صفر 3 هـ
آب 624 م
بعث الرجيع

وَقدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر صفر وَهُوَ آخر السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة نفر من عضل والقارة وهم بَنو الْهون بْن خُزَيْمَة بْن مدركة …

فَذكرُوا لَهُ أَنهم قد أَسْلمُوا وَرَغبُوا أَن يبْعَث مَعَهم نَفرا من الْمُسلمين يعلمونهم الْقُرْآن ويفقهونهم فِي الدَّين.
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهم سِتَّة رجال: مرْثَد بْن أبي مرْثَد الغنوي، وخَالِد بْن البكير اللَّيْثِيّ، وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الْأَفْلَح، وخبيب بْن عدي وهما من بني عَمْرو بْن عَوْف، وَزيد بْن الدثنة، وَعبد اللَّه بْن طَارق حَلِيف بني ظفر، وَأَمَّرَ عَلَيْهِم مرْثَد بْن أبي مرْثَد.
فنهضوا مَعَ الْقَوْم حَتَّى إِذا صَارُوا بالرجيع وَهُوَ مَاء لهذيل بِنَاحِيَة الْحجاز استصرخوا عَلَيْهِم هذيلا، وغدروا بهم. فَلم يَرُعِ الْقَوْم وهم فِي رحالهم إِلَّا الرِّجَال قد غشوهم وبأيديهم السيوف. فَأخذ الْمُسلمُونَ سيوفهم ليقاتلوهم، فأمنوهم، وأخبروهم أَنهم لَا أرب لَهُم فِي قَتلهمْ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يُصِيبُوا بهم فدَاء من أهل مَكَّة.
فَأَما مرْثَد بْن أبي مرْثَد وَعَاصِم بْن ثَابت وخَالِد بْن البكير فَأَبَوا أَن يقبلُوا مِنْهُم قَوْلهم ذَلِك، وَقَالُوا: وَالله لَا قبلنَا لِمُشْرِكٍ عهدا أبدا، وقاتلوا حَتَّى قتلوا، رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِم. وَكَانَ عَاصِم بْن ثَابت قد قتل يَوْم أحد فتيين من بني عَبْد الدَّار أَخَوَيْنِ أمهما سلافة بنت سعد بْن شَهِيد، فنذرت إِنِ اللَّه أمكنها من رَأس عَاصِم لتشربن فِي قحفه الْخمر. فرامت بَنو هُذَيْل أَخذ رَأسه ليبيعوه من سلافة، فَأرْسل اللَّه عز وَجل دونه الدَّبْرَ فَحَمَتْهُ، فَقَالُوا إِن الدَّبْرَ سيذهب فِي اللَّيْل، فَإِذا جَاءَ اللَّيْل أخذناه. فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل أرسل اللَّه عز وَجل سيلا لم ير مثله، فَحَمله، وَلم يصلوا إِلَى جثته وَلَا إِلَى رَأسه. وَكَانَ قد نذر أَن يمس مُشْركًا أبدا. فأبر اللَّه عز وَجل قسمه، وَلم يروه، وَلَا وصلوا إِلَى شَيْء مِنْهُ، وَلَا عرفُوا لَهُ مسْقطًا. وَأما زيد بْن الدثنة وخبيب بْن عدي وَعبد اللَّه بْن طَارق فأعطوا بِأَيْدِيهِم، فأسروهم وَخَرجُوا بهم إِلَى مَكَّة. فَلَمَّا صَارُوا بمر الظهْرَان انتزع عَبْد اللَّهِ بْن طَارق يَده من الْقرَان، ثمَّ أَخذ سَيْفه، واستأخر عَنهُ الْقَوْم، ورموه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فقبره بمر الظهْرَان.
وحملوا خبيب بْن عدي وَزيد بْن الدثنة فباعوهما بِمَكَّة. وَقد ذكرنَا خبر خبيب وَمَا لَقِي بِمَكَّة عِنْد ذكر اسْمه فِي كتاب الصَّحَابَة، وصلب خبيب -رَحمَه اللَّه- بِالتَّنْعِيمِ، وَهُوَ الْقَائِل حِين قدم ليصلب:

وَلست أُبَالِي حِين أقتل مُسلمـا  على أَي جنب كَانَ فِي اللَّه مصرعي
وَذَلِـكَ فِــي ذَات الْإِلَــه وَإِن يَشَــأْ  يُبَــارك علـى أوصــال شلــو ممــزع

فِي أَبْيَات قد ذكرتها عِنْد ذكره فِي كتاب الصَّحَابَة. وَهُوَ أول من سنّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد الْقَتْل. وَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب: أَيَسُرُّكَ يَا خبيب أَن مُحَمَّدًا عندنَا بِمَكَّة تضرب عُنُقه وَأَنَّك سَالم فِي أهلك؟ فَقَالَ: وَالله مَا يسرني أَنِّي سَالم فِي أَهلِي وَأَن يُصِيب مُحَمَّدًا شَوْكَة تؤذيه. وابتاع زيد بْن الدثنة صَفْوَان بْن أُميَّة، فَقتله بِأَبِيهِ.