4 هـ
625 م
(جَابِرٌ وَقِصَّتُهُ هُوَ وَجَمَلُهُ مَعَ الرَّسُولِ)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:…

خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: جَعَلَتْ الرِّفَاقُ تَمْضِي، وَجَعَلْتُ أَتَخَلَّفُ، حَتَّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
مَالك يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا، قَالَ: أَنِخْهُ، قَالَ:
فَأَنَخْتُهُ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِكَ، أَوْ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ، قَالَ: فَفَعَلْتُ. قَالَ: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَخَرَجَ، وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً.
قَالَ: وَتَحَدَّثْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: فَسُمْنِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِدِرْهَمِ، قَالَ: قُلْتُ: لَا.
إذَنْ، تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَبِدِرْهَمَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتَّى بَلَغَ الْأُوقِيَّةَ. قَالَ: فَقُلْتُ:
أَفَقَدْ رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهُوَ لَكَ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ. قَالَ:
ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ، هَلْ تَزَوَّجْتَ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَثَيِّبًا أَمْ بِكْرًا؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ! قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا، فَنَكَحْتُ امْرَأَةً جَامِعَةً، تَجْمَعُ رُءُوسَهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَصَبْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَمَا إنَّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ، وَسَمِعَتْ بِنَا، فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا . قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ نَمَارِقَ، قَالَ:
إنَّهَا سَتَكُونُ، فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْتُ فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيِّسًا. قَالَ: فَلَمَّا جِئْنَا صِرَارًا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا، قَالَ: فَحَدَّثْتُ الْمَرْأَةَ الْحَدِيثَ، وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَدُونَكَ، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ، فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتَّى أَنَخْتُهُ عَلَى بَابِ  رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثُمَّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى الْجَمَلَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ جَابِرٌ، قَالَ: فَأَيْنَ جَابِرٌ؟ قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ: يَا بن أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِكَ، فَهُوَ لَكَ، وَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِجَابِرِ، فَأَعْطِهِ أُوقِيَّةً. قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةً، وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرا. قَالَ: فو الله مَا زَالَ يَنْمِى عِنْدِي، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِنَا، حَتَّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا يَعْنِي يَوْمَ الْحَرَّةِ.