17 هـ
638 م
ذكر فتح السوس

اختلف أهل السير في أمرها، فأما المدائني فإنه فيما حَدَّثَنِي عنه أبو زيد قال: لما انتهى فل جلولاء إلى يزدجرد وهو بحلوان، …

دعا بخاصته والموبذ، فقال: إن القوم لا يلقون جمعا إلا فلوه، فما ترون؟
فقال الموبذ: نرى أن تخرج فتنزل إصطخر، فإنها بيت المملكة، وتضم إليك خزائنك، وتوجه الجنود فأخذ برأيه، وسار إلى إصبهان دعا سياه، فوجهه في ثلاثمائه، فيهم سبعون رجلا من عظمائهم، وأمره أن ينتخب من كل بلدة يمر بها من أحب، فمضى سياه وأتبعه يزدجرد، حتى نزلوا إصطخر وأبو موسى محاصر السوس، فوجه سياه إلى السوس، والهرمزان إلى تستر، فنزل سياه الكلبانية، وبلغ أهل السوس أمر جلولاء ونزول يزدجرد إصطخر منهزما، فسألوا أبا موسى الأشعري الصلح، فصالحهم، وسار إلى رامهرمز وسياه بالكلبانية، وقد عظم أمر المسلمين عنده، فلم يزل مقيما حتى صار أبو موسى إلى تستر، فتحول سياه، فنزل بين رامهرمز وتستر، حتى قدم عمار بْن ياسر، فدعا سياه الرؤساء الذين كانوا خرجوا معه من إصبهان، فقال: قد علمتم أنا كنا نتحدث أن هؤلاء القوم أهل الشقاء والبؤس سيغلبون على هذه المملكة، وتروث دوابهم في إيوانات إصطخر ومصانع الملوك، ويشدون خيولهم بشجرها، وقد غلبوا على ما رأيتم، وليس يلقون جندا إلا فلوه، ولا ينزلون بحصن إلا فتحوه، فانظروا لأنفسكم قالوا: رأينا رأيك، قال: فليكفني كل رجل منكم حشمه والمنقطعين إليه، فإني أرى أن ندخل في دينهم ووجهوا شيرويه في عشرة من الأساورة إلى أبي موسى يأخذ شروطا على أن يدخلوا في الإسلام فقدم شيرويه على أبي موسى، فقال: إنا قد رغبنا في دينكم، فنسلم على أن نقاتل معكم العجم، ولا نقاتل معكم العرب، وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منه، وننزل حيث شئنا، ونكون فيمن شئنا منكم، وتلحقونا بأشراف العطاء، ويعقد لنا الأمير الذي هو فوقك بذلك فقال أبو موسى: بل لكم ما لنا، وعليكم ما علينا، قالوا: لا نرضى.
وكتب أبو موسى إلى عمر بْن الخطاب، فكتب إلى أبي موسى: أعطهم ما سألوك فكتب أبو موسى لهم، فأسلموا، وشهدوا معه حصار تستر، فلم يكن أبو موسى يرى منهم جدا ولا نكاية، فقال لسياه: يا أعور، ما أنت وأصحابك كما كنا نرى! قال: لسنا مثلكم في هذا الدين ولا بصائرنا كبصائركم، وليس لنا فيكم حرم نحامي عنهم، ولم تلحقنا بأشراف العطاء ولنا سلاح وكراع وأنتم حسر فكتب أبو موسى إلى عمر في ذلك، فكتب إليه عمر: أن ألحقهم على قدر البلاء في أفضل العطاء وأكثر شيء أخذه أحد من العرب ففرض لمائة منهم في ألفين ألفين، ولستة منهم في الفين، وخمسمائة لسياه وخسرو- ولقبه مقلاص- وشهريار، وشهرويه، وأفروذين فقال الشاعر:

ولما رأى الفاروق حسن بلائهم *** وكان بما يأتي من الأمر أبصرا
فسن لهم الفين فرضا وقد راى *** ثلاثمئين فرض عك وحميرا

قال: فحاصروا حصنا بفارس، فانسل سياه في آخر الليل في زي العجم حتى رمى بنفسه إلى جنب الحصن، ونضح ثيابه بالدم، وأصبح أهل الحصن، فرأوا رجلا في زيهم صريعا، فظنوا أنه رجل منهم أصيبوا به، ففتحوا باب الحصن ليدخلوه، فثار وقاتلهم حتى خلوا عن باب الحصن وهربوا، ففتح الحصن وحده، ودخله المسلمون، وقوم يقولون: فعل هذا الفعل سياه بتستر، وحاصروا حصنا، فمشى خسرو إلى الحصن، فأشرف عليه رجل منهم يكلمه، فرماه خسرو بنشابة فقتله.
وأما سيف فإنه قال في روايته مَا كتب بِهِ إِلَى السري، عَنْ شُعَيْبٍ، عنه، عن مُحَمَّد وطلحة وعمرو ودثار أبي عمر، عن أبي عثمان، قالوا: لما نزل أبو سبرة في الناس على السوس، وأحاط المسلمون بها، وعليهم شهريار أخو الهرمزان، ناوشوهم مرات، كل ذلك يصيب أهل السوس في المسلمين، فأشرف عليهم يوما الرهبان والقسيسون، فقالوا: يا معشر العرب، إن مما عهد إلينا علماؤنا وأوائلنا، أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم فيهم الدجال، فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها، وإن لم يكن فيكم فلا تعنوا بحصارنا وجاء صرف أبي موسى إلى البصرة، وعمل على أهل البصرة المقترب مكان أبي موسى بالسوس، واجتمع الأعاجم بنهاوند والنعمان على أهل الكوفة محاصرا لأهل السوس مع أبي سبرة، وزر محاصر أهل نهاوند من وجهه ذلك، وضرب على أهل الكوفة، البعث مع حذيفة، وأمرهم بموافاته بنهاوند، وأقبل النعمان على التهيؤ للسير إلى نهاوند، ثم استقل في نفسه، فناوشهم قبل مضيه، فعاد الرهبان والقسيسون، وأشرفوا على المسلمين، وقالوا:
يا معشر العرب، لا تعنوا فإنه لا يفتحها إلا الدجال أو قوم معهم الدجال، وصاحوا بالمسلمين وغاظوهم، وصاف بْن صياد يومئذ مع النعمان في خيله، وناهدهم المسلمون جميعا، وقالوا: نقاتلهم قبل أن نفترق، ولما يخرج أبو موسى بعد وأتى صاف باب السوس غضبان، فدقه برجله، وقال: انفتح فطار فتقطعت السلاسل، وتكسرت الأغلاق، وتفتحت الأبواب، ودخل المسلمون، فألقى المشركون بأيديهم، وتنادوا: الصلح الصلح! وأمسكوا بايديهم، فاجابوهم إلى ذلك بعد ما دخلوها عنوة، واقتسموا ما أصابوا قبل الصلح، ثم افترقوا.
فخرج النعمان في أهل الكوفة من الأهواز حتى نزل على ماه، وسرح أبو سبرة المقترب حتى ينزل على جندى سابور مع زر، فأقام النعمان بعد دخول ماه، حتى وافاه أهل الكوفة، ثم نهد بهم إلى أهل نهاوند، فلما كان الفتح رجع صاف إلى المدينة، فأقام بها، ومات بالمدينة.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن عطية، عمن أورد فتح السوس، قال: وقيل لأبي سبرة: هذا جسد دانيال في هذه المدينة، قال: وما لنا بذلك! فأقره بأيديهم- قال عطية بإسناده: إن دانيال كان لزم أسياف فارس بعد بختنصر، فلما حضرته الوفاة، ولم ير أحدا ممن هو بين ظهريهم على الإسلام، أكرم كتاب اللَّه عمن لم يجبه ولم يقبل منه، فأودعه ربه، فقال لابنه: ائت ساحل البحر، فاقذف بهذا الكتاب فيه، فأخذه الغلام، وضن به، وغاب مقدار ما كان ذاهبا وجائيا، وقال: قد فعلت، قال: فما صنع البحر حين هوى فيه؟ قال: لم أره يصنع شيئا، فغضب وقال: والله ما فَعَلْتَ الَّذِي أَمَرْتُكَ به فخرج من عنده، ففعل مثل فعلته الأولى، ثم أتاه فقال: قد فعلت، فقال: كيف رأيت البحر حين هوى فيه؟ قال: ماج واصطفق، فغضب أشد من غضبه الأول، وقال: والله ما فعلت الذي أمرتك به بعد، فعزم ابنه على إلقائه في البحر الثالثة، فانطلق إلى ساحل البحر، وألقاه فيه، فانكشف البحر عن الارض حتى بدت، وانفجرت له الأرض عن هواء من نور، فهوى في ذلك النور، ثم انطبقت عليه الأرض، واختلط الماء، فلما رجع إليه الثالثة سأله فأخبره الخبر، فقال: الآن صدقت ومات دانيال بالسوس، فكان هنالك يستسقى بجسده، فلما افتتحها المسلمون أتوا به فأقروه في أيديهم، حتى إذا ولى ابو سبره عنهم الى جندى سابور أقام أبو موسى بالسوس وكتب إلى عمر فيه، فكتب إليه يأمره بتوريته، فكفنه ودفنه المسلمون وكتب أبو موسى إلى عمر بأنه كان عليه خاتم وهو عندنا فكتب إليه أن تختمه، وفي فصه نقش رجل بين اسدين.