُوَ بَيْتٌ مُشْكِلٌ غَيْرَ أَنّ فِي بَعْضِ النّسَخِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ أَنّهُ قَالَ فَرّتْ فَتَحَتْ مِنْ قَوْلِك: فَرَرْت الدّابّةَ إذَا فَتَحْت فَاهَا. وَغَمَائِمُ الْأَبْصَارِ هِيَ مَفْعُولُ فَرّتْ وَهِيَ جُفُونُ أَعْيُنِهِمْ هَذَا قَوْلٌ وَقَدْ يَصِحّ أَنْ يَكُونَ فَرّتْ مِنْ الْفِرَارِ وَغَمَائِمُ الْأَبْصَارِ مِنْ صِفَةِ الْعَجَاجِ وَهُوَ الْغُبَارُ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعَجَاجِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ بِشَاذّ فِي النّحْوِ. وَلَا مَاهِرٍ فِي الْعَرَبِيّةِ وَأَمّا عِنْدَ أَهْلِ التّحْقِيقِ فَهُوَ نَكِرَةٌ لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ الْغَمَائِمَ حَقِيقَةً وَإِنّمَا أَرَادَ مِثْلَ الْغَمَائِمِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ
فَقَيْدُهَا هُنَا نَكِرَةٌ لِأَنّهُ أَرَادَ مِثْلَ الْقَيْدِ وَلِذَلِكَ نَعَتَ بِهِ مُنْجَرِدًا أَوْ جَعَلَهُ فِي مَعْنَى مُقَيّدٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَبْدَةَ بْنِ الطّبِيبِ
تَحِيّةُ مَنْ غَادَرْته غَرَضَ الرّدَى
فَنَصَبَ غَرَضًا عَلَى الْحَالِ وَأَصَحّ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا} [طَه: 131] أَنّهُ حَالٌ مِنْ الْمُضْمَرِ الْمَخْفُوضِ لِأَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِالزّهْرَةِ مِنْ النّبَاتِ وَمِنْ هَذَا النّحْوِ قَوْلُهُمْ جَاءَ الْقَوْمُ الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ وَفِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ وَهُوَ مِنْ بَابِ مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّشْبِيهِ وَذَلِكَ أَنّ الْجَمّاءَ هِيَ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ تُعْرَفُ بِالْجَمّاءِ وَالصّلْعَاءِ فَإِذَا جُعِلَ مَعَهَا الْمِغْفَرُ فَهِيَ غَفِيرٌ فَإِذَا قُلْت: جَاءُوا الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ فَإِنّمَا أَرَدْت الْعُمُومَ وَالْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِهِمْ أَيْ جَاءُوا جَيْئَةً تَشْمَلُهُمْ وَتَسْتَوْعِبُهُمْ كَمَا تُحِيطُ الْبَيْضَةُ الْغَفِيرُ بِالرّأْسِ فَلَمّا قَصَدُوا مَعْنَى التّشْبِيهِ دَخَلَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ كَمَا تَقَدّمَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ تَفَرّقُوا أَيْدِيَ سَبَا وَأَيَادِيَ سَبَا أَيْ مِثْلَ أَيْدِي سَبَا فَحَسُنَتْ فِيهِ الْحَالُ لِذَلِكَ وَاَلّذِي قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ عَلَامَةً بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَقَعْ سِيبَوَيْهِ عَلَى هَذَا الْغَرَضِ فِي مَعْنَى الْجَمّاءِ فَجَعَلَهَا كَلِمَةً شَاذّةً عَنْ الْقِيَاسِ وَاعْتَقَدَ فِيهَا التّعْرِيفَ وَقَرَنَهَا بِبَابِ وَحْدَهُ وَفِي بَابِ وَحْدَهُ أَسْرَارٌ قَدْ أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَمَسْأَلَةُ وَحْدَهُ تَخْتَصّ بِبَابِ وَحْدَهُ وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التّنْكِيرِ بِسَبَبِ التّشْبِيهِ إنّمَا يَكُونُ إذَا شَبّهْت الْأَوّلَ بِاسْمِ مُضَافٍ وَكَانَ التّشْبِيهُ بِصِفَةِ مُتَعَدّيَةٍ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ قَيْدِ الْأَوَابِدِ أَيْ مُقَيّدَ الْأَوَابِدِ وَلَوْ قُلْت: مَرَرْت بِامْرَأَةِ الْقَمَرُ عَلَى التّشْبِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنّ الصّفَةَ الّتِي وَقَعَ بِهَا التّشْبِيهُ غَيْرُ مُتَعَدّيَةٍ إلَى الْقَمَرِ فَهَذَا شَرْطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمّا يَحْسُنُ فِيهِ التّنْكِيرُ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مَعْرِفَةٍ اتّفَاقُ اللّفْظَيْنِ كَقَوْلِهِ لَهُ صَوْتٌ صَوْتٌ الْحِمَارِ وَزَئِيرٌ زَئِيرُ الْأَسَدِ فَإِنْ قُلْت: فَمَا بَالُ الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ جَازَ فِيهَا الْحَالُ وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةِ؟ قُلْنَا: لَمْ تَقُلْ الْعَرَبُ جَاءَ الْقَوْمَ الْبَيْضَةُ فَيَكُونُ مِثْلَ مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِك: مَرَرْت بِهَذَا الْقَمَرِ وَإِنّمَا قَالُوا: الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ بِالصّفَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هِيَ حَالٌ مِنْهُ وَتِلْكَ الصّفَةُ الْجَمَمُ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ وَالْغَفْرُ وَهِيَ التّغْطِيَةُ فَمَعْنَى الْكَلَامِ جَاءُوا جَيْئَةً مُسْتَوِيَةً لَهُمْ مُوعِبَةً لِجَمِيعِهِمْ فَقَوِيَ مَعْنَى التّشْبِيهِ بِهَذَا الْوَصْفِ فَدَخَلَ التّنْكِيرُ لِذَلِكَ وَحَسُنَ النّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ حَالٌ مِنْ الْمَجِيءِ.
الشّاةُ الْمَسْمُومَةُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَأَكْلَ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ مِنْهَا وَفِيهِ أَنّ الذّرَاعَ كَانَتْ تُعْجِبُهُ لِأَنّهَا هَادِي الشّاةِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ الْأَذَى فَلِذَلِكَ جَاءَ مُفَسّرًا فِي هَذَا اللّفْظِ.
فَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي سَمّتْهُ فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: صَفَحَ عَنْهَا وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنّهُ قَتَلَهَا وَوَقَعَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنّهُ قَتَلَهَا وَصَلَبَهَا وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ سَلَامٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهِيَ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرّوَايَتَيْنِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ صَفَحَ عَنْهَا أَوّلَ لِأَنّهُ كَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ فَلَمّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ قَتَلَهَا وَذَلِكَ أَنّ بِشْرًا لَمْ يَزَلْ مُعْتَلّا مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ حَتّى مَاتَ مِنْهَا بَعْدَ حَوْلٍ وَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادّنِي فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي وَكَانَ يَنْفُثُ مِنْهَا مِثْلَ عَجْمِ الزّبِيبِ. وَتُعَادّنِي أَيْ تَعْتَادُنِي الْمَرّةَ بَعْدَ الْمَرّةِ قَالَ الشّاعِرُ:

أُلَاقِي مِنْ تَذَكّرِ آلِ لَيْلَى *** كَمَا يَلْقَى السّلَيْمُ مِنْ الْعِدَادِ

وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ مُسْتَبْطَنُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ

وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ *** لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ

وَقَدْ رَوَى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ مَعْمَرٌ هَكَذَا قَالَ الزّهْرِيّ: أَسْلَمَتْ وَالنّاسُ يَقُولُونَ قَتَلَهَا وَأَنّهَا لَمْ تُسْلِمْ وَفِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ أَيْضًا أَنّ أُمّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَتْ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرَضِ الّذِي مَاتَ مِنْهُ مَا تَتّهِمُ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنّي لَا أَتّهِمُ بِبِشْرِ إلّا الْأَكْلَةَ الّتِي أَكَلَهَا مَعَك بِخَيْبَرِ فَقَالَ وَأَنَا لَا أَتّهِمُ بِنَفْسِي إلّا ذَلِكَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي.
حَوْلَ حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْغِفَارِيّةِ الّتِي شَهِدَتْ خَيْبَرَ وَلَمْ يُسَمّهَا وَقَدْ يُقَالُ اسْمُهَا لَيْلَى وَيُقَالُ هِيَ امْرَأَةُ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ وَقَوْلُهَا: رَضَخَ لِي رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَصْلُ الرّضْخِ أَنْ تَكْسِرَ مِنْ الشّيْءِ الرّطْبِ كِسْرَةً فَتُعْطِيَهَا وَأَمّا الرّضْحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَكَسْرُ الْيَابِسِ الصّلْبِ قَالَ الشّاعِرُ:
كَمَا تَطَايَرَ عَنْ مِرْضَاحِهِ الْعَجَمُ
مِنْ أَحْكَامِ الْمَاءِ:
وَقَوْلُهَا: أَمَرَنِي أَنْ أَجْعَلَ فِي طَهُورِي مِلْحًا. فِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنّ الْمِلْحَ فِي الْمَاءِ إذَا غَيّرَ طَعْمَهُ صَيّرَهُ مُضَافًا طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهّرٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ النّظَرِ أَنّ الْمُخَالِطَ لِلْمَاءِ إذَا غَلَبَ عَلَى أَحَدِ أَوْصَافِهِ الثّلَاثَةِ الطّعْمِ أَوْ اللّوْنِ أَوْ الرّائِحَةِ كَانَ حُكْمُ الْمَاءِ كَحُكْمِ الْمَخَالِطِ لَهُ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهّرٍ كَانَ الْمَاءُ بِهِ كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ لَا طَاهِرًا وَلَا مُطَهّرًا كَالْبَوْلِ كَانَ الْمَاءُ لِمُخَالَطَتِهِ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَخَالِطُ لَهُ طَاهِرًا مُطَهّرًا كَالتّرَابِ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا مُطَهّرًا وَالْمِلْحُ إنْ كَانَ مَاءً جَامِدًا فَهُوَ فِي الْأَصْلِ طَاهِرٌ مُطَهّرٌ وَإِنْ كَانَ مَعْدِنِيّا تُرَابِيّا فَهُوَ كَالتّرَابِ فِي مُخَالَطَةِ الْمَاءِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ نَاقِلًا لِلْمَاءِ عَنْ حُكْمِ الطّهَارَةِ وَالتّطْهِيرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي السّيرَةِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ جَفْنَةٍ فِيهَا مَاءٌ وَكَافُورٌ وَمَحْمَلُ هَذِهِ الرّوَايَةِ عِنْدِي إنْ صَحّتْ عَلَى أَنّهُ قَصَدَ بِهَا التّطَيّبَ وَأَنّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ مُتَعَلّقٌ لِتَرْخِيصِهِ.
مِنْ شُهَدَاءِ خَيْبَرَ:
وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ أَبَا الضّيّاحِ بْنَ ثَابِتٍ وَلَمْ يُسَمّهِ وَقَالَ الطّبَرِيّ: اسْمُهُ النّعْمَانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ، وَقَالَ غَيْرُهُ اسْمُهُ عُمَيْرٌ.
وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَهُوَ الّذِي رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ فَشَكّ النّاسُ فِيهِ فَقَالُوا: قَتَلَهُ سِلَاحُهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنّهُ جَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، وَقَلّ عَرَبِيّ، مُشَابِهًا مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ مَشَى بِهِ مِثْلُهُ وَيُرْوَى أَيْضًا: نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ كُلّ هَذَا يُرْوَى فِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ مِنْ رُوَاةِ الْكِتَابِ فَمَنْ قَالَ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا تَقُولُ لَيْسَ بَيْنَ لَابَتَيْهَا مِثْلُ فُلَانٍ يُقَالُ هَذَا فِي الْمَدِينَةِ، وَفِي الْكُوفَةِ، وَلَا يُقَالُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ حَوْلَهُ لَابَتَانِ أَيْ حَرّتَانِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى الْأَرْضِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرّحْمَنُ 26] .
الْحَالُ مِنْ النّكِرَةِ
وَمَنْ رَوَاهُ مُشَابِهًا مُفَاعِلًا مِنْ الشّبَهِ فَهُوَ حَالٌ مِنْ عَرَبِيّ وَالْحَالُ مِنْ النّكِرَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا دَلّتْ عَلَى تَصْحِيحِ مَعْنًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَصَلّى خَلْفَهُ رِجَالٌ قِيَامًا. الْحَالُ هَاهُنَا مُصَحّحَةٌ لِفِقْهِ الْحَدِيثِ أَيْ صَلّوْا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَمَنْ احْتَجّ فِي الْحَالِ مِنْ النّكِرَةِ بِقَوْلِهِمْ وَقَعَ أَمْرٌ فَجْأَةً فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، لِأَنّ فَجْأَةً لَيْسَ حَالًا مِنْ أَمْرٍ إنّمَا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوُقُوعِ كَمَا تَقُولُ جَاءَنِي رَجُلٌ مَشْيًا، فَلَيْسَ مَشْيًا حَالٌ مِنْ رَجُلٍ كَمَا تَوَهّمُوا، وَإِنّمَا هِيَ حَالٌ مِنْ الْمَجِيءِ لِأَنّ الْحَالَ هِيَ صَاحِبُ الْحَالِ وَتَنْقَسِمُ أَقْسَامًا: حَالٌ مِنْ فَاعِلٍ كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ مَاشِيًا، وَحَالٌ مِنْ الْفِعْلِ كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ مَشْيًا وَرَكْضًا، وَحَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِك: جَاءَنِي الْقَوْمُ جَالِسًا، فَهِيَ صِفَةُ الْمَفْعُولِ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ أَوْ صِفَةُ الْفَاعِلِ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَوْ صِفَةُ الْفِعْلِ فِي وَقْتِ وُقُوعِهِ وَنَعْنِي بِالْفِعْلِ الْمَصْدَرَ.
حَدِيثُ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ إسْلَامِهِ خَبَرًا عَجِيبًا اتّفَقَ لَهُ مَعَ الْجِنّ، وَهُوَ وَالِدُ نَصْرِ بْنِ حَجّاجٍ الّذِي حَلَقَ عُمَرُ رَأْسَهُ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمّا سَمِعَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِيهِ

أَلَا سَبِيلَ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا *** أَمْ لَا سَبِيلَ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجّاجِ

وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ هَمّامٍ وَيُقَالُ إنّهَا أُمّ الْحَجّاجِ بْنِ يُوسُفَ
وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ: يَا ابْنَ الْمُتَمَنّيَةِ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ لِمّةً وَوَجْهًا، فَأَتَى الشّامَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي الْأَعْوَرِ السّلَمِيّ فَهَوِيَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهَوَاهَا، وَفَطِنَ أَبُو الْأَعْوَرِ لِذَلِكَ بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ فَابْتَنَى لَهُ قُبّةً فِي أَقْصَى الْحَيّ فَكَانَ بِهَا، فَاشْتَدّ ضَنَاهُ بِالْمَرْأَةِ حَتّى مَاتَ كَلَفًا بِهَا، وَسُمّيَ الْمُضْنَى وَضُرِبَتْ بِهِ الْأَمْثَالُ. وَذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لَهُ خَبَرَهُ بِطُولِهِ.
وَقَوْلُهُ الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ وَالْعِلَاطُ وَشْمٌ فِي الْعُنُقِ وَيُقَالُ لَهُ الْعُلْطَةُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدّ لِي أَنْ أَقُولَ فَقَالَ لَهُ «قُلْ»، يَعْنِي التّكَذّبَ فَأَبَاحَهُ لَهُ لِأَنّهُ مِنْ خُدَعِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْمُبَرّدُ إنّمَا صَوَابُهُ أَتَقَوّلُ إِذا أَرَدْت مَعْنَى التّكَذّبِ وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى حَبِيبٌ فَقَالَ

بِحَسْبِ امْرِئِ أَثْنَى عَلَيْك بِأَنّهُ *** يَقُولُ وَإِنْ أَرْبَى فَلَا يَتَقَوّلُ

أَيْ يَقُولُ الْحَقّ إذَا مَدَحَك، وَإِنْ أَفْرَطَ فَلَيْسَ إفْرَاطُهُ بِتَقَوّلِ.
تَفْسِيرُ أَوْلَى لَك
وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِ حَجّاجٍ أَنْ قُرَيْشًا قَالَتْ حِينَ أَفْلَتَهُمْ أَوْلَى لَهُ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا: الْوَعِيدُ وَفِي التّنْزِيلِ {أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ} [الْقِيَامَةُ 34] ، فَهِيَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِنْ وَلِيَ أَيْ قَدْ وَلِيَهُ الشّرّ، وَقَالَ الْفَارِسِيّ: هِيَ اسْمُ عِلْمٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ وَجَدْت هَذَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ وَلَا تَتّضِحُ لِي الْعَلَمِيّةُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَإِنّمَا هُوَ عِنْدِي كَلَامٌ حُذِفَ مِنْهُ وَالتّقْدِيرُ الّذِي تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الشّرّ أَوْ الْعُقُوبَةِ أَوْلَى لَك، أَيْ أَلْزَمُ لَك، أَيْ إنّهُ يَلِيك، وَهُوَ أَوْلَى لَك، مِمّا فَرَرْت مِنْهُ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنّهُ وَصْفٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ وَقَوْلُ الْفَارِسِيّ هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ تَبّا لَهُ غَيْرَ أَنّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا لِمَا رَآهُ غَيْرَ مُنَوّنٍ.
أُمّ أَيْمَنَ:
فَصْلٌ وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ فِي ابْنِ أُمّ أَيْمَنَ وَاسْمُ أَبِيهِ عُبَيْدٌ، وَاسْمُ أُمّهِ أُمّ أَيْمَنَ بَرَكَةٌ وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، يُقَالُ لَهَا: أُمّ الظّبَاءِ قَالَ الْوَاقِدِيّ: اسْمُهَا بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَمْرِو بْنِ حِصْنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ] وَكَانَتْ أُمّةُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أُمّ أَيْمَنَ أُمّي بَعْدَ أُمّي وَيُقَالُ كَانَتْ لِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمّ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهِيَ الّتِي هَاجَرَتْ عَلَى قَدَمَيْهَا مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ، وَذَلِكَ فِي حَرّ شَدِيدٍ فَعَطِشَتْ فَسَمِعَتْ حَفِيفًا فَوْقَ رَأْسِهَا، فَالْتَفَتَتْ فَإِذَا دَلْوٌ قَدْ أُدْلِيَتْ لَهَا مِنْ السّمَاءِ فَشَرِبَتْ مِنْهَا، فَلَمْ تَظْمَأْ أَبَدًا، وَكَانَتْ تَتَعَهّدُ الصّوْمَ فِي حَمّارَةِ الْقَيْظِ لِتَعْطَشَ فَلَا تَعْطَشُ وَكَانَ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَزُورُهَا، وَكَانَ الْخَلِيفَتَانِ يَزُورَانِهَا بَعْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قِصّتِهَا عَنْ أُمّ شَرِيكٍ الدّوْسِيّةِ أَنّهَا عَطِشَتْ فِي سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدْ مَاءً إلّا عِنْدَ يَهُودِيّ وَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلّا أَنْ تَدِينَ بِدِينِهِ فَأَبَتْ إلّا أَنْ تَمُوتَ عَطَشًا، فَدُلِيَتْ لَهَا دَلْوٌ مِنْ السّمَاءِ فَشَرِبَتْ ثُمّ رُفِعَتْ الدّلْوُ وَهِيَ تَنْطُرُ. ذَكَرَ خَبَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْنَاهُ. وَقَوْلُ حَسّانَ

وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ وَلَكِنّ مُهْرَهُ *** أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ

الْمَدِيدُ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَلَكِنْ أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ الْمَرِيدُ بِرَاءٍ وَالْمَرِيسُ أَيْضًا، وَهُوَ تَمْرٌ يُنْقَعُ ثُمّ يُمْرَسُ وَأَنْشَدَ
مُسْنَفَاتٍ تُسْقَى ضَيَاحَ الْمَرِيدِ
أَبُو أَيّوبَ فِي حِرَاسَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي أَيّوبَ حِينَ بَاتَ يَحْرُسُهُ «حَرَسَك اللهُ يَا أَبَا أَيّوبَ كَمَا بِتّ تَحْرُسُ نَبِيّهُ».
قَالَ الْمُؤَلّفُ فَحَرَسَ اللهُ أَبَا أَيّوبَ بِهَذِهِ الدّعْوَةِ حَتّى إنّ الرّومَ لَتَحْرُسُ قَبْرَهُ وَيَسْتَسْقُونَ بِهِ وَيَسْتَصِحّونَ وَذَلِكَ أَنّهُ غَزَا مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ فَلَمّا بَلَغُوا الْقُسْطَنْطِينَةَ مَاتَ أَبُو أَيّوبَ هُنَالِكَ وَأَوْصَى يَزِيدَ أَنْ يَدْفِنَهُ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ مَدِينَةِ الرّومِ، فَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ وَمَشَوْا بِهِ حَتّى إذَا لَمْ يَجِدُوا مَسَاغًا، دَفَنُوهُ فَسَأَلَتْهُمْ الرّومُ عَنْ شَأْنِهِمْ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُ كَبِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ الصّحَابَةِ فَقَالَتْ الرّومُ لِيَزِيدَ مَا أَحْمَقَك وَأَحْمَقَ مَنْ أَرْسَلَك أَأَمِنْت أَنْ نَنْبُشَهُ بَعْدَك، فَنُحَرّقَ عِظَامَهُ فَأَقْسَمَ لَهُمْ يَزِيدُ لَئِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَنَهْدِمَنّ كُلّ كَنِيسَةٍ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَلَنَنْبِشَنّ قُبُورَهُمْ فَحِينَئِذٍ حَلَفُوا لَهُمْ بِدِينِهِمْ لَيُكْرِمُنّ قَبْرَهُ وَلَيَحْرُسُنّهُ مَا اسْتَطَاعُوا، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ بَلَغَنِي أَنّ الرّومَ يَسْتَسْقُونَ بِقَبْرِ أَبِي أَيّوبَ رَحِمَهُ اللهُ فَيُسْقَوْنَ
قَسْمُ أَمْوَالِ خَيْبَرَ وَأَرَاضِيهَا
أَمّا قَسْمُ غَنَائِمِهَا، فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي كُلّ مَغْنَمٍ بِنَصّ الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدّمَ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ وَأَمّا أَرْضُهَا، فَقَسَمَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَخْرَجَ الْخُمُسَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى: فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَمَا مَعْنَى لِسَهْمِ اللهِ وَسَهْمِ الرّسُولِ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ لَذَكَرْنَا سِرّا بَدِيعًا وَفِقْهًا عَجِيبًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ} [الْأَنْفَال: 41] بِاللّامِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ {وَلِلرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 41] وَقَالَ فِي أَوّلِ السّورَةِ {قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 1] وَقَالَ فِي آيَةِ الْفَيْءِ {مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ …..  فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الْحَشْر:7] وَلَمْ يَقُلْ رَسُولِهِ وَكُلّ هَذَا لِحِكْمَةِ وَحَاشَا لِلّهِ أَنْ يَكُونَ حَرْفٌ مِنْ التّنْزِيلِ خَالِيًا مِنْ حِكْمَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: قَسَمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ خَيْبَرَ أَثْلَاثًا أَثْلَاثًا، السّلَالِمُ وَالْوَطِيحُ وَالْكَتِيبَةُ، فَإِنّهُ تَرَكَهَا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعْرُوهُمْ وَفِي هَذَا مَا يُقَوّي أَنّ الْإِمَامَ مُخَيّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا أَخْذًا بِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ {وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} [الْأَنْفَال: 41] الْآيَةُ فَيُجْرِيهَا مَجْرَى الْغَنِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ وَقَفَهَا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أَخْذًا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ} [الحشر: 7] إلَى قَوْلِهِ {وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر:10] فَاسْتَوْعَبَتْ آيَةُ الْفَيْءِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ فَسَمّى آيَةَ الْقُرَى فَيْئًا وَسَمّى الْأُخْرَى غَنِيمَةً فَدَلّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا افْتَرَقَا فِي التّسْمِيَةِ وَكَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى قَسْمَ الْأَرْضِ كَمَا فَعَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرِ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهَا وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِبَيْتِ مَالِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ افْتَرَقَ رَأْيُ الصّحَابَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْبِلَادِ فَكَانَ رَأْيُ الزّبَيْرِ الْقَسْمَ فَكَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حِينَ افْتَتَحَ مِصْرَ فِي قَسْمِهَا فَكَتَبَ عَمْرٌو بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ دَعْهَا، وَلَا تَقْسِمْهَا، حَتّى يُجَاهِدَ مِنْهَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْمَبْعَثِ قَبْلَ هَذَا بِأَجْزَاءِ وَكَذَلِكَ اسْتَأْمَرَ عُمَرُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – الصّحَابَةَ فِي قَسْمِ أَرْضِ السّوَادِ حِينَ اُفْتُتِحَتْ فَكَانَ رَأْيُ عَلِيّ مَعَ رَأْيِ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – أَنْ يَقِفَهَا، وَلَا يَقْسِمَهَا، وَأَرْضُ السّوَادِ أَوّلُهَا مِنْ تُخُومِ الْمَوْصِلِ مَدَامِعُ الْمَاءِ إلَى عَبّادَانَ مِنْ السّاحِلِ عَنْ يَسَارِ دِجْلَةَ، وَفِي الْعَرْضِ مِنْ جِبَالِ حُلْوَانَ إلَى الْقَادِسِيّةِ مُتّصِلًا بِالْعُذَيْبِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ دَلَعَ الْبَرّ لِسَانَهُ فِي السّوَادِ لِأَنّ الْأَرْضَ الْقَادِسِيّةَ كَلِسَانِ فِي الْبَرِيّةِ دَاخِلٌ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ، حَكَاهَا الطّبَرِيّ.
وَلَمّا سَارَ عُمَرُ إلَى الشّامِ، وَكَانَ بِالْجَابِيَةِ شَاوَرَ فِيمَا افْتَتَحَ مِنْ الشّامِ: أَيَقْسِمُهَا؟ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ إنْ قَسَمْتهَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَأَخَذَ بِقَوْلِ مُعَاذٍ فَأَلَحّ عَلَيْهِ بِلَالٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَلَبُوا الْقَسْمَ فَلَمّا أَكْثَرُوا، قَالَ اللهُمّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ، وَمِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ وَكَانَتْ أَرْضُ الشّامِ كُلّهَا عَنْوَةٌ إلّا مَدَائِنَهَا، فَإِنّ أَهْلَهَا صَالَحُوا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَتَحَهَا عُمَرُ صُلْحًا بَعْدَ أَنْ وَجّهَ إلَيْهَا خَالِدَ بْنَ ثَابِتٍ الْفَهْمِيّ فَطَلَبُوا مِنْهُ الصّلْحَ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَدِمَهَا، وَقَبِلَ صُلْحَ أَهْلِهَا. وَأَرْضُ السّوَادِ كُلّهَا عَنْوَةٌ إلّا الْحِيرَةَ فَإِنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ صَالَحَ أَهْلَهَا، وَكَذَلِكَ أَرْضُ بَلَقْيَا أَيْضًا صُلْحٌ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا: اللّيسُ.
وَأَرْضُ خُرَاسَانَ عَنْوَةٌ إلّا تِرْمِذَ فَإِنّهَا قَلْعَةٌ مَنِيعَةٌ وَقِلَاعٌ سِوَاهَا، وَأَمّا أَرْضُ مِصْرَ، فَكَانَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَدْ اقْتَنَى بِهَا مَالًا وَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، لِأَنّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا تُشْتَرَى، وَكَانَ اللّيْثُ يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ حَقّ لِأَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا أَوّلَ ثُمّ انْتَكَثَتْ بَعْدُ فَأُخِذَتْ عَنْوَةً فَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْخِلَافُ فِي أَمْرِهَا، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَدْ احْتَجّ مَنْ قَالَ بِالْقَسْمِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بِأَنّ عُمَرَ لَمْ يَقِفْ أَرْضَ السّوَادِ وَغَيْرِهَا حَتّى اسْتَطَابَ نَفُوسَ الْمُفْتَتِحِينَ لَهَا، وَأَعْطَاهُمْ حَتّى أَرْضَاهُمْ وَرَوَوْا أَنّ أُمّ كُرْزٍ الْبَجَلِيّةَ سَأَلَتْ سَهْمَ أَبِيهَا فِي أَرْضِ السّوَادِ وَأَبَتْ أَنْ تَتْرُكَهُ فَيْئًا، حَتّى أَعْطَاهَا عُمَرُ رَاحِلَةً وَقَطِيفَةً حَمْرَاءَ وَثَمَانِينَ دِينَارًا، وَكَذَلِكَ رَوَوْا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيّ فِي سَهْمِهِ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ مَنْ يَحْتَجّ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ إنّمَا تَرَضّى عُمَرُ جَرِيرًا، لِأَنّهُ كَانَ نَفَلَهُ تِلْكَ الْأَرْضَ فَكَانَتْ مِلْكًا لَهُ حَتّى مَاتَ وَكَذَلِكَ أُمّ كُرْزٍ كَانَ سَهْمُ أَبِيهَا نَفْلًا أَيْضًا، جَاءَتْ بِذَلِكَ كُلّهِ الْآثَارُ الثّابِتَةُ وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ.
أَبُو نَبِقَةَ
وَذَكَرَ فِيمَنْ قَسَمَ لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبَا نَبِقَةَ قَسَمَ لَهُ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَاسْمُهُ:
عَلْقَمَةُ بْنُ الْمُطّلِبِ وَيُقَالُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ مَجْهُولٌ وَقَالَ ابْنُ الْفَرَضِيّ أَبُو نَبِقَةَ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ أَبِي نَبِقَةَ عَبْدُ اللهِ وَمِنْ وَلَدِهِ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَبِقَةَ وَمِنْ وَلَدِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُطّلِبِيّ إمَامُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي نَبِقَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
أُمّ الْحَكَمِ
وَذَكَرَ فِيهِمْ أُمّ الْحَكَمِ وَهِيَ بِنْتُ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أُخْتُ ضُبَاعَةَ هَكَذَا قَالَ أُمّ الْحَكَمِ وَالْمَعْرُوفُ فِيهَا أَنّهَا أُمّ حَكِيمٍ وَكَانَتْ تَحْتَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَمّا أُمّ حَكَمٍ فَهِيَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَهِيَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقُلْت: إنّ ابْنَ إسْحَاقَ إيّاهَا أَرَادَ لَكِنّهَا لَمْ تَشْهَدْ خَيْبَرَ، وَلَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ بَعْدُ.
أُمّ رِمْثَةَ وَغَيْرُهَا
وَذَكَرَ فِيمَنْ قَسَمَ لَهُ أُمّ رِمْثَةَ وَلَا تُعْرَفُ إلّا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَشُهُودِهَا فَتْحَ خَيْبَرَ. وَذَكَرَ بُحَيْنَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. وَبُحَيْنَةُ تَصْغِيرُ بَحْنَةٍ وَهِيَ نَخْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَفْظُهَا مِنْ الْبَحُونَةِ وَهِيَ جُلّةُ التّمْرِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الْفَقِيهِ وَهُوَ ابْنُ مَالِكِ بْنِ الْقِشْبِ الْأَزْدِيّ.
الْقَسْمُ لِلنّسَاءِ مِنْ الْمَغْنَمِ
وَفِي قَسْمِهِ لِهَؤُلَاءِ النّسَاءِ حُجّةٌ لِلْأَوْزَاعِيّ لِقَوْلِهِ إنّ النّسَاءَ يُقْسَمُ لَهُنّ مَعَ الرّجَالِ فِي الْمَغَازِي، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ لِلنّسَاءِ مَعَ الرّجَالِ قَسْمًا، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُنّ مِنْ الْمَغْنَمِ أَخْذًا بِحَدِيثِ أُمّ عَطِيّةَ قَالَتْ كُنّا نَغْزُو مَعَ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُمَرّضُ الْمَرْضَى وَيُرْضَخُ لَنَا مِنْ الْمَغْنَمِ.
الْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قُدُومَ أَصْحَابِ السّفِينَةِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَفِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَزَمَهُ وَقَبّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَدْ احْتَجّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الثّوْرِيّ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي جَوَازِ الْمُعَانَقَةِ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنّهُ خُصُوصٌ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سُفْيَانُ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ أَظْهَرُ وَقَدْ الْتَزَمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ مَكّةَ. وَأَمّا الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ عِنْدَ السّلَامِ فَفِيهَا أَحَادِيث مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ «تَمَامُ تَحِيّتِكُمْ الْمُصَافَحَةُ» وَمَعَهَا حَدِيثٌ آخَرُ أَنّ أَهْلَ الْيَمَنِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ صَافَحُوا النّاسَ بِالسّلَامِ فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنّ أَهْلَ الْيَمَنِ قَدْ سَنّوا لَكُمْ الْمُصَافَحَةَ» ثُمّ نَدَبَ إلَيْهَا بِلَفْظِ لَا أَذْكُرُهُ الْآنَ غَيْرَ أَنّ مَعْنَاهُ تَنْزِلُ عَلَيْهَا مِائَةُ رَحْمَةٍ تِسْعُونَ مَعَهَا لِلْبَادِئِ وَعَنْ مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ الْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ فِي ذَلِكَ.
وَلَدُ جَعْفَرٍ وَالنّجَاشِيّ
وَكَانَ جَعْفَرٌ قَدْ وُلِدَ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمّدٌ وَعَوْنٌ وَعَبْدُ اللهِ وَكَانَ النّجَاشِيّ قَدْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ يَوْمَ وُلِدَ عَبْدُ اللهِ فَأَرْسَلَ إلَى جَعْفَرٍ يَسْأَلُهُ كَيْفَ أَسْمَيْت ابْنَك؟
فَقَالَ أَسْمَيْته عَبْدَ اللهِ فَسَمّى النّجَاشِيّ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ وَأَرْضَعَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ جَعْفَرٍ مَعَ ابْنِهَا عَبْدِ اللهِ فَكَانَا يَتَوَاصَلَانِ بِتِلْكَ الْأُخُوّةِ.
ضَبْطُ أَجْنَادِينَ
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ، وَأَنّهُ اُسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ بِكَسْرِ الدّالِ وَفَتْحِ أَوّلِهِ وَكَذَا سَمِعْت الشّيْخَ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ يَنْطِقُ بِهِ وَقَيّدْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ طَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ إجْنَادِينَ بِكَسْرِ أَوّلِهِ وَفَتْحِ الدّالِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ أَجْنَادِينَ بِفَتْحِ أَوّلِهِ وَفَتْحِ الدّالِ وَقَالَ كَأَنّهُ تَثْنِيَةُ أَجْنَادٍ.
الْقَادِسِيّةُ وَيَوْمُ الْهَرِيرِ
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ التّيْمِيّ، وَأَنّهُ قُتِلَ بِالْقَادِسِيّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَالْقَادِسِيّةُ آخِرُ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَوّلُ أَرْضِ السّوَادِ وَفِي أَيّامِهَا قُتِلَ رُسْتُمُ مَلِكُ الْفُرْسِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيّامهَا يُسَمّى يَوْمَ الْهَرِيرِ وَكَانَ قَدْ أَقْبَلَ بِالْفِيَلَةِ وَجُمُوعٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ فِي عَدَدٍ دُونِ الْعَشْرِ مِنْ عَدَدِ الْمَجُوسِ فَكَانَ الظّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَخَبَرُهَا طَوِيلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى أَعَاجِيبَ مِنْ فَتْحِ اللهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ اسْتَقْصَاهَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ ثُمّ الطّبَرِيّ بَعْدَهُ وَسُمّيَتْ الْقَادِسِيّةُ بِرَجُلِ مِنْ الْهَرَةِ وَكَانَ كِسْرَى قَدْ أَسْكَنَهُ بِهَا اسْمُهُ قَادِسٌ وَقِيلَ وَسُمّيَتْ بِقَوْمِ نَزَلُوهَا مِنْ قَادِسٍ وَقَادِسٌ بِخُرَاسَانَ، وَأَمّا الْقَادِسُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَمِنْ أَسْمَاءِ السّفِينَةِ.