21 هـ
642 م
ذكر الخبر عن إصبهان

قالوا: ولما قدم عمار إلى الكوفة أميرا، وقدم كتاب عمر إلى عبد اللَّه: أن سر إلى إصبهان وزياد على الكوفة، …
وعلى مقدمتك عبد اللَّه بْن ورقاء الرياحي، وعلى مجنبتيك عبد اللَّه بْن ورقاء الأسدي وعصمة بْن عبد اللَّه- وهو عصمة بْن عبد اللَّه بْن عبيدة بن سيف بن عبد الحارث- فسار عبد اللَّه في الناس حتى قدم على حذيفة، ورجع حذيفة إلى عمله، وخرج عبد الله فيمن كان معه ومن انصرف معه من جند النعمان من نهاوند نحو جند قد اجتمع له من أهل إصبهان عليهم الأستندار، وكان على مقدمته شهر براز جاذويه، شيخ كبير في جمع عظيم، فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق من رساتيق إصبهان، فاقتتلوا قتالا شديدا، ودعا الشيخ إلى البراز، فبرز له عبد اللَّه بْن ورقاء، فقتله وانهزم أهل إصبهان، وسمى المسلمون ذلك الرستاق رستاق الشيخ، فهو اسمه إلى اليوم ودعا عبد الله ابن عبد اللَّه من يليه، فسأل الأستندار الصلح، فصالحهم، فهذا أول رستاق أخذ من إصبهان ثم سار عبد اللَّه من رستاق الشيخ نحو جي حتى انتهى إلى جي والملك بإصبهان يومئذ الفاذوسفان، ونزل بالناس على جي، فحاصرهم، فخرجوا إليه بعد ما شاء اللَّه من زحف، فلما التقوا قال الفاذوسفان لعبد اللَّه: لا تقتل أصحابي، ولا أقتل أصحابك، ولكن ابرز لي، فإن قتلتك رجع أصحابك وإن قتلتني سالمك أصحابي، وإن كان أصحابي لا يقع لهم نشابة فبرز له عبد اللَّه وقال: إما أن تحمل علي، وإما أن أحمل عليك، فقال: أحمل عليك، فوقف له عبد اللَّه، وحمل عليه الفاذوسفان، فطعنه، فأصاب قربوس سرجه فكسره، وقطع اللبب والحزام، وزال اللبد والسرج، وعبد اللَّه على الفرس، فوقع عبد اللَّه قائما، ثم استوى على الفرس عريا، وقال له: اثبت، فحاجزه، وقال: ما أحب أن أقاتلك، فإني قد رأيتك رجلا كاملا ولكن أرجع معك إلى عسكرك فأصالحك، وأدفع المدينة إليك، على أن من شاء أقام ودفع الجزية وأقام على ماله، وعلى أن تجرى من أخذتم أرضه عنوة مجراهم، ويتراجعون، ومن أبى أن يدخل فيما دخلنا فيه ذهب حيث شاء، ولكم أرضه قال:لكم ذلك.
وقدم عليه أبو موسى الأشعري من ناحية الأهواز، وقد صالح الفاذوسفان عبد اللَّه فخرج القوم من جي، ودخلوا في الذمة إلا ثلاثين رجلا من أهل إصبهان خالفوا قومهم وتجمعوا فلحقوا بكرمان في حاشيتهم، لجمع كان بها، ودخل عبد اللَّه وأبو موسى جي- وجي مدينة إصبهان- وكتب بذلك إلى عمر، واغتبط من أقام، وندم من شخص فقدم كتاب عمر على عبد اللَّه: أن سر حتى تقدم على سهيل بْن عدي فتجامعه على قتال من بكرمان، وخلف في جى من بقي عن جي، واستخلف على إصبهان السائب بْن الأقرع.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن نفر من أصحاب الحسن، منهم المبارك بْن فضالة، عن الحسن، عن أسيد بن المتشمس بن أخي الأحنف، قال: شهدت مع أبي موسى فتح إصبهان، وإنما شهدها مددا.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَلَّبِ وَعَمْرٍو وَسَعِيدٍ، قَالُوا: كتاب صلح إصبهان:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم كتاب من عبد اللَّه للفاذوسفان وأهل إصبهان وحواليها، إنكم آمنون ما أديتم الجزية، وعليكم من الجزية بقدر طاقتكم في كل سنة تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم عن كل حالم، ودلالة المسلم وإصلاح طريقه وقراه يوما وليلة، وحملان الراجل إلى مرحلة، لا تسلطوا على مسلم، وللمسلمين نصحكم وأداء ما عليكم، ولكم الأمان ما فعلتم، فإذا غيرتم شيئا او غير مغير منكم ولم تسلموه فلا أمان لكم، ومن سب مسلما بلغ منه، فإن ضربه قتلناه وكتب وشهد عبد اللَّه بْن قيس، وعبد اللَّه بْن ورقاء، وعصمة بْن عبد اللَّه.
فلما قدم الكتاب من عمر على عبد اللَّه، وأمر فيه باللحاق بسهيل بْن عدي بكرمان خرج في جريدة خيل، واستخلف السائب، ولحق بسهيل قبل أن يصل إلى كرمان.
وقد روي عن معقل بْن يسار أن الذي كان أميرا على جيش المسلمين حين غزوا إصبهان النعمان بْن مقرن.
ذكر الرواية بذلك:
حَدَّثَنَا يعقوب بْن إبراهيم وعمرو بْن علي، قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْن سلمة، عن ابى عمران الجونى، عن علقمه ابن عبد اللَّه المزني، عن معقل بْن يسار، أن عمر بْن الخطاب شاور الهرمزان، فقال: ما ترى؟ أبدأ بفارس، أم بأذربيجان، أم بإصبهان؟ فقال: إن فارس وأذربيجان الجناحان، وإصبهان الرأس فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الآخر، فإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بالرأس.
فدخل عمر المسجد والنعمان بْن مقرن يصلي، فقعد إلى جنبه، فلما قضى صلاته، قال: إني أريد أن أستعملك، قال: أما جابيا فلا، ولكن غازيا، قال: فأنت غاز فوجهه إلى إصبهان، وكتب إلى أهل الكوفة ان يمدوه، فأتاها وبينه وبينهم النهر، فأرسل إليهم المغيرة بْن شعبة، فأتاهم، فقيل لملكهم- وكان يقال له ذو الحاجبين: إن رسول العرب على الباب، فشاور أصحابه، فقال: ما ترون؟ أقعد له في بهجة الملك؟ فقالوا: نعم، فقعد على سريره، ووضع التاج على رأسه، وقعد أبناء الملوك نحو السماطين عليهم القرطه واسوره الذهب وثياب الديباج ثم أذن له فدخل ومعه رمحه وترسه، فجعل يطعن برمحه بسطهم ليتطيروا، وقد أخذ بضبعيه رجلان، فقام بين يديه، فكلمه ملكهم، فقال: إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد فخرجتم، فإن شئتم أمرناكم ورجعتم إلى بلادكم فتكلم المغيرة، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال: إنا معاشر العرب، كنا نأكل الجيف والميتة، ويطؤنا الناس ولا نطؤهم، وإن اللَّه عز وجل ابتعث منا نبيا، أوسطنا حسبا، وأصدقنا حديثا- فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أهله- وإنه وعدنا أشياء فوجدناها كما قال، وإنه وعدنا أنا سنظهر عليكم، ونغلب على ما هاهنا وإني أرى عليكم بزة وهيئة ما أرى من خلفي يذهبون حتى يصيبوها.
قال: ثم قلت في نفسي: لو جمعت جراميزي، فوثبت وثبة، فقعدت مع العلج على سريره لعله يتطير! قال: فوجدت غفله، فوثبت، فإذا انا معه على سريره قال: فأخذوه يتوجئونه ويطئونه بأرجلهم قال: قلت: هكذا تفعلون بالرسل! فإنا لا نفعل هكذا، ولا نفعل برسلكم هذا فقال الملك: إن شئتم قطعتم إلينا، وإن شئتم قطعنا إليكم قال: فقلت: بل نقطع إليكم قال: فقطعنا إليهم فتسلسلوا كل عشرة في سلسلة، وكل خمسة وكل ثلاثة قال: فصاففناهم، فرشقونا حتى أسرعوا فينا، فقال المغيرة للنعمان: يرحمك اللَّه! إنه قد أسرع في الناس فاحمل، فقال: والله إنك لذو مناقب، لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال، فكان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر.
قال: ثم قال: إني هاز لوائي ثلاث مرات، فأما الهزة الأولى فقضى رجل حاجته وتوضأ، وأما الثانية فنظر رجل في سلاحه وفي شسعه فأصلحه، وأما الثالثة فاحملوا، ولا يلوين أحد على أحد، وإن قتل النعمان فلا يلو عليه أحد، فإني أدعو اللَّه عز وجل بدعوة، فعزمت على كل امرئ منكم لما أمن عليها! اللهم أعط اليوم النعمان الشهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم، وهز لواءه أول مرة، ثم هز الثانيه، ثم هزه الثالثة، ثم شل درعه، ثم حمل فكان أول صريع، فقال معقل: فأتيت عليه، فذكرت عزمته، فجعلت عليه علما، ثم ذهبت- وكنا إذا قتلنا رجلا شغل عنا أصحابه- ووقع ذو الحاجبين عن بغلته فانشق بطنه، فهزمهم اللَّه، ثم جئت إلى النعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التراب، فقال: من أنت؟ قلت:
معقل بْن يسار، قال: ما فعل الناس؟ فقلت: فتح اللَّه عليهم، قال:
الحمد لله، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه.
واجتمع الناس إلى الأشعث بْن قيس، وفيهم ابن عمر وابن الزبير، وعمرو بن معديكرب وحذيفة، فبعثوا إلى أم ولده، فقالوا: أما عهد إليك عهدا؟ فقالت: هاهنا سفط فيه كتاب، فأخذوه، فكان فيه: إن قتل النعمان ففلان، وإن قتل فلان ففلان.

[أخبار متفرقة]
وقال الواقدي: في هذه السنة- يعني سنة احدى وعشرين- مات خالد ابن الوليد بحمص، وأوصى إلى عمر بْن الخطاب.
قال: وفيها غزا عبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا عمرو وأبو سروعة، فقدموا مصر، فشرب عبد الرحمن وأبو سروعة الخمر، وكان من أمرهما ما كان.
قال: وفيها: سار عمرو بْن العاص إلى أنطابلس- وهي برقة- فافتتحها، وصالح أهل برقة على ثلاثة عشر ألف دينار، وأن يبيعوا من أبنائهم ما أحبوا في جزيتهم.
قال: وفيها ولى عمر بْن الخطاب عمار بْن ياسر على الكوفة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بْن حنيف على مساحة الأرض، فشكا أهل الكوفة عمارا، فاستعفى عمار عمر بْن الخطاب، فأصاب جبير بْن مطعم خاليا فولاه الكوفة، فقال: لا تذكره لأحد، فبلغ المغيرة بْن شعبة أن عمر خلا بجبير بْن مطعم، فرجع إلى امرأته، فقال: اذهبي إلى امرأة جبير بْن مطعم، فاعرضي عليها طعام السفر، فأتتها فعرضت عليها، فاستعجمت عليها، ثم قالت: نعم، فجيئنى به، فلما استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر، فقال: بارك اللَّه لك فيمن وليت! قال: فمن وليت؟ فأخبره أنه ولى جبير ابن مطعم، فقال عمر: لا أدري ما أصنع! وولى المغيرة بْن شعبة الكوفة، فلم يزل عليها حتى مات عمر.
قال: وفيها بعث عمرو بْن العاص عقبة بْن نافع الفهري، فافتتح زويلة بصلح وما بين برقة وزويلة سلم للمسلمين وحدثنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان بالشام في سنة إحدى وعشرين غزوة الأمير معاوية بْن أبي سفيان، وعمير بْن سعد الأنصاري على دمشق والبثنية وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة، ومعاوية على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وأنطاكية ومعره مصرين وقلقية وعند ذلك صالح أبو هاشم بْن عتبة بْن رَبِيعَة بْن عبد شمس على قلقية وأنطاكية ومعرة مصرين.
وقيل: وفيها ولد الحسن البصري وعامر الشعبي.
قال الواقدي: وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب، وخلف على المدينة زيد بْن ثابت، وكان عامله على مكة والطائف واليمن واليمامة والبحرين والشام ومصر والبصرة من كان عليها في سنة عشرين، وأما الكوفة فإن عامله عليها كان عمار بْن ياسر، وكان إليه الأحداث، والى عبد الله ابن مسعود بيت المال، وإلى عثمان بْن حنيف الخراج، والى شريح- فيما قيل- القضاء.