ربيع الأول 1 هـ
أيلول 622 م
خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْهِجْرَةِ

خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خوخة فِي ظهر دَار أبي بكر الَّتِي فِي بني جمح، ونهضا نَحْو الْغَار فِي جبل ثَوْر وَأمر أَبُو بكر ابْنه …

عَبْد اللَّهِ أَن يتسمع مَا يَقُول النَّاس، وَأمر مَوْلَاهُ عَامر بْن فهَيْرَة أَن يرْعَى غنمه ويريحها عَلَيْهِمَا لَيْلًا، ليَأْخُذ مِنْهَا حاجتهما. ثمَّ نهضا فدخلا الْغَار، وَكَانَت أَسمَاء بنت أبي بكر تأتيهما بِالطَّعَامِ، ويأتيهما عَبْد اللَّهِ بْن أبي بكر بالأخبار، ثمَّ يتلوهما عَامر بْن فهَيْرَة بالغنم فيعفي آثارهما.
فَلَمَّا فقدته قُرَيْش جعلت تطلبه بقائف مَعْرُوف، فقفا الْأَثر حَتَّى وقف على الْغَار، فَقَالَ: هُنَا انْقَطع الْأَثر. فنظروا فَإِذا بالعنكبوت قد نسج على فَم الْغَار من سَاعَته، فَلَمَّا رَأَوْا نسج العنكبوت أيقنوا أَن لَا أحد فِيهِ، فَرَجَعُوا. وَجعلُوا فِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائَة نَاقَة لمن رده عَلَيْهِم. وَقد رُوِيَ من حَدِيث أبي الدراء وثوبان: أَن اللَّه عز وَجل أَمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وَجعلت ترقد على بيضها، فَلَمَّا نظر الْكفَّار إِلَيْهَا على فَم الْغَار ردهم ذَلِك عَن الْغَار.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسم بْن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ. وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ. قَالا: أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا».
فَلَمَّا مَضَتْ لِبَقَائِهِمَا فِي الْغَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ أَتَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا وأتتهما أَسمَاء بِسُفْرَتِهِمَا، وَكَانَتْ قَدْ شَقَّتْ نِطَاقَهَا فَرَبَطَتْ بِنِصْفِهِ السُّفْرَةَ، وَانْتَطَقَتِ النِّصْفَ الآخَرَ، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.
فَرَكِبَا الرَّاحِلَتَيْنِ، وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ نَفْسِهِ جَمِيعَ مَالِهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ سِتَّةِ آلافِ دِرْهَمٍ. فَمَرُّوا فِي مَسِيرِهِمْ بِنَاحِيَةِ مَوْضِعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْثُمٍ. فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَعَلِمَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ جَعَلَتْ فِيهِمْ قُرَيْشٌ مَا جَعَلَتْ لِمَنْ أَتَى بِهِمْ فَرَكِبَ فَرَسَهُ، وَتَبِعَهُمْ، لِيَرُدَّهُمْ بِزَعْمِهِ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِ، فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ، فَأَتْبَعَ يَدَيْهِ دُخَانٌ. فَعَلِمَ أَنَّهَا آيَةٌ، فَنَادَاهُمْ: قِفُوا عَلَيَّ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ. فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ. ثُمَّ هَمَّ بِهِ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فَلَنْ تَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ. فَدَعَا لَهُ، فَاسْتَقَلَّتْ فَرَسُهُ، وَرَغِبَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَكَتَبَ لَهُ . ثُمَّ مَرُّوا عَلَى خَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ شَاتِهَا مَا هُوَ مَنْقُولٌ مَشْهُورٌ عَنِ الثِّقَاةِ، وَنَهَضُوا قَاصِدِينَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَعْهُودَةِ. وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ مَرَاحِلَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَلَمْ أَرَ لِذِكْرِهَا وَجها.
وَعَبَرُوا عَلَى عَسَفَانَ، وَهُوَ وَادٍ تَعْتَسِفُهُ السُّيُولُ، وَكَانَ مَأْوَى الْجُذَمَاءِ قَدِيمًا، وَيُقَالُ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ حِينَ سَلَكَهُ، وَقَالَ: «إِنْ كَانَ مِنَ الْعِلَلِ شَيْءٌ بَعْدِي فَهَذِهِ الْعِلَّةُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ».
وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى الْعَرَجَ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِينَ مِيْلا مِنَ الْمَدِينَة وقف بهم بعض ظَهْرِهِمْ [إِبِلِهِمْ] فَأَلْفَوْا رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ. فَحَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ ليَرُدهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاحْتَمَلُوا إِلَى بَطْنِ رِئْمٍ حَتَّى نَزَلُوا بِقُبَاءَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ ضُحًى وَقَدْ قِيلَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَذَلِكَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
وَأَوَّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَقَلَصَتِ الظِّلالُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَئِسُوا مِنْهُ فَانْصَرَفُوا. وَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَكَانَ فِي نَخْلٍ لَهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: با بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ – يَعْنِي حَظَّكُمْ – فَخَرَجُوا وَتَلَقَّوْهُ وَدَخَلَ مَعَهُمُ الْمَدِينَةَ. فَقِيلَ إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَقِيلَ إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ، وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَكِلاهُمَا من بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج. وَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ».
وَأَقَامَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّى وَدَائِعَ كَانَتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا ثُمَّ يَلْحَقُ بِهِ، فَفَعَلَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءٍ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا، وَأَسَّسَ مَسْجِدهَا وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا رَاكِبًا نَاقَتَهُ، مُتَوَجِّهًا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ [بْنِ عَوْفٍ] فَصَلاهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَخرج إِلَيْهِ الرِّجَال مِنْ بَنِي سَالِمٍ، مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُمْ وَيُقِيمَ، فَقَالَ: «خَلُّوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ». وَنَهَضَ الأَنْصَارُ حَوْلَهُ حَتَّى أَتَى [دُورَ] بَنِي بَيَاضَةَ، فَتَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ». وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي سَاعِدَةَ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ». وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَدَعَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ: «دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ». وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتَلَقَّاهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو سَلِيطٍ يَسِيرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ وَالْبَقَاءِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا إِنَّهَا مَأْمُورَةٌ».
وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدُ تَمْرٍ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمَا: سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، وَكَانَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَكَانَ فِيهِ وحواليه نحل وَخِرَبٌ وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ، فَبَقِيَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى ظَهْرِهَا لَمْ يَنْزِلْ، فَقَامَتْ وَمَشَتْ قَلِيلا وَهُوَ لَا يُهَيِّجُهَا ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا فَكَرَّتْ إِلَى مَكَانِهَا وَبَرَكَتْ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقد قيل إِنَّ جُبَارَ بْنَ صَخْرٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ، جَعَلَ يَنْخُسُهَا مُنَافَسَةً عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فِي نُزُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ، فَانْتَهَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْعَدَهُ. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاقَتِهِ أَخَذَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ، فَحَمَلَهُ إِلَى دَارِهِ. وَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا: عِلْيَتُهُ مَسْكَنُ أَبِي أَيُّوبَ. وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ وسكنه فِيهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ مَاء أَو غُبَار على رَسُول الله فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَنَزَلَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَقْسَمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْدَى الرَّغْبَةَ لَهُ لَيَطْلُعَنَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَهْبِطُ أَبُو أَيُّوبَ عَنْهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ، وَحُجَرَهُ وَمَنَازِلَ أَزْوَاجِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى مَا بَنَى فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ لِغُلامَيْنِ، فَأَرَادَ شِرَاءَهُ، فَأَبَتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْ بَيْعِهِ، وَبَذَلُوهُ لِلَّهِ، وَعَاوَضُوا الْيَتِيمَيْنِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِلا بِثمن، وَالله أعلم.