التاريخ غير متوفر لهذا الحدث [حسن عشرته وأدبه صلى الله عليه وسلم]

وأما حسن عشرته وأدبه، وبسط خلقه مع أصناف الخلق، فمما انتشرت به الأخبار الصحيحة، قال علي رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام …


أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، وكان عليه الصلاة والسلام يؤلّفهم، ولا ينفّرهم، ويكرم كريم كلّ قوم ويولّيه عليهم، ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ولا خلقه، يتفقّد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه. من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلّا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحقّ سواء، بهذا وصفه ابن أبي هالة، وكان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه. قال تعالى {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] وكان عليه الصلاة والسلام يجيب من دعاه، ويقبل الهدية، ولو كانت كراعا ويكافئ عليها، وكان يمازح أصحابه، ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد، والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر. وقال أنس: ما التقم أحد أذن النبي فينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الاخر. وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، لم ير قطّ مادّا رجليه بين أصحابه حتى يضيّق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى، ويكنّي أصحابه، ويدعوهم بأحبّ أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز، فيقطعه بنهي أو قيام، وكان أكثر الناس تبسما، وأطيبهم نفسا، ما لم ينزل عليه قران، أو يعظ، أو يخطب.