40 هـ
661 م
ذكر الخبر عن سبب شخوصه إِلَى مكة وتركه العراق

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابن أبي راشد، عن عبد الرحمن بن عبيد أَبِي الْكَنُودِ، قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ …

بْنُ عباس على ابى الأسود الدولى، فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ مِنَ الْبَهَائِمِ كُنْتَ جَمَلا، وَلَوْ كُنْتَ رَاعِيًا مَا بَلَغْتَ مِنَ الْمَرْعَى، وَلا أَحْسَنْتَ مِهْنَتَهُ فِي الْمَشْيِ قَالَ: فَكَتَبَ أَبُو الأَسْوَدِ إِلَى عَلِيٍّ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا جَعَلَكَ وَالِيًا مُؤْتَمَنًا، وَرَاعِيًا مُسْتَوْلِيًا، وَقَدْ بَلَوْنَاكَ فَوَجَدْنَاكَ عَظِيمَ الأَمَانَةِ، نَاصِحًا للرعية، توفر لهم فيئهم، وَتُظَلِّفُ نَفْسَكَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، فَلا تَأْكُلْ أَمْوَالَهُمْ، وَلا تَرْتَشِي فِي أَحْكَامِهِمْ، وَإِنَّ ابْنَ عَمِّكَ قَدْ أَكَلَ مَا تَحْتَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمِكَ، فَلَمْ يَسَعَنِي كِتْمَانَكَ ذَلِكَ، فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَا هُنَاكَ، وَاكْتُبْ إِلَيَّ بِرَأْيِكَ فِيمَا أَحْبَبْتُ أَنْتَهِ إِلَيْكَ وَالسَّلامُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: أَمَّا بَعْدُ، فَمِثْلُكَ نَصَحَ الإِمَامَ وَالأُمَّةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَدَلَّ عَلَى الْحَقِّ، وَقَدْ كَتَبْتَ إِلَى صَاحِبِكَ فِيمَا كَتَبْتَ إِلَيَّ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَمْ أَعْلَمْهُ أَنَّكَ كَتَبْتَ، فَلا تَدَعْ أَعْلامِي بِمَا يَكُونُ بِحَضْرَتِكَ مِمَّا النَّظَرُ فِيهِ لِلأُمَّةِ صَلاحٌ، فَإِنَّكَ بِذَلِكَ جَدِيرٌ، وَهُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْكَ، وَالسَّلامُ.
وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الَّذِي بَلَغَكَ بَاطِلٌ، وَإِنِّي لِمَا تَحْتَ يَدِي ضَابِطٌ قَائِمٌ لَهُ وَلَهُ حَافِظٌ، فَلا تُصَدِّقِ الظُّنُونَ، وَالسَّلامُ.
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَعْلِمْنِي مَا أَخَذْتَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ؟ وَفِيمَ وَضَعْتَ؟
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ فَهِمْتُ تَعْظِيمَكَ مَرْزَأَةَ مَا بَلَغَكَ أَنِّي رَزَأْتُهُ مِنْ مَالِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، فَابْعَثْ إِلَى عَمَلِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ، فَإِنِّي ظَاعِنٌ عَنْهُ وَالسَّلامُ.
ثُمَّ دعا ابن عَبَّاس أخواله بني هلال بن عَامِر، فجاءه الضحاك بن عَبْدِ اللَّهِ وعبد الله بن رزين بن ابى عمرو الهلاليان، ثُمَّ اجتمعت مَعَهُ قيس كلها فحمل مالا.
قَالَ أَبُو زَيْد: قَالَ أَبُو عبيدة: كَانَتْ أرزاقا قَدِ اجتمعت، فحمل مَعَهُ مقدار مَا اجتمع لَهُ، فبعثت الأخماس كلها، فلحقوه بالطف، فتواقفوا يريدون أخذ المال، فَقَالَتْ قيس: وَاللَّهِ لا يوصل إِلَى ذَلِكَ وفينا عين تطرف.
وَقَالَ صبرة بن شيمان الحداني: يَا معشر الأزد، وَاللَّهِ إن قيسا لإخواننا فِي الإِسْلام، وجيراننا فِي الدار، وأعواننا عَلَى العدو، وإن الَّذِي يصيبكم من هَذَا المال لو رد عَلَيْكُمْ لقليل، وهم غدا خير لكم من المال قَالُوا: فما ترى؟ قَالَ: انصرفوا عَنْهُمْ ودعوهم، فأطاعوه فانصرفوا، فَقَالَتْ بكر وعبد القيس: نعم الرأي رأي صبرة لقومه، فاعتزلوا أَيْضًا، فَقَالَتْ بنو تميم: وَاللَّهِ لا نفارقهم، نقاتلهم عَلَيْهِ فَقَالَ الأحنف: قَدْ ترك قتالهم من هُوَ أبعد مِنْكُمْ رحما، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لنقاتلنهم، فَقَالَ: إذا لا أساعدكم عَلَيْهِم، فاعتزلهم، قَالَ: فرأسوا عَلَيْهِم ابن المجاعة من بني تميم، فقاتلوهم، وحمل الضحاك عَلَى ابن المجاعة فطعنه، واعتنقه عَبْد اللَّهِ بن رزين، فسقطا إِلَى الأرض يعتركان، وكثرت الجراح فِيهِمْ، ولم يكن بينهم قتيل، فَقَالَتِ الأخماس: مَا صنعنا شَيْئًا، اعتزلناهم وتركناهم يتحاربون، فضربوا وجوه بعضهم عن بعض، وقالوا لبنى تميم: لنحن أسخى مِنْكُمْ أنفسا حين تركنا هَذَا المال لبني عمكم، وَأَنْتُمْ تقاتلونهم عَلَيْهِ، إن القوم قَدْ حملوا وحموا، فخلوهم، وإن أحببتم فانصرفوا ومضى ابن عَبَّاس وَمَعَهُ نحو من عشرين رجلا حَتَّى قدم مكة.
وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ- أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يبرح من البصره حتى قتل على ع، فَشَخَصَ إِلَى الْحَسَنِ، فَشَهِدَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَثِقَلُهُ بِهَا، فَحَمَلَهُ وَمَالا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَلِيلا، وَقَالَ: هِيَ أَرْزَاقِي.
قَالَ أَبُو زَيْد: ذكرت ذَلِكَ لأبي الْحَسَن فأنكره، وزعم أن عَلِيًّا قتل وابن عباس بمكة، وأن الَّذِي شهد الصلح بين الْحَسَن ومعاوية عُبَيْد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ.